أشغل وسم
"الراتب لا يكفي" أهل "تويتر" طيلة الشهر الفارط، رغم سخونة وتلاطم الأحداث
السياسية من حولنا، وانعكس ذلك على صوالين النخب والمجالس الاجتماعية في
بلادنا، ليس إلا بسبب أنه موضوع يدخل في صميم حياة أي مواطن.
وقتما أرسل لي كثير من متابعيّ الأحبة في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بضرورة مشاركة إعلامي مثلي في ذلك الوسم، وكتبوا بحرارة بوجوب دعم هذه المطالبة من قبلي، حرت في كيفية الرد، وأنا المواطن والموظف الذي اصطلى بنار الغلاء –ككل المجتمع- وأثخن التجار فينا جراحا، ما ولّد عندي موقفا وجلا وفوبيا تجاه أية زيادة راتب، وآليت التريث في الكتابة بهذا الموضوع، حتى تهدأ تلك الأنفس المشحونة، وتخفت الأصوات الزاعقة، وتبرد حمأة المطالبات، كي يتاح للعقل فرصة في فورة العاطفة..
ابتداء، لست رجلا متخصصا في الاقتصاد، وما أكتبه هنا هو من واقع تجربتي كموظف ومواطن، فزيادة الـ15% التي أتتنا في الأعوام المنصرمة، دفعنا أضعافها لتجارنا الذين ترصدوها، قبل أن ننعم بها، وتستكنّ في جيوبنا الخاوية.
الخشية أن يتكرر ذلك، أمام تجار لا همّ لهم سوى افتراسنا، وقد تحلّبت أفواههم، وإن ردّ أصحاب المطالبات بالزيادة على هذا الرهاب الذي ينتابنا من تجارنا هؤلاء؛ بأن المسؤولية تقع على وزارة التجارة أن تقوم بدورها في حماية المستهلك؛ فأنا أقول لهم: "أبشر بطول سلامة يا مربع"، إذ إمكانات الرقابة الحقيقية في تلك الوزارة العتيدة، ربما تكفي بالكاد إحاطة "حي الجامعة" بمدينة جدة، ونحن نتكلم عن وطن كامل، وحتى ذلك الحين، فمواطن ضعيف مثلي، يثق أن سواطير هؤلاء التجار ستقتطع -رغما عنا- جزءا كبيرا من رواتبنا.
أمر آخر من وحي تجربة الزيادة الآنفة، أسوقه من واقع عائلتي، فبعض إخوتي موظفون في قطاعات أهلية، وهؤلاء لم تشملهم زيادة الـ15%، وتكلموا عن الظلم الذي يشعرون به، وتبرمهم مما حصل. أنا أحد الذين استفادوا من تلكم الزيادة، ولكن ثمة ظلما بيّنا تحقق، بسبب هذه الزيادات، ومن المفترض ألا يستأثر أصحاب الوظائف الحكومية فقط، وتحرم باقي شرائح المواطنين، وعائلتي أنموذج لمعظم العوائل السعودية التي يتوزع أفرادها في العمل الحكومي والقطاع الأهلي وبعضهم لا ينتمون للقطاعين.
هل كلامي الآنف أنني ضد زيادة الرواتب، و"الحمدله" على ما نحن فيه، والقناعة الأكيدة بما نتحصّل عليه من جُعل حكومي في نهاية كل شهر؟ الحقيقة، أن من يقول بهذا؛ مناف لفطرته البشرية، التي تقول بأن الإنسان يتوق لواد ثالث من الذهب، لو كان يمتلك واديين منه، بما جاء في الحديث النبوي.
ولو أخذنا موضوع الصحة مثلا، فكل ربّ أسرة يصرف ميزانية كبيرة، عبر تلك المستشفيات الخاصة التي يلجأ إليها رغما، بسبب اكتظاظ مستشفيات وزارة الصحة، أو تخلفها، وعدم قناعة الكثيرين بأطبائها الذين قدّموا عياداتهم الخاصة على أداء أماناتهم كاملة بتلكم المستشفيات. إن جردة حساب واحدة لما تكبدناه من صرف مالي على مستوى العائلة، طيلة عام كامل؛ لتشي بأن ميزانية لا بأس بها صرفناها، ولو غطت الدولة تلكم المصاريف لكل عائلة سعودية، عبر التأمين الطبي، لوفرنا تلك الميزانية، واعتبرناها زيادة عادلة تمتعت بها معظم الأسر.
هناك موضوع السكن، الذي يستقطع ثلث الميزانية، وأنهك كثيرا من الأسر، ولو مضينا بسرعة أكبر في مشروعات الإسكان العامة، وبطريقة مطردة ووفرناها للسعوديين، فتصوّروا التوفير الذي سوف تحصل عليه. القصد أن ثمة منافع عامة، وخدمات تفيد منها أكثر الشرائح في المجتمع، أما استئثار الموظفين الحكوميين بالزيادة فقط، ففيه حيف على باقي شرائح المجتمع.
