الأحد، 6 مايو 2012

السعودية ومعركة شيوخ التشدد الخاسرة

 
حان للحيدان والعبيكان أن يدركا أن السعوديين يريدون قضاء يكون هدفه الوطن لا المصالح الدنيوية المتسترة بالخوف على الدين. يريدون قضاءً يمثلهم لا يمثل بهم.

يشن شيوخ سعوديون معركة حامية الوطيس ضد اللاعبين الجدد في المؤسسة الدينية السعودية؛ وزير العدل الدكتور محمد العيسى ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبد اللطيف ال الشيخ.
تدار المعركة من قبل الحرس القديم التي يترأسه صالح اللحيدان ويشاركه المتقلب بين التشدد والانفتاح ورضاعة الكبير واطعام الصغير عبدالمحسن العبيكان.
هذه المعركة تستحق المراقبة والتعليق، وتبين كم هو صعب السير نحو التحديث داخل المؤسسة الدينية السعودية، وكم هو مؤلم التصدي الشجاع لإحداث اي تغيير مهما صغرت قوته.
الشيخ اللحيدان الذي يقترب من تنصيب نفسه بنفسه مرشداً أعلى للمؤسسة الدينية ويقود "مجمع ترونت" المعارض للاصلاح، يقف كالصخرة التي ترفض التطور والتقدم والتغيير للأفضل. يريد ان تستمر حصصه في المؤسسة الدينية والدولة دون نقصان، ويحركه ضد المسؤولين الجدد معرفته بتساقط رؤوس غرسها فاساءت للسعودية في ارجاء العالم بأحكامها القضائية الغريبة والقاسية.
يدير الشيخ العبيكان معركة بالنيابة عن جهة تتوارى وراء ستار، وإلا لما أستبسل في صراعه الذي انقلب الى شخصي بينه وبين بعض من يطلق عليهم تيار التحديث والتطوير لأنظمة الدولة والذين يصفهم الشيخ العبيكان بأنهم تيار التغريب والزندقة ويستحقون ان يطلق عليهم صواعقه المحدقة.
تصريحات العبيكان ضد الاصلاح القضائي تعني سقوط مبدأ النصيحة السرية، ومن اسقطها ليسوا ليبراليين تغريبيين، بل هم اصحاب القداسة الذين امضوا عقودا طويلة في ترسيخ مبدأ النصيحة السرية بعيدا عن العلنية.
يقول الشيخ العبيكان انه يلتقي بالملك السعودي لوحده وتثمر لقاءاته عن اشياء مفيدة، ولذا حيل بينه وبين اللقاءات الخاصة، ويبدو ان هذا مربط الفرس وهو الاقصاء عن السدة والحظوة الملكية.
وللأهمية يمكننا ان نقول للعبيكان اولا انه خرق قاعدة مهمة وهي النصح في السر لا علانية واحداث الفتنة بين اطراف الأمة. ما الفرق بين العبيكان وغيره ممن ينتقدون وتتم محاسبتهم وسجنهم بسبب نصيحتهم العلنية؟
وتصريحات العبيكان تعني ان هناك صراعا شرسا داخل المؤسسة الدينية تتساقط فيه رؤوس المتحجرين وتبدو للعيان رؤوس الاصلاحيين الذين يريدون إصلاح قطاع مهم هو القضاء، والذي لن تصلح البلاد دون صلاحه.
العبيكان مثل الشيخ الذي يعود الى صباه حين كان معارضا شرسا يقف بكل قوة مع التيار المتشدد داخل المؤسسة الدينية، ثم ما لبث ان اصبح تبريريا ولينا ووسطيا بل بقي ان يكتب رواية جديدة اسمها "شيوخ الرياض" على وزن "بنات الرياض"، طالت فترة من التأمل والتقارب مع السدة الملكية وحين لم تثمر الجهود وتلقف الاصلاح والتغيير لاعبون جدد لم يكن للعبيكان مكانا بينهم عاد الشيخ الى صباه متشددا يقف ضد اي اصلاح للقضاء الذي يئن الشعب السعودي بسبب تشدده وفوضاه الواضحة للعيان.
