الأحد، 3 فبراير 2013

أين أخطاء الرئيس المصري؟

حمزة السالم


ما يحدث من نزاعات واتهامات متبادلة قبل نتائج الانتخابات الرئاسية، يجب أن لا يلتفت إليها أي رئيس مُنتخب. فقد أنهى الفوز كل خلاف ومسح كل أوجاع الألاعيب السياسية للفوز بالانتخابات. القائد العظيم لا يلتفت إلى الوراء بل إلى الأمام. ولكل رئيس منتخب أولويات في أجندته المستقبلية. وقد كانت أولى أولويات أوباما عند انتخابه كأول رئيس أسود للولايات المتحدة الأمريكية هو أن يضمن إعادة ترشيحه. وكونه أسوداً وهو يعلم أن الاقتصاد له دورته التي سيدور فيها وأن جهود الرئيس الأمريكي محدودة فيه، عمل على تعيين أشد أعدائه السياسيين -إثناء صراع الانتخابات- في أهم المناصب الوزارية ومنها نائب الرئيس ووزيرة الخارجية. فسخر قوة وكفاءة وجاه أعدائه السياسيين لإعادة ترشيحه مرة أخرى، وقد كان له ما أراد، ولولاهم لما أعيد انتخابه.

وأعتقد أن أولى أولويات الرئيس المصري ليس الاقتصاد ولا الإصلاح، بل هو ضبط الدولة وتأسيس الديمقراطية. فلا يمكن للرئيس فعل شيء حتى يضبط الدولة. فمرسي أول رئيس منتخب بعد ثورة شعبية أنهت نظاماً قائماً على الديكتاتورية يضبط الناس بالعنف والظلم إلى نظام ديمقراطي يضبط الناس بالإقناع والعدل. وهذه نقلة ليست بالهينة، وقد حدثت في فترة قصيرة من غير توقع لها. ولن يتحقق ضبط الدولة للرئيس المصري إلا بتحييد المنافسين باستخدامهم لصالحه أو بجعلهم -بطريقة ديمقراطية- أكباش فداء تمتص توقعات الشعب غير المنطقية في تحقيق الإصلاح والرخاء في غضون أشهر أو سنوات. وقد كان له في رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة حسنة، فعندما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة -وهي نقلة عظيمة- ثبت بني شيبة، وأعطى الغنائم لصناديد العرب وشيوخ القبائل.

أخطأ الرئيس المصري عندما استبعد قادة المعارضة من تشكيل حكومته الجديدة. ولو استقبل الرئيس المصري من أمره ما استدبر لجعل قادة المعارضة -وهم ذو خبرة وكفاءة- في حكومته الجديدة. ولو فعل لحقق أهدافاً سياسية خاصة وأهدافاً وطنية عامة عظيمة أهمها اثنان. فأولاهما، أنه سيكسب محبة الشعب ويقطع على المعارضة ألاعيبهم السياسية. حتى ولو رفض بعضهم استلام المناصب الوزارية -وهم لن يرفضوا- لأقام الحجة عليهم وقلب عليهم مناوراتهم السياسية التي يقومون بها اليوم. ومن التاريخ على دهاء وحكمة القادة في احتواء المعارضين ولو كانوا معاندين، ما فعله الملك عبد العزيز رحمه الله بعد دخول مكة -وقد كان الوضع ضبابياً آنذاك- فقام رحمه الله بدعوة الدول الإسلامية لمؤتمر إسلامي تتشاور فيها الدول الإسلامية وضع مكة، فلم يستجب للدعوة إلا دولتان - على ما أذكر- منها أفغانستان. فتحقق للملك -رحمه الله- تحييد المعارضين، وأقام الحجة عليهم.

وثانيها، أن الحكومة -أي الوزراء- هي كبش الفداء في الأنظمة الديمقراطية، وخاصة في حالة مصر، فإن رئيس الوزراء والوزراء في الحكومة الجديدة لن يقدروا على تحقيق مطامح الشعب في فترة قصيرة كما يطمح الشعب المصري اليوم، (فالشعب يقيس الإصلاحات على سهولة وسرعة نجاح تغيير النظام كالذي حصل). وبهذا يستطيع الرئيس المصري أن يُحمل الحكومة المشكلة من المعارضة تبعيات عدم تحقيق أحلام الشعب. فمتى عين الرئيس من الوزراء قادة المعارضة، حُسبت تبعيات قراراتهم له لا عليه. أما اليوم، فالوزراء يُحسبون على الرئيس المصري، فتُحمل المعارضة تبعيات قرارتهم -بالحق والباطل- على الرئيس (وشاهد ذلك الحكم القضائي على القتلة). ووضع مصر يحتاج إلى وقت طويل للإصلاح والازدهار الاقتصادي، فللرئيس فسحة من الوقت وفرص كثيرة أكيدة قادمة ليجعل من الوزراء كبش الفداء، سواء على مستوى فردي أو بحل الحكومة كلها. وبهذا يحول حالة هجوم المعارضة عليه إلى حالة دفاع عن أنفسهم، وفرق كبير بين الهجوم والدفاع. ونحن نرى في بعض البلدان كيف أشغل قادتها المعارضة والشعب بتعيين الحكومات وحلها، فصرف قادتها اللائمة عنهم إلى غيرهم. وعندما دخلت أمريكا العراق أخطأت خطأها الإستراتيجي العظيم، بأن حلت الجيش البعثي واستبعدت كل قادة العراق من النظام السابق، فخلقت لنفسها معارضة شرسة ووحدت العراق ضدها بعد أن استقبلهم الناس بالورود.

كل الصراع السياسي في النظام الديمقراطي هدفه الأول هو كسب قلوب الناخبين، وكلما كانت الدولة حديثة عهد بالديمقراطية كان غالب الناخبين جهلة تُقاد بالعاطفة والدعاية المضللة. فصدق النية في إصلاح مصر الذي سيظهره أي رئيس ينتخب لمصر، لا يكفي لوضع مصر على الطريق الديمقراطي والإصلاح. بل يجب عليه مشاركة المعارضة في الحكومة ليقود هو المعارضة عليهم لتسلم البلاد من الآثار السيئة لمستلزمات الديمقراطية. إلا أنه سيؤخر البدء في طريق الإصلاح والنجاح. ولا أشك لحظة في إخلاص مرسي وكذلك لا أشك في إخلاص المعارضة. ولو لم ينجح مرسي في الانتخابات لقام هو وحزبه بالألاعيب السياسية نفسها التي يقوم بها المعارضون اليوم، فهذه هي الأجواء السياسية التي تخلقها الديمقراطية، وهي على قبح وسائلها إلا أنها لازم من لوازم استمرارها. والمسكوت عنه أن الصراع السياسي لن يرجع بمصر إلى الديكتاتورية، إلا أنه سيؤخر انتقال الديمقراطية للدول الأخرى
.............
الجزيرة السعودية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..