1. توسع الدراسات الإسلامية في الزمان والمكان والموضوع:
الدراسات الإسلامية واسعة الميدان؛ من حيث:
الزمان، على امتداد أربعة عشر قرناً بما ضمَّته من ليالٍ وأيام وشهور وأعوام.
وأما المكان،
فقد شارك في الدراسات الإسلامية عقول ونوابغ من جميع الأرجاء وكل الأنحاء؛
من الصين
شرقا إلى الأطلسي غرباً، ومن سيبيريا شمالا إلى نهايات إفريقيا
جنوباً، والبقاع التي لم تشارك في الدراسات الإسلامية فيما مضى، وفاتها ركب
الأمس؛ تتدارك القافلة اليوم، وسواء أكانت الكتابات صحيحة قويمة أم سقيمة
لئيمة، لا يهم ذلك، إلا أنها دراسات إسلامية.
وأما الموضوع، فقد تفتقت في رحاب هذا
الدين علوم كثيرة جدا، ولا زالت في نماء واطراد، وكلها تستند إليه، وعلى
سبيل المثال قد أحصى حاجي خليفة في كتابه (كشف الظنون) 300 فن وعلم.
فإذا أخذا علوم القرآن الكريم المتعلقة
بالنص العزيز كمثال، وجدنا أنها تبلغ ثمانين علما، وعلم التفسير واحدا
منها، بما ضمه أيضا من أنواع عشرة، كما ذكره الإمام السيوطي في (الإتقان).
وكذلك علوم السنة التي بلغت أزيد من 90 علما ً، كل هذا دليل على السعة زمانا ومكاناً وموضوعاً.
2. مقاصد التأليف، وغايته:
أي أن البحث ينبغي أن يكون له غاية يرومها وهدف يصبو إليه، وهي مجموعة في رؤوس سبعة ذكرها الإمام ابن خلدون في المقدمة:
أ- استنباط العلم بموضوعه، وتقويم أبوابه وفصوله، واستنباط مسائل تعرض للعالم يحرص على إيصالها لغيره؛ ومثاله كتاب (الرسالة) في أصول الفقه للإمام الشافعي.
ب- أن يقف على تواليف الأولين، فيجدها مستغلقة، في حاجة للكشف والإبانة.
ت-
العثور على غلط أو خطأ في كلام المتقدم - ممن اشتهر فضله - فيودعه الكتاب
مع الاستيثاق بالبرهان؛ ليقف الناظر على ذلك؛ إذ تعذر المحو.
ث- نقصان مسائل أو فصول في فن، فيقصد المطلَّع عليه إكمال ما نقص؛ إتماماً للفن.
ج- وقوع مسائل العلم غير مرتبة في أبوابها، فيقصد المطلع ترتيبها وتهذيبها، كما وقع في (المدونة) من رواية سحنون عن ابن القاسم، فهذبها ابن أبي زيد القيرواني؛ بنسبتها لأبوابها.
ح-
أن تكون مسائل العلم مفرقة من أبوابها في علوم أخرى، فيتنبه بعض الأذكياء
إلى موضوع ذلك الفن، فيفعل ذلك، ويظهر به فنٌّ ينظِمُه من جملة العلوم التي
ينتحلها البشر، مثل كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ الذي جمع فيه كثيرا من كتابٍ مجموع للمسائل نحوية.
خ- أن يكون مؤلفاً من أمهات الفنون طويلاً، فيقصد المطلَّع إلى تلخيصه واختصاره، أو حذف المكرر منه.
وما سوى هذه الأغراض ففعل غير محتاج إليه، قال أرسطو: (وما سوى ذلك ففضلٌ أو شَرَه)؛ بعد أن عدَّد مقاصد التأليف.
فيجب على الباحث يضع نصب عينيه الغية والهدف من كتابته، و يطرح على نفسه سؤالا مهمَّاً وهو: ماذا سأستفيد من عملي هذا في ديني ودنياي؟ وماذا سأفيد القرَّاء بعد خروجه إليهم؟.
