الأحد، 11 مارس 2012

أجراس الإنذار تُكسر في أبها


   ما يحدث في جامعة الملك خالد من أحداث متلاحقة خالف جميع توقعاتي وأظن كثيرين غيري لم يتوقعوا أن يحدث هذا في تلك المدينة الوادعة والقابعة على قمم جبال السراة حيث برودة الطقس لم تستطع تخفيف حرارة السخط الشعبي الذي يعانيه كثير من المواطنين بسبب مؤسسات حكومية خدمية يُفترض أنها أنشأت لخدمة المواطنين وإذا بها إنما تخدم الرؤساء والمتنفذين فيها.
وما يفعله الشباب والفتيات هناك لم يعد ينذر بخطورة أوضاع منظومتنا الحكومية ولا يدق أجراس الإنذار إذ أن الأمر تجاوز مراحل الإنذار ووصل الخطر إلى أعلى مستوياته فالاحتقان الشعبي الذي يعاني منه المواطنون وعدم حصولهم على حقوقهم إلا بشق الأنفس وعبر وسائل وطرق ملتوية تجعل الكثير من الشباب يحاولون تخطي تلك الحواجز المصطنعة من البيروقراطية والأنظمة المرقعة التي لا تخدم إلا مافيا الفساد ما جعل الناس لا يثقون في أداء تلك المؤسسات الحكومية ولا في وعود أكثر المسئولين الذين لا يبدو أنهم يحسنون إلا البحث عن مصالحهم الشخصية والإثراء من مناصبهم أو التنفّع لأنفسهم ولذويهم.
وعندما نادى الكثيرون وطالبوا  بمكافحة الفساد والأخذ على أيدي المفسدين تبعا لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وفقه الله الذي أعلنه إبان توليه الملك.
وكان من نتيجة ذلك الحراك وتوافقه مع رغبة خادم الحرمين أن أُنشأت هيئة مكافحة الفساد لكنها وبكل أسف كانت مخيبة لآمال الجميع!.
والكل يعلم أننا لسنا بمنأى عما حصل حولنا من عقابيل الربيع العربي الذي تأثر به العالم أجمع حتى وول استريت؛ لكننا وبكل أسف مازلنا نؤثر سير السلحفاة في الإصلاح مع الرتم السريع لمافيا الفساد.
وقد قلت لبعض الإخوة أن الوضع الراهن لا يسمح بمزيد من البطء في معالجة المشكلات مؤجلة الحل منذ فترات طويلة ولئن  كانت القاعدة في جيلنا "أصبر واحتسب" فإن الشباب اليوم لهم قاعدتهم الجديدة في التعاطي مع الأمور وهي"تعال نتحاسب".
ولم يعد المواطن  يثق بالمسئول فأصبح الناس يتجهون مباشرة إلى أمير المنطقة وإلى الملك وولي عهده مباشرة في رسالة واضحة على مدى الإحباط المتمكن في نفوسهم من أداء المسئولين.
وهنا نقول إن المرحلة تجاوزت دق نواقيس الخطر إلى الخطر ذاته ويجب أن تتخذ حلول جذرية مباشرة لامتصاص الاحتقان بين الناس ومن ذلك إلغاء الفكرة الشائعة لدى مسئولينا من أن هؤلاء المطالبين بحقوقهم والمتجمهرين هم ضد الوطن ويجب ألا تلجأ مؤسساتنا الرسمية إلى صدّهم عن طريق قوات الأمن حتى لا نقع في أخطاء لن نجني منها إلا الحنظل.
وينبغي لكل مسئول أن ينزل إلى واقع الناس ومطالبهم دون الحاجة لانتظار تقديم المعاريض والواسطات ويمكن لكل مسئول أن يستفيد مما تقدمه التقنية الحديثة ويمكنه من خلالها أن يتواصل مع من يخدمهم ويتعرف على مستوى الخدمات التي تقدمها مؤسسته التي يديرها دون كثير تكاليف ولا موظفين ولا أقسام علاقات عامة إذ يكفيه موظف واحد أو موظفين يصلونه بنبض المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولا عذر له بعدم علمه عن شكاواهم مع التقنية الحديثة.
