السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أتمنى أن أجد من يساعدني وينصحني في هذا الموقعِ؛ لأني في حيرةٍ شديدة من أمري.
أنا
فتاة في 19 من عمري، وأنا أدرس الطب سنة ثانية، وباقي لي 3 سنوات حتى أتم
دراستي، المشكلة هي أني
أكره الزواج، وأنا أجد نفسي ملزمة لحكم تقاليد
الإسلام أن أتزوج، وإلا أنا ما تزوجت بالمرة.
ليس
هناك سبب محدد؛ ولكني أكره أن أتزوج، عمري ما تخيلتُ نفسي زوجة أو أمًّا
(شعور الأم لا يخيفني)؛ ولكن الزواج يخيفني بشدة، مع العلم أن والدي وعدني
أنه لن يغصبني يومًا، وأنه معي في أي قرارٍ أتخذه.
قبل
يومين رفضتُ شابًّا تقدم لي؛ لسببين: الأول: أنه - كما ذكرت - أنا أكره
الزواج، والثاني والأهم: أنا أحب دراستي جدًّا، وأنا لا أريد أن أقطعها.
لطالما
تخيلتُ نفسي دكتورة، لم يساورني الشك يومًا أني سأكمل دراستي؛ لكن الآن
الأمر مختلف، مع أني رفضت شبابًا غيره، إلا أن موضوع الشاب هذا أصابني
بالحيرة، وصرت أتساءل: هل سأكمل دراستي يومًا أو لا؟
صرت أخاف أني في يوم لن أصير دكتورة، والعائق الوحيد الذي سيمنعني هو الزواج، وهذا يجعلني أكرهه أكثر.
باختصار،
حياتي كما هي جميلة مع أمي وإخواني ودراستي، أتصور المستقبل أجمل، أما
عندما تراودني فكرة الزواج يصبح المستقبل مظلمًا، ولطالما خِفْتُ من
المستقبل، وأحيانًا أبقى مستيقظة ليلاً وأنا أفكِّر في مستقبلي.
آسفة
إذا أطلت عليكم؛ ولكني بحاجة لمن يرشدني، هل تفكيري سليم؟ لماذا أكره
الزواج؟ ما العلاج لخوفي الشديد من المستقبل؟ وأخيرًا ما الحل في حالتي في
رأيكم؟
أسأل الله - تعالى - أن يجازيكم بجهودكم خير الجزاء، وأتمنى أن أحصل على الإجابة قريبًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
من أكثر ما يعوق الإنسانَ عن
تحقيق أهدافه: سوءُ ترتيب أولوياته, فيقدم الأقلَّ أهمية على ما هو أهم, أو
يعتقد أنه من الصعب أو المستحيل السير في اتجاهين غير متعارضين معًا, ولعل
ذلك من الأسباب الرئيسة لكثير من مشكلات حياتنا.
الدراسة مهمة بلا شك, وما أشدَّ
حاجةَ المجتمع اليوم للطبيبة المسلمة المخلصة المتقنة لعملها! وما أنبلَ
هدفَكِ الذي تسعين إليه! لكنْ، أيهما أهم في حياة الفتاة: الزواج وتنشئة أبناء صالحين؛ ينتفع بهم المجتمع أم العمل في المجال الذي تحلم به؟
تتحدث عن هذا إحدى الطبيبات
الناجحات، وذلك بعد أن حقَّقتْ أعلى الدرجات، ونالتْ أكبرَ الشهادات, وحصلت
على الماجستير والدكتوراه مع مرتبة الشرف وبتقدير ممتاز, وقد كانت خلال
سنوات دراستها الجامعية شديدةَ التمسُّك بهدفها, حريصةً كل الحرص على تحقيق
حلمها؛ لهذا كانت ترفض - وبشدة - مناقشةَ فكرة الزواج؛ خشيةَ أن يعوقها عن
إكمال دراستها، ويقف حائلاً في وجه تحقيق الحلم المنشود، وهكذا فكرتْ -
كما تقول -: "الزواج يمكن تأجيله إلى أي وقت أشاء، أما الدراسة فلا".
وتحكي قصتها في تألم: "بعد أن
أكملتُ دراستي، وحققت ما كنت أصبو إليه من نجاح, عدتُ إلى بلدي وقد شارفتُ
على الأربعين, فقررت أن أتزوج!
لم أترك دعوةً إلا لبيتُها, وتواصلت مع الأقارب والأصدقاء؛ ولكن، أين من كانوا يطرقون الباب؟
لقد فوجئت أن بعض قريباتي في مثل عمري قد صرن جدات!
والآن أقولها لنفسي وللعالم كله: خذوا كل شهاداتي وأسمعوني كلمة (ماما)".
يا لها من كلمة لا تساويها أموالٌ ولا شهادات، ولا يضاهي ذلك الشعورَ شعورٌ!
عزيزتي:
لا يمكن لفتاة سويَّة أن تكره الزواجَ وترغب عنه دون سبب؛ إنما هو شعور مؤقَّت لاهتمامك البالغ بدراستك وحرصك عليها.
