الاثنين، 16 أبريل 2012

الدوائر الثلاث من منظور شخصي

حاضرة ألقيت في ديوانية جده
" المهيدب والفوزان"
السبت: 23/5/1433هـ


بسم الله الرحمن الرحيم  والصلاة و السلام على سيد المرسلين وآله و صحبه أجمعين
أساساً كان عنوان الحديث ظلمات بعضها فوق بعض, لكن خوفاً عليكم من الكآبة قد
يقُبل لها عُنوان الدوائر الثلاث المظلمة. أما قولي في العنوان أنها من منظور شخصي فذلك لمعرفتي يقينا أن الصورة التي سأقدمها قاتمةٌ أكثر من المتوقع، فأقول إنها من منظور شخصي لتعكس رأياً لي و ليس معلومات أقدمها فأنا أعلم يقيناً انه رأي قابل للنقد و للنقض.
نبدأ بظلمات الدائرة العالمية :-
حقا يحق للمراقب ألا يرى إلا ظلمات بعضها فوق بعض أن فكر إلى أين يتجه العالم بعد التسعينات الماضية.
فمنذ انهيار الإتحاد السوفيتي والعالم قد دخل برجله اليسرى إلى نفق القوة الواحدة بكل بشاعتها. وذلك لا يعني أن الأخرى كانت أرحم,  لكن توازن القوتين جعل دول العالم تجد لنفسها مجالا للمناورة و قليلا من الحركة، أما ألان فالمناورة هي الانتقال بين اليد اليمنى و اليد اليسرى للقوه الواحدة، هذا بالنسبة للدول الأوروبية، أما بالنسبة للدول النامية وكثير من الدول العربية فالمناورة هي التنقل بين الدخول تحت القدم اليمنى أم القدم اليسرى لها.
ولا يخفى على منصف بشاعة الطريقة التي تعاملت بها هذه القوة  سواء في غزوها للعراق أو أفغانستان, أو حتى دورها في اتخاذ القرار في الأمم المتحدة.
بداية, ففكره الاستثناء الخماسي في مجلس الأمن تقوض الفكر الديمقراطي. فالمبادئ الديمقراطية هي جزء من المبادئ الانسانية العامة، والمبادئ الانسانية العامة هي كل متكامل، كل في كل مكان, كل في كل زمان. لا يمكن أن تكون إنساناً صادقاً بالليل كاذباً بالنهار, أميناً في الشارع لصاً في البيت، بل كل متكامل. فما بال رأي الأغلبية يقُبل رأياً حاكماً داخل الدولة الواحدة لديهم، بغض النظر عن مستوى أصحاب تلك الأغلبية، أنما في العلاقة الدولية فاقليه قدرها واحد من خمسة عشر لها أن تلغي اغلبيه أربعة عشر، ذلك إن كانت هي من الخمسة المبشرين بالجنة في مجلس الأمن. بل ما بال العالم يُجمع على عدم شرعية غزو العراق إلا رأي واحد مخالف وخلفه تابعه يقوض ذلك الإجماع، ثم تثبت الأيام، و لكن بعد فوات الأوان، أن ذلك الرأي الواحد قد ادخل العالم كله في كوارث، أدخله و أخرج دولةً و شعباً من الخريطة الانسانية.
هذا هو الأثر الأول لكارثة انهيار الاتحاد السوفيتي. أما الأثر الأخر الذي لا يقل خطورة هو انه بانهيار الاتحاد السوفيتي انهار الجدار الذي تستند عليه النظرية الاشتراكية، فاستفردت الرأسمالية ببشاعتها بالعالم. قيل عنها أنها نظام شديد الكفاءة ولكن بلا قلب. سأغير لكم الجزء الأول من هذه العبارة إن أذنتم لي وأغير لكم جزءها الثاني أيضاً. دعني أسالك عن كفاءته بعد ألازمه المالية الاقتصادية العالمية. كيف لفتّ ألازمه المالية الأمريكية العالم فلم ينج منها احد. و هذا هو العدل الوحيد لأمريكا, أن لم ينجُ من شرها احد. قيل شديد الكفاءة و لكن بلا قلب، و أنا أضيف و بلا عقلٍ أيضاً. فأين العقل أن يأخذ مديرو شركات أفلست في نفسها وأفلست معها امة، أن ينالوا في العام السابق مكافأة على حسن أدائهم بالمليارات؟ أين العقل في ذلك؟ بل أين العقل من نقض قاعدة الذهب ليقبل العالم كله ورقة مطبوعة في دولة واحدة من دول العالم كأداة سداد وتستطيع تلك الدولة برأيها منفرداً أن تطبع منها مليوناً أو ملياراً. وعلى العالم كله أن يقبل ما توفر منه؟.
                                                                                                                     يتبع                                                    
و يعتقد البعض أن ألازمه سببها أزمة الرهن العقاري. لا، فالرهن العقاري أنما هو الدبوس الذي افرغ تلك الكرة المنتفخة.
