الاثنين، 21 أكتوبر 2013

حوار د/ محمد القنيبط في صحيفة سبق الإلكترونية‏

 تساءل: كيف يُسمح لعدد قليل جدًّا من الشركات بالفوز بمشاريع مليارية دون منافس
القنيبط لـ"سبق": الكراسي العلمية أكبر "جريمة" حدثت في جامعاتنا
القنيبط لـ"سبق":  الكراسي العلمية أكبر "جريمة" حدثت في جامعاتنا- تاريخنا البيروقراطي يشهد أنَّه من النادر أن يختار الرئيس مرؤوسيه ممن لهم شخصية قوية
- الرواتب الحكومية مجمَّدة منذ 34 عاماً وارتفاعها خطر على ميزانية الدولة
- الذين يوظفون الدين والعاطفة للتحريض يتسببون بآلام ومآسٍ للأفراد والمجتمع
- لا غرابة من تدني المعايير الاجتماعية العربية طالما يفتخر العربي بالذئب اللئيم
- تطبيق العقوبات على الفاسدين "كائناً من كان" سيقضي عليهم
- تركي السديري كتاباته مهلهلة وأنصحه باعتزال العمل الصحفي
- من يعتب على ما أكتب هو بعيد كل البُعد عن مفهوم أخلاقيات العمل الأكاديمي
- أصبح المواطنون يخافون اليوم الوطني ويلزمون منازلهم
- الهيئات والشركات الحكومية فيها تجاوزات مالية وضخامة رواتب وتكاليف مشاريع
- إعلامنا المكتوب يعتمد على صحفيين غير مؤهلين.. رواتبهم ضعيفة وأخبارهم هزيلة وثقافتهم متواضعة
 
أجرى الحوار: شقران الرشيدي – تصوير: عبدالله النحيط – سبق - الرياض: يقول الدكتور محمد القنيبط، عضو مجلس الشورى الأسبق رئيس مجلس إدارة جمعية الاقتصاد السعودية سابقاً العضو السابق بمجلس هيئة حقوق الإنسان وحالياً أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الملك سعود، إن سيارة "غزال" التي صنعتها جامعة الملك سعود أكبر كذبة في ممارساتنا البيروقراطية المعاصرة، ويرى في حواره مع "سبق" أن مدينتَي الجبيل وينبع ومستشفى الملك فيصل التخصصي أنجح مشروعَيْن حكوميَّين، لم نستطع تقليدهما منذ 40 عاماً، كما يفخر بدوره المحوري في مجلس الشورى، وطرح توصية سعودة المحال التجارية خلال 3 سنوات، مؤكداً أن تطبيق العقوبات على الفاسدين كائناً من كان وإعلانها على الملأ هو "السنارة" التي ستصطاد الفاسدين، وتقضي عليهم..
 
كما تناول الحوار العديد من المحاور المهمة عن الصحافة، والكتابة، والمشاريع التنموية، والمرأة السعودية، والاهتمام الدولي بالمجتمع السعودي، وعضوية مجلس الشورى، وغيرها.. فإلى تفاصيل الحوار:
 
** دكتور محمد القنيبط.. بحُكْم تخصصك الاقتصادي، هل لا يزال المفهوم الاقتصادي "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة" متفشياً في ثنايا الاقتصاد السعودي؟
لا أؤمن بهذا المفهوم الاقتصادي المقلوب؛ فحتى لو حدث ذلك سيكون بصورة مؤقتة، لا تدوم؛ لأنه كما يقال: لا يصح إلا الصحيح.
 
 ** في "بحيرات" مشاريعنا التنموية الشاسعة، كيف يمكن اصطياد "هوامير" الفساد؟ وما "الطعم" المناسب لإغرائها؟
الفساد جريمة، مثلها مثل بقية الجرائم، تكتشفها الأجهزة الرقابية أو الأمنية، أو يبلِّغ عنها مسؤولون ومواطنون صالحون؛ لتتولى بعد ذلك الأجهزة القضائية محاكمة المسؤولين عنها؛ وبالتالي فإنَّ تطبيق العقوبات على الفاسدين "كائناً من كان!" وإعلانها على الملأ هو "السنارة" التي ستصطاد الفاسدين، وتعاقبهم، وتقضي على الفساد.
 
 
** كاتب اقتصادي تكتب في مسائل الأرقام والإحصاءات المعقدة، ومع ذلك تحظى بشعبية كبيرة بين القراء، كيف تحقق ذلك؟
كل ما قمت به، منذ أنْ بدأت الكتابة الأسبوعية في مجلة اليمامة في زاوية "أكاديميات" قبل نحو عشرين عاماً، هو نقل ما يدور في مجالسنا من أمور ومواضيع اقتصادية واجتماعية، ولكن بطريقة علمية أكاديمية موثقة بالأرقام والاستدلال الرسمي والعلمي، وهذا ما جعلني أتوقف عن الكتابة بسبب الجهد الكبير اللازم لخروج هذه المقالات.
 
** يثنون عليك بالقول "الاقتصادي المتمكن، والرجل الوطني".. في حين يراك آخرون "تكرر نفسك، ولا تقدم حلولاً سوى نقد مؤسسات الدولة لمجرد كسب مشاعر المواطنين".. ماذا تقول أنت عن نفسك؟
من الصعب سؤال الشخص عن نفسه؛ وبالتالي فإنني فخور جداً بالكلمات التي ضمنتها هذا السؤال، سواء الثناء أو النقد؛ فرحم الله من أهدى إليَّ عُيوبي. ومن جهة أخرى، أعتقد أن الكاتب غير مطالَب بإيجاد الحلول للمواضيع التي ينقدها؛ لأنَّ الحلول مسؤولية القائمين على الأجهزة ذات العلاقة بموضوع النقد، بل إنَّ النُقَّاد والكُتَّاب يُقدِّمون خدمة مجانية لأولئك المسؤولين بإظهارهم هذه المشاكل وأوجه القصور في أجهزتهم ومؤسساتهم. وقد كتبت وجهة النظر هذه في زاوية "أكاديميات" قبل توقفي عن الكتابة منذ ما يزيد على ست سنوات.
 
