الجمعة، 16 نوفمبر 2012

هذا القرآن .. تعريف الوحي وأشكاله وأحكامه

1- قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ﴾ [الشورى: 51].
تدلُّ مادةُ الوحي في اللُّغة على إفادة معنَى السرعة والخفاء، وزعَم صاحب "الأساس" أنَّها تدلُّ على "الإخفاء عن الغير"؛ قال في الأساس: أوحى وأوْمَى بمعنًى، ووحيتَ إليه وأوحيتَ إذا كلمته بما تُخفِيه عن غيره.

 وقال الراغب: أصلُ الوحي الإشارةُ السريعةُ؛ ولتضمُّنِ السرعة قيل: أمر وحي (أي سريع)، وذلك يكون بالكلامِ على سبيلِ الرمز والتعريض، وقد يكون بصوتٍ مجرد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح وبالكتابة، وقد حُمِل على ذلك قوله -تعالى- عن زكريا: ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾ [مريم: 11] فقيل: رمز، وقيل: كتب.

 وقال في المصباح: "الوحا: السُّرعة، يُمدُّ ويُقصر، وموت وَحِيٌّ مِثل سريع وَزْنًا ومعنًى".
ويتخرَّج على ما ذكَرْنا من معاني اللفظ، قوله -تعالى-: ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ﴾ [النحل: 68]؛ أي: ألهمها.

وقوله: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ [الأنعام: 112]، وقوله: ﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ ﴾ [الأنعام: 121]، فقد استعمل في الدَّلالة على الوساوسِ الخبيثة التي يَتبادلها الشياطينُ، أو يبثونها إلى قُرنائهم، وذلك إنما يكون في خفاء.



وذكَر الشيخُ رشيد رضا - أنَّ القول الجامِع في معنى الوحي لُغةَّ أنه "الإعلامُ الخفي السريع الخاص بمَن يُوجَّه إليه بحيث يخفَى عن الغير".



وإنَّ وحي الله إلى أنبيائه قد رُوعي فيه المعنيان الأصليان لهذه المادَّة، وهما الخفاء والسُّرعة فقط.



ويبدو لنا أنَّ "حيثية الإخفاء عن الغير" التي ذكَرها الشيخ في تعريفه الجامع - كما قال - معتمدًا على ما ورَد في "الأساس" مما أثبتْناه أمامك، ليست مدلولاً وضعيًّا للكلمة، وإنَّما هي معنى لازم للمعنَى الوضعي؛ لأنَّ ما كان خفيًّا كان مِن شأنه أن يخفَى عن الغَير، وليس للكلمة معنى موضوع إلا الإعلام الخَفِي السريع، بل قال الزَّجَّاجُ: الوحي هو الإعلامُ على جِهةِ الخفاء، واقتصر على ذلك، ولم نجِد شاهدًا في اللغة استُعمِلت فيه كلمة الوحي متضمِّنة القصد إلى إخفاءِ الموحَى به عن الغير: وقد تتبعْنا مواردَ استعمال هذه الكلمة في القرآن في نحوِ ثمانين موضعًا، فلم نرَ القرآن استعملها لا في الحديثِ عن الأنبياء، ولا في الحديثِ عن غيرهم، وهي تُعطي معنى قصْد الإخفاء عن الغير، بل أكثر معانيها لا يُفهم منه إلا الإعلام على جِهة الخفاء فقط.



وإذًا فيترجَّح عندنا أنَّ الكلمة ليس لها معنًى تطابقي موضوع إلا الإعلام الخفِي السريع، وهما المعنيان الأصليَّان اللَّذان جرَى على أدائهما مِن كلمة "الوحي" خِطاب الله المتعلِّق بأنبيائه وبغيرهم، وليس للكلمة معنًى أصلي غيرهما.



