الأربعاء، 21 يناير 2015

قصة أبيات : وما أنا إلا من غزية إن غوت !

قصة وقصيدة

نـصـحـت لـعــارض وأصـحــاب عــــارض ورهـط بنـي السـوداء والـقـوم شـهـدي
فـقـلـت لـهــم ظــــوا بـألـفــي مــدجــج سـراتـهــم فــــي الـفــارســي الـمــســرد
فلمـا عصونـي كنـت منهـم وقــد أرىغـوايـتـهــم وأنـــنـــي غـــيـــر  مــهــتــد
أمـرتــهــم أمـــــري بـمـنـعــرج  الــلـــوىفلم يستبينوا الرشـد إلا ضحـى الغـد
وهـــل أنـــا إلا مـــن غـزيــة إن  غــــوت                     غـويــت وإن تــرشــد غــزيــة ارشــــد
دعـانـي أخــي والخـيـل بيـنـي وبـيـنـه فلـمـا دعـانــي لـــم يـجـدنـي  بـقـعـدد
تـنـادوا فقـالـوا: أردت الـخـيـل فـارســافـقـلـت: أعـبــد الله ذلـكــم الــــردي
فـجــئــت إلــيـــه والــرمـــاح  تــنــوشــه كوقع الصياصي في النسيج الممدد
فكنـت كـذات البـو ريعـت فأقبـلـت إلـى قـطـع فــي مـسـك سـقـب مـقـدد
فطاعنـت عنـه الخيـل حتـى تـبـددت                    وحتـى عـلانـي حـالـك الـلـون أســود
قـتــال أمــــري آســــى أخــــاه بـنـفـسـه ويـعــلــم أن الـــمـــرء غـــيـــر مــخــلــد

إلى أن قال بعد أبيات كثيرة:

وطـيـب نفـسـي أنـنـي لــم أقــل لـــه                  كذبت ولم أبخل بما ملكت يدي
وهـــو وجـــدي أن مــــا هــــو فــــارط أمـامـي وأنــي هـامـة الـيـوم أو غـــد


قال صاحب الأغاني: كان السبب في مقتل عبد الله بن الصمة أنه كان غزا غطفان، ومعه بنو جشم، وبنو نصر أبناء معاوية، فظفر بهم، وساق أموالهم في يوم يقال له: يوم اللوى، ومضى بها.
فلما كان منهم غير بعيد، قالوا: انزلوا بنا. فقال له أخوه دريد: نشدتك الله أن لا تنزل، فإن غطفان ليست بغافلة عن أموالها. فأقسم لا يذهب حتى يأخذ مرباعه، وينتقع نقيعة فيأكل ويطعم.
والنقيعة: ناقة ينجرها من وسط الإبل، ثم يقسم بعد ذلك ما أصاب على أصحابه.
فأقام وعصى أخاه دريدا، فبينما هم كذلك إذا سطعت الدواخن، إذا بغبار فقد ارتفع أشد من دخانهم، وإذا عبس وفزارة وأشجع قد أقبلت، فتلاحقوا بالمنعرج من رملة اللوى، فاقتتلوا فقتل رجل من بني قارب، وهم من بني عبس، عبد الله بن الصمة، فتنادوا: قتل عبد الله: فعطف دريد فذب عنه، فلم يغن شيئا، وجرح دريد فسقط، فكفوا عنه وهم يرون أنه قد قتل.
واستنقذوا المال ونجا من هرب، فمر الزهدمان، وهما من عبس: زهدم وقيس: ابنا حزن بن وهب بن رواحة.
قال دريد: فسمعت زهدما العبسي يقول لكردم الفزاري: إنني أحسب دريدا حيا فانزل فأجهز عليه. قال: قد مات.
قال: انظر إلى سبتة هل ترمز ؟ فشددت من حتارها. قال: فنظر، فقال: قد مات. فولى عنه، ومال بالزج إلى سبتة فطعنه فيها، فسال دم كان قد احتقن في جوفه.
قال دريد: فعرفت الخفة حينئذ، حتى إذا كان الليل مشيت وأنا ضعيف قد نزفني الدم حتى ما أكاد أبصر، فمرت بي جماعة تسير، فدخلت فيهم، فوقعت بين عرقوبي بعير ظعينة، فنفر البعير، فنادت: أعوذ بالله منك ! فأنتسب إليها، فأعلمت الحي بمكاني، فغسل عني الدم، وزودت زادا وسقاء فنجوت.
ورثاه بهذه القصيدة، ثم حج كردم بعد ذلك في نفر من بني عبس، فلما قاربوا ديار دريد تنكروا خوفا، ومر بهم دريد فأنكرهم، ثم عرف كردما فعانقه، وأهدى له فرسا وسلاحا، وقال له: هذا ما فعلت بي يوم اللوى. انتهى.
وقوله: نصحت لعارض ... إلخ، عارض: قوم من بني جشم، كان دريد نهاهم عن النزول حيث نزلوا فعصوه، ورهط بني السوداء فيهم. والقوم شهدي، أي: حاضرين مقامي، أو شهودي أني قد نهيتهم.

