من علامات أهل البدع
قلة الحياء وذهاب الورع واختلاج الأمانة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن
أهل السنة والجماعة وسط في باب التكفير بين المرجئة والخوارج، وهم أعدل
الفرق في هذا الباب، وأكثرهم تؤدة فيه، كيف لا وإمامهم صدقاً وعدلاً قد
بعثه الله تعالى رحمة للعالمين كما قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] فكذلك أتباعه أرحم الناس
بالناس، وأعدل الناس مع الناس، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وَأَهْلُ
السُّنَّةِ يَتَّبِعُونَ الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمُ الَّذِي جَاءَ بِهِ
الرَّسُولُ، وَلَا يُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُمْ
أَعْلَمُ بِالْحَقِّ وَأَرْحَمُ بِالْخَلْقِ، كَمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ
الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ} [آلِ عِمْرَانَ 110] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كُنْتُمْ خَيْرَ
النَّاسِ لِلنَّاسِ» [منهاج السنة النبوية: 5/ 158].
ومتى تولَّى أهل السنة على الناس: رحموا الموافق والمخالف، وأنصفوا وعدلوا، وأعطوا كلِّ ذي حقٍ حقه.
بخلاف
ولاية أهل البدع والضلال الولاية الدينية والسياسية: فإنهم لا يرحمون أهل
السنة، بل يظلمونهم أشد الظلم، ويبغون عليهم أقبح البغي.
فرحم الله أهل السنة ورضي عنهم، ورحم الإمام أحمد حينما قال في أول كتابه في الرد على الجهمية (ص: 55): «الحمد
لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم يدعون من ضل
إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور
الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائه قد هدوه،
فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله
تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية
البدع، وأطلقوا عقال الفتنة فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون
على مفارقة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم».
ومن
قبح البدعة أن من قارفها عن عناد وجهل يغل صدره على المسلمين، وتختلج منه
الأمانة، ويقل فيه الورع، وينزع منه الحياء إلا من رحم الله!
وذكر ابن بطه في كتابه "الإبانة الصغرى" (رقم:102) عن سعيد بن عنبسة: «ما ابتدع رجل بدعة إلا غلّ صدره على المسلمين، واختلجت منه الأمانة».
وذكر (رقم:103) عن الأوزاعي أنه قال: «ما ابتدع رجل بدعة إلا سُلب ورعه».
وذكر (رقم:104) عن الحسن أنه قال: «ما ابتدع رجل بدعة إلا تبرأ الأيمان منه».
وذكر (رقم: 105) عن ابن عون أنه قال: «ما ابتدع رجل بدعة إلا أخذ الله منه الحياء وركب فيه الجفاء».
وجنس هذا كثير في كل حين من أهل البدع والأهواء، ومنهم حاتم العوني! وما كتبه في صفحته على الفيس بوك: ((https://www.facebook.com/profile.php?id=100001320458859&ref=ts&fref=ts))
مقالاً أبتراً ما حكم فيه بالسوية، وما عدل في القضية، فجاء بطرف كلام
للإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى في ذم الأشعري! ومفاده تكفير الأشعرية!
ثم جاء بكلام للعز بن عبدالسلام في مدح إمام مذهبه يفيد أنهم لا يكفرون
المخالفين لهم!
