الأحد، 18 مايو 2014

دقائق في قطار "الرويلي" السريع

الطفل اليتيم (حسين).. أحد الرجال المخلصين اليوم في هذا الوطن، يعمل خلف الكواليس بصمت ليحصل الناس على أبسط حقوقهم، من العناية الطبية.




نقلاً عن صحيفة مكة

في الحادية عشرة من عمره سافر (حسين) مع والده إلى مكة المكرمة لأداء فريضة العمره، وهما داخل الحرم المكيّ أصيب المعتمرون بالذهول حينما أرتفع صوت بكاء الطفل حسين، فردد المعتمرون "الله أكبر الله أكبر" قبل لحظاتٍ من صوت مؤذن الحرم الذي أعلن صلاة المغرب، فيما كانت تكبيرات المعتمرين تُعلن وفاة والد الطفل الذي أصيب بجلطةً في أطهر بقعةٍ على وجه الأرض.

كانت هذه الحادثة هي المحطة الأولى في قطار حياة (حسين الرويلي) الذي ولد عام 1968م، ونشأ على أطراف الحدود الشمالية بمحافظة طريف، حيث أضطر أن يعود من مكة وحيداً يجر أذيال الحزن على فراق والده الذي لم يستوعب حينها لماذا أتى به إلى مكة دون أخواته البنات الستة وأشقاءه الذكور السته، ثم غادر فجأة.

وصل حسين إلى مدينته الصغيره طريف ليرتمي في حضن أمه التي ستعول أربعة عشر نفساً براتب تقاعدي لا يتجاوز 1500 ريال، فأضطر أن يدرس حسين إلى أن غادر المدرسة في الصف الثاني الثانوي حتى يساعد والدته في إعالة إخوته، ورغم معارضة والدته التحق الصغير بوظيفة مؤقتة في مصلحة الجمارك براتب 1800 ريال، كان مضطراً من أجل الحصول عليها اعتلاء سيارات النقل الكبيرة المتوجهة إلى الأردن عبر الحدود من مدينته طريف إلى جمرك الحديثة إلى أن سمحت له الحياة بشراء سيارة نقل (وانيت قديمة) بأربعة ريال، وكانت بالكاد تصل به إلى مقر عمله من كثرة توقفها لإضافة زيت المحرك الذي كان يتسرب منها باستمرار.

بعد عامٍ من العمل تزوج حسين وهو في سن 17 عاماً ليعف نفسه، وإبان الغزو العراقي للكويت، طرحت الدولة وظائف عسكرية فالتحق بها وتخرج برتبة جندي براتب 4000 ريال، كانت انتقالة في حياته وحياة أسرته بعدما أصبح له أبناء.

لكن اتصالاً من أحد زملاء الماضي الذين تخرجوا في الجامعة، حرك مشاعر الحزن في داخله إلى أنه أخطأ في حق نفسه بترك الدراسه، وقرر أن أن يتقدم من جديد لثانوية القريات وبدأ الدراسة ليلاً. كان يستذكر دروسه على مقعده في العمل حيث كان يعمل في المستودعات، واستمر كذلك حتى أنهى الثانوية وبمعدل جيد جداً وهو ابن الـ 24 ربيعاً.
ثم أشار عليه قريب له بالتقدم لبعثة اليابان وكانت تدعمها الدولة وشركة الزيت العربية المحدودة في الخفجي، فذهب في آخر أيام التسجيل الذي حُددت له مقابلة في اليوم التالي وبعد الظهر عُلقت النتائج بقبول 4 طلاب للدراسة في اليابان كان اسمه بينهم. لكنه كان محاطاً بشعور الحزن؛ كيف يغادر ويترك والدته وأخواته وزوجته وأبناءه، فقالت له حينما أبلغها بالبعثه وبدون تفكير: (لا تتردد، والله يكون بعوننا وعونك).

في اليابان كان ترن في أذنيه دعوات أمه وزوجته، وكانت تطمينات زوجته على أبناءه تخفف عنه وحشة الغربة. كان يقتسم مع أهله مكافأة البعثة الشهرية رغم غلاء المعيشة في اليابان، وبعد 18 شهراً حصل على دبلوم اللغة اليابانية ثم ألتحق بجامعة (ساننو) لدراسة بكالوريوس الإدارة عام 1998 وتخرج فيها بتقدير جيد جداً، فدرس الماجستير في جامعة (أوبرين) وتخرج بامتياز. يقول حسين: "أستاذي في مرحلة الماجستير أهداني كتاباً من تأليفه وكتب عليه عبارة باليابانية تقول: (الماء القوي يشق جدوله بنفسه، والماء الضعيف يسير من خلال جداول أخرى) هذه العبارة شكلت لي نهجاً بعد التوكل على الله".

بهذا الفكر عاد حسين الرويلي عام 2000م "كالقطار الياباني السريع" إلى أرض الوطن ليعوّض والدته وأسرته كافة عن صبرهم، فالتحق بأحد البنوك السعودية لفترة قصيرة من الزمن ثم استقال ليلتحق بأحد المستشفيات الخاصة في الرياض، ونجح في وضع إدارة للجودة في الهيكل التنظيمي، ما أثر في عمل المستشفى، وبدأ "الماء القوي" يشق قناته بسرعة كما قال له أستاذه الياباني، فبعد 3 سنوات رُقِّي مديراً للشؤون المالية والإدارية بالإضافة إلى عمله مديراً لإدارة الجودة بنفس المستشفى، فذاع صيته وبما ظهرت نتائج نجاحاته في المستشفى، وبعدها بسنة تلقى إتصالاً من مكتب وزير الصحة آنذاك الدكتور حمد المانع يدعوه لمقابلته، وفي أثناء المقابلة عرض عليه تكليفه مديراً للشؤون الصحية بمحافظة بيشة، فقبل على الفور، ثم رُشح مديراً للشؤون الصحية بالأحساء ثم مديراً عاماً للضمان الصحي التعاوني بالوزارة وبعدها مديراً عاماً للشؤون الصحية بمنطقة الباحه.


مدير الشؤون الصحية في جنوب مملكتنا، الذي غادر مقاعد الدراسة ليساعد والدته وأسرته وهو شاب صغير، لم يمنعه طموحه وهو القادم من الأطراف الشماليه أن يكون له شأن عظيم وقصة نجاح يرويها أهالي بيشه والشرقيه والوسطى وكل من عرفه وتعامل معه، لأن له قلبٌ حي، استيقظ وهو جنديٌ يحرس المستودعات لينطلق في عالم الإدارة والجودة، يقول حسين الراوي الرويلي: "أنا مدين بالفضل بعد الله لوالدتي وزوجتي وأبنائي وأسرتي كافة، ولكل مسؤول منحني الثقة لأخدم وطني وأسخر طاقاتي في خدمة المرضى ليحصلوا على حقوقهم الطبيه التي سنسأل عنها أمام ملك الملوك".



راوي الرويلي (والد حسين) رحمه الله
حسين الرويلي حينما بدأ حياته العمليه
وهنا وهو جندي
قصاصة من خبر نشر للأبعة المبتعثين إلى اليابان
صورة لحسين وهو في اليابان

وهنا في حفل التخرج باليابان

هنا في مكتبه وهو يعمل في خدمة المواطنين

وهنا يتابع المرضى ورضاهم عن أداء العمل الطبي المقدم لهم، كما يفعل يومياً
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..