الجمعة، 16 نوفمبر 2012

قسوة أبي أتعبتني!

السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حيَّاكم الله، أنا رجلٌ مُلتزمٌ إلى حدٍّ كبير، ولله الحمد، أرجو أن تعينوني على تجاوز محنتي أو أزمتي، وعنوانها: "أبي".
والدي رجلٌ صارم جدًّا، يَغضَب وينفعل بسرعةٍ لأتفه سببٍ، رغم أنه متعلِّم، كما أنه لا يغفر زلَّة مَن أمامه!

عانيتُ في طفولتي مِن قسْوتِه كثيرًا، فقد كان يُعاقبني بشدةٍ، وينهال عليَّ بالضرب المبرح إن خالفتُ تعليماته، ولم يكنْ يأبَهُ لعُمري الصغير، كان - وما يزال - يتدخَّل في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في حياتي!

تعوَّدتُ على طاعتِه العمياء، وكثيرًا ما أرْضَخُ لكلامِه مُرغَمًا، حتى لا أُغضِبه مِن جهةٍ، وهربًا مِن لومه اللاذع الذي لا نهاية له مِن جهة أخرى.

ما زلتُ أتذكَّر قسوتَه الشديدة، وضرْبَه لي بصورةٍ جُنونيةٍ، ومع ذلك لا أميل مع أولادي إلى العُنف مُطلقًا، بل أستخدم معهم لُغة الحِوار التي حرَمني منها والدي.



كيف أنسى الأسى؟ وكيف لي أن أعيشَ مع والدي سنوات عُمره الباقية؟ أعينوني أعانكم الله.


الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

والدكَ - كما تصِفُه - نموذجٌ للأب المتسلِّط! ومشكلتك معه في تراكُم مشاعركَ، وفي ضيقكَ مِن فرْضِه لسيطرتِه على حياتك، رغم أنك بلغتَ ما بلغتَ مِن عمرك!

ومشكلتك الأهم هي عدم قدرتكَ على الاستقلال بحياتك، والتحرر في سلوكك فكانت المشاعر هي المنفذَ الوحيد للاعتراض الذي بداخلك!

الميزةُ الوحيدةُ هي أنك استطعْتَ أن تستفيدَ مِن ألَـمِك بتعامُلِك مع أبنائِك وتفهمهم.

الآن تحتاج أن تركزَ على التالي:

• تأكَّد أن أمرَ المؤمن كله خير، وأنَّ كلَّ أمرٍ يحصل معنا فوراءه حكمةٌ، لو استطعنا اغتنامها لَفُزْنا.

• والدُك يُعاني مِن مُشكلة بالتأكيد، فما تقوله يدلُّ على اضطرابٍ في شخصيتِه، يُتعِبه كما يُتعِب مَن حوله! لكن الفكرةَ هي أن تتقبَّل أنه كذلك، وتُجِيد التعامُل معه في الوقت نفسه، دون أن يتدخَّل في حياتِك! فرقٌ بين أن نتقبَّل الأشخاص وأن نسمحَ لهم بالتدخُّل في حياتنا أو التأثير عليها!

• تحتاج أن تُفرِغ مشاعركَ القديمة كلها، فقد مررتَ بتجرِبةٍ قاسيةٍ، آثارُها ما زالتْ عالقةً بشخصيتك، أنت بحاجة لأنْ تفرغها وتراها عن بُعدٍ؛ لتستطيعَ التعامُل معها.

• تقنيةُ خطاب المشاعر تساعدُكَ كثيرًا، جرِّب أن تَكتُبَ رسالة لوالدكَ، رسالة توجِّه له بها كلَّ ما تختزنه في قلبك مِن مشاعرَ، لكن دون أن تسلِّمها له، فرِّغ فيها كلَّ مشاعرك: ابدأ بالغضب، واكتبْ كل المواقف التي تخطر ببالك، وتغضبك منه، وأَتْبِعه بالألم، وتذكَّر ما تُعانيه مِن آلام معه، ثم أتبعه بالخوف، ثم بخيبة الأمل، وحاولْ أن تُفرِغ كل مشاعر سلبية تحتفظ بها تجاهه؛ فالمشاعرُ السلبية كالغيوم التي تحجب الشمس، حينما تفرغ وتتساقَط الأمطار تسهل بعدها الرؤيةُ وتتَّضح.

• فرقٌ بين رضا الأب وطاعته المشروعة، وبين تدخُّله في حياتك، وفرْضِ سيطرته على ما هو مِن حقِّك أنتَ، وابحثْ عنْ طُرُقٍ تستعيد بها حريتك، دون أن تفقدَ برَّه، فعدم قدرتك على الاستقلال وتدخُّله في حياتك؛ يزيد مِن نقمتك عليه، اعكسِ الأمر، وتمرَّد بحبٍّ.

أعانكَ الله، وقوَّاكَ، وعوَّضكَ، واحتسِبِ الأجر فيما مضى وما سيأتي، ولا تقمْ به خوفًا بل برًّا، واجعلْ هدفَكَ اللهَ لا خَلْقَه، وستلمس الفرقَ براحة نفسك وقلبك - بإذن الله.


أ.. أريج الطباع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..