الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

وقفات في سجال د.التويجري وجمال سلطان

كما أن من هم خارج مصر قد ينظروا نظرة عاطفية يا أستاذ جمال سلطان، فكذلك من هم داخل المعترك
والنزاع قد ينظروا نظرة متحيزة ومجحفة إذا تبنوا أحد وجهتي النظر

من الخطأ الاستراتيجي والمبادئي أن يترك الإخوان لوحدهم، فالهجمة تغلّف باسمهم (محاربة الإخوان المسلمين) وهي في حقيقتها محاربة للأغلبية المسلمة

تابعت كما تابع الكثير من القلقين على حاضر مصر ومستقبلها، الحوار الخاص بين الدكتور أحمد التويجري والأستاذ جمال سلطان، ومع الإقرار بالإشارة التي تفضل بها د.التويجري أن قضايا الحوار ليست شأنا خاصا بل هي عامة ويحرص الكثير على الإحاطة برأي ومبررات كل طرف، إنما وللإنصاف يبقى من حق الأستاذ جمال سلطان أن يعترض على النشر دون استئذانه وإعطائه حق مراجعة ردوده وتعديلها. والكل يعلم أن ما يقال في الحوارات الخاصة قد يختلف عما يقال في الطرح العام.

وكما ذكر الأستاذ جمال فرأيه حول الإخوان وأدائهم السياسي ليس بجديد وإنما هو منذ فوزهم بالانتخابات، ولكن واضح أن ردوده كانت مختصرة وبصورة برقيات سريعة، بما يناسب أي حوار عبر البريد الإلكتروني.



وبعيدا عن نقاط الاستفسار الكثيرة التي كان يطرحها الدكتور أحمد التويجري، وهي مهمة ووجيهة، لفت نظري جزئية واحدة من إجابات الأستاذ جمال سلطان والمتمثلة بأن العواطف الهائجة التي يتورط فيها أهلنا وإخواننا في الخليج لن تساعدهم على رؤية رشيدة للواقع في مصر.

وهنا أود أن أقول للأستاذ جمال، كما أن من هم خارج مصر قد ينظروا نظرة عاطفية، فكذلك من هم داخل المعترك والنزاع قد ينظروا نظرة متحيزة ومجحفة إذا تبنوا أحد وجهتي النظر، وبما يمنعهم من الرؤية فضلا عن المواقف الرشيدة كذلك.



منذ انتخاب الرئيس محمد مرسي، والجميع يعلم أنه قد فاز بأغلبية محدودة وأن هنالك دلائل واضحة على وجود انقسام حقيقي داخل المجتمع المصري، وليس من الصواب أبدا إقصاء أو معاداة بقية المجتمع. والأستاذ جمال عرف بصوته العالي وبالاعتراض الشديد على أداء الإخوان في تلك الفترة. لا أحد يناقش في هذا، بل ربما البعض اتفق مع الأستاذ جمال في بعض مآخذه، واختلف طبعا معه في الأسلوب.



ولكن ما حدث بعد الانقلاب يختلف إختلافا كثيرا، فما أحد كان يتصور أن تتجاوز آفاق معارضة الإخوان وشيطنتهم، حدود المعارضة السياسية التي لا تنطلق إلا من اختلاف في أساليب السياسة وشروطها وتطبيقاتها (وإن اتفقنا جميعا على اختلاف المشاريع التي ينطلق منها كل طرف)، فإذا بنا نفاجأ بانقلاب على هوية مصر وديانة الأغلبية من شعبها ورهن حاضرها ومستقبلها لمشروع يعيد المنطقة بأسرها وليس فقط مصر إلى تجديد عهود الاستبداد والفساد التي ظننا أن يتفق الخيرون الصادقون على تجاوزها إلى غير رجعة، مهما حاول أصحاب الثورات المضادة وشبكات الدول العميقة أن يعيدوها مرة أخرى.



وبكل صراحة، كان المنتظر من الأستاذ جمال بعدما اتضح له طبيعة وحقيقة وخطورة هذا الانقلاب على مصر والمنطقة بأسرها، أن يتجرد ويتحرر من مبررات الخصومة (المعتبرة) مع الإخوان، وأن يعود ليقف في صف الشرعية لذات الشرعية وليس لذات الإخوان (بالنسبة له ربما)، وسيثمن له هذا الموقف عاليا جدا، وهو ما قد ثمن لغيره كثير من المثقفين والمفكرين والمتخصصين الذين تراجعوا عن إظهار خصومتهم للإخوان بعدما اتضح لهم أن الانقلاب أبعد وأخطر من أن يكون مجرد معارضة للإخوان. بل يظهر يوما بعد آخر العديد من المواطنين المصريين المشاركين في (مليونية) ٣٠ يونيو وهم يتراجعون عن تأييد الانقلابيين ومشروعهم الخطير.



والمنصف لقراءة العمل الإسلامي بعمومه، لا بد أن يعترف أنه هو قبل غيره وبكل تياراته قد حذر من الحزبية والتعصب للجماعة أو الشيخ والرمز ومن الإقصاء لعموم المسلمين الذين يختلفون معهم في الاجتهاد. وطالما تردد هذا التحذير باتجاه الإخوان المسلمين وباتجاه غيرهم للعقود الماضية.

لكن الموقف اليوم مختلف جدا، فمن يخاصمهم ويعاديهم لا يفعل ذلك انتقادا لشيءٍ من تقصيرهم بالالتزام بالمعايير الإسلامية، وإنما نحن أمام خصم شرس عميق الارتباط بالقوى الدولية يعادي ويظلم ويتجنى على الإخوان المسلمين ويشوه صورتهم ويفجر في خصومتهم بسبب المعاني والمعايير الإسلامية التي يلتزمون بها. وهذا يعني أن وجود غير الإخوان من الإسلاميين في دوائر القرار والحكم، سيقتضي ذات الخصومة والظلم والتجني وربما أشد بحسب ارتفاع الصرامة في الالتزام بأحكام الإسلام.