 ** تعد أحد أنشط المغردين على "تويتر"، وأكثرهم تفاعلاً مع ظواهر المجتمع المختلفة.. فهل وجدت فيه "الحرية" التي تتوق لها في نقد ما تريد، ومن تريد؟
لا أتفق معك بأني من النشطاء في التغريد على تويتر، واهتمامي يتركز على التجاوب مع حوارات وأسئلة المتابعين قدر الإمكان، إضافة لاهتمامي بزاوية أو وسم (# قرأت_لكم)، الذي أعرض فيه للمتابعين مقالات صحفية تتعلق بالشأن المحلي، رأيت أهميتها، مع تعليق قصير على الموضوع. وما زلت أجد صعوبة في التعامل مع محدودية الكتابة في تويتر (140 حرفاً) في ظل ميلي الكبير للإسهاب في الكتابة.
 
 
 ** كنتَ عضواً في مجلس الشورى لثلاث دورات متتابعة (12 عاماً).. ماذا قدمت للمجلس وللمجتمع؟ وبماذا تفخر؟
يستحيل سؤال عضو مجلس شورى: ماذا قدمت في المجلس؟ لأنَّ العمل في مجلس الشورى (البرلمانات) عمل جماعي، ويستحيل لشخص واحد أن يعمل شيئاً للمجتمع عبر مجلس الشورى بمفرده. بمعنى آخر، لا يستطيع عضو مجلس الشورى أن يدعي أنه صنع هذا القرار، أو أسقط ذاك القرار؛ لأنَّ ذلك يتطلب أغلبية الأعضاء في مجلس الشورى، وهذا يعني 76 صوتاً، وليس صوتاً واحداً.
 
بالنسبة لسؤالك حول ماذا أفتخر به في مجلس الشورى، فإني أشعر بفخر كبير لدوري المحوري في طرح توصية (سعودة المحال التجارية خلال ثلاث سنوات)، التي فازت بتأييد غالبية أعضاء المجلس، وصدرت بقرار من مجلس الشورى عام 1426هـ، الذي - للأسف - لم يتبنَّه مجلس الوزراء، ولم يرجع القرار إلى مجلس الشورى بناءً على المادة 17 من نظام مجلس الشورى، التي تنص إحدى فقراتها على: (إذا تباينت وجهات نظر المجلسَين يُعاد الموضوع إلى مجلس الشورى؛ ليبدي ما يراه بشأنه، ويرفعه إلى الملك لاتخاذ ما يراه).
 
** إلى أي مدى يصدق ما يتردد أن القيادات الأكاديمية الإدارية في الجامعات المحلية لم تعد "تهش، ولا تنش"، بل تولت مهام المدح والتطبيل للمسؤول، والبحث عن المصالح الخاصة؟
التاريخ البيروقراطي السعودي المعاصر يشهد بأنَّه من النادر أن يختار الرئيس مرؤوسيه ممن لهم شخصية قوية، تصدح برأيها أمام "معاليه"، أو يملكون رؤى وتصوُّراً يختلف عن توجهاته؛ وبالتالي يجب أن تكون هذه القيادات - سواء كانت أكاديمية أو غير أكاديمية ـ وفيَّة لمن اختارها لهذا المنصب، سواء بالالتزام الحرفي بأوامر معاليه، أو حتى بالتطبيل "لإنجازات" معاليه، لو استدعت الضرورة. وبالتالي، فمن المتوقع مسايرة القيادات الأكاديمية الإدارية لتوجهات "معاليه"، ومن لم يقم بذلك فمصيره التهميش وعدم التجديد في المنصب الإداري، إلاَّ أنْ يملك هذا الأكاديمي الإداري الشجاعة للاستقالة حينما يرى مخالفات في العمل المُناط به، وهذه شخصيات نادرة جداً في مجتمعنا الأكاديمي الإداري، باستثناء الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ عميد الدراسات العليا بجامعة الملك سعود، الذي استقال إبَّان الفورة الإعلامية لجامعة الملك سعود تحت إدارتها السابقة.
 
 
 ** قلتَ في إحدى تغريداتك "حدثت الجريمة الأكاديمية بتحوير مفهوم الكراسي العلمية إلى مشاريع بحثية حتى يتسنَّى اللعب بأموال المتبرعين".. هل أوضحت أكثر؟
نعم، إن أكبر جريمة أكاديمية حدثت في جامعاتنا منذ نحو ست سنوات هو إيهام العامة بأن "الكراسي العلمية" في الجامعات مؤقتة، ومددها 3-5 سنوات، بعدها ينتهي الكرسي ما لم يدفع المتبرع مبلغاً جديداً للجامعة لتمديد "فترة صلاحية" الكرسي العلمي/ البحثي لسنوات محددة أخرى. وكما جاء في الحديث الشريف: "من سنَّ سُنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سنَّ سُنّة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها"، فإن الإدارة السابقة لجامعة الملك سعود ووزارة التعليم العالي تتحملان وزر هذا التحوير الظالم وغير العلمي لمفهوم الكراسي العلمية في الجامعات، لا لشيء إلا ليتسنى لإدارة الجامعة في الغالب اللعب بأموال المتبرع بهدف إحداث فرقعات أكاديمية إعلامية بأسرع وقت ممكن، وكذلك لتنفيع بعض الأكاديميين المحسوبين على "معاليه".
 