3. خطوات البحث مضموناً وشكلاً:
أولا: المضمون:
أ- الأهلية والاستعداد للبحث:
فالاستعداد والأهلية قائمة على الرغبة والميل لذات البحث، وهو أساس لا بد منه، والباحث في علوم الشريعة؛ يجب عليه أمران:
الأمر الأول:
أن يكون على معرفة بأصولها ومفاهيمها الأساسية - الكتاب والسنة - وذلك في
الحد الأدنى من علومهما، فمن حُرم ذلك أو فاته فلا يتعنَّ، والأولى له أن
يسدَّ على نفسه أبواب القدح والتجريح،وبمقدار رسوخه فيهما؛ يكون قد اقترب
من الحق والصواب.
وقد ذكر المجربون من العلماء معالم هداية للوصول للمعرفة الصحيحة، بقولهم:
( فطالب العلم في بدايته شرطه الاستماع
والقبول، ثم التصور والتفهم، ثم التعليل والاستدلال، ثم العمل والنشر) فمتى
قد رتبة عن محلِّها حرم الوصول لحقيقة العلم من وجهها.
الأمر الثاني: أن يكون قد رسخ في العلم الذي هو بصدده، فمن لم يكن متمكنا فيه فماذا سيبدع؟ أو أي شيء سيستدرك، وماذا يفهم ليشرح؟..
وإن من تمام الرسوخ في علم ما:
1. معرفة المصطلحات الخاصة به، ودلالاتها بدقة.
2. التفريق بينها عند تداخلها بمصطلحات علم لآخر.
3. حسن استعمالها فيه: تعبيراً وتحبيراً.
قال الشاطبي في (الموافقات):.. الطريق الثاني مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين، وهو نافع في بابه بشرطين:
1) أن يحصل به فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب، ومعرفة اصطلاحات أهله، ما يتم به النظر في الكتب.
2) أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد، فإنهم أقعد من غيرهم من المتأخرين.
كما أنه ليس من العلم أن ينقل مصطلحات العلوم الأخرى التي يتشابه لفظها مع مصطلحات هذا العلم، ويكثر من تعريفها والإشارة إليها.
ب - معرفة ميدان البحث، والتمكن منه:
يجب على الباحث في ميدان أن يُلمَّ بأبعاد ميدانه الذي يخوضه معرفة تامة، قبل أن يشرع، وذلك من خلال:
1) الاطلاع على أحوال ذلك العلم، وأمهات كتبه، التي شهد لها أهل الاختصاص بالقبول.
2) أن يتناول كتابا جامعاً منها، فيدرسه بإتقان.
3) ثم يطلع على ما كتبه المعاصرون من أبحاث ورسائل حوله.
4) كثرة التفتيش والمطالعة، والتحقيق والمراجعة.
5) النظر في كلام مختلف الأئمة؛ ليعرف المتفق والمختلف، والواضح والمشكل.
فهذا يجعله من أهل الاختصاص بحق وصدق.
والتمكن هو المَلَكة، فمن لم تكن عنده
ملكة في تخصصه، وحذق في مسائل ذلك التخصص على العموم، فلن يكون في التصنيف
والتأليف قادراً على التصرف، أو تقديم جديد.
ج - البحث العلمي، وفائدته الإنسانية:
يلزم الباحث أن يلاحظ الفائدة التي
سيسديها للناس حوله، وهل سيقدم حلاًّ لمشكلة متوقعة أو قائمة، عامة أو
خاصة، وإلا فلن يكون لعمله أثر ولا فائدة، بل مضيعة للوقت.
وإننا نسمع اليوم عن أناس يحاضرون عن
السبحة، والقميص، ولون أصحاب الكهف، ويبحث عن الإماء والعبيد؛ وهذا غباء لا
مثيل له. ومن هذا المنطلق كان سلفنا عندما يُسألون عن حكم، يستفسرون: هل
هذا كائن؟ فإن أكّدوا ذلك أجابوا لهم عنه وإلا فلا؟.
