عشت
مثل ملايين المصريين الأجواء التي سبقت حرب 1967 .. لازلت أذكر اللافتات
التى انتشرت الشوارع وهي تحمل الشعارات الآتية : "سنشرب الشاى في تل أبيب "
" مرور العقبة بقطع الرقبة " .." سنلقى باسرائيل في البحر "
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
كنت
آنذاك طفلا أعيش مع أسرتي فى حي جاردن سيتي وفي العمارة المقابلة كانت
تعيش أسرة ايطالية مكونة من رجل وزوجته وثلاثة أطفال والجدة التى صارت مع
الايام صديقة لي نتحدث يوميا بالفرنسية عبر الشرفة ،
اندلعت
الحرب في يوم 5 يونيو وراحت وسائل الاعلام المصرية تذيع الأغاني الحماسية
وتوالت البيانات العسكرية التي تؤكد تفوقنا الكاسح على الجيش الاسرائيلي ،
ظللت واقفا في الشرفة أترجم البيانات أولا بأول لصديقتى الايطالية العجوز .
قلت
لها اننا أسقطنا 23 طائرة اسرئيلية ثم ارتفع العدد الى أربعة وخمسين
وعندما صدر بيان يؤكد اننا أسقطنا مائة طائرة اسرئيلية .. فوجئت بالسيدة
الايطالية تلوح بيدها معترضة وتقول :
ــ اسمع .. لقد حضرت الحرب العالمية الثانية . يستحيل أن تسقطوا هذا العدد من الطائرات الاسرائيلية .. ان حكومتكم تكذب
., أنهيت الحوار مع السيدة وأنا غاضب وتصادف وجود عم لي ولما حكيت له ماحدث قال :
ــ الأجانب لايريدون لنا الخير . انهم يؤيدون اسرئيل وهم غاضبون من النصر الكاسح الذى أحرزناه
لم أسترح لهذا المنطق فقد كنت أعرف ان السيدة الايطالية لطيفة جدا وانها تحب مصر والمصريين .
في
اليوم التالي عرفت ان الايطالية العجوز على حق عندما تبين اننا هزمنا
هزيمة منكرة غير مسبوقة في تاريخ مصر وتبين أيضا أن البيانات العسكرية كانت
مجموعة من الأكاذيب لم يحاسب من كتبها الى اليوم . صحيح أننا تمكنا من
عبور الهزيمة بعد حرب الاستنزاف وحرب 73 لكننى طالما تساءلت:
كان جمال عبد الناصر زعيما عظيما ورجلا عسكريا فكيف تسبب لمصر في هذه الهزيمة المنكرة ..؟!
الاجابة ان ما هزمنا هو الاستبداد . ما هزمنا هو عبادة الحاكم وتنزيهه عن العيوب . ما هزمنا أن أحدا لم يكن يجرؤ على الكلام .
كل
من اعترض على سياسات عبد الناصر كان يتهم بأنه خائن وعميل . مع القمع وكبت
الحريات حدث لعبد الناصر ما حدث للمستبدين جميعا اذ فقد القدرة على رؤية
أخطائه وأساء التقدير فوقعت الهزيمة .يقول أصدقائي الناصريون ان أمريكا
كانت تتآمر ضد نظام عبد الناصر ..هذا صحيح ولكن هل أمريكا التى جعلت عبد
الناصر يستبقى عبد الحكيم عامر في قيادة الجيش وهو يعلم
قدراته العسكرية المتواضعة ؟!.
هل
أمريكا التى جعلت المشير عامر ينتقل من غرام الى غرام حتى طغت مغامراته
العاطفية على اهتمامه بقيادة الجيش .؟. هل أمريكا التى جعلت الطائرات
المصرية رابضة مكشوفة على الأرض حتى
دمرها الطيران الاسرائيلي ..؟
ان
الحكم الاستبدادي مهما حقق من انجازات لابد أن ينتهى بكارثة كما حدث في
عام 67.. يعلمنا التاريخ ان السلطة عندما تحتكر الحقيقة والوطنية وتتهم من
يعارضها بالخيانة والعمالة فانها حتما ستقود البلاد الى كارثة .
نفس
الأجواء نعيشها الآن من جديد . كتبت في هذا المكان أدعو المصريين الى
النزول في 30 يونيو واعتبرت تدخل الجيش للاطاحة بعصابة الاخوان عملا وطنيا
عظيما وكنت ولازلت أعتبر أن المشير السيسي قام بعمل بطولي لما انحاز لارادة
الشعب لكننى لم أوافق على الطريقة التى أديرت مصر بها بعد 30
يونيو فقد عادت الدولة القمعية وتم القبض على عشرات الألوف من الناس
كثيرون منهم أبرياء لفقت لهم التهم المعدة سلفا وعاد التعذيب كما كان أيام
مبارك وربما أسوأ وصدر قانون للتظاهر غير دستوري لا مثيل له في العالم
يعاقب على الوقفات الاحتجاجية بالحبس سنوات عديدة .
