السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أساتذتي الكِرام، أطرحُ مشكلتي بين أيديكم، وأرجو مِنَ الله ثم منكم أن أَجِد الجواب الشافي.
عندي ابنٌ في المرحلة الابتدائيَّة، وابن أُختي أكبر منه، دخَلتُ على ابني وهو يَلْعَب مع ابنِ عمَّته، ويقومان بخلْع ملابسهما؛ ليُرِيَ كلٌّ منهما الآخرَ ملابسَه الداخليَّة، وعندما رأيتُ ذلك غَضِبتُ وسألْتُهما، فاعْتَرَف ابني أنه مَن طلَب مِن ابن عمَّته فِعْلَ ذلك! وأنَّ ابن أُختي هو مَن علَّمه هذه الأمور، وعندما سألتُه: هل فَعَلَ معكَ ذلك؟ أخبَرَني أنه طلَب منه أن يَخْلع ملابسه، وقد استجابَ وفعَل ذلك!
طلَبتُ منه إخباري بالمزيد، ولكنَّه لَم يُخبِرني بأكثر مِن ذلك، وعندما سألتُه: هل تحرش جنسياً؟ أجاب: نعم، وسألتُه: أين؟ أشار إلى فتحة الشرج!
وعندما أحضَرتُ ابن أُختي وسألتُه عنِ الموضوع، وأخبَرتُه بما قالَه ابني، أنكَر كلَّ ذلك، وأخَذ يبكي ويُدافع عن نفسه، فمَن أُصَدِّق فيهما؟ وكيف أعْرِف أن ابني صادقٌ في اتِّهامه له؟ عِلمًا بأنَّ ابني يُعاني مِنَ القلَق، ويقوم بجَرْح نفسه مِن غير سببٍ واضحٍ؛ إمَّا بحكِّ جسْمِه، أو عضِّ يده، وكذلك يُعاني من الخوف
أرجوكم ساعدوني لأَعْرِف الحقيقة، أرجو السرعة في الردِّ؛ لأنَّ الموضوع أتْعَبني جدًّا، ولكم مني جزيلُ الشكر.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الهادي إلى الصواب
وهو المستعان
"عندما نُربِّي أطفالًا، تكون كلُّ بُغْيتنا أن يَدَعُونا في سلامٍ، وألاَّ نضطرَّ إلى مواجهة مشكلات، وباختصار نَرمي إلى أن نجعلَ من طفلنا "طفلًا نموذجيًّا" دون أن نتساءَل:
هل هذه الطريقة في التصرُّف صالحة أو طالحة بالنسبة للطفل؟!"؛ هانز الصغير؛ فرويد".
أيتها الأمُّ العزيزة، يقول جان جاك روسو في كتابه "إيميل": "وإذا حدَث في غيابي خطأٌ أجهلُ فاعلَه، فسأتحرَّج أن أسألَ "إيميل": أهو أنتَ؟! فليس لسؤالي هذا أيَّة فائدة، إلاَّ أن أُعَلِّمه الإنكار، وما من سؤال أشدُّ ثقلًا من هذا السؤال، لا سيَّما حين يكون الطفل مُذنبًا".
فإن أردتِ أن تعرفي أيهما أصدق، فلا تَدفعي بهما إلى الكذب؛ ولكن عليك بهذا الأسلوب الذي انْتَهَجتِه مع ابن أُختكِ، ثم إنَّ التشديد لمعرفة الصادق مِن الكاذب مع وضوح الأمر أمرٌ بعيدٌ عن الحِكمة؛ إذ "ليس يَخفى على الناس المُتصفحين حركات الصادق من حركات الكاذب، وأفعال المُتصنِّع من أفعال المَطبوع"؛ كما يقول صاحب "الهوامل والشوامل".
تكتبون لنا أحيانًا كما لو كنَّا نَمتلِك مفاتِح الغيب، أو كما لو أنَّ الرَّجم بالغيب جائزٌ علينا، مع أنَّكم أقربُ منَّا للمعرفة والتثبُّت؛ بحُكم القُرب والمُعاشَرة لأهليكم وأحبَّتكم، ولكنَّكم تُعَطِّلون البوصلة الربانيَّة التي أودَعها الله في قلوبكم؛ حيث لا تحتاج منكم إلى دراسة نفسيَّة بقَدْر ما تحتاج إلى قوة إيمانيَّة، ألا وهي حاسَّة الحَدْس والفَراسة، وأنتِ أُمٌّ، وقلَّ أن يَخِيبَ حَدْسُ الأمِّ، فصَدِّقي حَدسكِ، فأنتِ تَعلمين الصادق فيهما، ولكنَّ مشكلة الأُمَّهات أنهنَّ يَتجاهَلْنَ إشارات الحَدْس التحذيريَّة المُنبعثة مِن دواخلهنَّ؛ هَرَبًا مِن مُواجهة الواقع!
فيا أيتها الأمُّ العزيزة، لا تُنكِري شعور الخطر بداخلكِ، لا تَقولي بينكِ وبين نفسكِ: "مستحيل أن يفعلها ابني"، لا تقولي ذلك؛ لأنه حقًّا قد يَفعلُها؛ فهو بشرٌ، وليس مَلَكًا، ولأنَّكِ لستِ بأفضل مِن نبيِّ الله تعالى نوح - عليه الصلاة والسلام - في تربية ابنكِ، ومع ذلك وصَف الله تعالى ابن نوح - عليه السلام - بأنه عملٌ غير صالح: ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِين * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾[هود: 45 - 46].
لا تَغُضِّي الطرْف عن أيَّة شارة تَحذيريَّة، على أمل أن يَنصلح حالُ ابنكِ مع الزمن! كلَّا، لا تُفَكِّري على هذا النحْوِ؛ فالزمنُ ليس مسؤولًا عن تربية ابنكِ، فهذه أمانةٌ مُوكلة إليكِ وحْدكِ، وأنتِ أحقُّ بتربية ابنكِ، فلا تتخلَّي عنها للذِّئاب والكلاب مِن حولكِ!