يتحدث العبيكان عن مخططات تغريبية تريد جلب الاحكام الوضعية والغاء الشرعية ونحن نعلم جيدا ان هذا لن يحدث لسبب بسيط. وبساطته لم تلفت نظر العبيكان لمغالاته في العداء وهو ان الغاء الاحكام الشرعية واستبدالها بالوضعية سيجرد النظام السعودي من سيطرته على الجموع، فكيف سيطبق عليهم حد الحرابة اذا وقفوا ضده وكيف سيستعمل شريعة الولاء لولي الأمر والسمع والطاعة وهي مستمدة من الشريعة وليست من القانون الفرنسي او العرفي الانجليزي.
يخشى العبيكان من "تمكين المرأة" ونقول له يا ليتها تمكنت ففي تمكين امثال عائشة وخديجة وام سلمة وغيرهن من حفيداتهن فلاحا للأمة وتكاملا بين قواه الاجتماعية ولا اعرف اين هي غيرة العبيكان على المرأة حينما افتى بارضاعها لزميلها في العمل.
قمة التخبط والصدمة التي يعيشها من اصبحوا خارج اللعبة القضائية السعودية، بدلا من ان يكونوا عونا على اصلاح ما أفسده ابن لحيدان اصبحوا عونا له ولغيره ممن يريدون عودة عجلة التقدم الى الوراء.
ولو كنا في دولة مؤسسات لما وجدنا صوتا للتشدد ولتحدثت الاغلبية الصامتة حين لا تخشى من سيف التشدد، وطالبت بحقوق المرأة وغير ذلك من الحقوق، التي اغتصبت بتشريع وإشراف من عصبة التشدد والتطرف.
الأمر المثير للسخرية ان عبدالمحسن العبيكان يشتكي من ان تطوير القضاء سيزيل حكم ال سعود، فهل اصبح العبيكان أعلم من ال سعود واكثر حرصا من دهاقنتهم وخبرائهم على نظامهم حتى يخدعهم وزير او مستشار في أمر مهم هو التشريع والقضاء.
وهل لو لم يدخل العبيكان الديوان الملكي ومعه "الحقيقة" ستنهار الدولة السعودية الثالثة، وهكذا يعترف العبيكان ان الملك مغيب عن الحقيقة، وكأن ذلك الجهاز الضخم في الديوان الملكي والامراء الذين يزدحم بهم الديوان واجهزة الدولة الأمنية والتنفيذية وغيرها لا تنقل ما يحدث للملك ولن ينقل الحقيقة الا طائر الحقيقة المغرد العبيكان.
بالطبع ما يبدو للمواطن السعودي البسيط الذي ينتظر قرارات مهمة واصلاحات في ميدان القضاء ان معركة العبيكان واللحيدان ضد العيسى وال الشيخ ليست سوى صراع المبعدين ضد المتنفذين.
ولا علاقة للمواطن بهذا الصراع فهو ينتظر نتائج دون أي أهمية لأسماء مهما كانت قداستها. انه صراع من ابتعد عن المركز واصبح في الاطراف، من لم يعد له قدرة على التمثيل واعتبر ضمن الغائبين عن المسرح السياسي. وهو وابن لحيدان حالة متشابهة في اغلب تفاصيلها لكنها تبدو واضحة ضمن سياق الصراع السياسي على القوة شيخ اصبح من الماضي وأخر يريد ان يكون ضمن المستقبل.
العبيكان واللحيدان حسدا الشعب على الأمل بتحسن في القضاء ويريدون اغلاق نافذة تسرب منها شعاع من النور فهلا سمحا لهذا الشعب بالتمتع قليلا، ام يريدان عودة شلة قضاة المنطقة الواحدة والاتجاه الفكري المتشدد الواحد والذي يخدم مصالح فئة محددة. السعوديون يريدون قضاء منصفا متنورا متقدما وملتزما بالثوابت الاسلامية لا الثوابت اللحيدانية او العبيكانية، يريدون قضاء يكون هدفه الوطن لا المصالح الدنيوية المتسترة بالخوف على الدين.
يريدون قضاءً يمثلهم لا يمثل بهم.
عبد العزيز الخميس



First Published: 2012-05-06

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..