كشفت الفساد و"عرَّت" المشاريع الهشة وبيَّنت خيانة الأمانة وثقة ولي الأمر
إن كارثة أمطار تبوك الأخيرة، وما تم تداوله من مقاطع الفيديو والصور على
الإنترنت، وبكاء ودموع المواطنين التي انتشرت في اليومين السابقين، لتثير
الكثير من المشاعر الحزينة، وتذكرنا بمآسي سيول جدة قبل أعوام عدة، التي لا
تزال ماثلة أمامنا، كما أنها حركت العديد من التساؤلات والاستفهامات التي
تبحث عمن يتحمل المسؤولية، ومن هو خائن الأمانة، ومن المسؤول الذي لم يرتقِ
لمستوى المسؤولية التي كلفه بها ولاة الأمر.
إن ما حصل تحديداً في المناطق الجنوبية من تبوك من دمار للبشر والحجر
ليحتاج إلى قراءة متعمقة صريحة، لا تجامل، وتكشف المستور، وتضع النقاط فوق
الحروف، و"تعري" من سمح بإنشاء المشاريع المتهالكة، ومن وافق على بناء
المخططات السكنية والأحياء، والضواحي، والمراكز والقرى والهجر، وسمح ببناء
المدن العسكرية في الأودية ومجاري السيول..
الصورة أصبحت تتكرر في مدننا ومحافظاتنا، والعامل المشترك بينها واحد، هو
"تقصير المسؤول نحو مجتمعه ووطنه"؛ ما يوضح مدى التهاون من أكبر مسؤول في
المنطقة حتى أصغرها.
لقد انكشفت البنية التحتية في تبوك على حقيقتها، والطرق انهارت، و"عبارات"
تصريف السيول تحطمت، والمواطنون في الإيواء وإغاثة الشقق المفروشة!!
والكوارث ستستمر باستمرار الفساد والفاسدين ما لم يعاقَب المسؤول علناً
وبكل جرأة، كائناً من كان.
إن مقارنة بسيطة بيننا وبين دول أقل إمكانيات منا تجعلنا نتعجب من صمود
بناهم التحتية، وطرقهم، وأحيائهم، وجسورهم، رغم أن أمطارهم لا تتوقف..
ونستغرب أكثر أن الدراسة عندهم لا تعلَّق، والمدارس لا تُغلق.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر.. فإن بيان إمارة تبوك الأخير يصدم أكثر مما
يوضح؛ ففيه وردت عبارة "تم التوجيه للإدارات الحكومية كافة ببذل جهودها
القصوى كافة لمواجهة أي طارئ، وتقديم الخدمات الوافية للمواطنين، علماً بأن
جميع الأمور تسير بالشكل الطبيعي في مثل هذه الظروف، ولم تحدث ولله الحمد
والمنة أية خسائر في الأرواح". كما ورد في البيان "إن ما يجري حالياً هو في
معظمه خطوات استباقية واحترازية، يُعمل بها في مثل هذه الأجواء".
فإن كان كل هذا الدمار الذي حل بمواطني تبوك يسير بالشكل الطبيعي، ويعد
خطوات استباقية واحترازية!! وليس بسبب تقصير القطاعات الخدمية الواضح،
فالسؤال الذي يطرحه المواطنون: لماذا حلت بهم الكارثة؟ وما هي الارتجالية؟
وما هو التقصير؟ وكيف يكون هدر المال، والسماح بالمشاريع الفاشلة؟..
إن هذه الكارثة الإنسانية التي أصابت منطقة تبوك لا يمكن تجاوزها، ولا
يمكن التغاضي عنها، ولا يمكن تبريرها ببيانات إعلامية غير صادقة.. تفتقد
المنطق والواقعية؛ حتى لا تتكرر في مناطق أخرى من السعودية.. بل لا بد من
المصارحة والشفافية، ومحاسبة المسؤولين بكل جرأة؛ فلو كان هناك اهتمام
ومتابعة ومحاسبة لكل صغيرة وكبيرة لما حدثت هذه الكارثة.
فمما يؤسف حقاً ما تناقله المغردون على "تويتر" من قصاصة خبر نشرته
الزميلة عكاظ قبل ستة أشهر، كتب بمانشيت عريض "تغطية أحياء تبوك بشبكات
المياه والصرف الصحي إنجاز غير مسبوق"، وهذا ما اطلع عليه أمير تبوك - بحسب
الصحيفة - يوضح مكمن الخلل والمجاملة وضَعف المتابعة؛ فأين الإنجاز غير
المسبوق الذي لم يصمد أكثر من 72 ساعة أمام الأمطار؟. وما تم تناقله في
مواقع التواصل الإعلامي من صورة لعبارة بُنيت في العهد العثماني قبل مئات
السنين صمدت في وجه السيول! في حين تمزقت الطرق والجسور الحديثة التي كلفت
المليارات؛ ليُعدّ ذلك من المتناقضات التي لا يمكن تحملها أو تبريرها
للمواطنين؛ فالوعي في تزايد..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..