الكراسي العلمية/ البحثية في الجامعات العريقة في العالم مستديمة المدة، وغير محددة بعمر زمني، في حين أنَّ التبرع للجامعات الذي ينتهي بعد سنوات محددة هو التبرع لمشاريع أو لهبات بحثية  Research Grants؛ فهذا النوع من التبرع للجامعات يعلم الشخص المتبرع أنه لمشروع بحثي محدد لبحث في مشكلة بعينها. وللتدليل على كلامي، هناك كرسي الشيخ علي التركي لتعلم اللغة العربية بجامعة هارفارد، الذي أنشأه أبناؤه قبل 12 سنة بتبرعهم للجامعة، ولا يزال هذا الكرسي العلمي قائماً في هذه الجامعة الشهيرة؛ إذ تقوم الجامعة باستخدام العوائد السنوية للمبلغ الذي تبرَّعوا به لهذا الكرسي لتعيين عالم Scholar  في اللغة العربية، يقضي سنة في جامعة هارفارد للتدريس والبحث في اللغة العربية.
 
بمعنى آخر، فإنَّ "أصل" المبلغ الذي يتبرع به شخص لكرسي علمي أو بحثي في جامعة لا يُمَس، بل يُستثمر هذا المبلغ، ويُستخدَم جزء من عوائده السنوية للغرض الذي أُنشئ لأجله الكرسي؛ وذلك ضماناً لاستمرار عمل الكرسي لأجل غير محدود. ولكن الذي حدث عندنا يناقض هذا تماماً؛ إذ توقَّف عدد كبير من الكراسي العلمية التي أعلنتها جامعة الملك سعود خلال السنوات الخمس الماضية بفرقعاتها الإعلامية؛ بسبب تبذير إدارة الجامعة للأموال التي تبرع بها الموسرون لهذه الكراسي، التي لا يعلم أغلبهم أنها مؤقتة، أو لإحجام المتبرعين عن دفع المبالغ المتبقية للكراسي التي أُنشئت بأسمائهم. أما الحقيقة الصارخة والمؤلمة جداً في موضوع الكراسي العلمية/ البحثية فهي وجود كرسي بحثي طبي، أُنشئ منذ 1431هـ بجامعة الملك سعود، وأُعلِن في كرنفال إعلامي، حضره مدير الجامعة وصاحب الكرسي، دون أنْ يدفع صاحب الكرسي حتى الآن ريالاً واحداً من مبلغ التمويل المُتفَق عليه!! فأي ثقافة كراسي علمية/ بحثية نؤسِّس لها في جامعاتنا!؟
 
 ** نلحظ في كل مرة وجود اهتمام إعلامي عالمي بما يجري لدينا من أحداث اقتصادية، اجتماعية وثقافية..إلخ في داخل المجتمع.. ما سـِر هذا الاهتمام؟
السعودية عضو في مجموعة العشرين، التي تضم عشرين دولة من أقوى اقتصادات العالم، أي أن السعودية دولة مؤثرة في الاقتصاد العالمي؛ بحكم كونها أكبر مصدر للبترول في العالم؛ لذلك من الطبيعي اهتمام الإعلام العالمي بما يحدث لدينا من مستجدات اقتصادية واجتماعية وغيرها.
 
 
 ** كيف يمكن التعامل مع من يوظف الدين والعاطفة للتحريض ضد الرأي الآخر المخالِف، وتكريس ممارسات اجتماعية لم تعد مقبولة في الوقت الراهن؟
كما يقول المثل الشعبي: "حبل الكذب قصير"؛ وبالتالي فالذين يوظفون الدين والعاطفة للتحريض سينكشفون إن عاجلاً أو آجلاً، ولكن – للأسف - بعد أن يتسببوا بآلام ومآسٍ للأفراد والمجتمع. ولحسن الحظ، فإن ظهور شبكات التواصل الاجتماعي سرعت من كشف هؤلاء المُدَّعين، وفتحت أبواب الحوار بين الأطراف المختلفة، وجعلت المعلومة سهلة الانتشار، سهلة التحقق من مصداقيتها، وزادت من تثقيف المجتمع، بخلاف السنوات التي سبقت ظهور الإنترنت.
 
 ** في مقالك الشهير "تصنيف الجامعات.. وإعلان الرياض: ذهبت السكرة وجاءت الفكرة"، عَتَبَ عليك البعض أنك لم تكن موضوعياً، وركزت فقط على تجاوزات التصنيف العلمي، وتجاهلت المميزات الأخرى التي تحققت؟
للأسف، من عتب على ما كتبته في هذا المقال لا يعلم ما يجري في بعض جامعاتنا، وهو بعيد كل البُعد عن مفهوم أخلاقيات العمل الأكاديمي؛ والسبب في ذلك أنَّ إعلامنا المكتوب يعتمد على صحفيين غير مؤهلين نتيجة ضَعف رواتب الصحف لغالبية المراسلين والصحفيين؛ وبالتالي تكون الأخبار هزيلة أو مبالغاً فيها بسبب تواضع ثقافة مُراسل الصحيفة في الموضوع الذي كَتَبَ عنه. وحينما جاء مقالي الذي أشرت إليه، عتب هؤلاء على تجاهلي المميزات التي قرؤوها في صحفنا الهشة في تحريرها، والبخيلة في إنفاقها على التقصي من صحة المعلومة المتعلقة بالتصنيفات من خلال الاعتماد على الصحفيين المتخصصين؛ إذ إنَّ كثيراً من محرري الصحف السعودية الكبيرة يعمل "بالقطعة"!؟ وبالعودة إلى من عتب على مقالي المذكور، نتساءل معهم: ما هي الإيجابيات أو المميزات التي تحققت من مطاردة جامعاتنا ووزارة التعليم العالي للتصنيفات الجامعية!؟ فباستثناء جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، فإن الواقع يؤكد معاناة خريجي الجامعات الحكومية في الحصول على وظائف في سوق العمل، وكذلك يعاني كثيرٌ منهم في دراساتهم العليا في الجامعات المحترمة بأمريكا.
 