لذا يعتقد البعض أن ألازمه سببها سياسات بوش الابن وهو سبب فعلا ، إلا أن السبب الأساسي لا يعود لعهد بوش الابن بل لعهد بوش الأب،لا رضي الله عن الابن و لا عن الأب. ففي عهد بوش الأب و ريغان و تاتشر ظهر تغول الرأسمالية أو رأسمالية الرأسمالية حين انفلتت الرأسمالية من قيودها الاجتماعية. وغر مبشروها النجاحات الأنيه، متناسين أن المجتمع هو حاضن رجال الأعمال. تناسى مبشروها مأسيها الاجتماعية. أن منظر الأطفال في الدول النامية يعملون للاستثمارات الأجنبية  في إنتاج افخر السلع الكمالية ليتباهى بها النخبة في المنتجعات لا يمكن أن يكون إنسانياً أبداً .
          أن  الرأسمالية لها شروط قاسيه لتعمل تحت ظلها، فأين تلك الشروط في الدول غير الديمقراطية؟ من شروط عمل النظرية الرأسمالية تساوي الحظوظ الاقتصادية, و تساوي الحظوظ في الحصول على المعلومات. كل ذلك تحت ظل سيطرة القانون على الجميع، ليعاقب وبكل شده المخالف، لأنه حين يخالف المخالف لا يتعدي على قانون فقط بل يعطل نجاحات آلية النظام الاقتصادي الرأسمالي كل. لذا فالنظام الرأسمالي لا يعرف الاستثناء ولا التميز والامتياز ولا الهبة ولا المنحة.
هذا في الوضع العادي أما أن ارتبطت الرأسمالية بالفساد السياسي أو الديكتاتورية حيث لا رقابه على المال العام، ووجود حصانةِ الاستثناءات، فحدث عن مآسيها ولا تتوقف إلا بانتهاء الزفرات. استحواذ للثروات العامة في بلدان, و بيع للقطاع العام بأثمان بخسه في دول و بأثمان مضحكه في أخرى. كمن باع أجمل فندق في أجمل قطعه ارض على احدِ أجمل انهار العالم بيع بأرضه برقم يخجلون من ضألته. أما بوجود الفساد السياسي فيصبح صاحب الاحتكار هو رئيس لجنه مكافحه الاحتكار في البرلمان، ومحتكر الحديد هو مسؤل الدولة في تحديد سعر الحديد، أما مسؤل النقل البحري فيكون هو صاحب الأسطول البحري, ليغرَقَ من غَرقَ عن بينه و يحي من حيّ عن بينه, ثم يهربُ من أغرقَ بإيعاز و بينه .
أما ثالث ظلمات الدائرة الأولى من الدوائر الثلاث فهو غياب الزعماء الفلاسفة المفكرين. أين نهرو أين ديغول أين ناصر أين غاندي أين  شوان لاي؟ هؤلاء الأمثلة ليسوا أفضل من غيرهم لكنهم  ذوو مشروع مشروع .
أما الدائرة الثانية سواء الإسلامية أو العربية فظلماتها كذلك ثلاث ولكن مطبقات أكثر, لأنه يضافُ لكل ما مضى انتشار الديكتاتورية وما يتبعها من فساد وقمع للحريات وحبس للفكر أي حشفاً وسوء كيله. أما العالم العربي فكل ذلك ويزيد عليه انكسار المشروع القومي بهزيمة 67 ثم الوضع إلى الأسوأ مروراً بغزو صدام حسين لإيران و تهافت العرب للوقوف خلفه, ثم جريمة عزوه للكويت وتهافت العرب للوقوف أمامه هذه المرة. نزيف هنا ونزيف هناك, انشقاق هنا وانكسار هناك. مرد كل ذلك للديكتاتورية. يضاف لثالث ظلمات الدائرة الثانية تمدد إسرائيل وقبولنا بها. فعلى الأقل في الزمن الماضي كان وجودها أزمة واليوم تفنّنا في إيجاد أفضل السبل للتعايش مع الأزمة.
أن عام 67 لم يكن عام النكسة, بل وضعنا الحالي هو النكسة. في 67 كانت لدى الأمة إرادة المواجهة والتغيير واليوم ليس لنا إلا الصبر والتصبير.
أما الدائرة الثالثة المحلية فالصورة للأسف قاتمة وأسأل الله أن أكون مخطئاً. وتخفيفاً للأمر وتسلية  للنفس ممكن أن نسميها تحديات. هي في الواقع أعراض للمرض وليست المرض نفسه. فالمرض نفسه أُفضّل ألا أعرفه, وليفكر في اسم المرض كلاً بنفسه. إلا إنه من أعراض المرض هذه التحديات. أقول تحديات لأنها ما زالت قابلة للحل وما زلنا قادرين على الحل وينقصنا
                                                                                                                       يتبع
إرادة الحل:-
          ‌أ-          الاعتماد على البترول كمصدر أساس للدخل. حوالي تسعة أعشار الدخل, من مصدر وحيد قابل للنضوب, بل ونسرف في استهلاكه محلياً. نفسُ هذا الاعتماد اليوم, وقبل 10 سنوات, وقبل خمسين سنه كان كذلك. ولا خُطوةَ للأمام, كيف لو صحونا فجاءه على نضوبه أو بديله؟ قال أحمد زكي يماني شافاه الله, انتهى العصر الحجري, قبل نهاية الأحجار من الدنيا, وسينتهي عصر البترول قبل نهاية البترول.