أيهما تُصَدِّقين؟ غالب ظنِّي أنَّ ابنكِ هو مَن يقول الحقيقة؛ فهو لَم يُخْفِ عنكِ شيئًا منذ البداية، وهذا أهمُّ ما في الموضوع، ألَّا يُخفِي عنَّا الأبناء مشكلاتهم، أو المواقف التي يتعرَّضون لها، وأهم من معرفة الصادق مِن الكاذب أن تَعرفي أنتِ كيف تتعامَلين مع المشكلة بعد اكتِشافها؟
لدينا الآن ثلاثةُ أطفال، وليس طفلًا واحدًا، وينبغي أن تُعاملي الثلاثة كما لو كنتِ أُمًّا للثلاثة؛ فالأطفالُ جميعهم أبناؤنا، ولو كان بينهم ابن عدوٍّ لنا في الدِّين، فالواجبُ مُراعاته والاهتمامُ به بنفْسِ القَدْر الذي نرعى به أبناءَنا، فاتَّقي الله فيهم، واستَعملي الحِكمة في تبليغ أُمَّهاتهم بفَحوى المشكلة؛ لكي تُراعِي كلُّ أُمٍّ واجباتها التربويَّة تُجاه أبنائها، فالحقيقةُ التي يَنبغي أن نُواجِهها ونَضعها في اعتبارنا: أنَّ الطفلَ الذي يقع ضحيَّة اعتداءٍ جنسي، قد يَكبر ليُصبح رجلًا لائطًا للمُرْدِ والأطفال!
والذي يظهر لي مِن هذه المشكلة: أنَّ ابن أُختكِ العزيز قد تَعرَّض لاعتداءٍ جنسيٍّ من شخص بالغٍ، فالطفلُ لا يَسلكُ مسالك الكبار الجنسيَّة إلاَّ من وراء حادثة اعتداءٍ جنسي يتعلَّم منها هذه الممارَسة الشاذَّة، ومن بعض تأثيراتها: مُحاكاة الطفل لذلك الفعل - الذي فُعِل به - مع طفلٍ آخرَ يَصغُره، وهو ما يُفسِّر إيلاج ذَكَرِه في دُبُر ابنكِ، ثم بدَأ ابنُكِ العزيز بتجربة ذلك الفعل الشنيع مع ابن عمَّته حين رأيتِهما مُتَعَرِّيَيْن، ورُبَّما يفعل ابنُ عمَّته فِعْلهما مع طفلٍ آخرَ في العائلة... وهكذا، فإذا لَم تَجْتَمعْنَ جميعًا لتربية أبنائكنَّ على نحوٍ صحيحٍ، فَسَتَتَسَبَّبْنَ في زَرْعٍ تالفٍ يُوشِك أن تَحصُدْنَه شذوذًا جنسيًّا في السلوك!
وأوَّلُ ما ينبغي أن تَفعليه أنتِ وكلُّ أُمٍّ تَكتشف أنَّ لديها ابنًا قد تعرَّض لتحرُّشٍ جنسيٍّ: أن تَضبط نفسها، وتَستعمل الأَناةَ والحِلمَ والصبر، وتتعامَل مع الموقف بهدوءٍ وحِكمة وكياسة؛ ولا تُعاقب على الظِّنَّة، ولا تَنظر إلى ابنها وكأنه اجْتَرَم ذنبًا، فهو لَم يُذنبْ ولكنَّه مَجْنيٌّ عليه، وقد أسهَمتْ هي في إهمال واجباتها التربويَّة تُجاهه في الجناية عليه؛ فهي أوَّل مَن ينبغي مُحاسبته!
واعْلَمي - أيتها العزيزة - أنَّ دَعْمَ الطفل المُعتدَى عليه جنسيًّا - في أوَّل مراحل المشكلة - مِن أجَلِّ ما يُمكن أن تَفْعلَه الأمُّ لتطهير فِطرة ابنها مِن الشذوذ الجنسيِّ، وحماية ابنتها من التفكير الجنسي، وممارسة العادة السريَّة في الكِبَر، ولأجْل المحافظة على نفسيَّة هؤلاء الصِّغار مِن فَتْك الأمراض والاضطرابات النفسيَّة.
خُطوات الدَّعم النفسي والتربوي للطفل المُعتدَى عليه جنسيًّا:
أولاً: طَمْأَنة الطفل بأنه لا ذَنْبَ له فيما حدَث، وأنه ليس مَلُومًا، فلا يَبْتَئِس، وأنه ليس وحْده الذي حدَث له ما حدَث، فهناك أطفالٌ في كلِّ مكانٍ فوق الأرض، قد حدَث لهم ذلك، ومع ذلك لَم تتأثَّر حياتهم، وأصبَحوا متفوِّقين في دراستهم، وناجحين في أعمالهم.
ثانيًا: ألَمُ الطفل الذي تعرَّض لتحرُّشٍ جنسيٍّ من قِبَل طفلٍ آخرَ، أيسرُ ضررًا، وأهونُ أمرًا من ألَم طفلٍ تعرَّض لتحرُّشٍ مِن شخص بالغٍ، فشتَّان ما بين حال طفلٍ يُشاهد ذَكَر طفلٍ مثله، وحال طفل يُشاهد ذَكَرَ رجلٍ بالغٍ!
إنَّ رؤية هذه العَورات تتسبَّب في إحداث صدْمة نفسيَّة للطفل أو الطفلة، فلتُراعَ هذه النقطة؛ كيلا نكونَ سببًا في إحداث مزيدٍ مِن الصدمات النفسيَّة للأطفال، عبر المسالك غير التربويَّة التي يُمكن أن يتعامَل بها الآباءُ مع المشكلة، كما ينبغي التفريقُ بين دوافع الطفل الذي يتحرَّش بطفلٍ مثله، وبين دافِع رجلٍ بالغٍ حين يتحرَّش بطفلٍ؛ فذلك طفلٌ لا شَهْوةَ له، مَهْما عبَث وتمكَّن مِن الإيلاج، بينما ذاك رجلٌ شاذٌّ جنسيًّا، لا يَهدأ له بالٌ حتى يُنزِل، فما أبينَ الفَرْقَ! ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العَليِّ العظيم!
ثالثًا: توفير الحماية للطفل دون تقييد لحريَّته، فلا يَجعلُكم الخوفُ غير العقلاني مُتَسلِّطين على أبنائكم وبناتكم، لا تُقيِّدوا أنفاسَهم خوفًا عليهم، بل أَعْطُوهم حريَّتهم وسط رِقابة تربويَّة، لا تتسبَّب مستقبلًا في خَلْق مشكلاتٍ وعُقَدٍ نفسيَّة.
