الأربعاء، 2 مايو 2012

الأستاذ الفاضل مهنا الحبيل .. رجاء لا تعد لمثلها

يسعدني كثيرا أن أتابع بعض كتابنا المبدعين في تغريداتهم ومقالاتهم التي يتناولون فيها الشأن المصري وجماعة الإخوان المسلمين على وجه أخص ، ويعبرون عن تحليلات ورؤى متنوعة ومتعددة ، ولكنها في بعض
الأحيان تخرج عن النصح والتحليل إلى ما يشبه الفتنة ، ولا أريد أن أستخدم الأسلوب نفسه الذي يستخدمه مناهضوا الحريات في وصم الآخرين الذين يختلفون معهم بأنهم دعاة فتنة وفرقة ، وسوف أبدأ متحررا من ثوب الإعجاب بكتابنا الكرام ، حتى أستطيع أن أتحدث بكل حرية وأريحية.

أحد أولئك الكتاب الفضلاء هو الأستاذ مهنا الحبيل الذي كتب مقالة طويلة لولا أنه كتب اسمه عليها ، لقلت لا يكتب هذه المقالة إلا واحد من اثنين ، واحد من فلول العهد البائد أو عدو لدود تغلي مراجله من الإخوان، ولكن الأستاذ مهنا لا هذا ولا ذاك ، بل هو ناصح حادب وكاتب أمين ، ولكن يبدو أن قلمه نزغه الشيطان فكتب ما أظنه لا يقوله عقله ولا يعتنقه قلبه .

المقالة غرقت بالتحليل والأحكام والرؤى الشخصية البحتة ، دبجها ثم رمى بها في سماء الإعلام ومضى إلى بيته يشرب قهوته ويأكل من تمر هجر ، هذه المقالة أنا شخصيا أعتبرها مقالة خاطئة في زمانها ومكانها ، وتحمل نفسا تحريضيا غريبا على الكاتب القدير ، لقد قال للشارع المصري بطريقة غير مباشرة وأيضا غير مقصودة دعوا الإخوان وابحثوا عن غيرهم ، إنهم غائبون عن الحدث ، مالكم ولهم ، ثم التفت إلى الإخوان وطلب أيضا منهم صراحة أن يثوروا على التنظيم الخاص و الحرس القديم و مجلس الإرشاد و مجلس شورى الجماعة ، هذه هي الفكرة الأساسية للمقالة ، وانتقد بطريقة مباشرة مفهوم السمع والطاعة في المنشط والمكره ، واعتبره من تراث مرحلة زمنية غابرة ، لا يصح استحضاره في زمن السياسة والانتخابات ، وشرق وغرب وانتهى إلى التأسي بنموذج تركيا ومن خلاله قال اخلعوا الجماعة وارموا بها خلف أظهركم وانسابوا في أودية وشعاب مصر ، وتحولوا إلى حركة مجتمع وهو ما قاله أيضا كاتبنا الفاضل الدكتور الحضيف ، ومن يقرأ هذا الكلام يشعر أن الإخوان كانوا طوال عمرهم الدعوي حركة نخب أو ترف فكري أو محصورون داخل قمقم مظلم ، وأوحى في النهاية أنه إذا لم تفعل الجماعة ذلك فإن المشروع الإسلامي ومنجزات الثورة المصرية الكبرى ستضيع بسبب هذا التخلف والاضطراب الذي يعيشه الإخوان ، ويرى الكاتب الكريم أن الإخوان حاليا يعيشون مرحلة من (التناقضات الواسعة والمركزية) ، وبرنامجهم فاشل و (يتصاعد بصورة مذهلة في خط يتناقض باطراد مع التقديرات الموضوعية لمصلحة مصر الوطنية) هذا هو ملخص المقال وهذا ما يفهمه القاريء ، نعم لم يقله بهذه الطريقة التي لخصت بها الفكرة ولكني لن أفهم ولن تفهم إلا هذا الفهم وأستميح الأستاذ مهنا في مناقشة بسيطة على قلة بضاعتي في هذا الشأن.

