الخميس، 12 يوليو 2012

"فورين بوليسي": التصعيد الشيعي في السعودية .. إجراء وقائي

"فورين بوليسي": التصعيد الشيعي في السعودية ..
إجراء وقائي في حال شن هجوم على إيران واعتقال "النمر" غير مثمر


2012-7-11 | خدمة العصر

عملية إلقاء القبض على الخطيب الشيعي "نمر النمر" في بلدته العوامية في محافظة الشرقية في
المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط بعد ظهر يوم الأحد الماضي (8 يوليو)، كانت تنتظر التنفيذ منذ وقت طويل.
فمن جانب، كان العديد من المراقبين يتساءل: لماذا لم يتم اعتقاله في وقت سابق، حيث إنه أصبح الزعيم الروحي لحركة الاحتجاج في شرق المملكة العربية السعودية، وآراؤه الصريحة وضعته بشكل واضح على خلاف مع الأسرة الحاكمة.
وفي الوقت الذي دعا فيه نمر النمر الشباب، مرارا وتكرارا، ليكونوا على استعداد للموت كشهداء، فإنه حثهم على عدم "مواجهة الرصاص بالرصاص" واستخدام الوسائل السلمية بدلا من ذلك. وزعم أن الشيعة سوف يعانون أكثر من ذلك بكثير لو هاجموا القوة النارية الساحقة للنظام السعودي، ودعا لمظاهرات سلمية وعصيان مدني.
وفي البرقيات المسربة من "يكيلياكس"، حاول دبلوماسيون أمريكيون تحليل دور وتأثير "نمر النمر" من خطيب هامشي إلى شخصية يتجمع حولها شباب الشيعة، بالاجتماع معه شخصيا ولو في مناسبة واحدة. وكتب المراسل الدبلوماسي: "النمر يقيم في العوامية، وهي قرية شيعية متطرفة في واحة القطيف، ويشار إليها مزحا من بقية السكان باسم "فلوجة الصغرى"". وفي اتصال لشيعي من المنطقة الشرقية، صرح قائلا: "كل منزل في العوامية لديه بندقية..".
بينما تساءل دبلوماسيون أمريكيون في السعودية: لماذا لم يتم القبض على نمر النمر في وقت سابق، رغم انتقاداته الشديدة للحكومة ومطالبته بانفصال المنطقة الشرقية منذ عام 2009.
هناك ثلاث احتملات بخصوص هذه المسألة:
أولا: أصحاب نظرية المؤامرة الذين يرون أن المتشددين داخل العائلة الحاكمة، مثل ولي العهد السابق ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، كان قد استخدم "نمر النمر" لتخويف السنة ومعارضة حوار الملك عبد الله بين الأديان والتواصل مؤقت مع الشيعة.
ثانيا: من شأن إلقاء القبض على "نمر النمر" إثارة اضطرابات واسعة ضد الحكومة تريد أن تتجنبه. "نمر" كان مختبئا في الفترة الممتدة من 2009 إلى 2011، وبعد ذلك لم يظهر إلا في حشود كبيرة من الناس، في الجنازات أو في مسجده، وكلها أماكن سيكون من الصعب توقيفه فيها دون وقوع خسائر بشرية أو إثارة الاضطرابات.
ثالثا: أشارت مصادر "ويكيليكس" إلى أن الحكومة سترد في نهاية المطاف، ولكن "في الوقت الذي تحدده".
ووفقا لوزارة الداخلية السعودية: "عندما حاول نمر والذين معه مقاومة رجال الأمن وبدأ بإطلاق النار واشتبك مع واحدة من الدوريات الأمنية أثناء محاولته الهرب، تم التعامل معه وفقا للحالة، وأصيب في فخذه واعتقل".