أما عن الإسلام، فلم يجبر أحدًا
على الزواج, ولم يجعل ترْكَ الزواج لأسباب شخصية جريمةً يُحاسَب عليها
الإنسان, وإنما ترك الزواج للاعتقاد أن فيه الشرَّ بوجه عام، أو للرغبة عن
سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والظن أن ليس فيها الخير, هذا ما
يحاسَب الإنسان عليه, وقد روى أنس - رضي الله عنه - قال: جاء ثلاثة رهط إلى
بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى
الله عليه وسلم - فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: أين نحن من النبي -
صلى الله عليه وسلم؟! قد غفر اللهُ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، قال
أحدهم: أما أنا فإني أصلِّي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا
أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فقال : ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أمَا والله إني
لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلِّي وأرقد، وأتزوج النساء،
فمن رغب عن سنتي فليس مني))؛ رواه البخاري.
وأنتِ لصغر سنك وانشغالك
بالدراسة الآن, فالرغبة في الزواج لم تظهر لديك, ولم تشعري بها بعدُ, وليس
الأمر ناتجًا عن خوفٍ من الزواج نفسه - كما أظن - ولعلها مجرد رهبة عادية
كالرهبة من كل جديد, وعندما اجتمعتْ مع الخوف على الدراسة تكوَّن لديك هذا
الشعورُ من الخوف الوهمي.
والسؤال الذي أودُّ أن تعطيه من التفكير ما يستحق: هل سيستمر تقدُّم الخُطَّاب حتى تتغيَّر نظرتك وتشعري بالرغبة في الزواج، أو حتى تحققي حلمك؟
أترك لك التفكير في الإجابة عزيزتي.
لاحظتُ عليك اهتمامًا خاصًّا بالخاطب الأخير, فإن كنتِ ترين فيه من الصفات الحسنة ما تخشين فواتها, فلِمَ لا يتم الاتفاق بينكما قبل الارتباط والتناقش حول إمكانية إكمال الدراسة؟
قد
يكون الشاب أكثر تفهمًا مما تظنين, قد يكون أيضًا خير مُعينٍ لك على إكمال
الدراسة, فجرِّبي أن تناقشوا معه أمر الدراسة, وسماع وجهة نظره واشتراط
إكمال الدراسة قبل الزواج, والمسلمون عند شروطهم.
تأملي - عزيزتي - في حال الطبيبات من حولك، هل منعهنَّ الطبُّ ومزاولة المهنة من الزواج؟
لا شك أنك ستجدين أن أغلبهن متزوجات, ويعشن حياة متوازنة بين العمل وتلبية احتياجات البيت, فأين المشكلة؟!
تحدَّثي إلى زميلاتٍ سبقْنَك للعمل في المجال, وقدَّر الله لهن الزواج في سنٍّ مناسبة, فستجدين أن الأمر أيسر مما توهمتِ.
وستجدين أن التوكل على الله شعورٌ رائع, يريحنا من عناء التفكير في عواقب الأمور التي لا نعلم عنها إلا القليل.
تسألين: "هل تفكيري سليم؟ لماذا أكره الزواج؟".
لعلك تدركين الآن أن تفكيرك ليس سليمًا, وأن به من التوهم والغلو ما عليك تعديله.
"ما العلاج لخوفي الشديد من المستقبل؟ وأخيرًا ما الحل في حالتي في رأيكم؟"
عن
أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
((فرغ الله - عز وجل - إلى كل عبد من خمس: من أجله، ورزقه، وأثره، ومضجعه،
وشقي أو سعيد))؛ صححه الألباني.
الخوف
من المستقبل قد يكون سمةً مشتركة بين كثير من البشر؛ لأننا لا نعلم عن
أمرنا إلا ما هو حاضر, ويبقى لكل مجهولٍ رهبةٌ يصعب التخلص منها, لكن الله -
تعالى - يخبرنا بدواء نافعٍ قويِّ المفعول في كتابه العزيز: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
فمن
يداومْ على ذِكر الله، ويكثرْ منه في وقت الشدة والرخاء، فلن يلبث الشيطان
أن يكفَّ عن إلقاء الوساوس في نفسه, ويقول الشيخ (سلمان العودة) - حفظه
الله -: "الوهم ينشأ من وضعنا للأشياء في غير موضعها، حين نصغِّر الكبير،
ونكبِّر الصغير؛ فحينئذٍ يتولَّد لدينا الوهم...
فلو
أتيت بورقة صغيرة ووضعتها قريبًا من عينيك، لوجدت أنها تحجب عنك الدنيا
كلها، الدنيا بسَعتها وعرضها احتجبتْ وراء قصاصة من الورق بحجم راحة اليد!
وذلك لأنك قرَّبتها من عينيك فكبرتْ وغطت، أما الدنيا فكانت وراء ذلك، فهذا
أيضًا وهم يحجب عن الإنسان رؤيةَ الأشياء على حقيقتها". اهـ.
فلو
وضعتِ كل شيء في موضعه المناسب، لاستقرتْ عندك الكثيرُ من المفاهيم،
واتضحت الكثير من الحقائق الغائبة, وأنصحك بالقراءة كثيرًا حول التوكل على
الله وعن القضاء والقدر,
وفَّقك الله لكل خير وفلاح, ولا
تنسي صلاة الاستخارة بخصوص الشاب المتقدم،
والدعاء بأن يوفِّقك الله لما فيه الخير لك وصلاح الحال في الدنيا والآخرة.
أ. مروة يوسف عاشور
الألوكة
تاريخ الإضافة: 19/8/2010 ميلادي - 9/9/1431 هجري
والدعاء بأن يوفِّقك الله لما فيه الخير لك وصلاح الحال في الدنيا والآخرة.
أ. مروة يوسف عاشور
الألوكة
تاريخ الإضافة: 19/8/2010 ميلادي - 9/9/1431 هجري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..