فقد كان يظهر ذلك الشيخ ببرنامجهِ الخاص .. وهو يتكلم بكلامٍ هادئ يميلُ للتثاقل.
تجذبُك إليه عيناه المدعوجتان.. كأحسنِ ما تكون في الرجُل.
وتنسدل من تحتهما: لحيةٌ كثةٌ بيضاء ..
إلا أنني شعرتُ لوهلة..
بأنه مجرد (درويش) .. لبسوه شماغ وبشّت ومسكوه: مايكروفون!
بينما والدتيّ كانت تتابعُه لسببٍ آخر..
وبعد سنة ..
جرَّت على مصرَ الحوادث؛ وثار الناس؛ وهبت الرُكبان للثورة ورفع المظالم؛ فانكشفت الأغطية عن كثيرين؛ وبانت أمزجةُ آخرين وطُرق تفكيرهم؛ ومأوى وولاءات شرائح متعددة؛ ومعالم شخصياتهم العميّقة.
وما أن بدأت الأفكار تتجاذب بمصر.. حتى خرج الشيخ مرةً أخرى .. أعني: حازم صلاح أبو اسماعيل.
ولكن يختلف جذريًا ظهوره عمَّا أُريّد له في قناة (الناس) الإسلامية .
جاءت الإنتخابات؛ وانفجع الجميعُ بالتأييد الضخم لحازم أبو اسماعيل.. ولم يجد هؤلاء من يغيثهم للإجابة عن سؤال(مَنْ حازمٌ هذا؟) سوى إجابة بعضهم بأنه: ابنٌ لذلك المعُمم الشيخ صلاح أبو اسماعيل والمعروف بجهادِهِ ونضالهِ في "البرلمان المصري" أيام حُكم محمد أنور السادات. بل كثيرون مثليّ أنصدموا -أول الأمر- من هذا الولاء المتدفق لهذه الشخصيّة؛ ولماذا حازم تحديدًا؟ أليس الناس تنجذب للمستاهل في أمور دينها؛ وتميلُ إليه -كما قرر كبارُ عُلمائنا- ليسهُل عليها أخذُ دينها؛ والأستاذ: محمد سليم العوا أجدر من يقوم بذلك الدور وهو ممن رشح نفسهُ للانتخابات؛ فلمََّ أنفضَّ الناسُ عنه حتى قبل أن يقولوا العلماء كلمتهم؟!. لماذا ليس عبدالله الأشعل؛ أو صفوتُ حجازي؛ أو خيرت الشاطر؛ أو مالك قناة الناس الشيخ محمد حسان؛ وهو من يملُك من أدوات الإعلام ما لا يملكُه حازم؟.. أم لأجل رفعِهِ لواء "تطبيق الشريعة" لكن هذا يتحقق بكل أولئك الأفاضل السابقة أسماءهم.
كانت واقعة استبعاده من سباق الرئاسة؛ هي البوابة الكبرى لمعرفة حازم عن قُرب؛ وسبر أفكاره؛ ومتابعته عن تجردٍ وتفحص!.. بعد أيام صار هو (نجم الفضائيات) بلا طلبٍ منه؛ نجمًا بمعنى الكلمة؛ فأصبحت قنوات كبرى كالجزيرة والبي بي سي تتابعهُ؛ أما قناة ساويرس OnTv تخصص أطول فاصل إعلاني عرفته تلك القناة عند مقابلتها الشيخ حازم؛ وقطعًا لا تفعل ذلك إلا بعد يقينها الكامل بأن هناك ملايين من الناس يتسمرون أمام الشاشة لمتابعة ما يقوله الشيخ..بل خرج -على غير العادة- مذيع رسميّ بقناة مصر الأرضية يَصفقُ بيديه حسرةً لعدم استضافته حازم؛ وأن إدارة القناة فوَّتت على نفسها فرصة ذهبية!!. ثم تتابعت تلك القنوات باستضافة هذا الشيخ الظاهرة!
مُخطئ من لا زال يُصرُّ بأن عَالَم السياسة وأغوارها لن يتخطاه ويفهَمُه إلا عَالِمُ الدين؛ ويخطئُ أيضًا من لا زال يهمشُ عَالَم الدين والشريعة ويلويّ الأعناق والآيات لتتوافق مع عَالِم السياسة ومالك الرئاسة. وكم حدثت إنحرافات تاريخيّة وسياسية عميقة منذ نكبة الحسين (عليه السلام) .. بسبب هذا التباين.