رابعًا: تَرْك أبواب القلب مفتوحة للأبناء؛ فإنْ هم أرادوا يومًا بثَّ الشكوى، وجَدوا أمامهم صدورًا حانِيةً، وإذا الْتَمَسوا المعرفة، وجَدوا عقولًا واعيةً، وإذا احتاجُوا الحبَّ وجَدوا قلوبًا دافئةً، لا تَدفعي بابنكِ بعيدًا عنكِ، لا تَدَعيه يبحث عنِ الحبِّ والأمان في بيتٍ غير بيتِه، لا يكن والدُ صديقه أحبَّ إليه مِن والده، ولا تَكن والدةُ صديقِه أحنَّ عليه منكِ، لا تَدفعوا أبناءَكم إلى هذا التفكير أو الشعور، أرجوكم!
خامسًا: الحوار مع طفل السادسة فما فوق يُفِيد في علاج مشكلة التحرُّش الجنسيِّ؛ ليَفهم الخطأ ويتجنَّبه، فواصِلي الحوار مع ابنكِ، الحوار - أيتها الأم الفاضلة - وليس التحقيق والاستجواب، فأنتِ تَستجوبين ابنكِ وابن أُختكِ، وتَكتبين لنا لمعرفة الصادق، لا لتَعرفي كيفيَّة التعامُل مع المشكلة! وهذه الطريقةُ في التفكير هي مشكلةٌ في حدِّ ذاتها، ينبغي أن تحلِّيها مع نفسكِ قبل البَدْء في حلِّ مشكلة هؤلاء الأطفال!
أُكرِّر مرة أخرى: الحوار مع الطفل يَعنِي فتْح قنوات التواصُل الفكري، وتبادُل الآراء والمفاهيم بيننا وبين أطفالنا، وليس معناه التحقيق والاستجْواب، أو الترويع والتهديد، ضَعي نفسَك مكان هذا الطفل، ثم تخيَّلي كيف يكون شعورُك بعد أن تَكبري.
سادسًا: التربية الجنسيَّة للطفل، مِن خلال طرْح الموضوعات التالية:
- التحدُّث مع الطفل عنْ أعضاء الجسم، ووظيفة كلِّ عضوٍ، وكيفيَّة المحافَظة عليه بَدْءًا مِنَ الرأس، وانتهاءً بأصابع القَدَمينِ، ولا تتجاهَلي العضو التناسُلي عندما تَصلين إليه، بل تحدَّثي بثقةٍ وهدوءٍ، دون أن تُشعري طفلكِ بالحرَج، أو أن تَشعري أنتِ بالخَجَل، فأنتِ مُربِّيته، وأنتِ أُمُّه، وسيتقبَّل منكِ أكثرَ مِن أيِّ شخصٍ آخرَ.
- الرد على أسئلة الطفل الجنسيَّة بلُغةٍ تَتناسب وعُمره العقلي والزمني، مع مُراعاة أنَّ بعض الأطفال أذكى مِن بعضٍ، وتَزيد أعمارُهم العقليَّة عن أعمارهم الزمنيَّة، فلتُراعَ هذه النقطة عند تقديم الأجوبة لهم.
- مع اقترابِ الطفل من سنِّ البلوغ، يُمكن البَدْء في إخبار الطفل عن علامات البلوغ بالتعاون مع المدرسة والمناهِج الدراسيَّة، مع عدم إغفال العلامات الجنسيَّة في البلوغ، فلا تَكتفي بذِكر تغيُّر صوته، وظهور الشعر في بعض المواضع مِن جسده، بل لا بدَّ من التطرُّق إلى العلامات الجنسيَّة؛ كالاحتلام عند الذُّكور، وارتباط الحيْض بالحمْل والولادة عند الإناث، وليتعاوَن الآباءُ مع الأُمَّهات في هذه المرحلة.
- من خصائص النموِّ الجنسيِّ عند الطفل قبل مرحلة دخول المدرسة الابتدائيَّة: ممارسة بعض الألعاب الاجتماعيَّة؛ كلعبة الطبيب الذي يقوم بفحْص الجسَد، ولعبة الزواج؛ حيث يبدأ الأطفال بتمثيل دور الأب والأمِّ، أو الزوج والزوجة، فإذا شُوهِد الطفل يلعب هذه الألعاب مع أترابه، فاسْتَثْمري الموقفَ للتوجيه التربوي حول بعض المفاهيم؛ كالخصوصيَّة، والاحتِشام، والحياء، والواجب، والعَوْرة.
- استثمار الدُّمَى والعرائس في الشرْح، وإيصال المعلومات الجنسيَّة للطفل؛ فعلى سبيل المثال: اطلُبي مِن ابنتكِ أن تقومَ بتغيير ملابس دُميتها، فإذا لَم تَقُم بتغيير لباسها الداخلي، فاطلُبي منها أن تفعلَ ذلك، وأخْبِريها ألاَّ تُمَكِّن أحدًا مِن النظر إلى "عورة الدُّمْيَة"، وكذلك حين تقوم بتنظيفها في الحمَّام، فنبِّهي عليها ألَّا تَسمح لأحدٍ بمشاهدة الدُّمية وهي تَستحم، وألاَّ يَلْمس أحدٌ صدرَ الدمية أو عَوْرتها، ونحو ذلك.
- استثمار رغبة الطفل في الحِفاظ على خصوصيَّته في الحمَّام، أو تغيير ملابسه؛ لتَنبيهه إلى ما هو مسموح وغير مسموح في اللَّمس أو التقبيل؛ إذ لا بدَّ أن يُربَّى الطفلُ على فَهْم العَوْرة، وخصوصيَّة المناطِق الحسَّاسة في الجسم؛ كالعضو التناسُلي، والمُؤخِّرة، والصدر، والشَّفتين.
- قد يُمارس بعضُ الأطفال سلوكًا يُشبه الاستمناء عند الكِبار، وهذا جزءٌ طبيعيٌّ مِن نموِّهم الجنسي، فإذا شُوهِد الطفلُ وهو يُمارس هذه العادة، فيَنبغي توجيهه بلُطفٍ للتوقُّف عن ذلك، مع استثمار الموقف في تربيته جنسيًّا.
- مراقَبة الظروف التي تَحدُث فيها هذه التصرُّفات الجنسيَّة المرفوضة؛ لفَهْم الأسباب والدوافع، فقد يكون السببُ وراء ذلك مشاهدةَ فيلم كرتوني، أو رؤية طفلٍ آخرَ يَفعل ذلك، أو بسبب التعب أو الغضب، ومن ثَمَّ يَسهُل علاج المشكلة بعلاج المُسبِّب.
- التعاوُن مع طبيب الأطفال لحلِّ المشكلات الجنسيَّة لدى الطفل، مع ضرورة التأكُّد من سلامة الطفل، من خلال الفَحْص الشرَجي أو المهبلي.