كما أن هناك مباحث لا صلة لها بالواقع؛
لأنها مباحث ميتة لن تتحرك أبدا، إما لأنها في غير زمانها ومكانها، أو أنها
قد قُتلت بحثاً وانتهى الناس منها.
د- تقسيم البحث وإحكام خُطته:
بعد هذا، يبدأ الباحث بوضع تصور شمولي عن
بحثه، فيقسمه إلى أبواب بحب كبره، وفي الباب الواحد فصول، وفي الفصل الواحد
مباحث، أو فقرات؛ بهذا يقدم القضية المطروحة وحلها، من جميع جوانبها بما
لها وعليها.
ويجب أن يراعي في ذلك:
1) تمهيد القضية الداعية إلى إيجاد هذا البحث، في المقدمة.
2) أهمية الوقوف عليها، ومسوغات ذلك.
3) ثم يقسِّم موضوعه إلى أجزاء سميناها أبوابا وفصولا.
ومن وسائل اكتساب المعارف الحسية؛ التقسيم
والجمع: أي التقسيم الكلي إلى جزئياته و إلى أصنافه، وجمع الجزئيات
المتفرقة في كلياتها؛ المسماة السبر والتقسيم؛ وما التقسيم للبحث ألا
لتحقيق هذه الغاية المبنية من درس الجزئيات، ووضعها تحت الكليات.
4)
لا بد أن يكون الباب الأخير متناولاً قمة الفكرة وتمام الرأي، ويكوِّن بذلك
ثمرة كاملة لما تقدمه من أبواب وفصول؛ لأنه خلاصة حَلهِّا ونهايةُ القول
فيها.
5) الخاتمة؛ تأتي لتبين لنا - بإيجاز وتركيز - القول الفصل والرأي المَرضِي.
ومن أهم أسباب الاهتمام بكتب الإمام الشافعي رحمه الله كما قال البيهقي:
1. حسن التنظيم والترتيب.
2. ذكر الحجج في المسائل مع مراعاة الأصول.
3. تحري الإيجاز والاختصار.
هـ- جمع المعلومات بوعي وبصيرة:
بعد وضع
المخطط الشمولي للبحث، يبدأ بالقراءة الهادفة، وجمع المعلومات التي تنضوي
تحت بحثه، وتتعلق بدراسته من قريب أو بعيد، ويجب عليه أن:
1. يعرف قيمة كل كتاب على خير وجه.
2. توجهات كل مؤلف؛ ليتأتى الاستفادة منه.
3. يعرف مواطن القوة والضعف فيه، ليعتمد هذا ويتجنب ذاك.
4.
معرفة ما زاده غيره، أو تفرد به، وأصالته أو عدم أصالته في ميدانه، فإن لم
يكن في الكتاب ما ذكرنا فلا يضيع الباحث الوقت فيه؛ كما قال ابن العربي.
5. أن يجمع المادة بيقظة وحذر ووعي، فيكتب كل ما يمكنه أن يستفيد منه في البحث، كما قال المحدِّثون (إذا كتبت فقمِّش، وإذا حدَّثت ففتِّش)، وللجمع طرق أهمها:
ضم المعلومات في بطاقات صغيرة، ويضع لها
عناوين كبرى عامة، ثم عناوين صغرى، أو أن يكتب على أوراق كبيرة يضمها تبعاً
الأبواب والفصول؛ كلٌّ حسب فهمه وإدراكه واستعداده.
و- إحكام النظر في المادة العلمية، و صياغتها، وترتيبها:
بعد جمع المادة، وتوثيق ما جمعه، لا بد له
من طول النظر فيه وتجوال الفكر على صفحاته، وتقليب الرأي في جنباته، ويدون
مع كل فكرة ما يستنبطه، وغلى جانب كل قول ما يستفيده.