وهذا ما فهمَهُ الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل..منذُ اللحظات الأولى من عُمُره وعملَ جَهدَهُ لمقاومته.
لذا كانت جميع مقابلات الشيخ حازم في القنوات التلفزيونية.. أشبه ما تكون بـ"منظومة" فكرية راسخة تتفتح أمامك.
فهو يطرحُ مشروعًا وطنيًا شرعيًا متناغمًا.. قل نظيرُه عند من سواه.
في يوم 26 يناير من عام 2011 كانت للشيخ سابقةُ قَدم مع الثوار بالميدان.. وكان يحدثُهم على الصبر والثبات ثم التضحية.
وفي يوم 25 يناير من عام 2012 كانت للشيخ كلمةٌ أمام المحتفلين بالثورة.. فقال كلمتهُ الشهيرة: نحنُ شعبٌ من الأسرى.
بالوقت الذي دُقت طبول الفرح والابتهاج عند فئات من الناس.!
إن القضايا الجوهرية التي يحملُها السياسيون عادةً كـ"المشاكل الإقتصادية" و "الإنفجار السكاني" و "البطالة" و"العنوسة" و"الفقر" و"الصحة" و "الثروة" و "البنزين والسولار" و "التعليم" و"السياحة" و "الأسرة" و "الآداب العامة" و "السجون" و "الطُرق" و"الفساد الإداري" و "المواصلات" و "الإعلام" و "الأحزاب" و "الرياضة" و "العلاقات الخارجية" و "الدخلي الفردي" و"كامب ديفيد" و "القوانين" و"رجال الأعمال" و"العشوائيات" و "البورصة" ..إلخ آلاف القضايا مما يُسلط عليها الضوء والشو الفضائي وطق الحنك بالإعلام المصري. هي الحقيقة لا تحمل صفة القضية الجوهرية؛ أو المصيرية..
وهي ليست قضايا مصر الحقيقة..
وليست قضايا الوطن العربي الحقيقية ..
وليست قضايا الوطن الإسلامي الحقيقية !بل هي مجردُ : نتائجٍ لواقعٍ مفروض. فجاء حازم صلاح أبو اسماعيل ومعهُ بوصلة جديدة؛ ورؤية شرعية أخاذه تسلب العقول قبل الأفئدة.. وحدَّدَ بشكل بارز أن معضلة مصر منذ عهد الملك ميينا والملك عَحا والملك جِرْ ثم أخيه زَرْ ثم سَمرْخِت ومرورًا بالعهد الباشواتي وسلالة محمد علي باشا ووصولاً للعهد العسكري الأسود منذ جمال عبدالناصر وحتى المخلوع حسني مبارك .. ليست القضايا التي يعك الإعلام المصري فيها منذ 60 سنة .. بل هي تتخلص في ثلاث ركائزٍ رئيسة :
أولاها: العبودية !
إنها الركيزة الأولى التي استُرضعناها في محاجرنا؛ ونرددها في مدارسنا؛ ونفشلُ -ويا للأسف- في تطبيقاتها.
يُخيل إليك وأنت تستمع للشيخ حازم وهو يتفجّرُ أمامك إسهابًا بهذا المعنى؛ بأنك تعيدُ دراسة: التوحيد والإفراد من جديد.
ومن لمّ يفهم شعار حملتِهِ (سنحيا كرامًا) فإنه لن يفهم ما سأكتبُه الآن!
هناك أحبابٌ لنا -حصروا- العبودية والإفراد لله سبحانه وتعالى في العبادات المحضّة دون غيرها؛ كالدعاء لغير الله وطلب المدد والذبح والتقرب .. وأن الشخص ينتقل من حيزٍ إلى آخر إذا ما وقع بذلك المحظور..
وهذا حقٌ ظاهرٌ بيّن -لا مراء فيه- في جزئيته؛ ولكن إذا ما فحصنا واقعنا فإننا نجد بأننا غارقون في عبودية أشدٌ فتكًا وقبحًا من سابقتها .. إنها عبودية العصر الحديث..
فإن المرء استسلم وأصبح يُساقُ من جلّاديه وهو قانعٌ!
