الخميس، 19 يوليو 2012

كيف يعرف دخول رمضان ؟! والعمل بالحساب ..

  الحمد لله رب العالمين ..
ففي إقبال كل شهر من شهور رمضان تثار مسألة مهمة وهي مسألة: هل المعتبر في دخول الشهر الرؤية أم الحساب
؟
وجواباً على هذا السؤال كتبت هذا البحث ومابين يدك أخي القاري هو مختصر لبحث طويل في هذه المسألة ولكن لضيق المقام اختصرته في هذه الكلمات .
فأقول مستعيناً بالله :
عامة أهل العلم على أنه لا يجوز الاعتماد في دخول رمضان على الحساب، وهذا هو المعتمد في المذاهب الأربعة، بل حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على ذلك، وبهذا صدرت قررات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، اللجنة التابعة لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية .
 وقد استدل أهل العلم على ذلك بالسنة والإجماع والمعقول.
أولاً : من السنة :
الدليل الأول : ما رواه عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان فقال: " لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له... ".
الدليل الثاني : ما رواه ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب الشهر هكذا وهكذا " يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين ..".
يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : " ... فهذه الأحاديث المستفيضة المتلقاة بالقبول دلت على أمور :
أحدهما: أن قوله: " إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب " هو خير تضمن نهياً فإنه أخبر أن الأمة التي اتبعته هي أمة لا تكتب ولا تحسب ... فيكون الكتاب والحساب المذكوران محرمين منهياً عنهما..".
الوجه الثاني: أن قوله " لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه" ... ولا يخلو النهي إما أن يكون عاماً في الصوم فرضاً ونفلاً ونذراً وقضاء أو يكون المراد فلا تصوموا رمضان حتى تروه وعلى التقديرين فقد نهي أن يصام رمضان قبل الرؤية والرؤية الإحساس والإبصار به.
ثانياً : من الإجماع:
نقل غير واحدٍ من أهل العلم الإجماع على أنه لايجوز الإعتماد في اثبات دخول شهر رمضان على الحساب!
يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج 25 / 164، 165. : " ... فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء، أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز والنصوص المستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك كثير، وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً...".
قال ابن عابدين حاشية رد المحتار 2/ 425 : " لا عبرة بقول المؤقتين في وجوب الصوم ولا يعتبر قولهم بالإجماع ".
وفي شرح رسالة ابن أبي زيد : "على قوله فإن غم الهلال فيعد ثلاثون يوما من غرة الشهر الذي قبله ثم يصام وكذلك في الفطر . ظاهر كلامه أنه لا يلتفت إلى كلام المنجمين وهو كذلك ثم قال: وقال ابن الحاجب ولا يلتفت إلى قول المنجمين اتفاقا وسئل عليش عن رجل في زمانه اعتمد على حسابه في ثبوت رمضان وشوال ولم يعتبر رؤية الهلال بالبصر أهو ضلال فقال- رحمه الله- نعم هو ضلال تحرم موافقتهم فيه ويجب إنكاره والنهي عنه حسب الإمكان إذ هو هدم للدين ومصادم لحديث سيد المرسلين ثم نقل الإجماع على أنه لا يجوز لأحد أن يعول في صومه وفطره على الحساب ونقل عن ابن رشد الجد الإجماع على ذلك "  ا هـ  .
ولو ذهبنا ننظر في عامة كتب فقه الشافعية والمالكية والأحناف والحنابلة، وتأملنا في كلام فقهاء مذاهب علماء الأمصار في القديم ، لوجدنا أن القول برد الشهادة لقول الحاسب قول مردود كفانا السلف الصالح مؤنة معاناة رده وحكوا لنا الإجماع على ذلك وما وجد من شذوذ بعد الإجماع فهو مردود لا يعول عليه .
ثالثاً : من المعقول :
مما يدل – من المعقول - على بطلان التعلق بالحساب، وتقديمه على الرؤية مايلي :
1-              أن المحققين من أهل الحساب كلهم متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية بحساب بحيث يحكم بأنه يرى لا محالة أو لا يرى البتة على وجه مطرد، وإنما قد يتفق ذلك أو لا وهذا يمكن في بعض الأوقات.