من البداية أقول لك ما هذا يا أستاذنا ؟ ألهذه الدرجة وصل أداء الإخوان المسلمين ؟ تناقضات واسعة ومركزية ؟ برنامجهم يتناقض باضطراد مع التقديرات الموضوعية لمصلحة مصر الوطنية ؟ هكذا بمنتهى البساطة ؟ دا كلام يامولانا ؟ حين تتخذ الجماعة موقفا يخالف رؤيتك الإستراتيجية أو يخالف نظريتك السياسية يصبح موقفها متناقضا ومضطربا ؟ ويضر بمصلحة مصر الوطنية ؟

يا أستاذ مهنا..بلد كمصر في محوريتها ومكانتها وتأثيرها الضخم جدا على المستوى العربي والإسلامي تعاني اليوم صراعا إستخباراتيا عالميا ومؤامرات كبيرة جدا من قبل الفلول والدول الصديقة والشقيقة والقريبة والبعيدة ، في مصر وأنت سيد العارفين سباق محموم نحو مؤسسة الرئاسة ، المؤسسة الأخطر والمنصب الأكثر حساسية ، وعلى هذا المكان بالذات تنشط صراعات مصر ومجلسها العسكري والأحزاب والقوى والدنيا كلها ، في مصر إعلام مفتوح وتحزبات وانتماءات وحوارات معلنة وخفية وحرب ضروس ومعركة تتكسر فيها النصال والعظام ، في هذه الأجواء يعمل الإخوان ويتخذون مواقفهم ويتحملون التبعات ويواجهون كل ذلك وهي عادتهم وجهادهم الذي لم يتخلوا عنه طوال تاريخهم ، هناك إعلام داخلي وخارجي يسوط الإخوان من قبل الثورة وبعدها وأثنائها , إعلام يشوه الحقائق ويخوف الناس من الدين ويأخذهم بعيدا إلى حيث النكهة والضياع ، ولا يتصدى لذلك كله إلا شرفاء مصر وعلى رأسهم الاخوان ، وهم في كل ذلك يسيرون فوق حقول ملغمة وأراض ذات أودية وسراديب وطرقات ذات أخاديد وحفر.

هؤلاء يديرون معركة طويلة المدى منذ عقود ويضربون أمثلة خارقة في الصبر والأناة والعمل الدؤوب ويكتبون ويؤلفون وينشطون ويوثقون ويجمعون من المعلومات والوثائق مالا يعرفه إلا الذين يعرفون ماذا يعني أن تصارع نظاما فاشيا طاغيا لا قيم تحكمه ولا مبادئ تردعه.

وبعد ذلك تأتي لتقول هناك تناقضات ومواقف متضاربة ، والفهم السياسي والفقه السياسي وغير ذلك من مصطلحات الترف والتنظير دون أن نعرف الساحة المصرية اليوم بكل أبعادها وفجاجها ومزالقها ، هذه الساحة الساخنة المتفجرة لا يعرف النزول إليها إلا الذين عاشوا في أكنافها وعرفوا مضايقها , المواقف التي تراها متناقضة ينوء بحملها أناس يرون الساحة المصرية تأتي لهم كل يوم بالجديد ويدخل إليها المتآمرون كل ساعة ويغيرون المعالم كل دقيقة ويخلطون الأوراق كل ثانية ، تحتاج إلى رصد دقيق ومتابعات حثيثة ومعلومات يقينية حتى تصدر المواقف التي تظنها مضطربة ومتناقضة ، ما أسهل الأحكام يا أستاذ مهنا وما أحلى التنظير في عالم الفكر ، أما عالم العاملين المرابطين فيقف فيه أناس يحملون عقولا صقلتها التجارب والخبرات، عقول  تفكر وتفكر وتعيش تجربة طويلة تمثل عقودا من الزمن لم تمر علينا ولا كابدناها ولا عرفنا عنها شيئا إلا من خلال الكتب فضلا عن معايشتها وممارستها.

ثم أي شي أسمى من الطاعة في المنشط والمكره في العمل الدعوي التنظيمى العريق الذي كشف صدره لعاديات الزمان وغدرات الحكام دهرا طويلا ، كيف يقوم عمل بلا سمع ولا طاعة ولا التزام ولا رضا بما تقوله الشورى وتلزم به ، السمع والطاعة ركن العمل والحياة والاستمرار لأي تنظيم يحترم نفسه ويسعى لتحقيق أهدافه ،  ولو أن كل من رأى رأيا أصر عليه وأبى غيره لما كان هناك حزب ولا جماعة ولا حتى دولة ونظام..

أستاذ مهنا هذا الحرس القديم الذي تتحدث عنه كثيرا ، أليس هو الذي كان يبني ويربي ويصنع الرجال طوال تلك العقود ، الرجال الذين كانوا في ساحة التحرير الصوت الأعلى والأقوى والأكثر فعالية وتنظيما وانضباطا والأكثر تضحية بشهادة الأعداء ؟ أليس هذا الحرس هو الذي حافظ على كيان الجماعة سنوات طويلة وهو يواجه عدوا شرسا ووضيعا وفاجرا ، عدوا حاول بكل ما أوتي من قوة أن يستفز الجماعة ويسوقها لغير ما تريد ليبطش بها ويمحي أثرها من الدنيا ؟ أليست هذه هي  السياسة ؟ أليست هذه هي رعاية المصالح والحفاظ عليها ؟ أليست هذه هي الاستراتيجيات المتقدمة ؟ أليست هذه هي القدرة الفائقة على الحفاظ على كيان أكبر الجماعات وأعرقها وأكثرها خطرا في نظر دوائر الاستخبارات العالمية ؟ بالله عليك لولا الشورى والانضباط والقيادة الراشدة والطاعة وبعد النظر وسعة الأفق أكان يمكن أن تلزم كل رجالاتها بالصبر الجميل وكظم الغيظ والتعويل على نصر الله القريب؟