        ‌ب-        الانفجار السكاني فلا شك أن مواردنا المائية والمالية ستتناقص أمام هذا التزايد غير المسبوق في تاريخ الجزيرة العربية والعاقل من أحتاط.
        ‌ج-        العمالة الأجنبية الشرعية بأعدادٍ أكبرَ من النسب المقبولة لهيكل المجتمع حملت معها مشاكل اقتصادية ومشاكل اجتماعية. يكفي أن ننسب عددهم إلى عدد السكان انجد أن هناك إختلال مهما كانت حاجتنا لهم.
         ‌د-         العمالة الأجنبية غير الشرعية. وهذه قنبلة اجتماعية موقوتة, أسألُ الله أن نوفق لنزع فتيلها.
          ‌ه-         الفارق الطبقي, انحرافة الحاد خطر وتزايده أخطر. وتأكل الطبقة الوسطى كارثي اقتصادياً واجتماعياً. إن العدالة أليه اقتصادية لكنها هدف أساسي دينياً. فإقامة العدل سبب إرسال الرسل فقال تعالى "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ........". مع تأكدي أن العدل لا يعني التساوي. بل أحياناً يكون التساوي هو عدم العدل.
         ‌و-         غياب المشروع القومي. والمشروع القومي هو هدف عام يُجيش كل المجتمع لتحقيقه لخلق منفعةِ لكل المجتمع يشترك فيه الوطن بكل أطيافة والمجتمع بكل منابره بدلً من المشاكل يوماً بيوم. أهداف كثيرة تصلح أن تكون مناطاً لهذا المشروع القومي, كالتخلص من الاعتماد على البترول – العمالة – التعليم. ومن أهدافه ربط المواطن بوطنه وتعليق الشباب بمعالي الأمور. بدلاً من التعلق بسطحياتها وسفاسفها حيث سيكونون جزءاً من اختيار المشروع القومي المختار وإدارة السياسة لتنفيذه.
         ‌ز-         العنصرية بوجهها الكريه الذي حذر منه سيدي رسول الله وازديادها, وانتقالها لفئة الشباب. دينية, مناطقية, قبلية.
        ‌ح-        تفشي الغيبات وتجاوز الحد المقبول من سحر لحسد لأحلام.
        ‌ط-        سوء توزيع الأراضي وتملكها خلال العقود الماضية وهي كارثة الكوارث, سبب كل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية, أدت لارتفاع تكلفة النشاط الاقتصادي فأصبحت أرض المصنع أغلى من المصنع وآلاته, وأرض المدرسة أغلى من المدرسة وطلابها. وسببت أزمة في السكن. والأخطر من كل ذك طمست الأمل لدى الشباب, وويل لأمة لا أمل لشبابها. وهي ضربة قاتله للعدالة. وهي فوق ذلك سبب ظهور العشوائيات. فلا تظهر العشوائيات إلا في ظل سوء توزيع الأراضي العامة.
        ‌ي-        عدم ترتيب أولويات الإنفاق من المال العام. وهذه العبارة الجامعة قد تكون مفتاحاً سحرياً لحل ما استعضل من النقاط السابقة.
هذه هي الظلمات بعضها فوق بعض. وقد يقول قائل أليس هناك من مشكاة فيها مصباح. أو مصباح في زجاجة أو كوكب دري ينير تلك الظلمات؟.
الإجابة بلى. وكذلك هي إقليمياً ثلاثية مصابيح:-
                                                                                                                          يتبع
1.     وجود النماذج الفردية المشرقة. كما وأنه في كل مجتمع فئة منه تريد أن تستأثر لنفسها بكل شيء وبكل ما تستطيع الاستحواذ عليه, فإنه من عدل الله ورحمته بعبادة, أن قيض لكل مجتمع فئة أسميها ذوو الضمير, تبذل للناس وقتاً ومالاً وجاهاً, رائدها قول رسول الله خير الناس أنفعهم للناس.
2.     الشباب وروح الحرية التي نلمسها فيهم وحماسهم.
3.     الاتصالات الحديثة تجعل الاجتماع فضائياً لا مكانياً, فإن منع مكان فتح موقع
عربياً: الأمل في الربيع العربي أن لا ينحرف عن الهدف السامي ويدخل في نفق المماحكات السياسية أو استبدال حزب محتكر بحزب أخر محتكر.
عالمياً: كذلك ثلاث:-
1.     لا يمكن أن يقوم أي شيء إلا على توازن ولا بد أن العالم كذلك. فللطبيعة آلية لإعادة التوازن لما أختل.
2.     لابد يوماً لأصحاب الرؤى أن ينتصروا على أصحاب المصالح.
3.     قد تظهر نظرية جديدة تأخذ الأهداف الإنسانية للاشتراكية بآلية الرأسمالية العملية.
وكل الثلاث دوائر يضمها أمل واحد هو القدرة على التغيير وإرادة التغيير ووجود سُنة الله في التغيير.

جميل فارسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..