السبت، 27 يوليو 2013

بين إثنين .. كنعان والسيسي .. لقد فعلها غِلماننا..

كان الرئيس  الأمريكي جيمي كارتر يسهر ذلك المساء في حفل صاخب راقص، عندما   أقترب أحد
مرافقيه   يطلب منه أن يتلقى محادثة هاتفية   مهمة من محطة المخابرات الأمريكية   في العاصمة   التركية، عميل (السي آي آيه) عبر  خطٍ هاتفي آمن، همس بعبارة واحدة   على أذن الرئيس   كارتر "لقد فعلها   غلماننا.."
 
  في ذلك الوقت كان   الإسلاميون الأتراك في أعلى أحوال   المد السياسي، مثّلت مشاركة نجم  الدين أربكان   صدمة مربكةً للقوى العلمانية التي   لم تر في ذلك إلا أعترافاً كاملاً    – لأول مرة- بدور   متعاظم للإسلاميين في السياسة   التركية ومضت تطلق على تنظيماتهم   صفة (الإسلام   السياسي) إلى ذلك قدّم حزب أربكان   فور خروجه من حكومة الإئتلاف في   صيف (1980)   مشروع قانون  يدعو الحكومة   التركية لقطع   علاقاتها مع إسرائيل وأتبع ذلك   بمظاهرة هادرة نددت بضم مدينة    القدس لسلطة الكيان   الصهيوني، وُصِفت تلك التظاهرة   بأنها من أضخم ما شهدته تركيا في  تاريخها المعاصر   وهو ما أصدر عدة إشعارات بتنامي   قوة التيار الإسلامي وعلو شأنه   وومثّل استفتاء   عاماً على شعبية وجماهيرية الزعيم   الإسلامي نجم الدين أربكان.
 
  في تلك الليلة   من العام (1980) ، التي   تلقى فيها كارتر المحادثة   الهاتفية  من عميله في العاصمة أنقرا، نفّذ   الجيش انقلاباً عسكرياً ناجحاً   قوّض الحكومة  الديمقراطية في تركيا إلا أنه  ومهما بدا أن الجنرال أحمد كنعان  إفرين هو قائد ذلك  الإنقلاب العسكري فقد إعترف مدير  مكتب (السي آي أيه) في أنقرة  –يومئذٍ- (بول هنري)  بأن وكالته كانت تقف وراء  الإنقلاب الذي اشترع عهده بسلسلة  إجراءات كان من بينها إعادة  القوة للتيار العلماني ومن ذلك  تشكيل مجلس الأمن القومي وتعطيل  الدستور وحل الأحزاب  واعتقال الناشطين الإسلاميين،  إذن ذهب أربكان إلى المعتقل في ذات  اللحظة التي  أزداد فيه حفل الرئيس كارتر صخباً  وهستيريا ومضت واشنطون تبتهج بسيطرة الجنرالات  الإنقلابيين المرتبطين بأجزتها  السرية على أزمّة الأمور في  تركيا، لتنفتح من ثم  أبواب الإضطرابات والعنف السياسي  في البلاد.
 
  بعد أكثر من ثلاثين  عاماً، وكأن الزمان استدار هيئته  الأولى، تدور الرحى الأمريكية على  ديمقراطية  ناشئة في المنطقة العربية، سوى أن  من يتولى التدابير والإتصالات  الهاتفية في  الحالة المصرية كان هو وزير  الدفاع الأمريكي (هيغل) وكشفت  صحيفة "وول ستريت جورنال"  أن صانعو السياسات في أمريكا  يعتبرون السيسي نقطة الإرتكاز في  مصر وهو ما يجعل قناة الإتصال بينه وبين هيغل  الأكثر أهمية"    ومضت أوول سترتيت
  تكشف عن تفاصيل المحادثات  الهاتفية بين وزير الدفاع  الأمريكي وقائد الإنقلاب في  مصر فقالت أن هيغل نصح صديقه عبد  الفتاح السيسي فور إنجازه العملية  الإنقلابية  قائلاً: "عليك أن تكون سياسياً  شاملاً "، ولفتت الصحيفة إلى أن  هيغل نبّه  نظيره المصري بأن "الإعتقالات  التعسفية لقادة الجماعة من شأنها  أن تدفعها تحت  الأرض من جديد، مما يزيد التوترات في المستقبل". وهي ذات النصيحة   التي أثمرت  إطلاق سراح جميع المعتلقين بما  فيهم المرشد العام لجماعة الإخوان  الذين سارع الجيش المصري لإعتقالهم فور الإنقلاب  على الشرعية.
 
  إلى ذلك أكّدت الصحيفة  عن مسؤولين بارزين بالإدارة  الأميركية أن "المكالمات  الهاتفية بين السيسي وهيغل،  بعد عزل مرسي، أصبحت طويلة ومفصلة، كما تجاوز الأخير قضايا  العلاقة العسكرية بين البلدين.  وقبل كل مكالمة، تنسق مستشارة  الأمن القومي، سوزان رايس، ومساعد  وزير الدفاع لشؤون  الأمن الدولي، ديريك شوليت،  ومستشارين آخرين، جولات في  الإدارة، ومن ثم إطلاع هيغل،  الذي يتحدث يومياً مع سفيرة  الولايات المتحدة لدى مصر، آن  باترسون، عن ما تريده الولايات  المتحدة. وكان القيادي في جماعة  الإخوان المسلمين محمد البلتاجي  أول من أشار  بأصابع الإتهام للسفيرة  الأمريكية في مصر التي قال أنها  كان لها دور كبير في  ترتيبات الإنقلاب العسكري في  القاهرة. كذلك  يبدو د.  محمد الشنقيطي واثقاً من التدبير  الأمريكي الوثيق في هذا الشأن وهو  يقول: " إنّ  جيش مصر -مهما تكن عظمته- يقوده  جنرالات تجار أثْروا من أموال  الشعب المنهوبة، ومن التمويلات الأميركية المريبة،  وانسلخوا من ثقافة الدفاع عن حمى  الوطن وروح التضحية  والنزال.."
 
