عقد هذا المؤتمر بعد ظهور بوادر الانشقاق من بعض الإخوان حينما
اجتمعوا
في الأرطاوية وأعلنوا للملأ المآخذ على الملك الذي حاول اجتذابهم بالحسنى والحكمة والإقناع,
فدعاهم جميعًا للرياض في رجب ١٣٤٥ فحضر أكثر زعماؤهم ومن تخلف أرسل من قبله مندوبًا,
فاستمع الملك لمؤاخذاتهم على مسلكه, ثم طرح تلك المؤاخذات على كبار علماء العارض, الذين
أجابوه بهذه الفتيا الجماعية المحررة, التي يتبين فيها أمران:
الأول: موافقة العلماء
على أن غالب مؤاخذات الإخوان صحيحة وأن الواجب تغيير تلك المنكرات، مع التوقف في بعض
الأمور ريثما يتبين لهم حكمها بعد تصورها التصور التام, مع المنع منها درءاً للفتنة.
والثاني: _وهو ما أغضب بعض الزعماء المنشقين_ أن الجهاد منوط بإذن الإمام وأنه لا يجوز
بحال خفر ذمة من أمنّ من الناس, أو الابتداء بإعلان الجهاد خارج نطاق حكمه دون موافقته
المباشرة. وقد أقام العلماء الحجة على المنشقين الذين عاد بعضهم لإمامه وعلمائه وأبى
آخرون إلا المضي في انشقاقهم حتى كانت وقعة السبلة بعد نحو سنتين من هذا البيان, ولله
الأمر من قبل ومن بعد, وله حكم غزيرة قد لا نتلمس إلا بعض أطرافها.
وبالجملة؛ فسيرة الدولة السعودية بمراحلها الثلاث جديرة وحقيقة بالتأمل
واستلهام العبر والدروس, وكلما غاص المرء في تأملها وتتبعها خرج بيقينية أن الله سبحانه
قد جعل موارد نصره على من رفع راية الدين حقًّا وصدقًا, لا ادّعاء وتمرحُلًا، وأن القائد
والمجاهد مهما علا شأوه إنما يبتعد عن توفيق الله بمقدار بعده عن الإخلاص أو الاتباع,
ويقترب من الظفر على قدر قربه منهما. مع تسليمنا بابتلاءات يرفع الله بها من شاء من
عباده في الدنيا والآخرة.
وختامًا أقول لمتخصصي التاريخ أو العقيدة أو السنة أو الشريعة: إن دراسةً
متعمقة متكاملة للحالة الجهادية منذ المرحلة الأولى في عهد الإمامين المحمدين إلى وفاة
الملك عبدالعزيز لجديرة بأطروحة علميّة محايدة تتخذ من منهج السلف, المجرد من ظلال
السياسة -محبة أو كرهاً- لأن هذه الدولة بمراحلها الثلاث بكل ما لحقها من نعم أو محن
تعتبر الأنموذج الصالح والأقرب للهدي الأول مما سواها عبر قرون ليست بالقليلة. والله
من وراء القصد.
والفائدة من ذلك: أن نضع أيدينا على مواطن الجودة والصلاح فنستثمرها وننميها,
وعلى مواطن الخلل فنرفؤها, أو على الأقل أن نحاول منع تكرارها في أماكن وأزمنة أخرى,
وخاصة في هذا الزمان الذي تهيأ لأهل الخير مالم يلم يحلموا به منذ عقود, فهل يشكروا
الله بأعمالهم, ويصدقوه بأفعالهم.
إن الدولة السعودية تطبيق عملي بكل مايشوب التطبيق من بشرية تعيق كماله،
إما لقصور أو طول زمن، أو كيد خارج، أو حسد صاحب، أو طلب حظوظ نفس، أو استعجال قطف
ثمرة، أو استفزاز من لاطاقة لحربه قبل الاستعداد له، إلى غير ذلك. وفي هذا الدولة العظيمة
حقًّا -باستصحاب تاريخها كله - مواطن عديدة لدروس غزيرة. والعاقل من بدأ من حيث انتهى
العظماء، مع سبره لنهجهم، واستنانه المطلق بعظيمهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه
وعلى آله وصحبه.