وطلب المحاكمة بين النقلين، موهماً عدل أهل البدع، وجور أهل السنة، وهذا منصوص كلامه الأبتر:
(احكموا
: أي القولين أقرب للتقوى ، وأحق بالعدل وأولى ، وأدق في ميزان العلم
وأحرى ، و بتحقيق الألفة والوحدة أدعى!! وأيهما هو المغالي في تفريق الأمة ،
وفي تشتيت الصف ، وفي ضعف التحرير العلمي : يقول موفق الدين ابن قدامة
السلفي - حسب التصنيف المعاصر للسلفية - ( ت ٦٢٠هـ ) عن الأشعرية : (( وهذا
حال هؤلاء القوم لا محالة : فهم زنادقة بغير شك ، فإنه لا شك في أنهم
يُظهرون تعظيم المصاحف إيهاما أن فيها القرآن ، ويعتقدون في الباطن أنه ليس
فيها إلا الورق والمداد ... ( إلى أن قال : ) وحقيقة مذهبهم : أنه ليس في
السماء إله ، ولا في الأرض قرآن ، ولا محمد رسول الله . وليس في أهل البدع
كلهم من يتظاهر بخلاف ما يعتقده غيرهم ، وغير من أشبههم من الزنادقة ...)) ،
إلى آخر كلامه ، حيث وصف أبا الحسن الأشعري بأنه غير معروف بدين ولا ورع
ولا بشيء من علوم الشريعة البتة ! ثم استعجب : ((كيف تصور في عقولهم أن
الله لا يوفق لمعرفة الحق إلا عدوه ! ولا يجعل الهدى إلا من ليس له في علم
الإسلام نصيب ، ولا في الدين حظ )) . من كتاب : (حكاية المناظرة في القرآن)
لابن قدامة ، تحقيق : عبدالله بن يوسف الجديع (٥٠- ٥٢) .
في
حين يقول العز ابن عبد السلام الأشعري ( ت٦٦٠هـ) في قواعد الأحكام الكبرى :
(( وقد رجع الأشعري ( رحمه الله ) عند موته عن تكفير أهل القبلة ؛ لأن
الجهل بالصفات ليس جهلا بالموصوفات ، وقد اختلفت العبارات ، والمشار إليه
واحد ... ( إلى أن قال العز : ) فإن قيل : يلزم من الاختلاف في كونه سبحانه
في جهة أن يكون حادثا ؟ قلنا ؛ لازم المذهب ليس بمذهب ؛ لأن المجسمة
جازمون بأنه في جهة ، وجازمون بأنه قديم أزلي ليس بمحدث ، فلا يجوز أن
يُنسب إلى مذهب من يصرح بخلافه ، وإن كان لازما من قوله )) فهو يصرح بعدم
كفر من يسميهم هو نفسه بالمجسمة ؛ لأنهم لا يلتزمون بلازم التجسيم الكفري
الذي لا يُعذر فيه بالجهل ، وهو اعتقاد حدوث الخالق عز وجل، فأي التقريرين
أقرب إلى الإنصاف !! وأيهما الذي يحمل قابلية للتعايش !! وأي الجماعات
الإسلامية المعاصرة التي تقترب من التقرير الأول ؟ وأيها التي تقترب من
التقرير الثاني ؟ أم الكل قريب من الأول؟! أم الكل قريب من الثاني ؟! أم
المعاصرون بكل مذاهبهم وطوائفهم خير منهما ؟! أم أسوأ منهما ؟!! أم فيها (
الأخير ) وفيها (الأسوأ ) وفيها المقارب المماثل ؟!! أعانكم الله على حل
هذا اللغز العويص !!).
هذا تمام كلامه، وما فيه من سخيف إيهامه، فصور للناظر:
[1]
أن ابن قدامة، وصف الأشاعرة بأنهم «زنادقة» و«ليس لهم في علم الإسلام
نصيب» و«لا لهم في الدين حظ» وأن الأشعري «غير معروف بدين ولا ورع».
[2]
وأن العز بن عبدالسلام كان عادلاً في موقفه من الخصوم، وأن الأشعري عاد عن
التكفير، وأن العز بن عبدالسلام: «يصرح بعدم كفر من يسميهم هو نفسه
بالمجسمة».