2- وأمَّا بيان الوحي شرعًا فنذكُر هنا التعريف الذي قدَّمه الشيخ محمَّد عبده وأهل العلم، ثم نعقِّب برأينا: قال الشيخ - رحمه الله - في رسالة التوحيد - بعد أن عَرَّف الوحي لُغة بما لا يخرُج عمَّا قلنا -: "وقد عرَّفوه شرعًا - أي: الوحي - بأنَّه إعلام الله لنبيٍّ مِن أنبيائه بحُكم شرعي ونحوه، أمَّا نحن فنعرِّفه على شرطنا: "بأنَّه عرفان يجِدُه الشخص من نفْسِه مع اليقين بأنَّه مِن قِبل الله تعالى بواسطةٍ أو بغير واسطة".



فقدْ أعلنَ الشيخُ أنه لا يَرتضي تعريفَ غيره، وأنَّه يخترع للوحي تعريفًا مبتكرًا على شرْطه هو، وليس هذا الادِّعاءُ من الشيخ محمَّد عبده صحيحًا على إطلاقه، فقد سبَقَه ابنُ كثير صاحب التفسير إلى هذا المعنى، فقال: "وهو - الوحي - أنَّه - تبارك وتعالى - تارةً: يقذف في رُوع الملَك - أي في قلبه - شيئًا لا يتمارى (أي: لا يشك) أنَّه من الله - عزَّ وجلَّ"، فأنت ترَى أنَّ الكلامين واحد، ولغير ابن كثيرٍ مِن السابقين في تعريفِ الوحي ما يؤصِّل المعنى الذي ذكَره الشيخ عبده: فهم يقولون كما يقول ابنُ أمير حاج: إنَّ الله يخلُقْ في نفس النبيِّ علمًا ضروريًّا" بأنَّ ما ألقى في نفْسه الملك، أو عن غيرِ طريق الملك، إنَّما هو إلْقاء من قِبل الله، وليس المرادُ بالعلم الضروري في كلامهم إلا اليقينَ الذي تسكُن إليه النفس سكونًا تامًّا.



فقدْ تبيَّن لك الآن حقيقةُ الوحي في لِسان الشرع - وأنَّه عِرفان يجده المرءُ في نفسِه مع اليقين بأنَّه من قِبل الله، ومردُّ هذا اليقين إلى وجودِ علمٍ ضروريٍّ يخلُقه الله في إدراك هذا الشخص بأنَّ ما وقَر في خَلَده إنما هو بفِعل الله تعالى.



3- وقد كان هذا التعريفُ صحيحًا قبل ما تظهر شُبهة "المستشرقين" التي فصلناها في مقالِنا السابق، وهي الشبهة الغليظة التي استحدثتْ بعدَ ابن كثير وغيرِه ممَّن عرَّف الوحي، ولعلَّها لم تصادفْ مطالعات الشيخ عبده؛ ذلك أنَّه لا يمتنع في حدودِ التعريف الذي ذكروه أن تكونَ مكنونات العقل "الباطن" الفائِضة على نفْس مدَّعي النبوة وحيًا، فإنَّ المستشرقة أيضًا يوافقوننا على أنَّ الوحي عِرفان يجده المرءُ في نفسه مع اليقين بأنَّه مِن قِبل الله، فالأمر بيننا وبينهم في هذا القَدْر من التعريف سواء، لكنَّهم يَزعمون لأنفسهم شيئًا من رواء هذا، وهو أنَّ ما يَستيقِنُ النبيُّ أنَّه مِن عند الله ليس هو مِن عند الله حقًّا واقعًا، فترى مِن هذا أنَّ تعريفَ علماء المسلمين للوحي بإزاءِ شبهة "المستشرقين" المستحدَثة لم يَعُدْ صالحًا اليوم، وأنَّه لابدَّ مِن إعادة النظر في بناء هذا التعريف لتصحيحه، وتصحيحه يكونُ في رأينا بزيادةِ قيْد على صياغةِ التعريف، فيقال: إنَّ الوحي عرفانٌ يجده المرءُ في نفْسِه مع اليقين بأنَّه مِن عند الله بدليلٍ منفصل، "والدليل المنفصِل أو المستقلُّ الذي نَعنيه هنا، إنَّما هو المعجزةُ الدالَّة بذاتها على صِدق نِسبة العرفانِ المذكور لله تعالى، فلو تخيلنا انعدامَ المعجزة في مساندةِ الوحي. لم يَتعيَّن أن يكونَ ذلك العرفان الذي يجِده مدَّعي النبوَّة في نفسه عرفانًا صحيحَ النِّسبة إلى الله تعالى، بل جاز أن يكونَ مِن فيض "العقل الباطن" حقًّا - وأمَّا قول علمائنا: إنَّ الله يخلُق في نفْس النبي علمًا ضروريًّا بصحَّة ما يحسه من المعاني، فهو محض افتراض، ليس عليه دليل.