فلا يخاف إلا من: الجلاد.
ولا يرجو إلا عطف: الجلاد.
ولا يمتثل إلا لكلام: الجلاد.
ولا ينتظر إلا إعلانات: الجلاد.
ولا يتوقف إلا لخطابات: الجلاد.
ولا يُقاتل ويناضل ويعادي إلا لرضى: الجلاد!
وما عليك؛ إلا أن تغمض عينيك وتشاهد بعض المصريين وهم يتوسلون لحسني مبارك قبل 25 يناير وكتبوا باللافتات: يا ريس.. ماتسقينا الميّة يا ريس!
وللمرة الثانية وفي ميدان التحرير 11 فبراير 2011 وقبل أن ينفّضْ الناس..تكلم الشيخ حازم وقتئذٍ وقال: "قفوا!. عليكم ألا تعودوا عبيدًا لأحد!؛ وألا تركعوا لأحد؛ ولا يخيفكم أحد.. أيها الشباب: أنتم الأملْ".
وفي مؤتمر شباب جامعة الأزهر 2011 قال: "أيها الشبابُ الطاهر؛ أشكروا الله.. أشكروا الله وحدَهُ لأنكم خيرٌ من جيلنا؛ أبيتم الظلم والاستعباد؛ ووقفتم!.. إياكم أن تسمعوا لمن تعوّد على الضرب والخنوع والظلم.. فأولئك لم يتحرروا من العبودية بعد!"
وفي أحدى لقاءاته بمسجد أسد ابن الفرات 2012قال: "إذا ما متُ فوصيتي: ألا تكونوا عبيدًا.. إلّا لله!"
وفي مقابلة شباب جامعة أسيوط 2012 قال: " لذا لا تلومَ أحدًا إذا ما قفز على ظهرك! بل اللوم عليك يا من ركعت لمن لا يستحق"
وثاني الركائز لدى الشيخ حازم هو: الاستقلال!
وهذا أقصر طريقًا من "العبودية"؛ لأن الاستقلال لا يُتصور وجوده؛ واكتماله؛ وسط ركائم التبعية والعبودية والطاعة العمياء..
لأي قوى خارجية أو داخليّة ..
قبل مئة سنة ضحكوا علينا بأنشودة : عيد الإستقلال!
وهي اللعبة التي ضُحك بها على الغلابى والحَالمين من الخليج وحتى المحيط..
وكشف التأريخ بأن الحكم القادم بعد الإستعمار؛ هو حكمٌ عاضٌ أقسى وألعن وأشد ضراوةً من حكم المستعمرين.. بل يتحوّل الحاكم الإداري للدولة إلى "مجرد ساعي" بريد للمستعمر؛ يخدمُه بكل جوانحه؛ ويقتل شعبَهُ استرضاءً لخواطره. ومن لا يذُكر مهازل معاوية ولد الطايع في موريتانيا؛ أو ابن علي ومسرحياته في تونس؛ أو بورقيبة أو نوري المالكي أو حُكام على رؤوسهم الطير لما اجتمعت بهم كونداليزا رايس عام 2005 لتقرر لهم ما يجب أن يفعلوا وما لا يفعلوه!.. إن الفارق الوحيد بين كل واحدٍ منهم والآخر هو: من الذي يخدم القوى العالمية بشكل أوفى.
بل هناك دسائس وسياسات كبرى؛ لا يسع المقال لسردها وكتابتها؛ جعلت المنطقة برمتِّها تحت: أجندة الخارج .
ومن السذاجة إن اعتقدنا أن أمريكا ليست إحدى تلك (الخوارج) الدواخل في كل شؤون حياتنا ..
ولك أن تتصور بأن سفارة أمريكا بمصر؛ عدد موظفيها تجاوز: 7000 آلاف موظفّ! بينما عدد موظفي وزارة الخارجية الأمريكية هو: 28 ألف و53 موظفًا.. فهل أولئك الـ7000 موظف كلهم موظفون للتسلية أم لمعرفة أسرار الكُفتة والفطير باللحمة المصريّة أم لتذوق الكُشري!!
قبل اتفاقية "كامب ديفيد" 1978م والولايات المتحدة ليست طرفًا هامشيًا؛ في أي قرار أو توجه لمصرٍ أو للوطن العربي .