وهذا باطل وزيف من وجوه:
الوجه الأول:
أن العز بن عبدالسلام نفسه من يرى التكفير، وإنما استثنى العامة لعارض الجهل! فيقول في تمام كلامه الذي بتره حاتم: «وَكَذَلِكَ
اخْتَلَفَ النَّاسُ أَهِيَ جِهَةٌ أَمْ لَا جِهَةَ لَهُ مِمَّا يَطُولُ
النِّزَاعُ فِيهِ وَيَعْسُرُ الْوُقُوفُ عَلَى أَدِلَّتِهِ، وَقَدْ
تَرَدَّدَ أَصْحَابُ الْأَشْعَرِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي الْقِدَمِ
وَالْبَقَاءِ أَهُمَا مِنْ صِفَاتِ السَّلْبِ أَمْ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ؟
وَقَدْ كَثُرَتْ مَقَالَاتُ الْأَشْعَرِيِّ حَتَّى جَمَعَهَا ابْنُ فُورَكٍ
فِي مُجَلَّدَيْنِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَصْوِيبٌ
لِلْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ بَلْ الْحَقُّ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ،
وَالْبَاقُونَ مُخْطِئُونَ خَطَأً مَعْفُوًّا عَنْهُ لِمَشَقَّةِ
الْخُرُوجِ مِنْهُ وَالِانْفِكَاكِ عَنْهُ، وَلَا سِيَّمَا قَوْلُ
مُعْتَقِدِ الْجِهَةِ فَإِنَّ اعْتِقَادَ مَوْجُودٍ لَيْسَ بِمُتَحَرِّكٍ
وَلَا سَاكِنٍ وَلَا مُنْفَصِلٍ عَنْ الْعَالَمِ وَلَا مُتَّصِلٍ بِهِ،
وَلَا دَاخِلٍ فِيهِ وَلَا خَارِجٍ عَنْهُ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ أَحَدٌ
بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فِي الْعَادَةِ، وَلَا يَهْتَدِي إلَيْهِ أَحَدٌ
إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى أَدِلَّةٍ صَعْبَةِ الْمُدْرَكِ عَسِرَةِ
الْفَهْمِ فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا فِي حَقِّ
الْعَادِي.
وَلِذَلِكَ
كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُلْزِمُ أَحَدًا
مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ بَلْ كَانَ يُقِرُّهُمْ
عَلَى مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا انْفِكَاكَ لَهُمْ عَنْهُ، وَمَا زَالَ
الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالْعُلَمَاءُ الْمُهْتَدُونَ يُقِرُّونَ
عَلَى ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْعَامَّةَ
لَمْ يَقِفُوا عَلَى الْحَقِّ فِيهِ وَلَمْ يَهْتَدُوا إلَيْهِ،
وَأَجْرُوا عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ مِنْ جَوَازِ
الْمُنَاكَحَاتِ وَالتَّوَارُثِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ إذَا مَاتُوا
وَتَغْسِيلِهِمْ وَتَكْفِينِهِمْ وَحَمْلِهِمْ وَدَفْنِهِمْ فِي مَقَابِرِ
الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَامَحَهُمْ بِذَلِكَ
وَعَفَا عَنْهُ لِعُسْرِ الِانْفِصَالِ مِنْهُ وَلَمَا أُجْرِيَتْ
عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ..» [قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/201- 202).
فهو إنما ينفي كفر العامة، قال النبهاني في "رفع الاشتباه في استحالة الجهة عن الله" (ص238 من شواهده!!): «اعلم أن معتقد الجهة لا يكفر كما قاله العز بن عبدالسلام، وقيده النووي بكونه من العامة، وابن أبي جمرة بعسر فهم نفيها ... ».
وقد
اشتهر الخلاف بين الأشاعرة وغيرهم من ضلّال أتباع المذاهب الأربعة في
(تكفير المجسمة) ولا يريدون به إلا (مثبتة العلو) أما لو أرادوا حقيقة
التجسيم وتمثيل الله بخلقه فهذا كفر بالإجماع، ولكنهم يطلقون هذا ولا
يريدون به إلا (مثبتة العلو) ويسمونهم بـ(الجهوية!) لإثباتهم أن الله تعالى
في جهة العلو.