وإذًا لا بدَّ مِن اعتبار تلك الزيادة التي صحَّحنا بها التعريفَ وصُغناه على أساسها صياغةً جديدةً قادرة على مواجهةِ الشُّبهة التي استحدثتْ في هذا العصر، ولم نعلمْ أنها كانت موجودةً أمام أنظارِ المسلمين في العصور السالفة.



وهذه الصياغة الجديدةُ التي وضعناها لتعريف "الوحي" هي الصياغةُ التي تُعين أن تأخذ بها التعريفاتُ القديمة الناقصة التي جرَى عليها العملُ في دِراسة التوحيد والفلسفة الإسلاميَّة حتى الآن.



وتعريف "الوحي" بالصياغة الجديدة - ينطبق تمامًا على كلِّ "وحي" يهبط على المرسَلين بما فيهم سيِّدنا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لأنَّ كلَّ نبي مرسَل صحَّتْ بتأييده وصدقه المعجزة، يَثبتُ عقلاً بناءً على صحَّة تحقق شهادة المعجزة له، صحَّة صدور الوحي إليه، فتلك المعجِزة الثابتة هي الدليلُ العقلي المنفصِل، على أنَّ ما يَستيقنه النبيُّ من "العرفان" الذي يقَع في نفسه أنَّه مِن الله حقًّا.



4- ثم إنَّ العلاقةَ بين المعجِزة والوحي متنوِّعة، فتارةً تكون المعجزة عينَ الوحي.



وذلك كالقرآنِ الكريم، فقدِ اتَّحدتْ فيه المعجزة والوحيُ معًا، وهذه أعلى مراتب البُرهان على صحَّة الوحي؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من نبيٍّ مِن الأنبياء إلا وأُوتي مِن الآيات ما مِثْله آمَن عليه البشرُ، وإنَّما كان الذي أُوتيته وحيًا أوحي إليَّ، فأنا أرْجو أنْ أكونَ أكثرَهم تابعًا يوم القيامة".



وهو يُشير إلى أنَّ "الوحي" متَى كانتْ معجزته فيه عظُم انقياد الناس إليه واستجابتهم له؛ لأنَّ كلَّ جزء منه فصِفة الإعجاز قائمةٌ به، فكثُر التابع له وكثُرتِ الأمَّة معه.



وتارةً تكون المعجزةُ غيرَ الوحي منفصلة عنه، كالوحي الذي أنزله الله على موسى وغيرِه مِن المرسلين، فإنَّ المعجزة تشهَد بصحَّته وصِدقه وتَنفي أن يكونَ الكلام الذي سَمِعه من قِبلِ الشجرة، وهمًا أو خيالاً أو أثرًا مِن خداع الحواس.



وأقسام الوحي ثلاثة - كما تبيَّن مِن الآية التي صدَّرنا بها مقالنا -:

(أ) الوحي الذي يكون بغيرِ واسطة - وهو إلقاء معنًى مباشر مِن الله في نفْس النبيِّ بأمر من الأمور، بغيرِ كلامٍ منه تعالى ولا إشارةٍ مِن الملك، وإليه أشارت الآية: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا ﴾ [الشورى: 51].