وأما بعد إتفاقية الشؤم "كامب ديفيد" فإن أمريكا أخذت تتوغل في الشأن المصري كما لم يحدث في أي دولة تحترم نفسها؛ وتنظر لنفسها على أنها دولةٌ عزيّزة.. لها: استقلالها وهيبتها وكيانها . ولك أن تَعلم بأن كونداليزا كانت في كل زيارة لمصر تُجبر الحُكومة المصريّة على نوعية زيارتها وجدول أعمالها؛ وكانت تختار يومًا لمقابلة المثقفين المصريين؛ ثم تختار هي وفريقها؛ اسماء أولئك الإعلاميين والممثلين والحقوقيين والقانونيين اللاهثين؛ حسب انتماءاتهم وديانتهم!..وهذا ليس سرًا اليوم؛ فلقد أفصحَ عنه -بعد الثورة- كل من تقابلوا مع كونداليزا؛ وذكروا بأنهم كانوا يَشْكونَ لها سوء الوضع الإنساني.
هذا على هامش السياسة المُعلن؛ فضلاً عن المخفي..
فإن خرجت مصرُ - والوطن العربي من وراءها- من تلك القيود السياسية؛ فكيف لها أن تخرج من القيود الإقتصادية؛ والبنك الدولي الربوي؛ والإتفاقيات الثنائية والرباعية وغيرها ومنظمة التجارة العالمية.. ومن شرائع هيئة الأمم المتحدة. بل كيف لها ولنا وللعالمين العربي والإسلامي أن نخرج من قبضة النظام العالمي الكبير؟
إن هذا السؤال هو الوحيد؛ الذي لم اسمعّه إلا من رجلين هما: الشيخ سفر الحوالي-أطال الله بعمُره- ومن الشيخ حازم.
وأزعم أن الشيخ حازم فاق غيره أنه استشعر المسئولية وأخذ ينفخُ في أرواح الشباب ووقف عمليًا في موقف النزّال..
ويكفي أنه استنبت الفكرة؛ وأعادها للوجود؛ وأجلى المشكلة المعقدة أمامنا في لحظةِ كُنا نخوض ونلعب وسط سُحب وأحلام الثورة؛ ورسم البطولات؛ واستجلاب الأفكار من كل فجٍ سحيق.
يكفيني على المستوى الشخصي.. ألا يعالج الشيوخ هذه المشكلة علاجًا شافيًا نافعًا؛ وإنما الـ"دندنة" حولها؛ وأن قضايا الحدثْ التي امتلأت بالتلفاز والصحافة والإنترنت وأدمغة المثقفين، وعلكوها جدلاً؛ ما هي إلا قضايا ثانوية أو قضايا مُركبة -على أبعد الأحوال- للقضية الأم وهي: قضية استقلال البلد ممن لا خلاق لهم؛ ولا إمرةً؛ ولا حق!.
ولا يعني استقلال البلد بأن تتحول مصر -لا قدر الله- إلى كهوفٍ ومدائنَ أشباحٍ .
ولا إلى مسوخٍ من الأتباع للسيد: القوي!.
وإنما أن يعود للدولة قرارها المستقل؛ وذاتُها الوطنية الحَقه؛ وأن يقف الرئيس المصري - أيّاً كان- في معيّة الرئيس الفرنسي أو الروسي أو الأمريكي أو البريطاني.. وقفتْ الند للند.
ليست وقفت العِداء الدائم؛ ولا الإنبطاح النائم.. وإنما يقف رئيسُ مصر وفي ذاكرته شعبٌ حرٌ لا يقنع بالذل والأَسر تحت رغبات القوى الخارجية ، وأن ذلك الشعب ينتظر منه آمالاً وتطلُعات ضخمة .
ومن تتبع ملف توريث المُلك لـ"جمال حسني مبارك" من أبيه المخلوع .. سيشعر قطعًا بالعار.
لأن حسني مبارك.. استلذذ الفكرة من بعد هلاك حافظ الأسد؛ وتوريث ابنه؛ ثم شَرعْ وفتحَ كُل الطُرق للاسرائيليين/الصهاينة؛ وجنَّد الاستخبارات المصرية وعلى رأسها عمر سليمان لهذا الملف تحديدًا!
وكانت الرسالة واضحة جدًا..