الوجه الثاني:
أن
المعارضة بين قولي ابن قدامة وقول العز بن عبدالسلام معارضة غير عادلة!
فيأخذ أشد ما في أقوال هؤلاء ويقابل به أهون ما في أقوال أولئك! وبالإمكان
القلب! ولو أن المراد هو (محاكمة بين رجلين) لهان! ولكن القصد واضح بين في
تفضيل (الأشاعرة!) على (أهل السنة) وأنى له ذلك.
ومما
يفسد هذه المعارضة بالقلب أن دواوين التاريخ تحفظ ولا تهمل! ما جناه أهل
البدع من الجهمية وأتباعهم الأشاعرة على أهل السنة في قصص شتى!
[1] فهل
من العدل مقام الواثق! إلى أحمد بن نصر الخزاعي وسجنه له، ثم إحضاره في
حشد كبير وهو مكبل بالحديد، وضربه بالسيف وصلبه وتقربه بقتله وتكفيره!
[بداية النهاية:10/305].
[2]
وهل من العدل والإنصاف والبر والتقوى ما صنعه أسلاف الأشاعرة كأحمد بن أبي
دؤاد وغيره في الإمام أحمد، واستباحة دمه! وقوله: «اقتله ودمه في عنقي؟»
[3] وهل من العدل والبر والتقوى ما صنعه الأشاعرة منكرة العلو في الإمام الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي وسعيهم في قتله؟
[4]
وهل من العدل والبر والتقوى ما قوبل به شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة
خاصة، فتكالبوا عليه من كل حدب وصوب، واستباحوا منه ما حرّم الله، وسجنوه،
وسعوا في قتله مرّات ومرات، فما قدروا عليه لأنه منصور بربه عز وجل، وقدر
عليهم وأعلاه الله على هاماتهم حساً كما أعلاه عليهم بالحجة والعلم، ومع
ذلك ما قتلهم ولا ظلمهم، حتى شهد له بذلك من خصومه الأشاعرة ابن مخلوف!
قال ابن الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية"
(14/ 61): «سمعت الشيخ تقي الدين يذكر ما كان بينه وبين السلطان من الكلام
لما انفردا في ذلك الشباك الذي جالسا فيه، وأن السلطان استفتى الشيخ في
قتل بعض القضاة بسبب ما كانوا تكلموا فيه، وأخرج له فتاوى بعضهم عزله من
الملك ومبايعة الجاشنكير، وأنهم قاموا عليك وآذوك أنت أيضا، وأخذ يحثه بذلك
على أن يفتيه في قتل بعضهم، وإنما كان حنقه عليهم بسبب ما كانوا سعوا فيه
من عزله ومبايعة الجاشنكير، ففهم الشيخ مراد السلطان فأخذ في تعظيم القضاة
والعلماء، وينكر أن ينال أحدا منهم بسوء، وقال له: «إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم»،
فقال له إنهم قد آذوك وأرادوا قتلك مرارا، فقال الشيخ من آذاني فهو في حل،
ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي، وما زال به
حتى حلم عنهم السلطان وصفح.
قال: وكان قاضي المالكية ابن مخلوف يقول: «ما رأينا مثل ابن تيمية حرضنا عليه فلم نقدر عليه وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا»..».
هذا هو البر والتقوى والعدل والإنصاف الذي تخدع الناظرين بطلبه في قول اثنين لتفاضل بين حزبين!
ألا لعنة الله على المراوغين.
أين طلبك للعدل والإنصاف في قول ابن حجر الهيتمي عن شيخ الإسلام ابن تيمية: الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي (ص: 83): «ابْن
تَيْمِية عبد خذله الله وأضلَّه وأعماه وأصمه وأذلَّه، وَبِذَلِك صرح
الْأَئِمَّة الَّذين بينوا فَسَاد أَحْوَاله وَكذب أَقْوَاله».