ثم
تم عمل قانون انتخابات مخالف للدستور بشهادة مجلس الدولة مما يجعل
الانتخابات الرئاسية غير مطابقة للمعايير الديمقراطية حتى وان كانت غير
مزورة .
كتبت
ان حملة السيسي الرئاسية يديرها ضباط عاملون في الجيش مما يجعله مرشح
الجيش ويجعل الانتخابات غير ديمقراطية .كان
هذا رأيي وانتظرت أن يناقشني أحد فيه لكننى فوجئت بمجموعة من الشتامين
يتهموننى في الفضائيات بالعمالة والخيانة لمجرد اننى عبرت عن رأى لا يرضى
المشير السيسي .
الآن
في مصر لم يعد مسموحا الا بتمجيد المشير السيسي والتسبيح بحمده واعطاء
الدلائل على عبقريته . أما اذا جرؤت على نقد السيسي فسوف يخرج عليك
الشتامون في الفضائيات لكى يلعنوك ويشوهوا سمعتك ويتهموك بانك طابور خامس
وخائن وعميل للمخابرات أجنبية .. ان مناخ القمع وكبت الحريات يتزايد كل يوم
وبعد أن عانينا من تكفير الاخوان لمن يعارضهم صرنا نعاني من تخوين أنصار
السيسي لكل من يجرؤ على توجيه النقد له .
بعد ان تخلصنا من فاشية الاخوان الدينية يحاول بعض أنصار السيسي بناء فاشية جديدة تحتكر الحقيقة
والوطنية..منذ أيام خرج أنصار السيسي ليعلنوا في التليفزيون ان المقاطعين للانتخابات خونة وعملاء يريدون هدم الوطن .
من
حق أى مواطن أن يقاطع الانتخابات بغير أن نتهمه بالخيانة والعمالة ومن حق
أى مصري أن ينتقد تصرفات السيسي بغير أن نطعن فى وطنيته . بعض أنصار السيسي
يحاولون أن يصنعوا منه فرعونا جديدا ولو نجحوا في
ذلك فان مصر ستدفع ذات الثمن الباهظ الذى دفعته مع كل حاكم مستبد .منذ
أيام أبلغت جهة سيادية صاحب جريدة خاصة استياءها مما يكتبه صحفى شاب .
أراد صاحب الجريدة الاستغناء عن الصحفي الشاب تقربا للسلطة لكن رئيس
التحرير رفض ودافع عن الصحفي الشاب الذى استشعر الحرج فاستقال حرصا على كرامته .
قبل
ذلك ترك الكاتب المعروف بلال فضل جريدة الشروق بسبب مقالات كتبها في نقد
السيسى ومرت شهور فلم تتحمس جريدة اخرى لاستكتاب بلال فضل مع انه من ألمع
الكتاب المصريين وأكثرهم موهبة لكن أصحاب الصحف يخافون من غضب أنصار
السيسي
..
برنامج
باسم يوسف الذى يسخر من كبار المسئولين تم منعه اكثر من مرة وسعى أنصار
السيسي فمنعوه من قناة ام بي سي . الدول الديمقراطية
تحترم آراء المعارضين وتستمع اليهم وتدرك أن واجب المثقف
الحقيقي أن يقول ما يعتقده حتى لو أزعج رأيه الجمهور حتى ينبهه الى مخاطر
قد يراها المثقف قبل سواه ...
في
عام 1906 نشبت مشاجرة بين ضباط بريطانيين وبعض الفلاحين في قرية دنشواى
وأقيمت محاكمة ظالمة قضت باعدام أربعة فلاحين وحبس العشرات عندئذ اعترض
الكاتب البريطاني جورج برنادرشو على مذبحة دنشواى وكتب : «
" اذا كانت الإمبراطورية
البريطانية تريد أن تحكم العالم كما فعلت فى دنشواى.. فلن يكون على وجه
الأرض واجب سياسى مقدس وأكثر إلحاحا من تقويض هذه الإمبراطورية وقمعها
وإلحاق الهزيمة بها"».