أنني مطيعٌ لكم.. وأنكم -أيها الصهاينة- تتحكمون بأمريكا؛ وأمريكا تتحكم بالعالم الآن.. وأما أبنيّ: فهو أبرُ مني بكم!.
فكانت وما زالت مصرُ أسيرةٌ لرغبات غيرها..
بإرادة حاكميّها أو بدونها..
فهاهي القروض البنكية تصل لأرقامٍ فلكيّة؛ والمنحة الأمريكية السنوية يتم التلويح بها عند كل أزمة.
فقط لتَفرُك آذان ملوك مصر بين الحين والآخر؛ كما يؤدِّبُ السيدُ مولاه.
لذا؛ استبعد جدًا أن تكون أي قضية الآن في مصرَ لا ترتبط بهاتين الركيزتين -أعني- ركيزتي: العبودية - والاستقلال.
أما ثالثُ الركائز في فكر ووجدان الشيخ حازم..
فهو: الصدقُ والوضوحْ ..
وهذه لا تأتي هكذا؛ ولو دفعت الملايين؛ ولو تصنَّعت المواقف ..
بدأ هذا مع الشيخ من اللحظة الأولى عندما سألوه عن سبب ترشُحه فقال: "والله؛ اضطررتُ لهذا اضطرارًا لمَا فُقد من تبرأ الذمة بوجودِه" وقال بعد إخراجِهِ زورًا: "والله ما سعدَ بهذا أكثرُ مني؛ وحسبي أن التأريخ والأجيال ستقول أنني: أُعذرت"
اختطَ الشيخ حازم لمشروعِه .. خطًا واضحًا يتلخَّص بأنه:
"صدقٌ في المبدأ؛ ورسوخٌ في الهدف" .. قل نظيرُه في التجارب الإسلامية المعاصرة ..
حتى داخل السعودية السلفية..!
ومن متابعاتي الكثيرة لهذا الرجل؛ لم يخجل يومًا من المبدأ الذي يناديّ به؛ لم يقل على منبر أسد ابن الفرات ما يخاف من قوله في قنوات الفضاء العالمية أو العكس؛ هاجموه لمَّا قال: "أنني ضد التعريّ" وجاءت القنوات تركض وتهزأ بقوله؛ وأنك عاوز تضييق على الناس حُرياتهم؛ وما أعتادوه؟ فوقف وفقةً لا أنساها وقال: "مين الناس اللي تتكلموا عنهم؟ أنا لا أراهم؛ مصر لا تعرفهم؛ شوارع الاسكندرية تستنكرهم؛ إلا إن كنتم تقصدون من يقفون أمام الشاشاتْ!.. فهؤلاء يحاولون سلب مصر شخصيتها.. نعم وللمرة الألف: أنا. لا أريد التعريّ ، لأن الرجل الصعيدي يموت مئة مرة قبل أن يرى زوجته تفعل ذلك"
وهو لا زال بكل مقابلة يجدد هذا المعنى؛ أعني أن هناك من يريد أن تظهر مصر بشكلٍ غير الشكل الذي يعرفُه أهلُها!
ومن لم يفهم ما أعنيّ.. عليه أن يتابع "مسلسلاً كويتيًا" بتوع هذا الوقت بقناة الأم بي سي.. ليكتشف بأن الإسفاف والرذيلة تُصنع داخل رحم الكويت! .. ولا تعرف من يقف خلف ذلك؟! وأما الشعب فيستنكرون ذلك بمجالسهم!
كانت للشيخ حازم رؤية بأن تسليّم البلد للعسكر؛ هو خطأٌ استراتيجي؛ قام به الثوار.. فحاول مناصحتهم من أول ساعة بعد خطاب عمر سليمان 11 فبراير.. ولم يسمع له إلا القليل!
وظل على هذا الخط.. لا يماري ولا ينافق ولا يجادل .
وحصل التوافق المرحلي بين المجلس العسكري من جهة؛ والإخوان والسلفيين من جهةٍ أخرى.
وكان الدور المعهود .. أن يستغل العسكر طيبة الإسلاميين إلى حين تصفيتهم كما فعل جمال عبدالناصر مع الإخوان.
إذ استفاد منهم بثورة 23 يوليو في التخندق العاطفي والمجتمعي.. ثم رماهم بالسجن لما انتهت الفائدة منهم!.