لنطالب -يا سادة- بالزيادة لإخواننا وأخواتنا في الضمان الاجتماعي، بحيث لا تقل عن 3 آلاف ريال، فالمبلغ المقدم اليوم متواضع جدا، ولا يفعل شيئا لتلك الأرملة المكلومة أو المطلقة العاطلة، أو الشيخ الكهل.. غير ناسٍ أبناءنا الطلبة في الجامعات السعودية، وقد تمتع المبتعثون بزيادات كبيرة، ونسينا فلذات الأكباد هؤلاء، فألف ريال لم تعد تكفيهم، وهم مطالبون بدفع إيجار السكن، ومصروفات الأكل والبحوث العلمية التي يشتغلون عليها، ومن المفترض أن نتنادى ونطالب الدولة برفع المكافأة لألفي ريال، فهم جيل مستقبل هذا الوطن، ومن سيقوده خلال عقد قادم.
مثل هاته الشرائح تحتاج زيادة في المصروفات التي تقدم لها، لا أن نحدد نسبة 15% ويفيد منها موظف حكومي راتبه 40 ألف ريال أو 60 ألفا، فيقفز براتبه بعيدا عن الشرائح الآنفة، التي هي أحوج ما تكون للزيادة.
وتظل مسألة ربط الريال السعودي بذلك الدولار الهرم، الذي ضعف وأضعفنا معه، في وقت نعيش ازدهارا اقتصاديا، إشكالية برأيي، فتلك العملة الخضراء المهترئة سقطت من أزمنة، ما يجعل عاميا مثلي، يجأر بالشكوى للمتخصصين والكتبة الاقتصاديين أن أعيدوا طرح هذا الموضوع، وهل من صالح اقتصادنا الربط الأبدي مع الدولار، أم آن الأوان للذهاب لسلة عملات؟ وهل فك الارتباط معه، يعيد العافية لريالنا العزيز؟ هذا الموضوع يدخل في صميم حديثنا، إذ لو كان ريالنا بقوته وعضلاته التي أدركنا؛ لكفتنا الرواتب حقا، وفاضت حتى، ومعظم جيلي أدرك الريال قبل عقدين، وكيف كنا بـ200 ريال نتبضع ما يملأ عربة مشتريات كاملة، نتيه بها في ردهات المولات.
لتكن الزيادة بطريقة يفيد الكل منها، لا أن تستأثر بها فئة دون فئات.
..............
الوطن السعودية
وقتما أرسل لي كثير من متابعيّ الأحبة في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بضرورة مشاركة إعلامي مثلي في ذلك الوسم، وكتبوا بحرارة بوجوب دعم هذه المطالبة من قبلي، حرت في كيفية الرد، وأنا المواطن والموظف الذي اصطلى بنار الغلاء –ككل المجتمع- وأثخن التجار فينا جراحا، ما ولّد عندي موقفا وجلا وفوبيا تجاه أية زيادة راتب، وآليت التريث في الكتابة بهذا الموضوع، حتى تهدأ تلك الأنفس المشحونة، وتخفت الأصوات الزاعقة، وتبرد حمأة المطالبات، كي يتاح للعقل فرصة في فورة العاطفة..
ابتداء، لست رجلا متخصصا في الاقتصاد، وما أكتبه هنا هو من واقع تجربتي كموظف ومواطن، فزيادة الـ15% التي أتتنا في الأعوام المنصرمة، دفعنا أضعافها لتجارنا الذين ترصدوها، قبل أن ننعم بها، وتستكنّ في جيوبنا الخاوية.
الخشية أن يتكرر ذلك، أمام تجار لا همّ لهم سوى افتراسنا، وقد تحلّبت أفواههم، وإن ردّ أصحاب المطالبات بالزيادة على هذا الرهاب الذي ينتابنا من تجارنا هؤلاء؛ بأن المسؤولية تقع على وزارة التجارة أن تقوم بدورها في حماية المستهلك؛ فأنا أقول لهم: "أبشر بطول سلامة يا مربع"، إذ إمكانات الرقابة الحقيقية في تلك الوزارة العتيدة، ربما تكفي بالكاد إحاطة "حي الجامعة" بمدينة جدة، ونحن نتكلم عن وطن كامل، وحتى ذلك الحين، فمواطن ضعيف مثلي، يثق أن سواطير هؤلاء التجار ستقتطع -رغما عنا- جزءا كبيرا من رواتبنا.