من جهة أخرى، وباستثناء التنمية "الخرسانية" للتعليم العالي من خلال إنشاء المدن الجامعية الجديدة، فإنَّ السنوات الست الماضية من تاريخ التعليم العالي لدينا لم تحفل سوى بالمنجز الإعلامي بأي تكلفة، وأهملت غالبية إدارات الجامعات ووزارة التعليم العالي إصلاح البيت الجامعي، الذي يأتي في مقدمة أولوياته إعادة نظام الدراسة بالساعات، الذي يُعتبر اللبنة الأولى في بناء شخصية الطالب الجامعي من خلال إحساسه بأنَّه "هو" الذي يحدد اختياراته الدراسية، وليس ما هو معمول به حالياً، الذي يعادل الطالب كأنَّه طفل بحاجة إلى ولي أمر يُسجِّل له المواد ويُقرِّر له اختياراته في المواد الدراسية بالجامعة.
 
 
 ** ألا تزال عند رأيك بأن مصدر الفساد في الدولة هو احتكار عدد من شركات المقاولات الكبرى المشاريع التنموية؟
فيما يخص الفساد في المشاريع الحكومية الإنشائية، الجواب بكل تأكيد "نعم". فكيف يُسمح لعدد قليل جداً من الشركات بالفوز بمشاريع مليارية دون منافسة؟ وليس ذلك فحسب، بل تعطَى كامل احتياجاتها من تأشيرات الاستقدام!؟
 
 **  "الانتهازية" في عبارة "خلك ذيب".. ماذا أفرزت لنا اجتماعياً؟
أستاذنا إبراهيم البليهي يقول ما معناه: "لا غرابة من تدني المعايير الاجتماعية العربية طالما يفتخر العربي بالذئب، وهو الحيوان اللئيم الذي يقتل أكثر مما يحتاج"!! وللأسف، الطفرة التي نعيشها حالياً زادت تأصيل عبارة "خلك ذيب"، وشجَّعت على الكذب، بل المبالغة في التسابق على الكذب.
 
ولهذا السبب، وباستخدام مصطلحات شبابية، فقد كثر "الهياط" البيروقراطي من عيِّنة "أكبر مطار، أطول شبكة طرق، أكبر سارية علم، أكبر علم، صناعة سيارة غزال، صناعة طيارة بدون طيار، أفضل جامعة في العالمين العربي والإسلامي و... و..."!!
 
 
 ** انخفاض متوسط الرواتب الحكومية في السعودية.. كيف يمكن تعديله؟
المشكلة في تدني الرواتب الحكومية هو تجمدها سنوات طويلة منذ بداية 1400هـ، باستثناء الزيادات الأخيرة (30  %)، في حين ارتفعت أسعار السلع والخدمات بجميع أنواعها. ولا يمكن معالجة انخفاض الرواتب الحكومية بزيادتها؛ لما لذلك من خطورة على ميزانية الدولة؛ إذ استقطعت الرواتب نحو 317 مليار ريال من ميزانية عام 2012 البالغة 853 ملياراً، أي أنَّ الرواتب الحكومية شَكَّلت 37  % من الميزانية، وهذا رقم كبير جداً، وخطير لو انخفضت أسعار البترول بنسبة كبيرة؛ وبالتالي يجب تركيز الدولة على علاج ناجع لمشكلة ارتفاع تكلفة امتلاك المواطن للمسكن أو استئجاره، الذي يأخذ نسبة كبيرة من دخل الفرد، ولو تم ذلك لرأينا "ارتفاعاً" في متوسط دخل الفرد "الحقيقي".
 
 ** ما أهم مكتسباتك من "سخونة" مقالاتك، و"جرأة" لقاءاتك التلفزيونية؟
المشكلة ليست في أنَّ مقالاتي "ساخنة"، بل في ثقافتنا تجاه النقد، الذي يبدو أننا نضيق به؛ والسبب هو ثقافتنا الشعرية الحديِّة بين المديح والهجاء؛ وبالتالي فإذا لم تمدح الشخص فأنت لا محالة تهجوه.. ولهذا السبب كل من يكتب ناقداً لجهاز أو إدارة حكومية يوصَم بتهمة التجريح، أو أنَّ مقالاته ساخنة ونارية، أو أنَّ لديه موقفاً شخصياً من ذلك المسؤول!! ولكني أحمد الله أنَّ مقالاتي "الساخنة" أكسبتني احترام كثير من المسؤولين، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، الذي قال لي مرة: "بعض الناس ياصلون العظم لكن يرجعون"!!؟ كذلك أفتخر بأكثر من 67 ألف متابع في تويتر، وثناء أناس لا أعرفهم، أقابلهم في أماكن عديدة، فيغمرونني بالثناء والشكر والدعاء لي.. فلهم مني جزيل الشكر والتقدير.
 
 
 ** يقولون لماذا لا ينصح "الدكتور القنيبط" المسؤول "بينه وبينه" بعيداً على "الفرقعات الإعلامية"؟
وصلتني هذه "النصيحة" متأخرة بعد سنوات عديدة من بدء زاوية "أكاديميات" بمجلة اليمامة. والسبب في عدم تفكيري بهذه النصيحة اعتقادي آنذاك ـ والآن ـ بأني أكتب عن شأن عام، يخص كل الناس؛ وبالتالي يجب ألا تكون الكتابة للمسؤول سراً؛ فالمسؤول حينما قَبل بالوظيفة يجب أن يكون على استعداد لتحمل النقد، وفي الوقت نفسه لديه الشجاعة للتراجع عن الخطأ.
 
وهذه الأخيرة – للأسف - نادرة الحدوث في المسؤول العربي، وليس السعودي فقط.
 
 ** رغم "فوائض" الميزانية العامة المتوالية لسنوات، لماذا لا يزال المواطن يشكو من تأخر وتعثر المشاريع، وقصور الخدمات، وارتفاع الأسعار، وغلاء العقارات، وتردي البني التحتية.. إلخ؟
الإجابة باختصار: سوء معايير اختيار المسؤولين الحكوميين، القائمة على قاعدة (أهل الثقة مُقدَّمون على أهل الخبرة والمعرفة)، إضافة إلى طول فترة بقائهم في مناصبهم دون محاسبة.
 