ثم يبدأ بصوغ مادته المتوفرة، ويبينها بالكيفية التي تحلو له.
ويتوجب عليه أن يراعي عرض الفكرة الواردة،
حسب الأقدم فالقدم، ممن تعرض لها أو طرحها، من نشأتها إلى نموها واتساعها،
إلى بلوغها غايتها وإحكامها، على ما اعتراها من معارضة أو مناقضة، أو
تأييد أو موافقة، وما لحق بها من تفسير وتعليل، وبيان وتفصيل، مقدما في ذلك
أصل المسألة من آي القرآن، وصحيح السنة النبوية، قال الإمام النووي:
(فلهذا لا أترك قولا، ولا وجها، و نقلا، ولو كان ضعيفا أ و واهيا؛ إلا
ذكرته إذا وجدته إن شاء الله تعالى، مع بيان رجحان ما كان راجحا، وتضعيف ما
كان ضعيفا... ).
ويجب عند نقل فكرة عن مصنف أن يستوعبها كلها، ويدرك قائلها من ناقلها، وصاحبها من منتحلها.
ويعرض لتفسير الآية والحديث من مصادرها
المعتمدة، حسب الأقوى فالأقوى، أو حسب ما يراه موصلا للهدف. وفائدة طريقة
تقديم الأقدم والأقوى:
تبيين مدى تطور الأفكار، أقدار أهل العلم
ومراتبهم منه، إدراك أثر الزمان والمكان، بيان موضع الخلل والنقص في
الفكرة؛ ومَن تممّها أو عدَّلها أو أصلحها، إظهار قيمة عمله هو، وأهمية
تصنيفه ومدى الحاجة إليه.
ز- الأمانة في نقل الأفكار وعزوها:
وذلك بنسبة الأقوال والأفكار إلى أصحابها، دون أدنى غضاضة من صغير وكبير، من مسلم أو كافر من برٍّ أو فاجر، من متقدم أو متأخر.
ولقد ضرب علماء المسلمين الأقدمون المثل
الأعلى في الأمانة العلمية؛ لأن القرآن الكريم أرسى ذلك، فقد ذكر القرآن
عقائد الملل الضالة كما هي - بما فيها - وردَّ عليها وفندها.
وانظر إلى كتب الأشعري و الباقلاني والفخر
الرازي، والغزالي وابن تيمية وابن القيم، الشافعي و الطحاوي والبغدادي،
وغيرهم، لتجد هذه النماذج القمم في الصدق والأمانة، واستيعاب الفكرة ولو
كانت ضالة؛ لبيان وجه الضلال فيها، وما ذاك إلا ليرفعوا الحرج عن الأمة في
الحوار والمناظرة، وليوفُّوا قبل ذلك الأمانة حقها.
ويجب علينا أن تكون على حذر شديد من
المعاصرين ممن يعبث بالنصوص نقلا وبتراً، وحذفا لما لا يعجبه، أو يتعارض مع
أهوائه وتوجيهاته أو يأتي على حججه ودعاواه بالهدم والسقوط بذلك في بعض
كتب التراث التي يخرجونها.
وقد وجدنا بعضهم يقحم رأيه الفاسد، وفكره
الخاسر الكاسد، في نصوص لها قيمة ووزن، دون تمييز أو إشارة على أنه من
المحقق أو الناشر أو الطابع،ادعاءً منه للفهم، والاجتهاد العلمي العظيم؟!
ولا بد من التأكيد على أن نقل قول السابق
إن أخذه بلفظه تعين العزو لصاحبه، وكذا إن أخذه بالمعنى المحاذي للفظ من
غير زيادة عليه، بالإشارة لوجه النقل؛ وإلا كان الناقل مدلِّساً.