أمر آخر من وحي تجربة الزيادة الآنفة، أسوقه من واقع عائلتي، فبعض إخوتي موظفون في قطاعات أهلية، وهؤلاء لم تشملهم زيادة الـ15%، وتكلموا عن الظلم الذي يشعرون به، وتبرمهم مما حصل. أنا أحد الذين استفادوا من تلكم الزيادة، ولكن ثمة ظلما بيّنا تحقق، بسبب هذه الزيادات، ومن المفترض ألا يستأثر أصحاب الوظائف الحكومية فقط، وتحرم باقي شرائح المواطنين، وعائلتي أنموذج لمعظم العوائل السعودية التي يتوزع أفرادها في العمل الحكومي والقطاع الأهلي وبعضهم لا ينتمون للقطاعين.
هل كلامي الآنف أنني ضد زيادة الرواتب، و"الحمدله" على ما نحن فيه، والقناعة الأكيدة بما نتحصّل عليه من جُعل حكومي في نهاية كل شهر؟ الحقيقة، أن من يقول بهذا؛ مناف لفطرته البشرية، التي تقول بأن الإنسان يتوق لواد ثالث من الذهب، لو كان يمتلك واديين منه، بما جاء في الحديث النبوي.
ولو أخذنا موضوع الصحة مثلا، فكل ربّ أسرة يصرف ميزانية كبيرة، عبر تلك المستشفيات الخاصة التي يلجأ إليها رغما، بسبب اكتظاظ مستشفيات وزارة الصحة، أو تخلفها، وعدم قناعة الكثيرين بأطبائها الذين قدّموا عياداتهم الخاصة على أداء أماناتهم كاملة بتلكم المستشفيات. إن جردة حساب واحدة لما تكبدناه من صرف مالي على مستوى العائلة، طيلة عام كامل؛ لتشي بأن ميزانية لا بأس بها صرفناها، ولو غطت الدولة تلكم المصاريف لكل عائلة سعودية، عبر التأمين الطبي، لوفرنا تلك الميزانية، واعتبرناها زيادة عادلة تمتعت بها معظم الأسر.
هناك موضوع السكن، الذي يستقطع ثلث الميزانية، وأنهك كثيرا من الأسر، ولو مضينا بسرعة أكبر في مشروعات الإسكان العامة، وبطريقة مطردة ووفرناها للسعوديين، فتصوّروا التوفير الذي سوف تحصل عليه. القصد أن ثمة منافع عامة، وخدمات تفيد منها أكثر الشرائح في المجتمع، أما استئثار الموظفين الحكوميين بالزيادة فقط، ففيه حيف على باقي شرائح المجتمع.
لنطالب -يا سادة- بالزيادة لإخواننا وأخواتنا في الضمان الاجتماعي، بحيث لا تقل عن 3 آلاف ريال، فالمبلغ المقدم اليوم متواضع جدا، ولا يفعل شيئا لتلك الأرملة المكلومة أو المطلقة العاطلة، أو الشيخ الكهل.. غير ناسٍ أبناءنا الطلبة في الجامعات السعودية، وقد تمتع المبتعثون بزيادات كبيرة، ونسينا فلذات الأكباد هؤلاء، فألف ريال لم تعد تكفيهم، وهم مطالبون بدفع إيجار السكن، ومصروفات الأكل والبحوث العلمية التي يشتغلون عليها، ومن المفترض أن نتنادى ونطالب الدولة برفع المكافأة لألفي ريال، فهم جيل مستقبل هذا الوطن، ومن سيقوده خلال عقد قادم.
مثل هاته الشرائح تحتاج زيادة في المصروفات التي تقدم لها، لا أن نحدد نسبة 15% ويفيد منها موظف حكومي راتبه 40 ألف ريال أو 60 ألفا، فيقفز براتبه بعيدا عن الشرائح الآنفة، التي هي أحوج ما تكون للزيادة.
وتظل مسألة ربط الريال السعودي بذلك الدولار الهرم، الذي ضعف وأضعفنا معه، في وقت نعيش ازدهارا اقتصاديا، إشكالية برأيي، فتلك العملة الخضراء المهترئة سقطت من أزمنة، ما يجعل عاميا مثلي، يجأر بالشكوى للمتخصصين والكتبة الاقتصاديين أن أعيدوا طرح هذا الموضوع، وهل من صالح اقتصادنا الربط الأبدي مع الدولار، أم آن الأوان للذهاب لسلة عملات؟ وهل فك الارتباط معه، يعيد العافية لريالنا العزيز؟ هذا الموضوع يدخل في صميم حديثنا، إذ لو كان ريالنا بقوته وعضلاته التي أدركنا؛ لكفتنا الرواتب حقا، وفاضت حتى، ومعظم جيلي أدرك الريال قبل عقدين، وكيف كنا بـ200 ريال نتبضع ما يملأ عربة مشتريات كاملة، نتيه بها في ردهات المولات.
لتكن الزيادة بطريقة يفيد الكل منها، لا أن تستأثر بها فئة دون فئات.
عبد العزيز محمد قاسم |
..............
الوطن السعودية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..