ومع ذلك، فمن الغريب لماذا تم القبض عليه الآن، بعد عام ونصف سنة من بدء الاحتجاجات في المنطقة الشرقية في فبراير 2011، خصوصا وأن حركة الاحتجاج قد خفت منذ مارس الماضي. وتحولت حركة الشباب التي أدت إلى احتجاجات واسعة بين نوفمبر 2011 وفبراير، عندما أُطلق النار على 7 من الشباب الشيعة وقُتلوا، وفجرت جنازاتهم أكبر احتجاجات في البلاد منذ اندلاع الانتفاضة السابقة في المنطقة الشرقية من السعودية في عام 1979.
ويتم التمييز ضد الشيعة السعوديين في هذا البلد الذي يفتقر إلى الحد الأدنى من الحريات السياسية الأساسية.
ومع مرور الوقت، فقدت الاحتجاجات بريقها وبدت المنطقة الشرقية هادئة نسبيا منذ عدة أشهر.
ولكن الآن، هناك سبب يدفع الشباب الشيعي مرة أخرى للخروج في مسيرات بالآلاف إلى الشوارع، إثر التصعيد الناجم عن إلقاء القبض على نمر، حيث خرجت مظاهرات واسعة في القطيف مباشرة بعد إلقاء القبض عليه، وأطلقت النار على اثنين من المتظاهرين، ليبلغ مجموع عدد القتلى 9 في هذا الصراع المشتعل منذ فترة طويلة.
ولكن من المستفيد من هذا التصعيد؟ اعتقال وإطلاق النار على "نمر النمر" هو بالتأكيد رد على سؤال عما إذا كان تعيين ولي العهد الجديد الأمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الداخلية الجديد الأمير أحمد بن عبدالعزيز (مكان الأمير نايف) من شأنه أن يغير موقف الأسرة الحاكمة حول الإصلاح السياسي أو المسألة الشيعة.
وكان الأمير نايف، الذي توفي في يونيو الماضي في جنيف، الشخصية المتشددة التي رأت في الشيعية تهديدا واستبدت بها الشكوك، ودافع عن سياسة عدم التسامح مع الاحتجاجات الشعبية. ويعتقد الكثيرون أنه كان وراء اتخاذ قرار بإرسال قوات السعودية إلى البحرين في مارس عام 2011 لقمع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، وذلك لمنع المظاهرات من الامتداد إلى المنطقة الشرقية.
وكان اعتقال النمر وإصابته بمثابة رد صريح على أن موقف الأسرة الحاكمة لم يتغير، ويمكن أن ينظر إلي عملية اعتقال نمر باعتبارها خطوة جديدة من قبل وزير الداخلية الأمير أحمد لتأكيد الموقف المتشدد في الداخل. لكن شباب الشيعة المتحمسين لقضيتهم لم يغيروا موقفهم أيضا.
وفي الوقت الذي ذهب فيه وجهاء الشيعة إلى مبايعة ولي العهد الجديد، احتفل آخرون بوفاة الأمير نايف في شوارع العوامية والقطيف، مستلهمين خطبة حماسية للنمر.
وفي حين يحظى "نمر النمر" بشعبية كبيرة في صفوف الشباب الشيعة، فإنه شخصية مكروهة بالنسبة لسعوديين كثيرين، وانهالت عليه الشتائم والسباب على تويتر والفيسبوك.
وقد كسرت خطبه على مدى السنوات الماضية المحرمات السياسية في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك الدعوة لسقوط العائلة المالكة.
وقد يكون أن كبار العائلة المالكة المعينين حديثا يريدون أن يلعبوا بورقة الشيعة عبر اعتقال خطيب مثير للجدل، وبالتالي زيادة شعبيتها في أوساط السنة في أجزاء أخرى من البلاد. ومن ثم، فإن العلاقات بين الشيعة والحكومة ربما لم تكن بهذا السوء منذ قيام الثورة الإيرانية.