بل ورمى صديقَه - محمد نجيب - بالسجن مدة 16 سنة!
فَهِمَ العسكر هذه الخاصيّة لدى الاسلاميين..
وفهموا أن الشعب المصري والعربي والإسلامي.. لا يثق - بعمومه - إلا بمن يرغب ويرفع شعار الشريعة .
فحاولوا إن يستغلوا ذلك؛ في أول بدايات الثورة.. وكانت الخطوة الأولى هي: تفريق الجموع عن طريق الجموع أنفسهم ..
فحَدث الصدّام بين شباب الثورة "الليبراليين" -أو من يعتقدون أنهم ليبراليون- وبين الاسلاميين .
وبدأت الشتائم ثم الاستفراد والاستقواء بالعسكري ثم التشكيّك من قبل الاسلاميين ضد خصومهم ..
واستفرد العسكري في ملاحقة شباب الثورة ..
فجرت مجزرة محمد محمود ثم مجلس الوزراء ثم بورسعيد وبعدها العباسية..
وخلالهما: تهجم العسكري على النساء .. وعُريتْ الفتاة في الشوارع!
فكان الإسلاميون يتهمون تلك الفتاة بأنها: لم تلبسْ ملابس محتشمة عشان هيك حصل التعريّة!!
فقام الشيخ حازم عندئذ وقال: كان للمجلس العسكري أن يخرج؛ ولكن الآن بيننا وبينهم دماء!(بالمناسبة: لا يوجد من هذه الدماء أي شخص ينتمي لحزب وتوجه الشيخ حازم)؛ ولكنه الوضوح الذي أصبح أندر من الغول والعنقاء؛ أنه الوضوح للمبدأ؛ والصدق من النفس.. كم كنتُ أمقتْ من طالت لحاهم وهم يضحكون على الشباب وهم يقتلون وأنهم مجموعة بلطجية وأحد الدُعاة المشاهير: أقسم بأن الفتاة التي عروها العسكر وقفزوا على ظهرها بأنها: تستاهل!
ما الفرق بين القتل هُنا؛ والقتل في سوريا أو ليبيا أو مدغشقر ؟!
وما الفرق بين هتك العرض هُنا وهتك العرض في سوريا أو ليبيا أو مدغشقر ؟!
" إنها اللحظةُ الفارقة "
كانت هذه من تجليات خطابات الشيخ حازم ومواقفه الصريحة؛ وهو ما حببني فيه أكثر.. أن تُفاصلْ مع الظلم ولا تكون نصيرًا للظالم ولو كانوا ذا قربى أو ذا نياشين.
دارت الأيام؛ واليوم الثورة المصرية بعد سنة ونصف السنة .. ماذا حدث؟
هل صدق العسكر في كلامهم؟
هل دام تحالفهم مع الإسلاميين؟ أم أنهم استغلوهم- لبساطتهم- أحيانًا ولعدم وضوحهم أحايين أخرى؟
بل من منّا يُصدق.. بأن عمر سليمان وأحمد شفيق ذراعيّ حسني مبارك؛ كان المجلس العسكري يبارك نزولهما؛ ولولا: عدم اكتمال نصاب التوكيلات لعمر سليمان لكان مرشحًا للرئاسة !
كانت التزوير في انتخابات الإعادة.. أمرًا فجًا .
وكان العسكر يُعدُون الشعب والقوى المصرية وشباب الثورة لأن يتقبلوا بأن شفيق هو الرئيس القادم..
ولولا - تدخل قوى غير آيدولوجية - ووقفتها موقفًا مشرفًا كما حدث مع القضاة الشرفاء وحركتهم الشريفة.. بل التسريّبات الآن بأن هناك أشخاص داخل لجنة الانتخابات وخارجها من القضاة توعدوا فاروق سلطان -رئيس اللجنة- بأنهم سيفضحون المستخبي إذا ذهب الأمر لشفيق!
هل سكت العسكر؟ هل قنعوا باختيارات الشعب؟ هل رضوا بإرادة الشعب التي يدعون بأنهم يحافظون عليها؟
الجواب: لا!