ح - الفهم الصحيح للنصوص، وتحديد مدلولاتها:
وذلك بالالتزام بضوابط الفهم الصحيح
للنصوص، وتحديد مدلولاته على هدي هذه الضوابط، وهي القضية التي نسميها
اليوم الموضوعية و النزاهة والإخلاص في فهم مراد كلام الله تعالى وفهم كلام
رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإن الفهم الحق لمراد الشارع، إضافة إلى
كونه واجبا دينيا، فإن نتيجته هي صمام الأمان للحياة الإنسانية، وسر
السعادة البشرية.
وأيضا من الموضوعية والنزاهة الاجتهاد
المباشر وأخذ الأحكام من نصوص القرآن والسنة مباشرة؛ بما لا يَلفت معه
الزمام، ويتحلى كل مأفون بحلية الإمام، مع الحذر الشديد من جعل النص تابعاً
لرأيه وهواه، ورغباته وأفكاره، بجعله الأصل وجعل النص هو الفرع.
ويلزمه بعدها عدم التعجل في إصدار الأحكام؛ قبل تمام النظر فيما هو بصدده، وتجنب التهور.
ط- الرجوع في كل علم إلى أهله:
فأهل كل علم مقدمون على غيرهم فيه، بل لا
يلتفت فيه إلى سواهم؛ لأن أهل كل علم هم الذين جمعوا مسائله وضبطوا أصوله،
وألفوا كتبه وذلَّلوا صعابه.
لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن البسملة قال: (سلوا عن كل علم أهله، وإمام الناس في القراءة نافع)،
وقال جار الله: (.. أن على كل آخذ علماً أن لا يأخذه إلا مِن أقتل أهله
علما، وأنحرهم دراية، وأغوصهم على لطائفه وحقائقه، وإن احتاج أن يضرب إليه
أكباد الإبل، فكم من آخذ عن غير متقن قد ضيع أيامه، وعض عند لقاء النحارير
أنامله ).
وإن ما ينبغي التنبه له مسألة النقل في
المذاهب الفقهية والعقدية، والأديان والفرق والمذاهب السياسية، فيجب أن
يرجع فيه إلى مصنفاتهم الصادرة عن أهله، حتى لا يقع الباحث في الخطأ.
ويرجم بالظنون، وكثير من الكاتبين عن
الإسلام تركوا مصادر العلوم المتقنة، وتصيدوا الأقوال هنا وهناك، بقيل
ويقال، ويحكى ويروى، دون تثبت وتأكد.
ي- النقد النزيه المتزن:
إن الباحث الراسخ لا يقف حيال الأفكار
والنصوص مكتوف الأيدي، جامد النظر عديم التدبر، بل له حق النقد والتقويم
لكل نص - سوى الكتاب والسنة -، فلا يمر عليه نص في إطار بحثه و يرى فيه ما
يستحق التقويم أو بيان الخطأ، إلا وقوَّم وأصلح بما يراه حقا، وإن لم يفهم
النص أشار إلى ذلك؛ لئلا يُنسب إليه الرضا به.
وطريق النقد كما قال ابن الهيثم (.. أن
يجعل نفسه خصما لكل ما ينظر فيه، ويجيل فكره في متنه، وجميع حواشيه، ويتهم
أيضا نفسه عند خصامه، فلا يتحامل عليه ولا يتسمح فيه) لتنكشف له الحقائق
حينئذ بجلاء.
ثانيا: الشكل الخارجي:
أ - سلامة الأسلوب:
إن الأسلوب هو ثوب المعاني، وبمقدار توشيه
وتحبيره وتجميله، تقرب المعاني من الأفهام، وتسرع الدخول إلى القلوب
والعقول، فبحثٌ باللغة العربية؛ يجب تجنيبه اللحن، والأخطاء الصرفية
والنحوية والإملائية، إذ مَن حُرم فهم العربية والتصرَّف فيها لا يتأتَّى
له فهم نصوص القرآن والسنة، وأقوال السلف الصالح، ولن يستطيع ادّعاء قدرته
على التعبير عنها حق التعبير في بحثه.