لكن هناك بعد آخر أكثر إثارة للقلق، وهو أن اعتقال "نمر النمر" يأتي وسط حشد عسكري في منطقة الخليج وحملة قمع مماثلة في البحرين. ففي يوم الاثنين 9 يوليو، حُكم على ناشط بحريني حقوقي بارز، "نبيل رجب" لمدة ثلاثة أشهر في السجن بسبب بعض التغريدات على التويتر، واقتيد من منزله على يد قوات الأمن الملثمين.
وكان واحدا من الأصوات القليلة التي استمرت في فضح انتهاكات حقوق الإنسان والمطالبة بالإصلاح السياسي العميق في مملكة البحرين. وحامت حوله "شبهات تآمرية" شبيهة بتلك التي أحاطت باعتقال النمر، ومبناها أساسا على أن الأسرة الحاكمة في البحرين سمحت له بالاستمرار في التعبير عن رأيه ونقد النظام علنا لتخويف السنة، حتى ولو كان قد تعرض للتضييق والترهيب مرارا.
يحدث هذا تزامنا مع تعزيز الولايات المتحدة وجودها العسكري في منطقة الخليج وإرسال سفن حربية إضافية، كما وضعت دول الخليج جيوشها في حالة تأهب قصوى في أواخر يونيو الماضي وسط تقارير عن نشر قوات كبيرة في المنطقة الشرقية. ويبدو أن إسكات الأصوات المعارضة الأكثر جرأة يسير جنبا إلى جنب مع الاستعدادات لحرب محتملة، وربما اتخذ أيضا كإجراء وقائي في حال شن هجوم على إيران.
وإذا كانت التهمة الموجهة لنمر النمر، أنه وكيل لإيران، رغم أن كثيرا من السعوديين السنة يرون فيها مبالغة: فهو يتبع مرجعية كربلاء المستندة لآية الله محمد تقي المدرسي وليس الزعيم الإيراني آية الله علي خامنئي، فإنه دافع عن إيران مرارا وعارض شن هجوم على منشآتها، وهنا بيت القصيد، إذا جانب دعوته لمزيد من المظاهرات في المنطقة الشرقية.
وأصبح لديه أيضا شعبية في البحرين، الذي كان يدعم انتفاضة الشيعة فيها بقوة، وخرجت مظاهرات مؤيدة له في مختلف القرى الشيعية في البحرين على مدى الأيام القليلة الماضية.
لذلك، يبقى السؤال ما إذا كان حلفاء المملكة العربية السعودية، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، سيتغاضون عن هذه الحملة. وقد التقى ديفيد بترايوس، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السعودي الملك عبد الله في جدة في اليوم نفسه، 9 يوليو.
من منظور محلي، يبدو توقيت الاعتقال غريبا، بل وغير مثمر، ذلك أن الاحتجاجات في المنطقة الشرقية توقفت، واستبد الإحباط بالعديد من الناشطين الشباب بعد أن سنة ونصف من الاحتجاجات التي لم تحقق أي أهداف سياسية.
ومع ذلك، لديهم الآن معركة جديدة سوف تستخدم لتعبئة شرائح أخرى من المجتمع الشيعي السعودي. لكن حسابات المنشآت السعودية، وربما أمن الولايات المتحدة، خلُصت إلى أن اعتقال "نمر النمر" سيوقف الاحتجاجات في نهاية المطاف، وقبل كل شيء، في حال حصول مواجهة في الخليج، فإن الرياض تكون قد تخلصت من شخصية شعبية يمكن أن تحشد المتظاهرين.
لكن من الصعب التنبؤ بمآلات الأحداث وتطوراتها. ولكن يبقى أن هذا الاعتقال غير ملائم، سيما بعد إطلاق النار على ساق الخطيب نمر النمر، وقد يشكل i`h قوة دفع جديدة ليس لحركة الاحتجاج في شرق المملكة العربية السعودية وحسب، ولكن أيضا في البحرين.




بقلم: توبي ماثييزن (Toby Matthiesen) / مجلة "فورين بوليسي"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..