- تنبيه الطفل على مسألة الغُسْل متى ما شُوهِد وهو يُمارس سلوكًا جنسيًّا؛ ففي "المغني" يقول ابن قُدامة - رحمه الله -: "فإن كان الواطئُ أو المَوْطُوء صغيرًا، فقال أحمد: يجب عليهما الغُسْل، وقال: إذا أتى على الصَّبِيَّة تسعُ سنين، ومثلها يُوطَأ، وجَب عليها الغُسل، وسُئِل عنِ الغلام يُجامِع مثله ولَم يَبلُغْ، فجامَعَ المرأة، يكون عليهما جميعًا الغُسل؟ قال: نعم، قيل له: أنْزَل أو لَم يُنْزِل؟ قال: نعم".
سابعًا: مُراقبة المواد المعروضة على شاشة التلفاز، أو الإنترنت أو الجوَّال، فلا يُترك الطفل ليُشاهد الرسوم المتحرِّكة بمفرده، بل على الآباء مشاركتهم بقَدْر ما يتَّسع لهم من الوقت.
ثامنًا: عدم تَرْك الصِّبيان والبنات مع المحارِم بمفردهم، ولو كان هذا المَحرم عمًّا أو خالًا؛ فإنكم لا تَعلمون كيف قد يَحتال الشيطانُ عليهم بهؤلاء الصِّغار في أوقات خَلواتهم بهم؟!
تاسعًا: غَرْس التقوى والمخافة مِن الله - عز وجل - في نفوس الصِّغار، وأنَّ الله - تعالى - يَسمعهم ويراهم؛ اقتداءً بفِعْل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع البحر ابنِ عباس - رضي الله عنه - عندما كان غلامًا؛ فعنِ ابن عباس قال: كنتُ خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال: ((يا غلام، إني أُعَلِّمك كلماتٍ، احْفَظ الله يَحفظْك، احْفَظ الله تَجِده تُجاهكَ، إذا سَأَلتَ فاسْأَل الله، وإذا اسْتَعنتَ فاسْتَعِن بالله، واعْلَم أنَّ الأُمَّة لو اجْتَمَعتْ على أن يَنفعوك بشيءٍ، لَم يَنفعوك إلاَّ بشيءٍ قد كتبَه الله لك، ولو اجْتَمعوا على أن يَضروك بشيءٍ، لَم يَضروك إلاَّ بشيءٍ قد كتَبه الله عليك، رُفِعَت الأقلامُ، وجَفَّت الصُّحف))؛ رواه التِّرمذي.
عاشرًا: الحِرْص على انتقاء الملابس المُحتشمة المناسبة للأطفال، وعدم الانسياق إلى الموضة التي تَستهدف تعويد أطفالنا على التعرِّي وعدم الاحْتِشام، وخصوصًا تلك البنطلونات الضيِّقة أو المُمزَّقة أو المُسترخية تحت الخاصرة؛ حتى تكاد تقعَ، وتقع معها قلوبُنا، ويَرحم الله الصِّدِّيق أبا بكر - رضي الله عنه - حيث قال: "يا رسول الله، إنَّ أحدَ شقَّي ثوبي يَسترخِي، إلَّا أنْ أتعاهَد ذلك منه"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّك لستَ تَصنع ذلك خُيلاء))؛ رواه البخاري.
على أني أرى ملابسَ الأطفال في المتاجر الأوروبيَّة غايةً في الاحتشام؛ فلقد أصبَح لَدَيهم ثقافة تربويَّة لحماية أطفالهم مِن التحرُّش الجنسيِّ، فلنَتنبَّه نحن إلى أطفالنا؛ فنحن أَوْلى بالاقتداء بحياء موسى - عليه السلام - منهم؛ فعن عبدالله بن شقيق قال: أنبأنا أبو هريرة قال: "كان موسى - عليه السلام - رجلاً حَيِيًّا، قال: فكان لا يُرى مُتجرِّدًا، قال: فقال بنو إسرائيل: إنه آدَرُ، قال: فاغْتَسَل عند مُوَيْهٍ، فوضَع ثوبه على حجرٍ، فانطَلق الحجر يسعى، واتَّبعه بعصاه يَضربه، ويقول: ثوبي حجَرُ، ثوبي حَجرُ، حتى وقَف على ملأٍ من بني إسرائيل، ونزَلت: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ [الأحزاب: 69]"؛ رواه مسلم.
حادي عشر: إذا كان الطفلُ مُضطربًا أو يُعاني من مشكلات نفسيَّة، فلا بدَّ من إخضاعه لعلاجٍ نفسيٍّ، ومن أنفع العلاجات المُقدَّمة للأطفال المُعتدى عليهم جنسيًّا: علاجات الصدمة المرتكزة على العلاج المعرفي السلوكيTrauma-Focused Cognitive Behavioral Therapy.
ثاني عشر: ثَمَّة كتبٌ مفيدة في التربية الجنسيَّة لمساعدة الوالدين في هذا الباب؛ مثل:
1- كتاب "التربية الجنسيَّة للأطفال والمراهقين"؛ تأليف غولد جيكان ليافيشينا؛ ترجمة: د. نزار عيون السود.
2- كتاب " التربية الجنسيَّة للأطفال والبالغين"؛ تأليف أ. يوسف مدن.
3- كتاب "دليل الآباء العلمي في التربية الجنسيَّة لأبنائهم"؛ تأليف د. أحمد عبداللطيف، ود. فايزة الشمالي.
4- كتاب "التربية الجنسيَّة للأطفال والمراهقين"؛ تأليف د. أحمد عبدالكريم حمزة، ود. محمد أحمد خطاب.
5- كتاب "التربية الجنسيَّة في الإسلام"؛ تأليف سعيد إسماعيل القاضي.
أرجو منكِ أن تتعاوَني مع شقيقتكِ العزيزة وشقيقة زوجكِ في مُعالجة الموقف تربويًّا بدون حَزازات وتلاوُمٍ؛ فما حصَل لا يَنفع فيه اللومُ والعتاب، ولكن ما ينفع هو التعاون والتصرُّف بحِكمةٍ وضبْط نفْسٍ.
واللهَ أسأل أن يُعينَكُنَّ على تربية أبنائكنَّ، ويُقِرَّ أعينكنَّ بهم، ويُصلح لكنَّ أولادَكنَّ، ويَعصمهم من الفِسْق والفجور، وطلب الحرام والتعرُّض للآثام، وأن يَهديهم لِما فيه خيرُهم ونفْعُ أُمَّتهم، آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وإليه المَرجع والمآب
أ. عائشة الحكمي
أساتذتي الكِرام، أطرحُ مشكلتي بين أيديكم، وأرجو مِنَ الله ثم منكم أن أَجِد الجواب الشافي.