لأنهم اضطربوا واختبصوا عندما أحسوا بأن غيرهم سيجلس على العرش.. فاستصدروا حكمًا قضائيًا ببطلان مجلس الشعب (البرلمان) وهو الجهة التشريعية الوحيدة، بل واسترجاعوا السلطة التشريعية لمجموعة عسكرٍ لا يتجاوزون الـ19 رجل؛ يتحكمون بمصير أمة واختيارات شعب. (ملحوظة: الجنزوري قبل الحكم القضائي بأربعة أشهر هدد رئيس مجلس الشعب الكتاتني بأن قرار بطلان البرلمان بدرج طنطاوي!)
هل وقف العسكر عند هذا الحد؟ أيضًا:لا.!
بل استصدروا إعلانًا مكملاً؛ قصقصوا فيه اختصاصات الرئيس "المنتخب"؛ وجعلوه مجرد رئيس للاحتفالات والمناسبات وتخريج الدفعات العسكرية .
رئيس بلا أي صلاحيات؛ وشعب بلا مجلس منتخب يُمثله؛ والآن يتم الإعداد أيضًا لإسقاط مجلس الشورى .. لأنه سيشرف على الصحف والإعلام.
ثم يخرج العسكر بصفاقة ويتحدثون عن: الديمقراطية!
أصبحَ واضحًا لكل متابع؛ بأن العسكر يحاولون تكرار التجربة التركية بكل تفاصيلها ..
كانت إرادة غالبية الشعب التركي مع التيار الإسلامي.. إلا أن هذا لم يروق لهم فوضعوا الشعب والأمة والقانون والتاريخ تحت فكيّ: المحكمة الدستورية والمجلس العسكري "غير المنتخب" ..
وما أن تحدث مشكلة إلا ويتم استدعاء المحكمة الدستورية التي جميع أعضاءها ذو توجهات علمانية بحتة؛ فضلاً عن أنه تم إختيارهم في أجواء غير دستورية أصلاً .. أما بالمحكمة الدستورية المصريّة فإن جميع أعضاء المحكمة الدستورية تم اختيارهم من قبل: حسني مبارك!.. الذي خرج الشعب لإسقاطه.
ويتم اختيار أعضاء المحكمة الدستورية ليس على أساس الكفاءة أو الخبرة أو التخصص؛ بل على أساسٍ واحد فقط وهو : مزاج الرئيس.
فمثلاً من يتصور بأن نائب رئيس المحكمة الدستورية: تهاني الجبالي تم اختيارها بتوصيةٍ من سوزان مبارك؛ لأن الجبالي كانت تعمل محامية وهي الوكيلة الوحيدة لسوزان مبارك في شؤونها العامة منذ 2002 وحتى إدخالها بالدستور بالعافية. واليوم هذه السيدة تفتي وتتكلم بشأن الثورة والوضع والمفترض واللازم عملُه !!
الآن.. سيلعب طنطاوي وعنان
نفس الدور الذي لعبوه إخوانهم العسكر في تركيا ..
وهو: أن يتم تركيع الإرادة الشعبية للمجلس العسكري؛ ولكن بغير بيد العسكر؛ وإنما بيد اخطابوط الشبكات المتداخلة في الدولة العميقة؛ أولها: المحاكم وليس آخرها: المخابرات والإعلام وغيرهما .
والمجلس العسكريّ لديّه همٌّ واحدٌ فقط: أن يكون دولة داخل الدولة. وألا يقاسمُه أحد على كعكته .
بمعنى ألا يتدخل بشؤون القوات المسلحة وميزانيتها أحد؛ وأيضًا أن يكون رئيس القوات المسلحة هو من يدير الدولة من الخلف!
بالضبط كما حدث في تركيا ..
فهم يشاهدون القوى الشعبية تتصادم؛ ويجلسون يُراقبون؛ ثم يصدرون بيانًا؛ بأننا نحترم القانون.. وسنضرب بيد من حديد لمن يتجاوز أحكام القضاء ومضامين الدستور !
وهذا غطاء أجوف... لمهزلة مكشوفة .
لأن المحكمة الدستورية تتحرك تحت طلب من بيده : تعيينهم ومن بيده فصلهم.
المفاجأة المُّرة.. والتي أشد من العلقم.