 ** نعرف في مسارات التنمية المختلفة مكامن الأخطاء، وندرك وجود "التجاوزات"، لكننا ننتظر دائماً أن تحل المشاكل نفسها بنفسها.. أليس كذلك؟
بالفعل، كثير من "المعالجات" الحكومية للأخطاء تقوم على وصفة أو استراتيجية: (الزمن كفيل بعلاج المشكلة). ولكن – للأسف - أثبت تاريخنا المعاصر أن الزمن يزيد من خطورة المشكلة، ولا يحلها مطلقاً.
 
 
وما نبخل به اليوم لعلاج مشكلة أو خطأ سندفع أضعافه مستقبلاً لعلاج المشكلة الأساسية وتداعياتها التي استجدت.
 
 ** تزايد الهيئات والشركات التابعة للأجهزة الحكوميَّة.. إلى ماذا سيفضي؟
إلى مزيد من الفساد والهدر المالي غير المبرر؛ فكثير من الهيئات والشركات الحكومية فيها تجاوزات مالية، خاصة في ضخامة الرواتب وتكاليف المشاريع، لا يجرؤ صاحب المعالي على القيام بـ 10  % منها بسبب الرقابة الحكومية على الوزارة. ولنا في الهيئة العامة للاستثمار أيام محافظها السابق عمرو الدباغ، والشركة الوطنية للمياه حالياً، أمثلة صارخة على ذلك.
 
 ** هل الصحافة الإلكترونية قادرة على التأثير في الرأي العام أكثر من الورقية؟
بكل تأكيد، ليس الصحافة الإلكترونية فحسب بل شبكات التواصل الاجتماعي لها تأثير يفوق تأثير الصحافة الورقية. فالشخص الذي يتابعه 200 ألف شخص على تويتر يعرف جيداً أنه لو كتب شيئاً على تويتر فسيقرؤه 200 ألف، في حين أنَّ أكبر عدد توزعه يومياً صحيفة ورقية لا يتجاوز 150 ألفاً؛ لذلك لو كتب هذا الشخص في صحيفة ورقية لما قرأ ما كتبه حتى 50 ألف شخص، فما بالك "بمتوترين" يتابعهم ملايين الأفراد!؟
 
 ** في اليوم الوطني والأعياد.. نلاحظ افتقارنا لثقافة الاحتفال والاستمتاع بالمناسبات الوطنية.. أليس كذلك؟
نعم – للأسف - بل إن اليوم الوطني أصبح يوماً يخافه كثير من المواطنين؛ ويلزمون منازلهم خوفاً من فوضى الشباب غير المبالين، في ظل ضَعف الرقابة والعقاب.
 
 ** يُقال إن نقدك المتواصل لتركي السديري، رئيس تحرير صحيفة الرياض، وسخريتك من مفرداته في الكتابة، هما تصفية حسابات شخصية لرفضه الدائم أن تكتب في الرياض..
للأسف الشديد، فالشائع في مجتمعنا أنَّ الشخص لا ينتقد أو يكتب عن مسؤول إلاَّ بسبب موقف شخصي.
 
ومن المؤلم أنَّ هذا الاتهام يطلقه صاحبه دون قراءة النقد، والأسس التي قام عليها.. ولو قام بذلك لما أصدر حكمه بوجود موقف شخصي. من جهة أخرى، فإنَّ مفهوم "النقد" لم يتأسس في البيئة العربية عموماً كما هو عليه في الثقافة الغربية؛ وذلك ـ كما أرى ـ بسبب الخلفية الثقافية التاريخية القائمة على المديح والهجاء؛ وبالتالي ظهر لدينا فَهم جديد لكلمة "نقد" على أنها مرادفة لكلمة "سخرية"؛ لذلك ينظر كثيرون إلى انتقادي كتابات الأستاذ تركي السديري على أنها سخرية بشخصه، كما جاء في سؤالك.
 
وآخر شيء يستطيع أحد إثباته على كتاباتي أنها "تَسخَر" من شخص، وذلك بالمفهوم الصريح للسخرية؛ فهناك فَرق كبير جداً بين كلمة ساخر بمفهومها باللغة العربية وكلمة ساخر Sarcastic  بمفهومها باللغة الإنجليزية، وهذه الأخيرة هي التي أكتب بمفهومها وأسلوبها.
 
وقد اتهمني بعض المتابعين في تويتر بتهمة وجود "حسابات شخصية" مع الأستاذ تركي السديري، وليت هذه التهمة صحيحة حتى يطمئن ذلك الشخص، ولكن – للأسف - هذه التهمة غير صحيحة؛ فلم أدخل الصحافة قبل نحو عشرين سنة إلا بدعوة من رئيس تحرير مجلة اليمامة، الذي أبلغته آنذاك بأني لست كاتباً صحفياً، فكانت إجابته: "أعطني اسم الزاوية الذي تريده، وستجد ما تكتبه".
 
وكان ما كان.
 
أما صحيفة الرياض فلم يحدث أن اتصلت بالقائمين عليها للكتابة عندهم ورفضوا، ولم يتصل بي أحد منهم يطلبني للكتابة فيها، إضافة إلى صعوبة نشر صحيفة الرياض مقالاتي آنذاك بسبب تغليبها (وشقيقاتها الصحف الكبرى) مصلحة المُعلنين والمسؤولين على حُرية الكلمة.
 
ولكن نقدي المتواصل لكتابات الأستاذ تركي السديري يأتي غيرة وأسى على تاريخ أشهر رئيس تحرير صحيفة سعودية.
 
ومن المؤكَّد أنه لن توافق أي صحيفة سعودية أو غيرها على نشر مثل هذه المقالات التي يكتبها حالياً الأستاذ تركي.
 
