السبت، 13 أبريل 2013

هل تنج الدول الخليجية في التصدي للثورات؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه، وبعد:
 في النقاش عدد من القضايا الرئيسية:
= أن إستراتيجية الإخوان هي التقارب مع الجميع (الروافض والخليج والنصارى والغرب والشرق) وليس
الروافض وحدهم، فهم جماعة برجماتية، إصلاحية، تستفيد من المتاح ولا تواجه. ( وهي الإجابة المباشرة على ما تحدث به الدكتور محمد السعيدي ).

= أن مصر تحركت لإيران بعد أن رفض الخليج المساعدة لمصر الثورة، والتحرك هدفه سياسي، والتجربة تقول أن الإخوان 
لايؤمنون بالرفض ولا يرضونه، وقد رأينا حال حماس مع إيران.

= وكي تكتمل الصورة كان لزاماً علينا أن نطرح سؤالاً نستكشف به ما يحدث، نفتش عن قضية الصراع، من أطرافها؟، وعلى ماذا يتصارعون؟
والفرضية التي تلوح بوضوح كإجابة على هذا السؤال البحثي هي أن الصراع بين النظم وليس الشعوب، وهدفه الرئيس هو التصدي للتغير بخطوات وقائية تجاه الدول التي حدث فيها تغيير، ويستخدم في هذا الصراع أدوات متعددة، ومتعارف عليها في العلاقات الدولية (أدوات تنفيذ السياسات الخارجية: الأداة الدعائية، والدبلوماسية، والاقتصادية، والتخريب السياسي، والأداة الاقتصادية).

والتأكد من هذه الفرضية، يأتي بتتبع الأدوات السياسية المستخدمة من قبل الأنظمة التي لم تنشأ فيها الثورة، وأبرزها في هذه الجولة هي الأداة الإعلامية، والاقتصادية. 

وملامح الأداة الإعلامية يمكن تتبعها من خلال:
أـ  قنوات مناوئة (العربية مثلاً)، قناة تحرص على خلط الحقائق وإرباك المشاهد (الجزيرة)، قنوات تتبنى موقفاً معادياً لمنتج "الثورة": كتلك التي اصطلح على تسميتها بقنوات الفلول

ب ـ قنوات صديقة، وهي القنوات الإسلامية، فهذه تلعب دوراً لا يقل خطورة عن القنوات العدوة، وإن اختلف في الإخراج؛ مثلا كانت تدعم المجلس العسكري وتخلط بين "الجيش والمجلس العسكري"، والآن تتصيد أخطاء الإخوان الشرعية، فحين حاول الإخوان أن يقترضوا بالربا، هب هؤلاء واشتدوا "ضد الربا". بذات الآلية التي كانوا يعملون بها دعماً لنظام مبارك، حين يحدث "تفجير إرهابي" ويعلم الجميع أنه من فعل أمن الدولة، تنتفخ أوداجهم وتشقق حناجرهم دفاعاً عن الأبرياء .. ..أهل الذمة .. المؤمنين .. ولاة الأمر .. سلامة المجتمع. وحين يتجرأ الأراذل ..مَن لا حول لهم ولا قوة على أقدس ما عندنا ..كتاب ربنا ورسول ربنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا تسمع لهم حساً. يكون هذا الفعل بحسن نية أو بسوء نية لا يعنيني فالقصد الأول (النية) يخفف من العقوبة أو يزيد فيها ولكنه لا يرفع التكييف الشرعي. ويذكر أن من أسباب نجاح الثورة: توقف هذه القنوات قبل الثورة، ولو كانت تعمل لأجهضوها من أول يوم.

ج – الدفع وقت الصدام بأشخاص ذات قبول جماهيري تلميعاً للدول التي بعثتهم، مثل الشيخ العريفي. وسياق مجيء هؤلاء، وهم كرام أفاضل أرادوا الخير، هو تلميع صورة الأنظمة التي تحارب المجتمع.

د – تفاصيل المادة الإعلامية فيها الكثير من البيان مثل الحديث عن "دعم مادي" للدول الثائرة، وهو دعم كلامي في الجملة، وما يصل منه يدخل في إطار الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار كي لا ينفجر المشهد إلى جهاد مسلح يهدد أمن إسرائيل ، ويربك المنطقة كلها. ويأتي في الأخير بمن يجاهدهم، وهي ذات الآلية التي يتبعها الإتحاد الأوروبي في فلسطين، يتبرع بما يمسك المجتمع في أقل درجات الاستقرار، ويتحكم بموجب ذلك في القرار السياسي، وقومنا يقبلون!!
الأداة الاقتصادية: ومعلوم أن حجم التعامل الاقتصادي بين الأنظمة العربية ضعيف لا يتجاوز 10%، وأن الدول العربية في تعاملاتها الاقتصادية الخارجية تتعامل بشكل فردي، وتأخذ منحى أمريكي ثم أوروبي ثم غربي، وأنها في أسوأ حالات التعامل الاقتصادي، فهي (كلها): تصدر المواد الخام، وتستورد السلع المصنعة (صناعات تحويلية)، وتستقبل استثمارات في مجالات لا تنعكس بالإيجاب على الحالة الاجتماعية، وغير ذلك مما هو أسوأ كتشابه الهياكل الاقتصادية، وانعدام المشاريع 
التكاملية، وعدم وجود تكتلات اقتصادية مشتركة...