(ب) الكلام المباشِر للرسول الموحَى إليه مِن الله تعالى مِن غير عِيانٍ لذاته المقدَّسة - وهو معنَى قوله: ﴿ أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الشورى: 51]، وهذا ما حصَل لسيِّدنا موسى؛ لقوله -تعالى-: ﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ [طه: 13]، فإنَّ طلبَ الاستماع مؤذِنٌ بمباشرة الخِطاب لمن طلب استماعه.



(جـ) أن يُرسِل الله مَلَكًا لواحدٍ مِن رسله يبلغه عن الله كلامَه، ومِن المثال على ذلك ما روتْه عائشة - رضي الله عنها -: أنَّ الحارث بن هشام سألَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن كيفية مجيء الوحي إليه؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أحيانًا يأتيني مِثل صَلْصلةِ الجرَس فيفصم عني وقد وعيتُ عنه ما قال، وأحيانًا يتمثَّل ليَّ الملَكُ رجلاً فيُكلِّمني فأعي ما يقول))، وهذا معنى قوله: ﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ﴾ [الشورى: 51].



5- وقد دلَّتِ الأحاديث الصحيحة على أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عانَى شَكلين مِن الوحي: الوحي المباشِر، والوحي عنْ طريقِ الملَك، ولسْنا نجزم بأنَّه عانى الشكلَ الآخر، وهو أن يُكلِّمه الله كما كلَّم موسى - عليه السلام، نعمْ يذهب بعضُهم إلى هذه المقالة مستندًا إلى حديث الإسراء والمعراج، لكن الدَّلالة مِن هذا الحديث غيرُ قاطعة على ما يذهب إليه أصحابُ هذه المقالة.



• ويلحق بأشكال الوحي المذكورة ثلاثةُ أشكالٍ أخرى نصَّ عليها العلماء: نفْث الملك، والرؤيا الصادقة، والإلهام.



فأمَّا نَفْث الملَك فهو عبارة عن "الإشارة المفهِمة" يُلقيها الملَكُ إلى الرسولِ بمعنًى من المعاني من غير كلامٍ منه، ومثاله قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((نفَث في رُوعي الرُّوحُ الأمين، أو رُوح القدس، أنَّه لن تموتَ نفْسٌ حتى تستوفي أقْصى رِزقها وأقْصى أجَلِها، فاتَّقوا الله وأجْمِلوا في الطلب))، ونفَث: معناه ألْقَى.



وأمَّا الرؤيا الصادقة: فقد ورَد في إثبات كونها وحيًا ما روتْه عائشة: "كان أوَّل ما بُدِئ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرُّؤيا الصادِقة، فكان لا يرَى رؤيا إلا جاءتْ مثل فَلَق الصُّبح))، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لم يَبقَ مِن النبوة إلا المبشِّرات: قالوا وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالِحة يراها الرجل أو تُرَى له)).



وأمَّا الإلهام فقدِ اختلفتْ في بيانِه عباراتُ المشايخ، فقال الشيخ الكمال بن الهمام - رضي الله عنه -: "هو - الإلهام -: إلقاء معنًى في القلب بلا واسطة عبارة الملَك وإشارتِه، مقرون بخَلْق عِلم ضروري أنَّه منه تعالى"، وبهذا البيان لا يكون ثَمَّة فرقٌ بين الإلهام وبيْن ما ذكرنا آنفًا في فقرة (أ) أنَّه الوحي بإطلاق: فالإلهام والوحي بغيرِ واسطة شيءٌ واحد، ويُزكيه ما أشار إليه أبو السُّعود في تفسير آية "الشورى".



ويرَى الشيخ محمَّد عبده: أنَّ الإلهام حصولُ معنًى في القلب لا يعرِف صاحبُة مِن أين أتى إليه.