و لا يعني هذا أن تصب الألفاظ والتراكيب
في قوالب السجع الثقيل، أو تصيُّد حواشي اللغة ومهجور الكلام، كما لا ينبغي
الوقوع في تراكيب العامة، وأساليب الصحافة السائرة اليوم - ولو كانت
بمعانٍ سامية - لأن ذلك يهبط بقيمة عمله وجهده.
ب- ضبط النص بالشكل و الإعجام، وعلامات الترقيم:
فهذا من تمام معرفة اللغة وحسن الصياغة، فأما:
1) الشكل
والإعجام: فيكون في المواضع التي يحتاج إليها، وخاصة في الكلمات المُشكِلة
والملتبِسة من الأعلام والكنى و الألقاب والأنساب وغيرها؛ وفيها مؤلفات
تهتم بها - بجانب المعاجم اللغوية؛ التي تضبط بنية الكلمة - مثل: إصلاح
أخطاء المؤلفين لإمام حمْد الخطَّابي.
2) علامات
الترقيم: فيجب استعمالها على أدق وأكمل ما يكون؛ لأنها تبيِّن المراد،
وتوضح الفكرة، وتسهل القراءة، وتيسر الفهم، وفي يذلك كتب مؤلفة، مثل:
الترقيم في اللغة العربية لأحمد زكي باشا.
ج- ضبط القراءات القرآنية والأحاديث النبوية:
فيجب على الباحث الاعتماد على قراءة
قرآنية معينة، ويشير للقراءات الأخرى - عند المرور بها - في حال كون الآية
محلَّ استنباط للأحكام أو نظر.
وكذلك نصوص الأحاديث ورواياته، مع بيان المصدر؛ ليسهُل الرجوع إليه.
د- نفي الاستطراد:
يحسن بالباحث أن يخلي فكرته من
الاستطرادات الطويلة، وإن كانت الاستطرادات ضرورية - لا بد منها - فلتكن في
حاشية الكتاب، وإن كانت طويلة فليجعلها مضمومةً ملحقة في ختام الباب أو
البحث.
هـ- حسن الاقتباس:
الاقتباسات لها حالتان:
1)
إن كانت طويلة: فإما أن تختصر ويقتصر على فيها على موضع الشاهد، أو يؤخذ
معناها؛ ويشار إلى ذلك. وقد صنع هذا العلماء الأقدمون، فمثلا الإمام
البخاري رحمه الله: كان يقطِّع الحديث الواحد في مواضع عديدة من جامعه
الصحيح، مقتصراً على ما له علاقة بذلك الباب فقط، وكانوا يأخذون المعنى
أحيانا أخر وتركوا اللفظ، وكانوا يقولون: قال فلان: مامعناه.
2) وإن كانت قصيرة: نُقلت كما هي.
وفي العصر الحالي تواطأ الباحثون على أمور، هي:
• وضع الاقتباس بلفظ بين قوسين.
• عند اقتباس الآيات: لابد من ذكر السورة، ورقم الآيات في المصحف المتداول.
• عند اقتباس الأحاديث لا بد من إحالة النصوص إلى مصادرها، الأعلى فالأعلى، فلا يذكر جامع الترمذي قبل البخاري.
و يجدر بعد توثيقها أن ينقل درجتها عن أحد الأئمة المعتمدين.
• العزو يكون بذكر الكتاب والباب، وإن أضاف إلى الجزء والصفحة؛ فحسن.
و- التزام المصطلحات المتداولة:
إذا كان للباحث مصطلحات متعلقة ببحثه، فمن
المستحسن أن يصدِّر بها بحثه بعد المقدمة بوضوح؛ حتى يكون القارئ على
بيَّنة منها قبل أن يدلف إلى القراءة؛ لأن استعمال الرموز دون توضيحها
يُلبس على القارئ، بل ويجعله يملّ القراءة.