وثيقة تاريخية مهمة
مؤتمر الرياض
(1927) عقد في 25 رجب 1345 هـ / يناير 1927 واستمر حتى 8 شعبان من نفس العام. ودعا
إليه الملك عبد العزيز آل سعود لرأب الصدع بين عبد العزيز آل سعود ممثل الحاضرة والبادية
وبين الإخوان، وحضر المؤتمر شيوخ القبائل والعلماء وعدد من زعماء الإخوان مثل فيصل
الدويش وضيدان بن حثلين. وقد خلص المؤتمر إلى إعلان الملك عبدالعزيز ملكا على نجد
(لقبه السابق هو سلطان نجد وملك الحجاز إضافة إلى عدة فتاوي عن التقنية والروافض. انظر
الى الفتاوى وستعرف رؤية الجيل الأول رحمهم الله أجمعين:
«من محمد بن عبد
اللطيف، وسعد بن حمد بن عتيق، وسليمان بن سحمان، وعبدالله بن عبد العزيز العنقري، وعمر
بن محمد بن سليم، وصالح بن عبد العزيز، وعبدالله بن حسن، وعبدالعزيز بن عبد اللطيف،
وعمر بن عبد اللطيف، ومحمد بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الله، وعبدالله بن زاحم البقمي،
ومحمد بن عثمان الشاوي البقمي، وعبدالعزيز بن محمد الشثري ـ إلى من يراه، من إخواننا
المسلمين، سلك الله بنا وبهم صراطه المستقيم، وجنّبنا وإياهم طريق أهل الجحيم. آمين.
السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته، أما بعد: فقد ورد على الإمام ـ سلمه الله ـ سؤال من بعض الإخوان عن مسائل،
وطلب منّا الجواب عنها، فأجبناه بما نرى.
أما مسألة البرقية،
فهو أمر حادث، في آخر هذا الزمان، ولا نعلم حقيقته، ولا رأينا كلاماً عنه من أحد من
أهل العلم. فتوقفنا في مسألته، ولا نقول على الله ورسوله، بغير علم. والجزم بالإباحة
أو التحريم، يحتاج إلى الوقوف على حقيقته.
وأما مسجد
"حمزة" و"أبو رشيد" فأفتينا الإمام ـ وفّقه الله ـ أنهما يهدمان،
على الفور. وأما القوانين، فإن كان موجود منها شيء في الحجاز، فيُزال فوراً، ولا يُحكم
إلاّ بالشّرع المُطهّر.
وأما دخول الحاج
المصري بالسلاح والقوة، في بلد الله الحرام، فأفتينا الإمام بمنعهم من الدخول بالسلاح
والقوة، ومن إظهار جميع المنكرات. وأما المحمل، فأفتينا بمنعه من دخول المسجد الحرام،
ومن تمكين أحد أن يتمسح به أو يقبّله. وما يفعله أهله من الملاهي والمنكرات يُمنعون
منها. وأما منعه عن مكة، بالكلية، فإن أمكن بلا مفسدة تعيّن، وإلاّ فاحتمال أخف المفسدتين،
لدفع أعلاهما، ثابت، شرعاً. وأما المكوس، فأفتينا الإمام، بأنها من المحرمات الظاهرة.
فإن تَرَكَها، فهو الواجب عليه. وإن امتنع، فلا يجوز شق عصا المسلمين، والخروج عن طاعته،
من أجْلها.
أما الرافضة فأفتينا
الامام ان يلزموا بالبيعة على الاسلام ويمنعهم من اظهار شعائر دينهم الباطل وعلى الأمام
أيده الله أن يأمر نائبه على الأحساء يحضرهم عند الشيخ أبن بشر ويبايعونه على دين الله
ورسوله وترك الشرك من دعاء الصالحين من أهل البيت وغيرهم وعلى ترك سائر البدع من اجتماعهم
على مآتمهم وغيرها مما يقيمون به شعائر مذهبهم الباطل ويمنعون من زيارة المشاهد، وكذلك
يلزمون بالاجتماع للصلوات الخمس هم وغيرهم في المساجد ويرتب فيهم أئمة ومؤذنين ونواباً
من أهل السنة، ويلزمون تعلم الأصول الثلاثة وكذلك إن كان لهم محال بنيت لإقامة البدع
فيها فتهدم ويمنعون من إقامة البدع في المساجد وغيرها ومن أبى قبول ما ذكر فينفى عن
بلاد المسلمين،
وأما الرافضة من
أهل القطيف فيأمر الإمام أيده الله الشيخ يسافر إليهم ويلزمهم ما ذكرنا؛ وأما البوادي
والقرى التي دخلت في ولاية المسلمين فأفتينا الإمام يبعث لهم دعاة ومعلمين ويلزم نوابه
من الأمراء في كل ناحية بمساعدة الدعاة المذكورين على إلزامهم شرائع الإسلام ومنعهم
من المحرمات،
وأما رافضة العراق
الذين انتشروا وخالطوا بادية المسلمين فأفتينا الإمام بكفهم، وأما الجهاد، فهو موكول
إلى نظر الإمام. وعليه أن يراعي الأصح (أي الصحيح) للإسلام والمسلمين، على حسب ما تقتضيه
الشريعة الغراء. نسأل الله لنا وله، ولكافة المسلمين، التوفيق والهداية. وصلَ الله
على محمد
وآله وصحبه وسلم
بقلم: إبراهيم الدميجي
باحث سعودي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..