عندي ابنٌ في المرحلة الابتدائيَّة، وابن أُختي أكبر منه، دخَلتُ على ابني وهو يَلْعَب مع ابنِ عمَّته، ويقومان بخلْع ملابسهما؛ ليُرِيَ كلٌّ منهما الآخرَ ملابسَه الداخليَّة، وعندما رأيتُ ذلك غَضِبتُ وسألْتُهما، فاعْتَرَف ابني أنه مَن طلَب مِن ابن عمَّته فِعْلَ ذلك! وأنَّ ابن أُختي هو مَن علَّمه هذه الأمور، وعندما سألتُه: هل فَعَلَ معكَ ذلك؟ أخبَرَني أنه طلَب منه أن يَخْلع ملابسه، وقد استجابَ وفعَل ذلك!
طلَبتُ منه إخباري بالمزيد، ولكنَّه لَم يُخبِرني بأكثر مِن ذلك، وعندما سألتُه: هل تحرش جنسياً؟ أجاب: نعم، وسألتُه: أين؟ أشار إلى فتحة الشرج!
وعندما أحضَرتُ ابن أُختي وسألتُه عنِ الموضوع، وأخبَرتُه بما قالَه ابني، أنكَر كلَّ ذلك، وأخَذ يبكي ويُدافع عن نفسه، فمَن أُصَدِّق فيهما؟ وكيف أعْرِف أن ابني صادقٌ في اتِّهامه له؟ عِلمًا بأنَّ ابني يُعاني مِنَ القلَق، ويقوم بجَرْح نفسه مِن غير سببٍ واضحٍ؛ إمَّا بحكِّ جسْمِه، أو عضِّ يده، وكذلك يُعاني من الخوف
أرجوكم ساعدوني لأَعْرِف الحقيقة، أرجو السرعة في الردِّ؛ لأنَّ الموضوع أتْعَبني جدًّا، ولكم مني جزيلُ الشكر.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الهادي إلى الصواب
وهو المستعان
"عندما نُربِّي أطفالًا، تكون كلُّ بُغْيتنا أن يَدَعُونا في سلامٍ، وألاَّ نضطرَّ إلى مواجهة مشكلات، وباختصار نَرمي إلى أن نجعلَ من طفلنا "طفلًا نموذجيًّا" دون أن نتساءَل:
هل هذه الطريقة في التصرُّف صالحة أو طالحة بالنسبة للطفل؟!"؛ هانز الصغير؛ فرويد".
أيتها الأمُّ العزيزة، يقول جان جاك روسو في كتابه "إيميل": "وإذا حدَث في غيابي خطأٌ أجهلُ فاعلَه، فسأتحرَّج أن أسألَ "إيميل": أهو أنتَ؟! فليس لسؤالي هذا أيَّة فائدة، إلاَّ أن أُعَلِّمه الإنكار، وما من سؤال أشدُّ ثقلًا من هذا السؤال، لا سيَّما حين يكون الطفل مُذنبًا".
فإن أردتِ أن تعرفي أيهما أصدق، فلا تَدفعي بهما إلى الكذب؛ ولكن عليك بهذا الأسلوب الذي انْتَهَجتِه مع ابن أُختكِ، ثم إنَّ التشديد لمعرفة الصادق مِن الكاذب مع وضوح الأمر أمرٌ بعيدٌ عن الحِكمة؛ إذ "ليس يَخفى على الناس المُتصفحين حركات الصادق من حركات الكاذب، وأفعال المُتصنِّع من أفعال المَطبوع"؛ كما يقول صاحب "الهوامل والشوامل".
تكتبون لنا أحيانًا كما لو كنَّا نَمتلِك مفاتِح الغيب، أو كما لو أنَّ الرَّجم بالغيب جائزٌ علينا، مع أنَّكم أقربُ منَّا للمعرفة والتثبُّت؛ بحُكم القُرب والمُعاشَرة لأهليكم وأحبَّتكم، ولكنَّكم تُعَطِّلون البوصلة الربانيَّة التي أودَعها الله في قلوبكم؛ حيث لا تحتاج منكم إلى دراسة نفسيَّة بقَدْر ما تحتاج إلى قوة إيمانيَّة، ألا وهي حاسَّة الحَدْس والفَراسة، وأنتِ أُمٌّ، وقلَّ أن يَخِيبَ حَدْسُ الأمِّ، فصَدِّقي حَدسكِ، فأنتِ تَعلمين الصادق فيهما، ولكنَّ مشكلة الأُمَّهات أنهنَّ يَتجاهَلْنَ إشارات الحَدْس التحذيريَّة المُنبعثة مِن دواخلهنَّ؛ هَرَبًا مِن مُواجهة الواقع!
فيا أيتها الأمُّ العزيزة، لا تُنكِري شعور الخطر بداخلكِ، لا تَقولي بينكِ وبين نفسكِ: "مستحيل أن يفعلها ابني"، لا تقولي ذلك؛ لأنه حقًّا قد يَفعلُها؛ فهو بشرٌ، وليس مَلَكًا، ولأنَّكِ لستِ بأفضل مِن نبيِّ الله تعالى نوح - عليه الصلاة والسلام - في تربية ابنكِ، ومع ذلك وصَف الله تعالى ابن نوح - عليه السلام - بأنه عملٌ غير صالح: ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِين * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾[هود: 45 - 46].
لا تَغُضِّي الطرْف عن أيَّة شارة تَحذيريَّة، على أمل أن يَنصلح حالُ ابنكِ مع الزمن! كلَّا، لا تُفَكِّري على هذا النحْوِ؛ فالزمنُ ليس مسؤولًا عن تربية ابنكِ، فهذه أمانةٌ مُوكلة إليكِ وحْدكِ، وأنتِ أحقُّ بتربية ابنكِ، فلا تتخلَّي عنها للذِّئاب والكلاب مِن حولكِ!