وقال الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي (ص: 144-145): «وَإِيَّاك
أنْ تصغى إِلَى مَا فِي كتب ابْن تَيْمِية وتلميذه ابْن قيم الجوزية
وَغَيرهمَا مِمَّن اتخذ إلهه هَوَاهُ وأضله الله على علم وَختم على سَمعه
وَقَلبه وَجعل على بَصَره غشاوة فَمن يهديه من بعد الله، وَكَيف تجَاوز
هَؤُلَاءِ الْمُلْحِدُونَ الْحُدُود، وتعدوا الرسوم وخرقوا سياج
الشَّرِيعَة والحقيقة، فظنوا بذلك أَنهم على هدى من رَبهم وَلَيْسوا
كَذَلِك، بل هم على أَسْوَأ الضلال وأقبح الْخِصَال وأبلغ المَقَّتْ
والخسران وأنهى الْكَذِب والبهتان فخذل الله متَّبِعهم وطهر الأَرْض من
أمثالهم».
وقال في حاشيته على الإيضاح (ص:489): «ولا يغتر بإنكار ابن تيمية فإنه عبدٌ أضله الله كما قاله العز بن جماعة!».
فأين حكمك يالكع؟!
هل
من البر والتقوى والعدل أن آتيك بقول هذا الضال في شيخ الإسلام ابن تيمية
ثم آتيك بما لا يحصيه إلا الله من كلام شيخ الإسلام الذي يفوح طيباً وعدلاً
ثم أطلب المفاضلة بين (حزبين) أهل السنة والأشاعرة؟!
أينك يا عوني! عمَّن كفر من وصف ابن تيمية بأنه شيخ الإسلام؟ حتى صنف الحافظ ابن ناصر الدين كتابه الشهير "الرد الوافر على من زعم: بأن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر".
[5]
أينك يا دعيّ العدل والإنصاف والبر والتقوى عن ظلم خصوم شيخ الإسلام محمد
بن عبدالوهاب، وافترائهم عليه، وتكفيرهم له ولأتباعه، بل واستباحة ما حرم
الله منهم من الدماء والأموال؟!
إن
وقوفك على هذا النص للإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى مقابل كلام العز بن
عبدالسلام ضرب من الهوى لإيصال تفضيل الأشاعرة على أهل السنة.
الوجه الثالث:
أن كلام الإمام ابن قدامة ليس صريحاً في التكفير، وإنما غايته ذم عقيدة الأشاعرة والتشنيع عليها وعلى القائلين بها.
والوصف بالزندقة وصف بالنفاق ومنه ما هو كفري وما هو دون ذلك.
مع
أن القول بكفر الأشاعرة من قول أهل السنة، كما أن القول بإطلاق تكفير من
قال بإثبات العلو لله تعالى قول عند الأشاعرة كما سبق الإشارة إليه.
وقد بوّب الإمام الهروي في "ذم الكلام" باباً قال فيه: «باب تكفير الأشعرية».
ونص على كفرهم جماعة من أهل السنة كأبي بكر الأهوازي ويحيى بن عمار وأبي نصر السجزي وجماعة.
ولا
يخالف هذا قول من قال بعدم كفرهم لأن الكل حكم بما ظهر لهم من قولهم: لأن
غالب طوائف أهل البدع تضم من المقالات ما هو كفر وما هو دون ذلك، فلا يكون
حكم علماء أهل السنة فيهم مختلفاً بين من حكم بكفرهم من عدمه.