  التجربة المصرية  الراهنة تماثل الحالة التركية من  عدّة وجوه، لا سيما من ناحية رسوخ  الدولة العميقة  وتجذر مشروعها وأرتباطها الوثيق  بإسرائيل ومصالحها في الشرق  الأوسط سوى ذلك يشكّل  البلدان كلاهما مثالاً ملهماً   للشعوب العربية والإسلامية من  حولهما، بما تجسد  تركيا من تراث الخلافة الإسلامية  التي ما تزال تتعلقها أشواق  المسلمين وبما وقر في  قلوب الشعوب العربية من أن مصر هي  مركز الإشعاع والتأثير في عالمها  لا تلبث شعوب العرب أن تنظر في تجاربها وتقتفي  سبلها. كذلك أرتبطت الولايات  المتحدة بصلات متينة  بأنظمة الحكم في الدولتين من خلال  سياساتها الخارجية التي اعتمدت  خطط دعم الأنظمة  الديكتاتورية في المنطقة العربية  الإسلامية التي تكلفت في المقابل  بحفظ المصالح  الأمريكية في المنطقة في  المنطقة.
 
  لكن السؤال المفتاحي الذي تجعلنا الإجابة  عليه نستبين خطوط التدخلات  الأمريكية في مصر يأتي من  تلقاء مسئول سابق بالـ(سي آي أيه)  وهو يقول: "إن السؤال الذي يطرح  نفسه هو هل  سينمو نظام حكم في العالم  الإسلامي (إسلامي) يقبله أشخاص من  أمثال ديفيد كاميرون وباراك  أوباما وقادة الحزب الجمهوري".؟
 
  ومهما يحاول مايكل  شيور أن لا يقدم إجابة صريحة  مباشرة لسؤاله فإنه لا يجديه إلا  أن يقر بأن السياسة  الخارجية الأمريكية ظلت على  الدوام تعتمد خطة المحافظة على  سلطة الإستبداد مشيراً  إلى أن هذه الاستراتجية أنتجت مؤسستين فقط قادرتين على الحكم  أولاهما النظام  المستبد والثانية هي المقاومة  الإسلامية.
  
  لقد كان مايكل شيور  صريحاً وهو يقول: "إن الإدارة  الحالية لن يعجبها أي شيء قادم في  ليبيا وتونس  ومصر.." في إشارة لعدم رغبتها في  وجود حكومة إسلامية.
  وهذا عينه ما يفسر  حالة التقارب والإئتلاف الذي جري  بين مجموعات بدت لأول الأمر شديدة  العداء فيما  بينها قبل أن يوفر الإعلان  الدستور الذي أصدره الرئيس مرسي   سانحة مناسبة لتجميع وتلاقى  أعدائه على أختلافهم، ولم يكن  الجيش المصري بعيداً من كل ذلك. 
  
  إذن فقد إتحدت  المعارضة جميعها تحت لواء جبهة  الإنقاذ الوطني بقيادة البرادعي،  لتوافيها شخصيات  مؤثرة في عهد الرئيس مبارك عند  منتصف الطريق، وكشفت صحيفة (وول  ستريت جورنال  الأمريكية) في تقرير نشرته تحت  عنوان: "الدولة العميقة تستيقظ  مرة أخرى في  مصر" عن دور الجيش المصري في كل  ذلك فتذكر أنه قبل عدة أشهر من  إطاحة الجيش  بالرئيس مرسي، اجتمع كبار  الجنرالات في البلاد، بشكل منتظم  مع قادة المعارضة، مضيفة أن رسالة هؤلاء الجنرالات  كانت "إذا استطاعت المعارضة حشد عدد كافٍ من  المتظاهرين في الشوارع فإن الجيش  سيتدخل، وسيعزل مرسي بشكل قسري"  وبحسب  الصحيفة التي أضافت في تقريرها
  فإنه من بين حاضري الاجتماعات من  المعارضة الدكتور  محمد البرادعي، مؤسس حزب الدستور،  وعمرو موسى، رئيس حزب المؤتمر،  وحمدين صباحي،  مؤسس التيار الشعبي، واعتبرت  الصحيفة أن اجتماع الجنرالات، وزعماء المعارضة، يكشف  عن عمل «الدولة العميقة» في  البلاد، قائلة إن اللقاءات السرية  بين أحزاب المعارضة  العلمانية، والمؤسسة العسكرية كانت أساس العملية التي أدت لعزل  مرسي، معتبرة أن  هذه الاجتماعات مثلت تقارب غريب  بين مجموعتين على خلاف قديم، وهما  المعارضة، وبقايا نظام مبارك. وأشارت  الصحيفة إلى أن الوضع الآن تغير،  حيث اتحدت قوى  المعارضة، وفلول عهد مبارك، ويرى  كلاهما مرسي، وأيديولوجيته  الإسلامية، بمثابة  تهديد، ذات التهديد والخطر الذي  يستشعره كاميرون وأوباما وقادة  الحزب الجمهوري في  أمريكا ولا يرغبون في أن تكون له  دولة ولا صولة ولا جولة.
عبد الحميد أحمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..