أيهما تُصَدِّقين؟ غالب ظنِّي أنَّ ابنكِ هو مَن يقول الحقيقة؛ فهو لَم يُخْفِ عنكِ شيئًا منذ البداية، وهذا أهمُّ ما في الموضوع، ألَّا يُخفِي عنَّا الأبناء مشكلاتهم، أو المواقف التي يتعرَّضون لها، وأهم من معرفة الصادق مِن الكاذب أن تَعرفي أنتِ كيف تتعامَلين مع المشكلة بعد اكتِشافها؟
لدينا الآن ثلاثةُ أطفال، وليس طفلًا واحدًا، وينبغي أن تُعاملي الثلاثة كما لو كنتِ أُمًّا للثلاثة؛ فالأطفالُ جميعهم أبناؤنا، ولو كان بينهم ابن عدوٍّ لنا في الدِّين، فالواجبُ مُراعاته والاهتمامُ به بنفْسِ القَدْر الذي نرعى به أبناءَنا، فاتَّقي الله فيهم، واستَعملي الحِكمة في تبليغ أُمَّهاتهم بفَحوى المشكلة؛ لكي تُراعِي كلُّ أُمٍّ واجباتها التربويَّة تُجاه أبنائها، فالحقيقةُ التي يَنبغي أن نُواجِهها ونَضعها في اعتبارنا: أنَّ الطفلَ الذي يقع ضحيَّة اعتداءٍ جنسي، قد يَكبر ليُصبح رجلًا لائطًا للمُرْدِ والأطفال!
والذي يظهر لي مِن هذه المشكلة: أنَّ ابن أُختكِ العزيز قد تَعرَّض لاعتداءٍ جنسيٍّ من شخص بالغٍ، فالطفلُ لا يَسلكُ مسالك الكبار الجنسيَّة إلاَّ من وراء حادثة اعتداءٍ جنسي يتعلَّم منها هذه الممارَسة الشاذَّة، ومن بعض تأثيراتها: مُحاكاة الطفل لذلك الفعل - الذي فُعِل به - مع طفلٍ آخرَ يَصغُره، وهو ما يُفسِّر إيلاج ذَكَرِه في دُبُر ابنكِ، ثم بدَأ ابنُكِ العزيز بتجربة ذلك الفعل الشنيع مع ابن عمَّته حين رأيتِهما مُتَعَرِّيَيْن، ورُبَّما يفعل ابنُ عمَّته فِعْلهما مع طفلٍ آخرَ في العائلة... وهكذا، فإذا لَم تَجْتَمعْنَ جميعًا لتربية أبنائكنَّ على نحوٍ صحيحٍ، فَسَتَتَسَبَّبْنَ في زَرْعٍ تالفٍ يُوشِك أن تَحصُدْنَه شذوذًا جنسيًّا في السلوك!
وأوَّلُ ما ينبغي أن تَفعليه أنتِ وكلُّ أُمٍّ تَكتشف أنَّ لديها ابنًا قد تعرَّض لتحرُّشٍ جنسيٍّ: أن تَضبط نفسها، وتَستعمل الأَناةَ والحِلمَ والصبر، وتتعامَل مع الموقف بهدوءٍ وحِكمة وكياسة؛ ولا تُعاقب على الظِّنَّة، ولا تَنظر إلى ابنها وكأنه اجْتَرَم ذنبًا، فهو لَم يُذنبْ ولكنَّه مَجْنيٌّ عليه، وقد أسهَمتْ هي في إهمال واجباتها التربويَّة تُجاهه في الجناية عليه؛ فهي أوَّل مَن ينبغي مُحاسبته!
واعْلَمي - أيتها العزيزة - أنَّ دَعْمَ الطفل المُعتدَى عليه جنسيًّا - في أوَّل مراحل المشكلة - مِن أجَلِّ ما يُمكن أن تَفْعلَه الأمُّ لتطهير فِطرة ابنها مِن الشذوذ الجنسيِّ، وحماية ابنتها من التفكير الجنسي، وممارسة العادة السريَّة في الكِبَر، ولأجْل المحافظة على نفسيَّة هؤلاء الصِّغار مِن فَتْك الأمراض والاضطرابات النفسيَّة.
خُطوات الدَّعم النفسي والتربوي للطفل المُعتدَى عليه جنسيًّا:
أولاً: طَمْأَنة الطفل بأنه لا ذَنْبَ له فيما حدَث، وأنه ليس مَلُومًا، فلا يَبْتَئِس، وأنه ليس وحْده الذي حدَث له ما حدَث، فهناك أطفالٌ في كلِّ مكانٍ فوق الأرض، قد حدَث لهم ذلك، ومع ذلك لَم تتأثَّر حياتهم، وأصبَحوا متفوِّقين في دراستهم، وناجحين في أعمالهم.
ثانيًا: ألَمُ الطفل الذي تعرَّض لتحرُّشٍ جنسيٍّ من قِبَل طفلٍ آخرَ، أيسرُ ضررًا، وأهونُ أمرًا من ألَم طفلٍ تعرَّض لتحرُّشٍ مِن شخص بالغٍ، فشتَّان ما بين حال طفلٍ يُشاهد ذَكَر طفلٍ مثله، وحال طفل يُشاهد ذَكَرَ رجلٍ بالغٍ!
إنَّ رؤية هذه العَورات تتسبَّب في إحداث صدْمة نفسيَّة للطفل أو الطفلة، فلتُراعَ هذه النقطة؛ كيلا نكونَ سببًا في إحداث مزيدٍ مِن الصدمات النفسيَّة للأطفال، عبر المسالك غير التربويَّة التي يُمكن أن يتعامَل بها الآباءُ مع المشكلة، كما ينبغي التفريقُ بين دوافع الطفل الذي يتحرَّش بطفلٍ مثله، وبين دافِع رجلٍ بالغٍ حين يتحرَّش بطفلٍ؛ فذلك طفلٌ لا شَهْوةَ له، مَهْما عبَث وتمكَّن مِن الإيلاج، بينما ذاك رجلٌ شاذٌّ جنسيًّا، لا يَهدأ له بالٌ حتى يُنزِل، فما أبينَ الفَرْقَ! ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العَليِّ العظيم!
ثالثًا: توفير الحماية للطفل دون تقييد لحريَّته، فلا يَجعلُكم الخوفُ غير العقلاني مُتَسلِّطين على أبنائكم وبناتكم، لا تُقيِّدوا أنفاسَهم خوفًا عليهم، بل أَعْطُوهم حريَّتهم وسط رِقابة تربويَّة، لا تتسبَّب مستقبلًا في خَلْق مشكلاتٍ وعُقَدٍ نفسيَّة.