والمقصود بالأداة الاقتصادية هنا هو المنح التي تعطى نقداً، وهذه تستعمل كأداة في الصراع الآن بأن المال يدعم المعارض للثورة (كما يحصل في مصر، ودعم الإمارات لشفيق وعمر سليمان، وغيرهم معروف)، ويستعمل في منع السلع التي تؤثر على الاستقرار كالوقود مطالبة بدفع عاجل للمال، ثم بعدم تبني مشاريع اقتصادية تنموية، وكذا بمد المقاتلين في سوريا مدا محدوداً لا يحدث نقلة نوعية وإنما فقط اشعال الحرب لتحقيق غرضين: التخلص من بشار (والخلاف معه شخصي)، وإغراق الشعوب وتشتيتهم بما ينفر من الثورة والخروج على الحكام.

والسؤال: هل تنجح الدول الخليجية؟
التصدي الخليجي لموجة الثورات في منتصف العقد الماضي نجح ، وكان العامل الرئيسي في نجاحه هو انشغال النظم الثورية ببعضها، فقد كان حجم الصراع (تبعاً لقياسات إمبريقية دقيقية نشرها الدكتور أحمد يوسف أحمد أستاذ العلاقات الدولية في كتابه الصراع العربي العربي) أكبر من حجم الصراع بين الدول "الثورية" والدول التي لم تدخلها الثورات.
وكذا تبني الدول "الخليجية" الدين كستار للحفاظ على حكمها، ثم استقدامها للإخوان بعد عبد الناصر لتعادل ما شب في أرضها من بؤر ثورية فكرية.
ثم العامل الدولي الرافض للفكرة القومية (توحيد الدول العربية تحت أي نموذج، وقد ظهر هذا في التحرش بالوحدة بين مصر وسوريا حتى انفضت). وكذا في تواطئه مع دول الخليج لضمان الطاقة، وأمن الطاقة.

ولكن هذه العوامل تغيرت الآن:
ـ الدول التي تحررت من الاستبداد قامت فيها أنظمة متعاونة بل من نسيج واحد ذو صبغة متقاربة (إخوانية).
ـ تبني الدول الثورية شعارات دينية، مما يضعف من الخطاب المخادع للشعوب في الدول "الملكية"، ويحصره فقط في تبني سياسة عدم استقرار تلك المجتمعات.
ـ ظهور بؤر تحررية في دول الخليج لا علاقة لها بما حد في "دول الربيع"، ذات علاقة بالغرب، ومعروف أن "الإصلاح" بدأ في دول الخليج منذ التسيعنات، وأنه على أشده في الكويت. وسيزداد الأمر بعد عودة مئات الألوف من المبتعثين الخليجيين لأوروبا.
ـ استنزاف الدول عن طريق بؤر الصراع (الحوثيين) (القاعدة في اليمن) (الثورة في اليمن).
ـ تبني الغرب دعم التغيير للموجود واستبداله بجديد، فنستطيع أن نقول بأن الغرب سيكمل مشروع التغيير في الخليج، والخطوات تسير بقوة، والحالة السلفية مجني عليها.

كيف المستقبل؟
العلم عند الله، يدبر الأمر كيف يشاء، الذي يظهر: أن الله يمكر بالباطل وأهله، وأنهم كلما أحكموا خطة أفشلت من حيث لا يحتسبون، فالتصدي لخيار الثورة لن يرجع الشعوب، بل سيولد خياراً أشد، وهو خيار المجاهدين. وهذا ما يحدث في أرض الشام، فلن تضع الحرب أوزارها بعد رحيل الأسد، ولن تستمر تحت السيطرة وهي تجد وقوداً من الفرقاء (روافض، 
يهود، نظم سلطوية، جماهير متحمسة، جماعات ذات خبرة بحرب الشوارع).

هيمنة الغرب بدأت تتراجع، عسكرياً، وسياسياً، فقد هزمت أمريكا وتجرأ عليها الناس ولم يعد ينتظر أن تنزل بأرض وتجد من يخضع لها بعد هزيمتها في العراق والأفغان والصومال. بل لم تعد تفكر في النزول بشكل مباشر (مالي نموذجاً).
وأوروبا هي الأخرى متعثرة وهذا بين من استقراء أزمة الديون، ومن طريقة التعاطي معها، وهي مختلفة بعضها يتعلق بالحكومات (اليونا)، وبعضها يتعلق بالقطاع الخاص (أسبانيا والبرتغال وإيطاليا)، وبعضها يتعلق بالتحرش بروسيا والعرب (قبرص إذ أن حقيقة المشكلة هناك أنهم يريدون السيطرة على أموال البنوك).
والشعوب لا زالت فاعلاً وثمة مد يميني (مسيحي وسياسي) يهدد بتغيير الخارطة في دول القاطرة (ألمانيا بعد ان غير فرنسا). وهذا من شأنه أن يبدأ في تفكيك الاتحاد عن طريق التخلص من الدول المديونة، وتأجيج نار العنصرية... الخ
الكلام كتير، وبصرحة تعبت من الكتابة. 
 وإن وجدت أفكاراً تستحق النقاش في الردود رددت عليها. 
أبو جلال
12 / 4  / 2013



محمد جلال قصاص - مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..