أن الشيخ حازم من أول يوم انعقد فيه مجلس الشعب المصري المنتخب؛ ذهب لشخصيات هامة بالمجلس؛ وتكلم معهم بالإسم؛ وشدَّد بأن هذه هي "اللحظة الفارقة" لكم ولمصر لأن معكم صلاحيات التشريّع وإرادة الشعب. فبأدروا بإصدار قوانين تُشرِّع بأن يجري إعادة هيكلة وطُرق إختيار رؤساء أربع مؤسسات وذلك طريق الإنتخاب وتلك المؤسسات هي: 1- المحكمة الدستورية . 2- النائب العام. 3- الأزهر . 4- الإفتاء "مفتي الدولة" .
وليست انتخابات مفتوحة؛ وإنما محصورة بأهل الشأن.. وعندها سيقبل الشعب أيّ اختيارٍ قادم وتكون لقرارتهم الاستقلالية.
ولكن لم يسمعَ لهُ أحد.. وكانت الموازنات السياسية تغلبُ أحيانًا..
والنتيجة ما هي؟
أن تهاني الجبالي -نائب المحكمة الدستورية- تكلمت قبل أيام: بأن الرئيس مرسي ستنتهي فترة حكمِهِ بمجرد الانتهاء من كتابة الدستور!
فبعد إرساء الدستور المرسوم كما يشتهي المجلس العسكري.. نكتشف أننا أمام ثلاث منحدرات:
1- كتابة دستور من قبل لجنة غير محصَّنة.
2- فراغ سلطة التشريّع لعدم وجود برلمان؛ واستفراد العسكر بسلطة التشريع والتَحكم؛ ثم انتخابات برلمانية مستعجلة؛ وأكيد: ستكون بلا أغلبية إسلامية.
3- الدعوة لانتخابات رئاسيّة جديدة!.
عند هذا الحد..تعود الدكتاتورية المصريّة كما ابتدأت..
فبعد أن كانت مصر تشتكي من حسني مبارك واحد، تغدوا شكواها من 19 حسني مبارك يجثمون على صدر الشعب وهم الـ19 نفر في المجلس العسكري.
وحتى تكتمل الدكتاتورية لهؤلاء النفر.. فهم بالإعلان الدستوري المكمل المضحك قرروا بأن هؤلاء الـ19 وحدهم يحق لهم أن يمارسوا الصلاحيات الممنوحة لهم دونما سواهم؛ وحتى لو مات واحدٌ منهم لا يأتي غيره؛ كما لا يُعلم تاريخ انتهاء مُدد أعمالهم !!.
ويا - للضحك- الشبيه بالبكاء كما قال حافظ إبراهيم ..
في هذه الأثناء وأنا أكتب هذا الكلمات؛ هناك شباب عرفوا الحكاية وصَدقوا الرواية ..
فنزلوا لميدان التحرير ليرفعوا هذا الذل ويُرابطوا ..
ليس لشيء؛ ولا لهدفٍ شخصي؛ ولا لحظوةٍ سياسية.. بل لأمرٍ واحد وهو: أن يُعذروا إلى الله وللتأريخ وللأجيال القادمة!
ولئلا يقول أبناؤهم لهم لماذا جعلتم العسكر يستولون على كل شيء..
كما قالوا (هم) لآباءهم لماذا جعلتم جمال عبدالناصر والسادات ومبارك يستولون على كل شيء..
ويكفيهم أن يشهد التاريخ أنهم من بقوا لآخر لحظةٍ حُراسًا لإرادة شعبٍ كامل؛ رافضين وبملء أصواتهم وقلوبهم بأن "يؤسر" الشعب المصري مرةً أخرى تحت أي مبرر أو تشكيل..
إنها قصة: حياة .
قصة أن تكون حيًّا كما أراد الله لك؛ وأن تكون حُرًا كما قرر الله لك؛ وأن تكون صادقًا كما رغب الله منك.
إنها قصة: الثبات.
قصة ألا تغريك الألوان.. ألا تفتح فمك لكل لحمةٍ متورمةٍ من السرطان..
إنها قصة: الوجود ..
قصة تتلخص بالبيت الخالد العظيم:
لا تسقنيّ كأس الحياةِ بذلةٍ *** بل اسقني بالعزِّ كأس العلقمِ !
طابتْ مصرُ ..
وطاب شبابها ..
وطاب الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل .. بكل عزّةٍ وشموخ .
مودتيّ:
أختكم/ فاتن السديس..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..