من الذي مع كل التضييق والسجون استعصى على التذويب والتركيع والتهميش ونافس في الانتخابات مرات وكرات أيام المخلوع مبارك وحقق الانتصارات وخاض تنافسا حاميا وشديدا ولكنه لم يكن شريفا ؟ من الذي كان يسير المظاهرات ويحرك شارع مصر أليست الجماعة التي تملك قيادة ورؤية وقدرة على القرار المتوازن.

أليس هذا التنظيم الخاص وهذا الجيل الذي لم يعد صالحا في رأيك للسياسة ؟ هو من صنع أبو الفتوح وحبيب وأبو العلا والزعفراني ؟ وهذا الجيل الجديد من الاخوان من صنعه ومن أدخله في الجامعات ومن سيطر به على النقابات ومن أدخله إلى كل حي وحارة ؟ من ؟ أليس هو جيل الصالحين الذين لا يصلحون إلا للمسجد اليوم ؟

أبعد أن فرج الله غمهم وكشف كربهم ومكن لهم نقول إذهبوا بعيدا وتغطوا جيدا وتدثروا بالملابس الدافئة ولا تنسوا السحلب حتى لا يصيب مفاصلكم البرد أيها الحراس العجائز ، أيها الصالحون فقط ، ياعديمي النظر في السياسة .

هذا الرقم الصعب الذي شكله الإخوان وهذا الامتداد والتغلغل المبهر في الساحة المصرية وهذا الحضور والزخم العظيم ، هل كان يمكن أن يكون لولا الجماعة والطاعة في المنشط والمكره ؟ لولا العمل المنظم ؟ لولا الكيان الذي يحفظ الافراد والرموز في مؤسسة تحمل رؤية واضحة وأهدافا محددة وأساليب متفق عليها أو هي محل اجتهاد ونظر ولكن في النهاية هناك قدر معقول من الاتفاق والتبني من قبل أعضائها ، لولا القيادات المباركة والتاريخية التي استطاعت أن تقف في وجه النظام السابق وغيره من أجهزة المخابرات العالمية بلا تغيير ولا تبديل في المواقف ولا نكوص عن رسالة ولا تنازل عن فكرة عاشت من أجلها أحلك الظروف والمآسي.

لماذا نتكلم عن مثل هذه الجماعة وهذه المواقف وهذا التاريخ المبهر بهذا الشكل وهذا التضعيف ونتهمهم بالاضطراب  وعدم الفهم ؟

ثم أية نصيحة هذه التي تطالب بالاحتراب الداخلي والوقوف من مجموعة في مقابل مجموعة أخرى ما سمعنا بهذا النصح في آبائنا الأولين ، لا تقل لم أقل ، إنها لوازم كلماتك وجملك.

ومع يقيني بحسن نيتك إلا أنني أقول إن في إحياء مصطلح التنظيم الخاص روائح غير جيدة واستدعاء لهواجس أمنية وتاريخية لا داعي لها اليوم ، والكلمة قد تكون سيفا فاتكا أو سيلا هادرا يدمر كل شي في طريقه ، بالله يا أستاذ مهنا هل هذا كلام يقال عن الإخوان ؟ ثم هل من الإنصاف تكرار هذه الألفاظ المسيئة (متضاربة ومضطربة) ومحاولة ترسيخها في العقل الواعي أو اللاواعي للقارئ لكي يخرج في النهابة بهذه الصورة المشوهة عن الاخوان.

ثم حديثك عن قعر الكأس الواحد الموجود على الطاولة والذي يخرج برؤية واحدة ضيقة بعيدا عن رؤية الطاولة كلها وكلامك الغريب الذي يشعرنا بأننا أمام إحدى جماعات الحشاشين الدموية التاريخية أو أمام صورة استبدادية مغرقة في الديكتاتورية ، وهذا مالا ليس يحدث واقعيا.