إضافة لصعوبة نشر مقالاتي آنذاك بسبب تغليبها "وشقيقاتها الصحف الكبرى" مصلحة المُعلنين والمسؤولين عن حُرية الكلمة. ولكن نقدي المتواصل لكتابات الأستاذ تركي السديري هو غيرة وأسى على تاريخ أشهر رئيس تحرير صحيفة سعودية.
 
ومن المؤكَّد أنه لن توافق أي صحيفة سعودية أو غيرها على نشر مثل هذه المقالات التي يكتبها حالياً الأستاذ تركي في زاوية "لقاء"، التي للأسف مقالات خالية من أي ترابط فكري أو لغوي أو تعبيري/ صياغي، فضلاً عن تنافر الكلمات والجُمَل وكأنك تقرأ مقالاً كتبه شخص أعجمي اللسان.
 
ولحسن الحظ جاء من ينقذني من تهمة "تصفية الحسابات الشخصية" مع الأستاذ تركي السديري، ذلكم هو الأستاذ أحمد العرفج الذي كتب بصحيفة "عكاظ اليوم" الإلكترونية في 22 /11 /1434هـ مقالاً صريحاً بعنوان "رسالة مع التحية لتركي السديري" قال فيه:"أمَّا “تركي” اليوم فهو يكتب مقالات لا تُفهم، من خلال جُمل متهلهلة وغير مترابطة، وكأنَّها نصٌّ إنجليزي عرَّبه الشيخ جوجل".
 
ولقد جاءت فرصة ذهبية للأستاذ تركي السديري لكتابة تاريخه الصحفي بماء من ذهب لو أنه اعتزل الكتابة بعد إضفاء الملك عبدالله، يحفظه الله، عليه قبل عدة سنوات لقب "ملك الصحافة"، وهذا أكبر لقب وتشريف يحلم به صحفي سعودي. وأنا الآن أضم صوتي للأستاذ أحمد العرفج بأن المحيطين بالأستاذ تركي السديري لا يصدقونه القول والنصح بشأن حقيقة كتاباته المهلهلة جملةً وتفصيلاً، وأزيد ناصحاً ومخاطباً أستاذنا تركي السديري: يجب أن تتوقف عن الكتابة، احتراماً لتاريخك الصحفي.
 
 ** حسناً.. مارست ما كنت تعانيه، وترفضه حين طالبت صحيفة الوطن بأن تمنع مقالات الكاتب عبد العزيز قاسم عن السجون، واعتبرتها إساءةً للوطن أمام المجتمع الدولي.. لماذا تناقضت مواقفك؟
لم تتناقض مواقفي، وهناك فرقٌ كبيرٌ بين من يكتب عن موضوع داخلي ليس له أبعاد دولية وآخر يكتب عن موضوع له تداعيات دولية، كما هي الحال في كتابات الدكتور عبد العزيز قاسم عن السجون والسجناء في المملكة. فدعوتي لمنع مقالات الدكتور عبد العزيز قاسم عن السجون تنبع من واقع خبرتي لأربع سنوات في مجلس هيئة حقوق الإنسان والاتهامات الدولية التي توجّه للمملكة صباح مساء بشأن وضع السجناء والسجون وتأخر المحاكمات لسنوات طويلة.
 
وبالتالي، فإنَّ مقالات الدكتور عبد العزيز قاسم عن السجون أساءت للمملكة بعكس ما كان يهدف منها.
 
 ** تحفظت على كتابات من وصفتهم بـ"الثلاثي المرح" في صحيفتي الجزيرة والرياض لكنك – على الرغم من جرأتك- لم تسمهم بأسمائهم..مَن كنت تقصد؟
 لو قرأت مقالي بصحيفة الاقتصادية: "وزارة التعليم العالي: إنَّا نعتذر!"، لعرفت أسماء الثلاثي المرح؟!!
 
 ** ما أبرز تشوهات سوق العمل المحلي؟
بدايةً، يجب الإشادة بالجهود الكبيرة التي يبذلها وزير العمل الأستاذ عادل فقيه، وهي بلا شك تطورٌ كبيرٌ في التعامل مع السعودة في سوق العمل مقارنةً بمن سبقه من وزراء العمل.
 
من جهة أخرى، فإنَّ أبرز تشوهات سوق العمل المحلي السيطرة شبه الكاملة للعمالة الوافدة عليه، خصوصاً قطاع البيع بالتجزئة والجملة؛ ويزيد من خطورة هذا التشوه زيادة أعداد العمالة غير الشرعية التي قدرتها بعض التقارير بأكثر من خمسة ملايين عامل. كذلك فإنَّ التشوه البيروقراطي الأخطر هو استمرار وزارة العمل بالنظرة "الأفقية" للقطاعات المختلفة في سوق العمل، وإصرارها على السعودة بالنسب المئوية.
 
والحديث عن سوق العمل طويلٌ وذو شجون لا يتسع هذا اللقاء للتوسع فيها.
 
 ** عندما سئلت عن سبب ابتعادك عن الكتابة في الصحف السعودية، قلت:"الكتابة الوطنية النقدية المحايدة لا يوجد في مفرداتها التطبيل، والمدح، والمداهنة لتحقيق مكسب دنيوي"..أليس هناك خيارٌ آخر؟
لا أذكر أني قلت إنَّ هذا " سبب" توقفي عن الكتابة الصحفية، ومع ذلك فإنَّ السبب الحقيقي لتوقفي عن الكتابة بمجلة اليمامة يتمثل في أنَّ الجهد الكبير الذي كنت أبذله في كتابة مقالات زاوية "أكاديميات" من بحث وتمحيص، يُقابله حساسية مُفرِطة من "المعنيين" بهذه المقالات، وبالتالي كان قراري التوقف وأنا في قمة "وجزالة" عطائي !؟ أما الخيار الآخر الذي سألتني عنه فهو الذي استخدمته في كتاباتي وذلك بالاستقصاء الدقيق للمعلومة، وأدعم وجهة النظر بالتحليل العلمي المبني على الأرقام بعيداً عن المدح والثناء، لأنَّ واجب المسؤول حُسنْ الأداء الذي لا يُشكَر عليه لأنه يعمل في هذه الوظيفة براتب وليس تطوعاً، لذلك يجب أن يُحاسب على الخطأ مهما صَغُر.
 
