الأحد، 15 سبتمبر 2013

قوله تعالى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي : التفسير الموضوعي

قوله تعالى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي


مسألة: الجزء السابع
قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَمَّا جَنَّ
عَلَيْهِ اللَّيْلُ أَيْ سَتَرَهُ بِظُلْمَتِهِ ، وَمِنْهُ الْجَنَّةُ وَالْجِنَّةُ وَالْجُنَّةُ وَالْجَنِينُ وَالْمِجَنُّ وَالْجِنُّ كُلُّهُ بِمَعْنَى السِّتْرِ . وَجَنَانُ اللَّيْلِ ادْلِهْمَامُهُ وَسِتْرُهُ . قَالَ الشَّاعِرُ : وَلَوْلَا جَنَانُ اللَّيْلِ أَدْرَكَ رَكْضَنَا بِذِي الرَّمْثِ وَالْأَرْطَى عِيَاضِ بْنِ نَاشِبِ وَيُقَالُ : جُنُونُ اللَّيْلِ أَيْضًا . وَيُقَالُ : جَنَّهُ اللَّيْلُ وَأَجَنَّهُ اللَّيْلُ لُغَتَانِ .

رَأَى كَوْكَبًا هَذِهِ قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ قِصَّةِ عَرْضِ الْمَلَكُوتِ عَلَيْهِ . فَقِيلَ : رَأَى ذَلِكَ مِنْ شِقِّ الصَّخْرَةِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى رَأْسِ السَّرَبِ . وَقِيلَ : لَمَّا أَخْرَجَهُ أَبُوهُ مِنَ السَّرَبِ وَكَانَ وَقْتَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ فَرَأَى الْإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالْغَنَمَ فَقَالَ : لَا بُدَّ لَهَا مِنْ رَبٍّ . وَرَأَى الْمُشْتَرِيَ أَوِ الزُّهْرَةَ ثُمَّ الْقَمَرَ ثُمَّ الشَّمْسَ ، وَكَانَ هَذَا فِي آخِرِ الشَّهْرِ . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : وَكَانَ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً . وَقِيلَ : ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ . وَقِيلَ : لَمَّا حَاجَّ نُمْرُوذًا كَانَ ابْنَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً .

قَوْلُهُ تَعَالَى قَالَ هَذَا رَبِّي اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ ; فَقِيلَ : كَانَ هَذَا مِنْهُ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ وَحَالِ الطُّفُولِيَّةِ وَقَبْلَ قِيَامِ الْحُجَّةِ ; وَفِي تِلْكَ الْحَالِ لَا يَكُونُ كُفْرٌ وَلَا إِيمَانٌ . فَاسْتَدَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَعَبَدَهُ حَتَّى غَابَ عَنْهُ ، وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ; فَلَمَّا تَمَّ نَظَرُهُ قَالَ : إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ وَاسْتَدَلَّ بِالْأُفُولِ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ الْآيَاتِ عَلَى الْحُدُوثِ . وَقَالَ قَوْمٌ : هَذَا لَا يَصِحُّ ; وَقَالُوا : غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى رَسُولٌ يَأْتِي عَلَيْهِ وَقْتٌ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا وَهُوَ لِلَّهِ تَعَالَى مُوَحِّدٌ وَبِهِ عَارِفٌ ، وَمِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ بَرِيءٌ . قَالُوا : وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُتَوَهَّمَ هَذَا عَلَى مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَآتَاهُ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ ، وَأَرَاهُ مَلَكُوتَهُ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالْخُلُوِّ عَنِ الْمَعْرِفَةِ ، بَلْ عَرَفَ الرَّبَّ أَوَّلَ النَّظَرِ . قَالَ الزَّجَّاجُ : هَذَا الْجَوَابُ عِنْدِي خَطَأٌ وَغَلَطٌ مِمَّنْ قَالَهُ ; وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ : وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ : إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ أَيْ لَمْ يُشْرِكْ بِهِ قَطُّ . قَالَ : وَالْجَوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ قَالَ هَذَا رَبِّي عَلَى قَوْلِكُمْ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ; وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى : أَيْنَ شُرَكَائِيَ وَهُوَ جَلَّ وَعَلَا وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ . وَالْمَعْنَى : أَيْنَ شُرَكَائِي عَلَى [ ص: 25 ] قَوْلِكُمْ . وَقِيلَ : لَمَّا خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ مِنَ السَّرَبِ رَأَى ضَوْءَ الْكَوْكَبِ وَهُوَ طَالِبٌ لِرَبِّهِ ; فَظَنَّ أَنَّهُ ضَوْءُهُ قَالَ : هَذَا رَبِّي أَيْ بِأَنَّهُ يَتَرَاءَى لِي نُورُهُ .

فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَبِّهِ . فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا وَنَظَرَ إِلَى ضَوْئِهِ قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي وَلَيْسَ هَذَا شِرْكًا . إِنَّمَا نَسَبَ ذَلِكَ الضَّوْءَ إِلَى رَبِّهِ فَلَمَّا رَآهُ زَائِلًا دَلَّهُ الْعِلْمُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِذَلِكَ ; فَنَفَاهُ بِقَلْبِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ مَرْبُوبٌ وَلَيْسَ بِرَبٍّ . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ هَذَا رَبِّي لِتَقْرِيرِ الْحُجَّةِ عَلَى قَوْمِهِ فَأَظْهَرَ مُوَافَقَتَهُمْ ; فَلَمَّا أَفَلَ النَّجْمُ قَرَّرَ الْحُجَّةَ وَقَالَ : مَا تَغَيَّرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَبًّا . وَكَانُوا يُعَظِّمُونَ النُّجُومَ وَيَعْبُدُونَهَا وَيَحْكُمُونَ بِهَا . وَقَالَ النَّحَّاسُ : وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي هَذَا مَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : نُورٌ عَلَى نُورٍ قَالَ : كَذَلِكَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ يَعْرِفُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِقَلْبِهِ ، فَإِذَا عَرَفَهُ ازْدَادَ نُورًا عَلَى نُورٍ ; وَكَذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَرَفَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِقَلْبِهِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِدَلَائِلِهِ ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا وَخَالِقًا . فَلَمَّا عَرَّفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِنَفْسِهِ ازْدَادَ مَعْرِفَةً فَقَالَ : أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَقِيلَ : هُوَ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ وَالتَّوْبِيخِ ، مُنْكِرًا لِفِعْلِهِمْ . وَالْمَعْنَى : أَهَذَا رَبِّي ، أَوَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ رَبًّا ؟ فَحَذَفَ الْهَمْزَةَ . وَفِي التَّنْزِيلِ أَفَئِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ أَيْ أَفَهُمُ الْخَالِدُونَ . وَقَالَ الْهُذَلِيُّ : رَفَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِدُ لَا تُرَعْ فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتُ الْوُجُوهَ هُمُ هُمُ وَقَالَ آخَرُ : لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنْ كُنْتُ دَارِيًا بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الْجَمْرَ أَمْ بِثَمَانِ وَقِيلَ : الْمَعْنَى هَذَا رَبِّي عَلَى زَعْمِكُمْ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ وَقَالَ : ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ أَيْ عِنْدَ نَفْسِكَ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَيْ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ هَذَا رَبِّي ; فَأُضْمِرَ الْقَوْلُ ، وَإِضْمَارُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى فِي هَذَا رَبِّي ; أَيْ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى رَبِّي .


_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
مقدمة في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم

انواع تفاسير القران واشهرها

التـفسير الموضوعي : تعريفه ونشأته وألوانه وأهميته

التحليل الموضوعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..