رابعًا: تَرْك أبواب القلب مفتوحة للأبناء؛ فإنْ هم أرادوا يومًا بثَّ الشكوى، وجَدوا أمامهم صدورًا حانِيةً، وإذا الْتَمَسوا المعرفة، وجَدوا عقولًا واعيةً، وإذا احتاجُوا الحبَّ وجَدوا قلوبًا دافئةً، لا تَدفعي بابنكِ بعيدًا عنكِ، لا تَدَعيه يبحث عنِ الحبِّ والأمان في بيتٍ غير بيتِه، لا يكن والدُ صديقه أحبَّ إليه مِن والده، ولا تَكن والدةُ صديقِه أحنَّ عليه منكِ، لا تَدفعوا أبناءَكم إلى هذا التفكير أو الشعور، أرجوكم!
خامسًا: الحوار مع طفل السادسة فما فوق يُفِيد في علاج مشكلة التحرُّش الجنسيِّ؛ ليَفهم الخطأ ويتجنَّبه، فواصِلي الحوار مع ابنكِ، الحوار - أيتها الأم الفاضلة - وليس التحقيق والاستجواب، فأنتِ تَستجوبين ابنكِ وابن أُختكِ، وتَكتبين لنا لمعرفة الصادق، لا لتَعرفي كيفيَّة التعامُل مع المشكلة! وهذه الطريقةُ في التفكير هي مشكلةٌ في حدِّ ذاتها، ينبغي أن تحلِّيها مع نفسكِ قبل البَدْء في حلِّ مشكلة هؤلاء الأطفال!
أُكرِّر مرة أخرى: الحوار مع الطفل يَعنِي فتْح قنوات التواصُل الفكري، وتبادُل الآراء والمفاهيم بيننا وبين أطفالنا، وليس معناه التحقيق والاستجْواب، أو الترويع والتهديد، ضَعي نفسَك مكان هذا الطفل، ثم تخيَّلي كيف يكون شعورُك بعد أن تَكبري.
سادسًا: التربية الجنسيَّة للطفل، مِن خلال طرْح الموضوعات التالية:
- التحدُّث مع الطفل عنْ أعضاء الجسم، ووظيفة كلِّ عضوٍ، وكيفيَّة المحافَظة عليه بَدْءًا مِنَ الرأس، وانتهاءً بأصابع القَدَمينِ، ولا تتجاهَلي العضو التناسُلي عندما تَصلين إليه، بل تحدَّثي بثقةٍ وهدوءٍ، دون أن تُشعري طفلكِ بالحرَج، أو أن تَشعري أنتِ بالخَجَل، فأنتِ مُربِّيته، وأنتِ أُمُّه، وسيتقبَّل منكِ أكثرَ مِن أيِّ شخصٍ آخرَ.
- الرد على أسئلة الطفل الجنسيَّة بلُغةٍ تَتناسب وعُمره العقلي والزمني، مع مُراعاة أنَّ بعض الأطفال أذكى مِن بعضٍ، وتَزيد أعمارُهم العقليَّة عن أعمارهم الزمنيَّة، فلتُراعَ هذه النقطة عند تقديم الأجوبة لهم.
- مع اقترابِ الطفل من سنِّ البلوغ، يُمكن البَدْء في إخبار الطفل عن علامات البلوغ بالتعاون مع المدرسة والمناهِج الدراسيَّة، مع عدم إغفال العلامات الجنسيَّة في البلوغ، فلا تَكتفي بذِكر تغيُّر صوته، وظهور الشعر في بعض المواضع مِن جسده، بل لا بدَّ من التطرُّق إلى العلامات الجنسيَّة؛ كالاحتلام عند الذُّكور، وارتباط الحيْض بالحمْل والولادة عند الإناث، وليتعاوَن الآباءُ مع الأُمَّهات في هذه المرحلة.
- من خصائص النموِّ الجنسيِّ عند الطفل قبل مرحلة دخول المدرسة الابتدائيَّة: ممارسة بعض الألعاب الاجتماعيَّة؛ كلعبة الطبيب الذي يقوم بفحْص الجسَد، ولعبة الزواج؛ حيث يبدأ الأطفال بتمثيل دور الأب والأمِّ، أو الزوج والزوجة، فإذا شُوهِد الطفل يلعب هذه الألعاب مع أترابه، فاسْتَثْمري الموقفَ للتوجيه التربوي حول بعض المفاهيم؛ كالخصوصيَّة، والاحتِشام، والحياء، والواجب، والعَوْرة.
- استثمار الدُّمَى والعرائس في الشرْح، وإيصال المعلومات الجنسيَّة للطفل؛ فعلى سبيل المثال: اطلُبي مِن ابنتكِ أن تقومَ بتغيير ملابس دُميتها، فإذا لَم تَقُم بتغيير لباسها الداخلي، فاطلُبي منها أن تفعلَ ذلك، وأخْبِريها ألاَّ تُمَكِّن أحدًا مِن النظر إلى "عورة الدُّمْيَة"، وكذلك حين تقوم بتنظيفها في الحمَّام، فنبِّهي عليها ألَّا تَسمح لأحدٍ بمشاهدة الدُّمية وهي تَستحم، وألاَّ يَلْمس أحدٌ صدرَ الدمية أو عَوْرتها، ونحو ذلك.
- استثمار رغبة الطفل في الحِفاظ على خصوصيَّته في الحمَّام، أو تغيير ملابسه؛ لتَنبيهه إلى ما هو مسموح وغير مسموح في اللَّمس أو التقبيل؛ إذ لا بدَّ أن يُربَّى الطفلُ على فَهْم العَوْرة، وخصوصيَّة المناطِق الحسَّاسة في الجسم؛ كالعضو التناسُلي، والمُؤخِّرة، والصدر، والشَّفتين.
- قد يُمارس بعضُ الأطفال سلوكًا يُشبه الاستمناء عند الكِبار، وهذا جزءٌ طبيعيٌّ مِن نموِّهم الجنسي، فإذا شُوهِد الطفلُ وهو يُمارس هذه العادة، فيَنبغي توجيهه بلُطفٍ للتوقُّف عن ذلك، مع استثمار الموقف في تربيته جنسيًّا.
- مراقَبة الظروف التي تَحدُث فيها هذه التصرُّفات الجنسيَّة المرفوضة؛ لفَهْم الأسباب والدوافع، فقد يكون السببُ وراء ذلك مشاهدةَ فيلم كرتوني، أو رؤية طفلٍ آخرَ يَفعل ذلك، أو بسبب التعب أو الغضب، ومن ثَمَّ يَسهُل علاج المشكلة بعلاج المُسبِّب.
- التعاوُن مع طبيب الأطفال لحلِّ المشكلات الجنسيَّة لدى الطفل، مع ضرورة التأكُّد من سلامة الطفل، من خلال الفَحْص الشرَجي أو المهبلي.