 ** ألا تزال عند قناعاتك بأن مشكلة السكن المزمنة تتمثل لدينا في انخفاض دخل الفرد، واحتكار الأراضي، وعدم فرض الزكاة على الأراضي البيضاء؟
نعم، السبب الرئيس في مشكلة السكن المزمنة في السعودية بعد الطفرة الأولى هي حصول النافذين على مئات الآلاف وأحياناً ملايين الأمتار المربعة من الأراضي الحكومية، وبيعها على أباطرة العقار الذين يحتكرونها حتى تصل الأسعار التي يحددونها؛ يُضاف إلى هذه المشكلة رفض الحكومة فرض زكاة على الأراضي البيضاء، وهذا المقترح رفعه مجلس الشورى للمقام السامي في الدورة الثانية قبل أكثر من 15 سنة.
 
فمن غير المنطق أن تُشكِّل قيمة الأرض أكثر من ثلثي تكلفة بناء مَسكَنْ. فعلى سبيل المثال، عندما انتهيت من بناء منزلي في حي النزهة بالرياض قبل نحو 25 سنة،  كانت قيمة الأرض تُمثِّل أقل من 20 % من التكلفة الإجمالية للمنزل والأرض؛ واليوم قيمة أرض منزلي تضاعفت أكثر من عشر مرات لتُشكِّل بالتالي أكثر من60 % من التكلفة الإجمالية  للمنزل والأرض.
 
لذلك من سابع المستحيلات أن يستطيع الشاب السعودي امتلاك مسكن في ظل الأسعار الجنونية للأراضي وكذلك انخفاض دخله وارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات.
 
 ** ارتفاع القروض الاستهلاكية إلى 321 مليار ريال.. على ماذا يدل اقتصادياً؟
ارتفاع القروض الاستهلاكية إلى هذا الرقم المخيف 321 مليار ريال يؤكد وجود مشكلة لدى الأفراد في تنظيم حياتهم الاقتصادية، بل إنَّ هذا الرقم  يعد مؤشراً واضحاً على مشكلة اقتصادية خطيرة جداً يجب التعامل معها بجديّة. وفي علم التنمية الاقتصادية، هناك علاقة طردية بين معدل التوفير في المجتمع والتنمية الاقتصادية.
 
وما يحكيه هذا الرقم الضخم للقروض الاستهلاكية هو أنَّ المجتمع السعودي أصبح في مجمله مجتمعاً استهلاكياً تقترب نسبة التوفير لدى أفراده من الصفر، وتزداد خطورة هذه الحقيقة الاستهلاكية حينما نعلم أنَّ أغلب السلع مستوردة.
 
 ** الاستثمار في كرة القدم السعودية – في حال أقر تخصيص الأندية- هل هو مربح؟
لست من المتابعين المنتظمين لكرة القدم السعودية أو العالمية، ولكن ما يلفت نظري بشأن "الخصوصية السعودية" في أندية كرة القدم أنها أقرب ما تكون أندية وجاهة يتناوب على إدارتها نافذون أو أغنياء يبحثون عن الشهرة من خلال تبذير أموالهم على رياضة تعاملت معها الدولة الأخرى على أنها "صناعة" تدر أموال للقائمين عليها. وبالتالي، أعتقدُ أنَّ تخصيص الأندية الرياضية سينتج عنه أندية مربحة وأخرى خاسرة، كما هو الحال في الشركات التي تعمل في سوق حر.
 
 ** المرأة السعودية.. هل أخذت فرصتها في مجالات التنمية، والوظائف القيادية، والأدوار المختلفة في المجتمع؟
بكل تأكيد، لم تأخذ المرأة السعودية فرصتها المستحقة في التنمية والتوظيف، بدلالة وجود الغالبية العظمى منهن في قطاع التعليم وارتفاع نسبة البطالة بين النساء التي تتجاوز 30 % حسب بعض التقديرات؛ ولو أننا نلحظ أخيراً اهتماماً حكومياً مشكوراً لفتح المزيد من القطاعات وفرص العمل للمرأة السعودية لتشارك في بناء الوطن.
 
 ** لماذا تنجح مؤسساتنا المدنية على الورق، وتفشل حين تطبق على الواقع؟
الإجابة في المثل الشهير: "أرسل حكيماً ولا توصه". فالمشكلة التي نعانيها بيروقراطياً هي طريقة اختيار كبار المسؤولين التي يغلب عليها قاعدة "أهل الثقة مُقَدَّمينْ على أهل الخبرة والمعرفة"، يُضاعِف من خطورة هذه القاعدة عدم مُساءلة أو محاسبة صاحب المعالي، وأكثر شيء قد يَحدث له هو "إعفاؤه من منصبه" !! وحتى يتم عَكسْ هذه القاعدة، سيستمر الفشل حليفاً لكثيرٍ من المشاريع والمؤسسات والأجهزة الحكومية والخاصة.
 
 ** ألا تزال عند رأيك أن "المدن الاقتصادية مجرد مشاريع ورقية"؟
وما الذي حدث حتى يتغير هذا الرأي؟ فحتى الآن لم تظهر للنور أي مدينة اقتصادية بالمعنى المعروف، وما زلنا نتغزل بمدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، وأتألم كثيراً لعجزنا المُزمِنْ لاستنساخ تجربة مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، وكأنَّه أصابنا العقم بجميع أنواعه.
 