كالخوارج
والشيعة والجهمية والصوفية ونحوهم، فمن مقالات الأشاعرة ما هو تجهّم واضح
بيّن لا يدفعه خبير! خاصة مقالات المتأثرين بالكلام منهم هي بعينها مقالات
بشر المريسي وأضرابه الذين ما عرفوا في عصورهم إلا بالجهمية!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية (ص: 245): «وهذه
التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو
بكر بن فورك في كتاب «التأويلات» وذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي
في كتابه الذي سماه "تأسيس التقديس"
ويوجد كثير منها في كلام خلق كثير غير هؤلاء مثل أبي علي الجبّائي، وعبد
الجبار بن أحمد الهمذاني، وأبي الحسين البصري، وأبي الوفاء بن عقيل، وأبي
حامد الغزالي وغيرهم، هي بعينها التأويلات التي ذكرها بشر المريسي التي
ذكرها في كتابه، وإن كان قد يوجد في كلام بعض هؤلاء رد التأويل وإبطاله
أيضًا ولهم كلام حسن في أشياء. فإنما بيَّنت أن عين تأويلاتهم هي عين
تأويلات المريسي، ويدل على ذلك كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي
أحد الأئمة المشاهير في زمان البخاري، صنف كتابًا سماه: "رد عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد فيما افترى على الله في التوحيد"
حكى فيه من التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي بكلام يقتضي أن المريسي
أقعد بها، وأعلم بالمنقول والمعقول من هؤلاء المتأخرين الذين اتصلت إليهم
من جهته، ثم رد عثمان بن سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكي: علم حقيقة ما
كان عليه السلف، وتبين له ظهور الحجة لطريقهم، وضعف حجة من خالفهم».
فلا تعارض بين أقوال أهل السنة في حكم الأشاعرة، لتباين مقالاتهم ما بين ما كان موجباً للتكفير من عدمه.
كقولهم
في الصوفية! فمن مقالاتهم ما هو بدعة لا توجب التكفير، وما هو كفر بإجماع
المسلمين بل يكفر من شك في كفر من قال بتلك المقالات.
وهذا
التفصيل هو تفصيل أهل السنة في أهل البدع وتفريقهم بين من كانت بدعته
مكفرة وغير مكفرة، وتفريقهم بين الحكم على المقالات والأعيان، وهم بعيد عن
التكفير باللازم كما هو مشهور عنهم في مواطن عدة، وبينت ذلك في كتابي "بيان
كذب الممتري" في ردي على صالح الأسمري.
الوجه الرابع:
أن
ذم الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى لأبي الحسن الأشعري لم ينفرد به،
وأبو الحسن الأشعري تقلب به القلب من دين إلى دين! من مذهب الاعتزال إلى
الكلابية إلى أن استقر أخيراً على مذهب أهل السنة في الجملة، حيث جرت
العادة البشرية أن من تنكس من شواهق الجبال أن لا يعود في عافيته وصورته
كحاله الأول! وكذلك شواهق المقالات! فقلما يخوض في مقالات أهل البدع رجلٌ
إلا ويبقى فيه أثر من البدعة ولو تاب!
وقد
تكلم في أبي الحسن الأشعري جماعة من الأئمة الحفاظ كأبي نصر السجزي في
رسالته إلى أهل زبيد، وكيحيى بن عمار وغيره فيما ذكره عنهم الإمام الهروي
في "ذم الكلام" والاختلاف في الحكم على الرجال باب عظيم مشهور، وكل يحكم
بما بلغه، والظن بعلماء الإسلام وأئمة الدين الأعلام أن لا يتكلموا في
رجلٍّ إلا عن صدق وديانة وبرٍّ وتقوى، وخاصة مثل الإمام أبي محمد ابن قدامة
رحمه الله تعالى، وما عُرف عنه من الزهد والتقوى وحسن المراقبة لله تعالى.
الخاتمة
وخاتمة
المقال أن من تكلم في غير شأنه جاء بالمعضلات! وحاتم العوني لا يعرف بفهم
ولا علم في مسائل العقائد والمقالات! وغايته العبث بعلم الحديث! ولكن
للخلطة أثرها البين على أصحابها، والمرء على دين خليله! والله المستعان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
الأربعاء 8 جمادى الآخرة 1434هـ
الطائف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..