كما يجب إقالة كل مسئول ثبت تفريطه دون لجان ودون تحقيق وحينما تخرج الآلاف المؤلفة فلن نحتاج إلى مزيد فحص وبخاصة للقدماء من المسئولين إذ لو كان فيهم بقية من خير لما خرجت تلك الجموع تنادي بإقالتهم ومن كان ذكيا من هؤلاء المسئولين فليبادر هو بالاستقالة من منصبه حفظا لماء وجهه ودرءا للفتنة بين الناس وما أزداد عبد تواضعا إلا زاده الله رفعة.
وليس في ذلك نقص لهيبة الدولة بل والله ستزيد محبة الناس لها لحرصها على مصالحهم.
مثلث السخط العربي:
إذا كان (العاقل من اتعظ بغيره) فإن النظر في واقع الربيع العربي يمكّن كل متابع للأحداث أن يختصر مشكلات العالم العربي في ثلاث قضايا رئيسية وهي الفقر والقمع والفساد ومطالب الثورات الشعبية كلها تصب في هذا المثلث الذي أثار سخط الشعوب العربية لتقوم ضد حكوماتها المستبدة وإن اختلفت العبارات وتعددت الشعارات.
فهل نحن بمنأى عن هذا ؟
 يجب أن نكون كذلك والسبب أننا دولة الإسلام وفينا أولياء أمر يبحثون عن الحق وينصرونه ولا يرضون بالظلم وفي مجتمعنا من الخير والعلم والدين ما لا يوجد لدى غيرنا وإذا قلت بلد الإسلام فلن تتجه الأنظار إلا إلى بلادنا وهذه نعمة من الله  يجب أن نعتني بها كأفضل ما يكون.
ونحن بالإضافة إلى ذلك نكاد نكون أغنى دولة في العالم فمن العيب والعار أن يكون بيننا من الفقر وسوء توزيع الدخل ما نراه الآن.وما ذلك إلا بسبب الفساد الذي نرجو أن نحاصره قريبا في أضيق حدوده ثم نقضي عليه قريبا بمشيئة الله ثم بجهود الخيرين من أولياء الأمر الصالحين والمواطنين الناصحين.
وأما القمع فلا يجوز شرعا ولا عرفا ولا حضارة ولن يستطيع أحد أن يقضي على المخالفين إلا بإصلاح الأوضاع أما مصادرة الرأي وقمع الناصحين والزج بهم في السجون فهذه إنما نعرفها في الأنظمة العسكرية البائدة ؛ أما عندنا فإنما نعرف سياسة الباب المفتوح منذ عهد المؤسس رحمه الله.
نعم يجب أن يلتزم الجميع الأدب والمنهج الشرعي في الإنكار لكنهم يجب أن يجدوا بالمقابل من ينصت لهم فحتى الأطفال الصغار إذا لم ينصت لهم أبائهم جنحوا للضجيج والإزعاج حتى ينتبه لهم الكبار .
 
وإني لأعجب أشد العجب من تميز سياسة دولتنا الخارجية في الأحداث العالمية وحصافتها التي أثبتتها في كثير من قضايا العالم وأهمية مكانة مملكتنا الغالية عالميا حتى لا يمكن أن يُغفل أحد أثرها في القرارات العالمية حتى أطلقت عليها في حديث مع بعض الإخوة وصف " جبل العالم" حيث يتكئ عليها الكثير من دول العالم في أوقات الأزمات وتنهض بحملها ودورها خيرا من غيرها ، لكن هذا النضج والألق في السياسات الخارجية لا نجده على مستوى السياسات الداخلية ؛ لكن الأمل في الله كبير أن يكون هنالك إعادة صياغة لحل كثير من مشكلاتنا الداخلية في القريب العاجل.
إن أجراس الإنذار بالخطر قد حُطمت تماما في أبها ولم يبق سوى المحافظة على السدّ حتى لا ينهار وهذه مسئولية العقلاء في كل مكان ومن كل فئة والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
  
كتبه خالد بن محمد الشهري
     1433/4/17هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..