لم
يتهم أحد الكاتب شو يومئذ بالخيانة أو بأنه يعادي جيش بلاده وانما استجابت
الحكومة البريطانية الى نقده القاسي لها وعزلت اللورد كرومر المعتمد
البريطاني في مصر آنذاك.. .. في الستينيات وقف الكاتب الفرنسي جون بول
سارتر ضد الرأى العام في فرنسا وطالب باعطاء الجزائريين حق تقرير المصير
فلم يتهمه أحد بأنه يتآمر ضد بلاده .
عندما شن جورج بوش الحرب على العراق وقف المخرج الأمريكي مايكل مور ليقول أمام العالم كله :
" ان بوش يجرنا الى حرب لأسباب وهمية من أجل البترول . عار عليك يا مستر بوش . "
لم
يتهم أحد مايكل مور بالخيانة . ان الدول الديمقراطية تحترم من يخالفها في
الرأى بينما في حكم الاستبداد يتم تحقير المعارضين والتنكيل بهم لذلك
تتقدم الدول الغربية باستمرار بينما نواصل نحن انحدارنا نحو الحضيض .هذا
المناخ القمعى الذى ينتشر في مصر قد انتقل ايضا الى تعاملنا مع العالم .
هناك عشرات الألوف من المعتقلين في السجون فاذا تحدث عنهم صحفى أجنبي سارع
الاعلام المصري
باتهامه بأنه عميل اسرائيلي او مأجور قابض من الاخوان .
استدعت
الحكومة المصرية بعثة من الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات الرئاسية
وكانت الحكومة تأمل أن يجيء تقرير البعثة ليؤكد ان كل شيء عظيم ولعل
المسئولين المصريين توقعوا أن يرقص اعضاء البعثة الأوروبية على نغمات أغنية
"بشرة خير".
المراقبون
الاوربيون استجابوا لضمائرهم وكتبوا تقريرا متوازنا سجل الايجابيات
والسلبيات وأكد ان هذه الانتخابات تتم وفقا لقانون مخالف للدستور وأن هناك
جوا قمعيا في مصر بسبب قانون التظاهر الذى يعاقب المتظاهرين السلميين
بالحبس سنوات ..
هنا
قامت الدنيا ولم تقعد وتوالت الاتهامات لاعضاء البعثة بانهم موالون
للاخوان ومعادون لمصر وينفذون مخططا امريكيا شريرا الى آخر هذه السخافات
وفي مشهد مؤسف قامت الدكتورة ميرفت التلاوي بطرد رئيسة البعثة من ندوة عن
المرأة وسط تصفيق الحاضرين الذين راحوا يصيحون الله أكبر وكأنهم يخوضون
حربا مقدسة ضد السيدة الأجنبية التى هي في النهاية ضيفة على مصر لايليق
أبدا أن نعاملها بهذه الطريقة . ..
هل
ندعو أعضاء البعثات الدولية ليراقبوا الانتخابات واذا لم تعجبنا تقاريرهم
نلعنهم ونطردهم من الندوات.؟!. هل هذا السلوك يفيد صورة مصر أمام العالم
..؟. في وسط كل هذا القمع أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قانونا يعاقب
بالحبس والغرامة من لا يحترم العلم والسلام الجمهوري ..؟ هل يحتاج المصريون
الى قانون لكى يحبوا بلادهم وهل
يحب الانسان بلاده خوفا من الغرامة ؟!.
ان
احترام العلم والسلام الجمهوري شيء عظيم لكن الاهم احترام المواطن. كما
يعاقب الرئيس المؤقت من لايقف لتحية العلم لماذا لايعاقب من يعتقل المصريين
ويعذبهم ويهين آدميتهم
في السجون كما تؤكد عشرات التقارير الموثقة . ..
ان
المشير عبد الفتاح السيسي يتولى الآن رئاسة مصر رسميا ومهما كان رأينا
فيما حدث أثناء المرحلة الانتقالية فان واجبنا أن نطوى خلافاتنا جميعا و
نصطف حول الرئيس الجديد لنساعده على النجاح في منصبه .
أهم
مساعدة نقدمها للرئيس السيسي أن نواجهه بالنقد الصريح الصادق مهما يكن
قاسيا . يجب على الرئيس السيسي أن يتخلص من الجوقة العجيبة التى تشكلت حوله
: طبالون وزمارون وعملاء للأمن وآكلون على كل الموائد وفلول نظام مبارك من
كبار اللصوص . .
يجب
عليه الغاء قانون التظاهر والافراج فورا عن المعتقلين الذين لم يرتكبوا
جرائم لأن نجاحه كرئيس مرتبط بتوفيره لمناخ من الحريات الحقيقية واحترامه
لكل من يختلف معه في الرأى .عندئذ فقط يبدأ المستقبل في مصر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..