ومن هنا فمن الخطأ الاستراتيجي والمبادئي أن يترك الإخوان لوحدهم، فالهجمة تغلّف باسمهم (محاربة الإخوان المسلمين) وهي في حقيقتها محاربة للأغلبية المسلمة بإرادتها واختياراتها لنمط حياتها وحاضرها ومستقبلها.

ولذلك، لا يجدر بنا أن نقول أننا (لسنا من الإخوان ولم ننتمي لهم من قبل وأننا لطالما اختلفنا معهم، لكننا نتعاطف معهم اليوم لمظلوميتهم في هذه القضية، ونطالبهم بكذا وكذا)، بل الأولى أن نقول: وإن كنا لم نكن من الإخوان من قبل، فإننا ومنذ الانقلاب المشؤوم عليهم فنحن معهم وندافع عنهم ونؤيدهم، ونحن منهم وهم منا وكلنا اليوم إخوان.

وليدرك دعاة ورعاة وممولي الاستبداد والطغيان والفساد العالميين والمحليين أن استبانة طريق إجرامهم وافتضاح خداعاتهم المزيفة وعلانية حربهم للإسلام كمنهج للحياة، هي بذاتها من توحدنا جميعا اليوم ولن ننخدع بهم كما خدعنا من قبل.

والمنتظر كذلك من الصف الإسلامي، أن يتأمل في بواعث اختلافاته سابقا وكيف يفترض أن تذيبها هذه التطورات، فأصحاب المرونة والمجاملة ومراعاة القوى الوطنية وحقوقها يتضح لهم اليوم كيف أنها لم تنفعهم شيئا إلا كما ينفع السراب، وأصحاب الصرامة والتعنت في بعض القضايا يتضح لهم اليوم أن هذا التعنت لا يزيد إخوانهم فضلا عن خصومهم إلا ابتعادا. ويفترض بتيارات الصف الإسلامي أن تستبين بأن الاعتدال الحقيقي هو ما يسنده الدليل الشرعي إذا توصلنا له بكل علم وفقه وسداد، وليس الاعتدال بحسب النموذج الأمريكي في طوره الجديد ما بعد الربيع العربي والمتحالف مع الثورات المضادة المحرومة من الرصيد الشعبي والمتكأة على الانقلابات العسكرية.



وختاما فالمنتظر منا جميعا وليس فقط من الأستاذ جمال، أن نشد من أزر الإخوان المسلمين في مصر وأن (نحرضهم) على الثبات والإصرار على عودة الشرعية ممثلة بالرئيس والدستور ومجلس الشورى بأعضائه المنتخبين، والإصرار دون تراجع على إنهاء الانقلاب بكل قراراته وأحكامه، فهذه هي الطريق الوحيدة لمنع هذا الاجتياح المخيف بهذا الانقلاب وخارطة طريقه.

ولكن وتحقيقا للمرونة التي ينتظر أن تنهجها كل الأطراف السياسية، فمن المتاح أن يترك للإخوة المصريين التفكير في البدء بانتخابات رئاسية تتم تحت رعاية الرئيس مرسي بعد عودته وتضمن فيها كل شروط الشفافية، لا لشيء إلا لأن عودة الرئيس ذات القيمة الاعتبارية بضمان عودة الشرعية الدستورية لما قبل الانقلاب، لن تكون فعالة بتحقيق دوره الرئاسي المنتظر في ظل أزمة الثقة المتبادلة.

وحقيقة أن خطوة التعجيل بالانتخابات الرئاسية، ستساعد بتأكيد حيادية الإخوان المسلمين للمرحلة القادمة وتجردهم عن التطلع لمصالح الحكم كما يتهمون، وستسهم بإظهار الفارق الحقيقي بين أخلاقيات الإسلاميين وأخلاقيات خصومهم.



أما التخوف من حدوث حمام دم بحسب تهديدات الانقلابيين ورموز دولة الاستبداد العميقة، فلا يفترض الالتفات إليه، فمحورية مصر وثقل وجودها في ضمائر الشعوب الإسلامية كلها، لن تسمح أن يمر هكذا تهور وبغي دون ردود أفعال ستقلب المنطقة كلها وليس فقط مصر، وسيكون أول المتضررين تلك الجهات التي دعمت ومولت الانقلابيين.



والشرعية الدستورية الانتخابية هي الإرادة الشعبية الحقيقية، وفي هذه المرحلة من تاريخ المنطقة كان قدر الله واختيار الأغلبية الشعبية هو نحو العمق الإسلامي، ومن الخذلان الذي لا يرتضيه أصحاب العزائم فضلا عن أصحاب الحق ودعاة العدالة أن يتم التراجع والنكوص بعد كل هذه التضحيات والدماء وبعد اقتراب ظهور الحق وارتفاع شأنه.



وفق الله أهلنا وأحبتنا في مصر كلهم للاجتماع على الحق، وحماهم من كيد الأشرار.



بقلم: د. أحمد العمير

أكاديمي سعودي

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :


ردا على الأستاذ جمال سلطان : هل الإخوان هم مشكلة مصر الوحيدة ؟!!

حوار د. احمد التويجري مع جمال سلطان حول الإخوان

هل أهل مكة أدرى بشعابها؟

التويجري: ما دار بيني وبين جمال سلطان ليس من الخصوصيات

جمال سلطان: أعتب على نشر الرسائل الخاصة

حداث مصر.. بين التويجري وجمال سلطان



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..