وأعجب من ذاك الحديث عن الاسماء التي تركت الجماعة وتفريط الجماعة فيها وأنها تمثل التيار الإصلاحي والخط المتفتح في الجماعة ، هل هذا من المنطق ؟ وهنا أسأل من الملوم الجماعة أم هؤلاء الذين خرجوا وشكل كل واحد أو اثنين منهم حزبا لوحده , هل هذه هي أخلاقيات العمل الدعوي الذي يعطي فيه الانسان صفقة يده وعهد الله بأن يطيع في المنشط والمكره وعلى أثرة عليه ؟..أو كلما أختلف أحدهم أو رأى ما يكره أو ناله شي من اللأواء خرج وانشق وأوغل في البعد والعداء والنقد وكشف الأوراق ؟

إلى هذه الدرجة تغيرت المفاهيم واختلطت الحقائق ..كم حزب شكل هؤلاء حتى الآن وأخشى أن تسمع بالإضافة الى الاحزاب التي تشكلت والجمعيات الجديدة التي ظهرت حزبا للمستقيل على الهواء .

ومن غرائب ما قرأت لصاحبك الدكتور الفاضل الحضيف قوله ان فوز أبي الفتوح يجعله متحررا من تبعات حزبية وبعيدا عن التجاذبات والانتماءات الضيقة ، وسوف يصبح رئيسا للجميع ، وكذلك سيخلص الجماعة من قناعتها وأوهامها بأنها الجماعة المخلصة والقادرة لوحدها على إصلاح مصر ، وهذا والله من الظلم الذي لم أجربه في رجل مثل الدكتور الحضيف ، أين قالت الجماعة ذلك وأين تبنته وآمنت به وأعلنته للناس ؟ هل قالت نحن فقط المخلصون ؟ نحن الوحيدون القادرون على ذلك ؟ أثبتوه أولا ثم تكلموا به ، وأمر آخر هذه الديمقراطيات العريقة في أوروبا وأمريكا من أين يأتي الرئيس من السماء أم من باطن الأرض ؟ أليس الرئيس الأمريكي ينتمي إلى حزب ، أليس الرئيس الألماني والإيطالي والفرنسي ينتمون إلى أحزاب ؟..ورؤساء الوزارات أليسوا ينتمون إلى أحزاب ولماذا لا يقال عن رئيس الوزراء نفس الكلام وأنه ينبغي أن يكون بعيدا عن الأحزاب حتى يكون مستقلا وللجميع ؟ أليس أردوغان ينتمي إلى حزب ؟ أليس عبد الله قول ينتمي إلى حزب ؟  المنصف المرزوقي الذي وقفنا أثناء كلمته وصفقنا لها طويلا أليس ينتمي إلى حزب..لماذا  بالنسبة للإخوان..لا وألف لا ؟

أستاذ مهنا أنت ناشط سياسي ، فهل تقبل مني أن أقول لك منذ متى وأنت ناشط سياسي وأين مارست السياسة وفي أي بلد ؟ وهل تريدني كنتيجة لهذا السؤال أن أقول أنت كاتب إعلامي ولا علاقة لك بالسياسة لأنك لم تمارسها ولم تعش أجواءها في بلدك.

وهل تعتقد أن مقالا كهذا سوف يصل إلى ما يسمى بالتنظيم الخاص وسوف يبادر فورا إلى لملمة الموضوع وتغيير سياسته وإستراتيجيته مثلا ؟ هل من المناسب أن تكتب عن الإخوان مثل هذا وهم يخوضون اليوم معركة ضارية ربما تكون أشد مما خاضته طوال أربعة وثمانين عاما ؟ أليس هذا من فت الأعضاد وتشتيت الجهود ؟ ما فائدة أن تكتب هذا الآن ؟ هل هذا وقته ؟ ليتك قرأت ما كتبه أيضا الدكتور جمال سلطان حيث سخر من الإخوان وبرنامجهم الانتخابي وتمادى بطريقة غير لائقة ، وإن كان هذا ليس جديدا ولا غريبا على مقالات الدكتور جمال سلطان التي أشعر من خلالها شعورا يقينيا لا يصاحبه شك أنه خلق لعبادة الله أولا ولمهاجمة الأخوان آناء الليل وأطراف النهار ثانيا.

هل قرأت ما كتبه الشيخ الفاضل الفوزان عن الإخوان حين تراجع عن تزكيتهم وأكد عودته إلى الحق واعتبار ما قاله من مدح عام في حقهم سبق لسان وهو يتبرأ منه!!!! 

إنني لا أعتقد أن الإخوان مبرأون من الخطأ ولكني أعتقد أن أهل مكة أدرى بشعابها وأعلم وأخبر وأوعى ، فدعوهم يسيرون في شعابهم بما يرون ولا تكونوا أنتم والآخرون عليهم..



*بقلم: ابراهيم حميدان الحارثي
* كاتب سعودي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..