ز- كتابة الأسماء الأعجمية:
يستحب للباحث أن يكتب الأسماء الأعجمية
بلُغتها الأصلية - من فرنسية أو انكليزية أو فارسية - ويضعها بين قوسين، ثم
يعرِّبها هو، و أما ما اقتبسه منها - وكان قصيراً - وترجمه بنفسه، فلا حرج
أن يضعه في حاشية الكتاب بنصه الأجنبي؛ فلعله يُخالَف في ترجمته وفهمه.
ح- المصادر والمراجع:
التي اقتبس
منها قليلا وكثيرا، والتي أحال عليها ولو مرة واحدة، فيجب عليه أن يضعها
في قائمة كاملة، في آخر عمله، موثقة أدق ما يمكن التوثيق، وذلك بطريقين:
1. إن بدأ باستعمال اسم الكتاب، رتب اللائحة مبتدئا باسم الكتاب.
2. وإن بدأ إحالته باستعمال المؤلف، رتبها باسم المؤلفين.
وإن رتب قائمة المصادر على حسب الفنون العلمية، فلا حرج شريطة توثيقٍ كاملٍ وترتيبٍ دقيقٍ.
ط- صنع الفهارس والكشافات:
لأنه ضرورة لازمة، ولها عدة أنواع:
1) الفهرس الخاص بموضوعات البحث: والأفضل أن يكون في صدر الكتاب، بعد المقدمة.
2)
فهرس المتعلق ب-: القرآن الكريم، الحديث النبوي، الأعلام الواردة،
المصطلحات الحضارية، الأديان والفرق، الأيام والغزوات، الأماكن، الأشعار..،
وبمقدار تنوعها يسهل الرجوع إلى الكتاب والانتفاع به، وتجاهلها؛ دليل
العجز والتقصير.
ي - حسن الإخراج:
قيل قديما (( حسن الخط يزيد الحق وضوحاً
))، فيجب على الباحث أن يتناول البحث بالتصحيح والتنقيح من الأخطاء
المطبعية قبل أن تصل إلى أيدي القراء؛ لأن بعدم ذلك يكسِف البحث جماله،
ويشين كماله.
ك- وضع مختصر ملخص جامع:
من الحسن الجميل أن يتبع الباحث كتابه -
خاصة الرسائل و الأطاريح - بملخص مركَّز جدا في عشر صفحات أو أكثر بقليل،
على نسق الأبواب والفصول،مركِّزا على النتائج التي وصل إليها؛ لتكون
كخلاصةٍ معرِّفة بعمله وعنوان جهده، وهو في دراسات "الماجستير والدكتوراه" الملخص الذي ينشر بين يدي اللجنة، وينشر للتعريف بالعمل في الدوريات والمجلات المتخصصة.
ل- ثمرة العلم:
الدراسات الإسلامية هي ميدان الفضيلة، ولا
يجمل بمن وضعه الله في ميدان الفضيلة أن لا يتشبع بها، ولا تظهر على
محيَّاه، بعيدا عن طيش الطائشين، ونزق المنحرفين الزائغين.
م- العلم جهاد كبير:
وقد قرر علماء الشريعة الإسلامية بدءاً من
السلف الصالح - استهداءًا بالقرآن الكريم والسنة النبوية - أن العلم قمة
العبادة، وأفضل شيء بعد أداء الفرائض.. وبهذا الشعور تقدمت الحضارة
الإسلامية وازدهرت...
فما أحوجنا إلى إعادة هذا المفهوم وتركيزه في قلوب الجيل الصاعد!!؟
عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه -
قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (من رأى الغدو والرواح إلى العلم
ليس بجهاد، فقد نقص عقله).
والحمد لله على التمام وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام
تاريخ الإضافة: 7/11/2012 ميلادي - 22/12/1433 هجري
--------------------
مواضيع مشابهة- أو -ذات صلة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..