- تنبيه الطفل على مسألة الغُسْل متى ما شُوهِد وهو يُمارس سلوكًا جنسيًّا؛ ففي "المغني" يقول ابن قُدامة - رحمه الله -: "فإن كان الواطئُ أو المَوْطُوء صغيرًا، فقال أحمد: يجب عليهما الغُسْل، وقال: إذا أتى على الصَّبِيَّة تسعُ سنين، ومثلها يُوطَأ، وجَب عليها الغُسل، وسُئِل عنِ الغلام يُجامِع مثله ولَم يَبلُغْ، فجامَعَ المرأة، يكون عليهما جميعًا الغُسل؟ قال: نعم، قيل له: أنْزَل أو لَم يُنْزِل؟ قال: نعم".
سابعًا: مُراقبة المواد المعروضة على شاشة التلفاز، أو الإنترنت أو الجوَّال، فلا يُترك الطفل ليُشاهد الرسوم المتحرِّكة بمفرده، بل على الآباء مشاركتهم بقَدْر ما يتَّسع لهم من الوقت.
ثامنًا: عدم تَرْك الصِّبيان والبنات مع المحارِم بمفردهم، ولو كان هذا المَحرم عمًّا أو خالًا؛ فإنكم لا تَعلمون كيف قد يَحتال الشيطانُ عليهم بهؤلاء الصِّغار في أوقات خَلواتهم بهم؟!
تاسعًا: غَرْس التقوى والمخافة مِن الله - عز وجل - في نفوس الصِّغار، وأنَّ الله - تعالى - يَسمعهم ويراهم؛ اقتداءً بفِعْل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع البحر ابنِ عباس - رضي الله عنه - عندما كان غلامًا؛ فعنِ ابن عباس قال: كنتُ خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال: ((يا غلام، إني أُعَلِّمك كلماتٍ، احْفَظ الله يَحفظْك، احْفَظ الله تَجِده تُجاهكَ، إذا سَأَلتَ فاسْأَل الله، وإذا اسْتَعنتَ فاسْتَعِن بالله، واعْلَم أنَّ الأُمَّة لو اجْتَمَعتْ على أن يَنفعوك بشيءٍ، لَم يَنفعوك إلاَّ بشيءٍ قد كتبَه الله لك، ولو اجْتَمعوا على أن يَضروك بشيءٍ، لَم يَضروك إلاَّ بشيءٍ قد كتَبه الله عليك، رُفِعَت الأقلامُ، وجَفَّت الصُّحف))؛ رواه التِّرمذي.
عاشرًا: الحِرْص على انتقاء الملابس المُحتشمة المناسبة للأطفال، وعدم الانسياق إلى الموضة التي تَستهدف تعويد أطفالنا على التعرِّي وعدم الاحْتِشام، وخصوصًا تلك البنطلونات الضيِّقة أو المُمزَّقة أو المُسترخية تحت الخاصرة؛ حتى تكاد تقعَ، وتقع معها قلوبُنا، ويَرحم الله الصِّدِّيق أبا بكر - رضي الله عنه - حيث قال: "يا رسول الله، إنَّ أحدَ شقَّي ثوبي يَسترخِي، إلَّا أنْ أتعاهَد ذلك منه"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّك لستَ تَصنع ذلك خُيلاء))؛ رواه البخاري.
على أني أرى ملابسَ الأطفال في المتاجر الأوروبيَّة غايةً في الاحتشام؛ فلقد أصبَح لَدَيهم ثقافة تربويَّة لحماية أطفالهم مِن التحرُّش الجنسيِّ، فلنَتنبَّه نحن إلى أطفالنا؛ فنحن أَوْلى بالاقتداء بحياء موسى - عليه السلام - منهم؛ فعن عبدالله بن شقيق قال: أنبأنا أبو هريرة قال: "كان موسى - عليه السلام - رجلاً حَيِيًّا، قال: فكان لا يُرى مُتجرِّدًا، قال: فقال بنو إسرائيل: إنه آدَرُ، قال: فاغْتَسَل عند مُوَيْهٍ، فوضَع ثوبه على حجرٍ، فانطَلق الحجر يسعى، واتَّبعه بعصاه يَضربه، ويقول: ثوبي حجَرُ، ثوبي حَجرُ، حتى وقَف على ملأٍ من بني إسرائيل، ونزَلت: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ [الأحزاب: 69]"؛ رواه مسلم.
حادي عشر: إذا كان الطفلُ مُضطربًا أو يُعاني من مشكلات نفسيَّة، فلا بدَّ من إخضاعه لعلاجٍ نفسيٍّ، ومن أنفع العلاجات المُقدَّمة للأطفال المُعتدى عليهم جنسيًّا: علاجات الصدمة المرتكزة على العلاج المعرفي السلوكيTrauma-Focused Cognitive Behavioral Therapy.
ثاني عشر: ثَمَّة كتبٌ مفيدة في التربية الجنسيَّة لمساعدة الوالدين في هذا الباب؛ مثل:
1- كتاب "التربية الجنسيَّة للأطفال والمراهقين"؛ تأليف غولد جيكان ليافيشينا؛ ترجمة: د. نزار عيون السود.
2- كتاب " التربية الجنسيَّة للأطفال والبالغين"؛ تأليف أ. يوسف مدن.
3- كتاب "دليل الآباء العلمي في التربية الجنسيَّة لأبنائهم"؛ تأليف د. أحمد عبداللطيف، ود. فايزة الشمالي.
4- كتاب "التربية الجنسيَّة للأطفال والمراهقين"؛ تأليف د. أحمد عبدالكريم حمزة، ود. محمد أحمد خطاب.
5- كتاب "التربية الجنسيَّة في الإسلام"؛ تأليف سعيد إسماعيل القاضي.
أرجو منكِ أن تتعاوَني مع شقيقتكِ العزيزة وشقيقة زوجكِ في مُعالجة الموقف تربويًّا بدون حَزازات وتلاوُمٍ؛ فما حصَل لا يَنفع فيه اللومُ والعتاب، ولكن ما ينفع هو التعاون والتصرُّف بحِكمةٍ وضبْط نفْسٍ.
واللهَ أسأل أن يُعينَكُنَّ على تربية أبنائكنَّ، ويُقِرَّ أعينكنَّ بهم، ويُصلح لكنَّ أولادَكنَّ، ويَعصمهم من الفِسْق والفجور، وطلب الحرام والتعرُّض للآثام، وأن يَهديهم لِما فيه خيرُهم ونفْعُ أُمَّتهم، آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وإليه المَرجع والمآب
أ. عائشة الحكمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..