2-                       ولأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم ولكان فيه حرج ومشقة, والشريعة الإسلامية شريعة سمحة بنيت على التيسير ورفع الحرج, فلا تعلق أحكامها بما يشق على المسلمين معرفته؛ كعلم النجوم والحساب. لأنه لا يعرفه إلا أفراد، والشرع إنما يعرف الناس بما يعرفه جماهيرهم. يقول الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : " علق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلا ويوضحه قوله في الحديث الماضي " فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " ولم يقل فسلوا أهل الحساب" .
وقال الإمام الشاطبي في الموافقات : "لم يطالبنا بحساب مسير الشمس مع القمر فى المنازل لأن ذلك لم يكن من معهود العرب ولا من علومها ، ولدقة الأمر فيه وصعوبة الطريق إليه ، وأجرى لنا غلبة الظن فى الأحكام مجرى اليقين ، وعذر الجاهل فرفع عنه الإثم وعفا عن الخطأ إلى غير ذلك من الأمور المشتركة للجمهور فلا يصح الخروج عما حد فى الشريعة ولا تطلب ما وراء هذه الغاية فإنها مظنة الضلال ومزلة الأقدام " ا.هـ
أقوال المخالفين في هذه المسألة :
حُكي الخلاف في هذه المسألة عن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة،وممن ذهب لهذا القول مطرف بن عبد الله بن الشخير وابن قتيبة وأبو العباس بن سريج والقفال والقاضي أبو الطيب ومحمد بن مقاتل الرازي والقشيري والسبكي ـ إلى اعتبار قول علماء النجوم والحساب في جواز الصوم أو وجوبه على خلاف بينهم ،
وهذا القول هو مايفتي به بعض المعاصرين، وبعض الهيئات الشريعة كالمجلس الأوربي للإفتاء ، وهذا القول شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه .
قال ابن عابدين – رحمه الله تعالى - : " لا عبرة بقول المؤقتين في وجوب الصوم ولا يعتبر قولهم بالإجماع ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه " ... ثم ذكر كلام السبكي في الحساب وهجنه وأن متأخري أصحابه ردوه عليه كابن حجر والرملي وغيرهم ونقل عن ابن دقيق العيد أن الحساب لا يجوز الاعتماد عليه.
فالقول الحق هو القول بأن الهلال أنه لا يجوز الاعتماد في دخول رمضان على الحساب، ويجب الاعتماد على الرؤية، وأنّ الشهر يثبت شرعاً إما بالرؤية أو بالإتمام وليس وراء ذلك من سبيل آخر من حساب وغيره. ومن قال بقبول الحساب فليس لديه دليل من قرآن أو سنة يقف أمام الفهم الصحيح للنصوص الشرعية. أما آراء الحاسبين الفلكيين التي بينت حث الإسلام على العلم ومعاصرته لكل العصور، فهي آراء قائمة على العقل والمنطق والعاطفة، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن النقل -الصحيح- مقدم على ذلك جميعا.
وحتى على فرض وقوعنا في الخطأ بسبب اعتمادنا على رؤية الهلال فنحن غير مؤاخذين - إن شاء الله - ، قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - : " ولو فرضنا أن المسلمين أخطأوا في إثبات الهلال دخولا أو خروجا وهم معتمدون في إثباته على ما صحت به السنة عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - لم يكن عليهم في ذلك بأس ، بل كانوا مأجورين ومشكورين من أجل اعتمادهم على ما شرعه الله لهم وصحت به الأخبار عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، ولو تركوا ذلك لأجل قول الحاسبين مع قيام البينة الشرعية برؤية الهلال دخولا أو خروجا لكانوا آثمين ، وعلى خطر عظيم من عقوبة الله - عز وجل - ؛ لمخالفتهم ما رسمه لهم نبيهم وإمامهم محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - التي حذر الله منها في قوله - عز وجل - : " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم"، وفي قوله - عز وجل - : "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب"( ، وقوله سبحانه وتعالى :"ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين" .
ومع ذلك فالفقهاء لايمنعون من الإستفادة من علماء الفلك، والآلات الحديثه ولايحرمون استعمالها كما صوره البعض من الجهلة ؟! بل هناك قول لبعض الفقهاء ويمكن اعتباره قولاً ثالثاً في المسألة وهو الأخذ بقول الفلكيين في حال النفي لا في حال الإثبات . وهذا قول يختاره شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى ، وغيره من المعاصريبن .
ولكن الراجح ماقررناه والله تعالى أعلم .
د . عبد الله بن راضي المعيدي
دكتوراه في الفقه المقارن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..