بل إني أُصاب بالإحباط الشديد تجاه كيف استطاع المحافظ السابق للهيئة العامة للاستثمار عمرو الدباغ الضحك على شريحة كبيرة من المسؤولين والأجهزة الحكومية بشأن المدن الاقتصادية وأنَّ القطاع الخاص كفيلٌ بإنشائها من دون أي دعم حكومي، حتى إذا استيقظنا بعد ثماني سنوات من فرقعاته الإعلامية ومسرحيات بـ"الباوربوينت" لم نجد سوى مدن ورقية والتزامات على الحكومة، مع قائمة طويلة من أوجه الاستثمار الأجنبي الذي "نُباهي" به العالم من مطاعم فول وحمص ومطاعم المندي والمثلوثة ومقاولي العظم؟!
 
 ** لماذا اعتبرت سيارة "غزال" التي أطلقتها جامعة الملك سعود أكبر كذبة في السعودية؟
هذا سؤال المليون !! دعني أسألك: ماذا تسمي استيراد سيارة صنعت في أوروبا واستوردتها جامعة الملك سعود في صندوق لتعرضها على أكبر سلطة في الدولة، وهو الملك، ثم يفتخر مدير الجامعة، وبحضور وزير التعليم العالي قائلاً أمام الملك: "في عهدك الميمون صُنِّعت السيارة"؟! وماذا تسمي وقوف المدير السابق لجامعة الملك سعود أمام الإعلام المحلي والدولي مُعلناً استكمال جمع 500 مليون دولار هي كامل رأسمال شركة غزال لتقنية السيارات؟! وماذا تسمي إعلان رجل الأعمال محمد بن حسين العمودي أمام الإعلام المحلي والعالمي أنه دفع 1030 مليون ريال قيمة 55 % من رأسمال هذه الشركة؟! الآن، اجمع الأسئلة السابقة ثم اقرأ الحقيقة الرسمية الصارخة: "لم يتقدم أحد إلى وزارة التجارة لتسجيل شركة غزال للسيارات"؟!! لماذا يكذب المدير السابق لجامعة الملك سعود على الملك؟ ولماذا يكذب رجل أعمال أعطته الدولة ثمانية مليارات ريال "قرض حسن" للاستثمار الزراعي الخارجي قائلاً إنه دفع 1030 مليوناً قيمة 55 % من شركة غزال لتقنية السيارات؟ نحن نتكلم عن كذب بمليارات الريالات، وليس بآلاف الريالات، فأين هذه المليارات، وفي أي بنك هي؟ فإن كانت هذه المليارات موجودة في بنك محلي، فالبنك خالف الأنظمة والقوانين بفتح حساب لشركة لم يتم تسجيلها في وزارة التجارة ولم تحصل على سجل تجاري. أليست هذه أكبر كذبة تطلقها أكبر جامعة في المملكة؟! أنا أتحدث عن كذب على الملك. نعم أخي الكريم، سيارة غزال هي أكبر كذبة في التاريخ البيروقراطي السعودي المعاصر، وليس في جامعة الملك سعود فقط؛ ووزير التعليم العالي شريك مناصفة مع المدير السابق لجامعة الملك سعود في هذه الكذبة لكونه رئيس مجلس الجامعة، إضافة لحضوره حفل تقديم سيارة غزال للملك.
 
فمصيبة إن كان وزير التعليم العالي لا يعلم عن كذبة صناعة سيارة غزال وكذبة جمع الجامعة لكامل رأسمال شركة غزال لتقنية السيارات البالغ 500 مليون دولار، وإن كان يعلم فالمصيبة أعظم.
 
 ** مَن أفضل كاتب سعودي حالياً؟
سؤال صعب، لأنه لا يمكن وصف كاتب واحد بأنه الأفضل، وذلك بسبب اختلاف التخصص والمواضيع. ومن هذا المنطلق، فإنني أستمتع بكتابات الأستاذ محمد الرطيان، وهو من دون منازع فارس كتابة المقال القصير والجُملة "كاملة الدسم"، وأتابع دائماً مقالات الدكتور جاسر الحربش، والمقالات السياسية الرائعة للدكتور خالد الدخيل، وأطرب للكتابات القليلة واللاذعة للأستاذ جميل فارسي، ويعجبني التوثيق الأكاديمي في كتابات الدكتور حمزة المزيني.
 
 ** لو عُرض عليك منصب حكومي هل تقبل؟
 تُرى ما المنصب الذي لديك؟!!
 
 ** مما تخاف مستقبلاً؟
في المدى القصير، يُروِّعني حالة الانفلات التي تسود الشوارع والطرق في مدن وقرى المملكة، وما يُصاحبها من لا مبالاة من جميع شرائح المجتمع ــ مواطنين ووافدين ــ للنظام وأجهزته؛ وما صاحب ذلك من حوادث ومآسٍ مرورية وأمنية تجعلك تسأل نفسك: هل أنت في أغنى دولة نفطية في العالم، أم في دولة فقيرة بإفريقيا؟! أما في المدى الطويل، فما يخوِّفني ليس عدم استعدادنا، بل عدم تفكيرنا بفترة ما بعد النفط، والتي سيكون حينها سكان المملكة آنذاك أكثر من مائة مليون نسمة وذلك بعد نحو 60 سنة.
 
 ** ما القرار الذي ندمت عليه كثيراً؟
حالات الندم وقتيّة، ومرهونة بحدثٍ معين في موضوع بعينه؛ وبالتالي لا أذكر قراراً ندمت عليه واستمر الندم معي حتى الآن.
 
 ** ما أنجح مشروع حكومي؟
لقد كتبت ذات يوم بأنَّ التنمية الاقتصادية المُعاصرة في المملكة منذ اكتشاف النفط، لم تشهد سوى ومضتين أو فلاشين هما مشروع مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين ومستشفى الملك فيصل التخصصي.
 
ولا أدري ما الذي أصابنا بحيث لم نستطع تقليد أو استنساخ هذين المشروعين بعد مرور أكثر من أربعين سنة على هذين الفلاشين.
 
 ** سؤال أخير: متى يكون الجوع خيراً من الشبع؟
حينما لا تستطيع القيام بإحضار كأس ماء من الثلاجة؟!!
 

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..