وأنا أرجِّح ما ذَهب إليه الشيخ محمَّد عبده في تفسير الإلهام بهذا المعنى: وعلى أساسٍ مِن هذا التفسير يتَّضح الفرق بيْن الوحي والإلهام: فالوحي ما استيقَن صاحبُه بالعِلم الضروري أنَّه مِن قِبل الله، والإلهام ما عَرِي عن هذه الخاصة، فلمْ يَعرِفْ صاحبُه مصدرَه.



والدليل على صِحَّة هذا الترجيح الذي جنَحْنا إليه هو أنَّ الوحي في قوله -تعالى-: ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ﴾ [النحل: 68] إلهام قطعًا - والنحل لا تعرِف في أنفسها مصدرَه قطعًا، فدلَّ ذلك على أنَّ خاصة الإلهام - عدم العلم بمأتاه ومبعثه قطعًا- وهذا هو الإلهامُ بالمعنى العام الذي يَنطبِق على سائرِ الأشخاص، ما عدا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ لإلهامه خصوصيةً ستعرفها فيما بعدُ.



6- لا تشترك أُمَّة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - معه في شيءٍ مِن أقسام الوحي إلاَّ في الرؤيا الصالِحة، والإلهام - ولكن أحكام هذين القِسمين مِن الوحي بيْن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيْن أمَّته مختلفة، أمَّا بالنسبة للرؤيا فإنَّ ما تدلُّ عليه رُؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - مِن المكاشفات الغيبية والأوامِر الإلهيَّة فحق كله معصومٌ مِن التخيل والتلبيس؛ لأنَّ رُوحه - صلى الله عليه وسلم - هو وسائِر الأنبياء أعْلَى رتبةً مِن أن يدور الشيطان حولَ حِماها المنيع، فيلزم العملُ بما تفيده رُؤيا الأنبياء، وهذا بعكَس الحال في أمَّته، فإنَّ رُؤاهم غير معصومة، ويمكن أن يُدخِل الشيطانُ عليهم مِن التلبيس ما شاء.



وأمَّا الإلهام فإنَّه بالنسبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - حقٌّ كلُّه، ويلزم العملُ بما يدلُّ عليه مِن الأحكام الشرعيَّة؛ لأنَّ إلهامَ النبي المؤدِّي إلى إثباتِ حُكم شرعي ضربٌ من الاجتهاد، واجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - معصومٌ من الخطأ في نهاية الأمْر؛ لأنَّه إذا أخطأ لا يقرُّ على الخطأ، فلا يقَع اجتهاده التابِع لإلهامه أو قياسه - إلا صوابًا أولاً، أو آخِرًا، وهذا بخلاف غيرِه من أمَّته فإنَّ إلهامهم لا يُعصَم من الخطأ، فليس بحُجَّة لا في حقِّ صاحبه ولا في حقِّ غيرِه، وهو الحق الذي جزَم به الإمامُ ابن الهمام - رضي الله عنه - وقرَّره الشاطبيُّ في "الموافقات".



وربَّما وُجِدتْ نزعةٌ صوفية حادة عندَ العلاَّمة عبدالعلي محمد بن نظام الدين - شارِح مسلم الثبوت - تدْعوه إلى القولِ بأنَّ إلهامات الصوفية مِن أمثال ابن عربي والجيلاني وأمثالهما "حق، حق، حق"، ولم يزِدْ فيما فعَل على جملة انتفاضات حماسية تُشبه حماسة الذِّكر عندَ المتصوِّفة، ولم يأتِ بدليلٍ يصحِّح به ما يقول!
                                خُذ مَا تَرَاهُ وَدَعْ شَيْئًا سَمِعْتَ بِهِ
                                                    فِي طَلْعَةِ الشَّمْسِ مَايُغْنِيكَ عَنْ زُحَلِ

د.محمد جلال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..