الجمعة، 16 نوفمبر 2012

إسلاموفوبيا زائفة .. ينبغي التصدي لها

 يأتي تصريح وزير الداخلية الفرنسي "مانوييل فالز" بأن السلطات الفَرنسية تدرس حلَّ مجموعة يمينية متطرِّفة، تطلق على نفسها اسم: "جينيراسيون ايدانتيتير" "جيل متمسك بالهوية"، في ضوء احتلال عدد من عناصرها مسجدَ مدينة "بواتييه" وسط فرنسا السبت الماضي، مسجِّلين بذلك حدثًا غير مسبوق في إطار الأعمال المعادية للمسلمين في فرنسا.



ولا جرم أن استيلاء مجموعة "جيل متمسك بالهوية" على بنايةِ مسجد بواتييه الكبير يوم السبت 20 أكتوبر 2012، يأتي في إطار الاستفزاز المستمر للجالية المسلِمة في فرنسا من قِبَل تلك الجماعات، بزعم أن الإسلام يتغلغل سريعًا في مجالات الحياة العامة الفَرنسية، الاجتماعية منها والثقافية، والاقتصادية، وأن ظهورَ جالية إسلامية في فرنسا بهذا الحجم يمثِّل تهديدًا جديًّا لهُوية فرنسا.



ومع أن الفرنسيين يزعمون أنهم منفتحون على الآخر، وأنهم ليسوا عنصريين، ولا ينطلقون في تعاملهم مع الثقافة الإسلامية من مواقف مسبقة؛ فإنهم في حقيقة الأمر شأنهم شأنُ أقرانِهم الأوربيين الآخرين، يريدون إسلامًا صوريًّا في كل آثاره الفكرية والسلوكية، تنحصر طقوسه في المنازل، ولا تتجاوز ممارسة عادات الطبخ التقليدي، والفن التراثي وحسب؛ ليكون عندئذ خارج ريبةِ الجماعات اليمينية المتطرفة، وليس محلاًّ لرُهابِهم.



وهكذا فاليمينيون المتطرِّفون ما برحوا ينظرون إلى المسلمين الفَرنسيين، على أنهم غرباءُ عن بِنية الهُوية الفَرنسية، وبالتالي فهم ليسوا مواطنين، بل غزاة مارقين جاؤوا لنشر الإسلام في دار الغربة، وعليه فإن استفزازَهم، وتهميشهم، واحتلال مساجدهم - يدخل في إطار ما يعتبرونه مقاومةً مشروعة ضد ظاهرة أَسْلَمَة المجتمع الفرنسي؛ ولذلك لم تكن ردودُ أفعال المجتمع المدني، والنُّخب الثقافية، والسياسية المنددة بالحدث بمستوى مخاطره وتداعياته المحتملة مستقبلاً، بالرغم من أن جماعة "جيل متمسك بالهوية" بهذا السلوك العدائي الشائن، تُبرهن على اعتمادها نهج الحقد والكراهية، والتحريض على مواجهة المسلمين، في حين كان الأجدر أن يتمَّ التعاملُ مع هذا السلوك العدائي بشكل أكثرَ جدية، ومناقشته بأُفق مفتوح، وبرؤية إنسانية صريحة.



أمام هذا الوضع المشحون بالمخاطر والتحديات، فإن التحذير من التداعيات المستقبلية ليس فقط على الجالية المسلِمة، بل وعلى المجتمع الفَرنسي برمَّته، يقتضي أن يتم بحزم من قِبَل مؤسسات المجتمع المدني، وقُوى الاعتدال، وأصحاب الفكر النيِّر، والكتَّاب، وأن تتضافر كلُّ الجهود المخلصة لمنع تكرار مثل هذه الاستفزازات، بما فيها التطاول على الرموز الإسلامية، وعدم التهاون مع ترويج ظاهرة الفكر المتطرِّف تحت غطاء "الإسلاموفوبيا المزعومة"، التي صنعها الإعلام الغربي اليميني المتطرف، وبعكسه فإن المأساةَ ستكون كارثية مستقبلاً إذا تم غضُّ النظر عن هذه التحديات، خاصة وأن مآسي اضطهاد المسلمين في ماضي التاريخ الأوروبي، تغذيها اليوم بشدة ذريعةُ الرُّهاب الإسلامي المعاصر من ارتفاع نسبتهم السكَّانية المطردة، ومنعكساتها الموهومة بمشاكل البطالة، وركود الاقتصاد الفَرنسي، التي هي في الأصل إفرازات بِنيوية للاقتصاديات الرأسمالية.



ولذلك؛ فإن الخشية من تكرار سيناريو الماضي البغيض إذا ما وصل إلى السلطة في فرنسا المتطرفون عن طريق صناديق الاقتراع في أي وقت - تبقى قائمةً، وخاصة إذا ما حملوا معهم مشاريعَ سياسية، وأجندات عنصرية، تقول بضرورة استئناف ذلك السيناريو الظالم؛ لاستئصال الرهاب الإسلامي للجالية الإسلامية والتخلص من سلبياتها المزعومة.

 نايف عبوش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..