--------------------------------------------------------------------------------

وقوله: فقلت لهم ظنوا ... إلخ، استشهد به صاحب الكشاف عند قوله تعالى: " وإني لأظنه كاذبا " على أن الظن بمعنى اليقين.
وأنشد الزجاجي أيضا في باب من مسائل إن الخفيفة من الجمل. قال اللخمي: ظنوا هنا معناه أيقنوا، وهو من الأضداد، يكون شكا ويكون يقينا.
وقال الطبرسي في شرح الحماسة: المعنى أيقنوا أن سيأتيكم ألفا فارس مقنعين في الحديد. ويجوز أن يكون معناه ظنوا كل ظن قبيح بهم.
قال الإمام عبد القاهر: يشبه أن تكون الباء هنا مثلها في قوله: ظننت بهم خيرا، وما ظن به أنه يفعل كذا، ثم يكون قد حذف من الكلام شيء، كأنه قال: ظنوا بألفي مدجج هذه صفتهم ما يكون من أمرهم، وأمركم معهم إذا هم أتوكم. ويكون من باب التعليق كقولك: ظن بزيد أي شيء يصنع، إذا قلت له كذا وكذا ؟ انتهى.
والمدجج، بفتح الجيم وكسرها: الكامل السلاح، وقيل: لابس السلاح، وإن لم يكمل. وقيل بالكسر للفارس، وبالفتح: الفرس، وإنهم كانوا يدرعون الخيل.
وسراتهم، بالفتح: أشرافهم، مبتدأ، وبالفارسي خبره، والباء بمعنى في. والدرع الفارسي يصنع بفارس. والمسرد: المحكم النسج، وقيل: هو الدقيق الثقب.
وقوله: فلما عصوني ... إلخ، الغواية بالفتح، يقول: لما أصروا على ما كانوا عليه تبعت رأيهم، وأنا أرى عدولهم عن الصواب، وأنني غير مصيب مثلهم.
وقوله: أمرتهم أمري يجوز أن يريد به المأمور به، والأصل: أمرتهم بأمري، فحذف الباء.
ويجوز أن يكون مصدر أمرت، وجاء به لتوكيد لفعل، ومنعرج اللوى، بفتح الراء: منعطفة. واللوى: موضع الوقعة.
ولم يستبينوا، أي: لم يتبينوا الرشد في الحال، حتى جاء الوقت المقدر له.
وذكر الغد يكثر فيما يتراخى من عواقب الأمور، والمعنى في المستأنف من الوقت. وهذا زاد عليه ضحى لأنه من النهار أضوأ، فكأن المعنى: لم يتبين لهم ما دعوتهم إليه إلا في الوقت الذي لا لبس فيه.
وقد تمثل بهذا البيت أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، بعد ما ظهر من أمر الخوارج ما ظهر من التحكيم في قوله: " وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، ونخلت لكم مخزون رأيي، لو كان يطاع لقصير أمر، فأبيتم على إباء المخالفين الجفاة، والمنابذين العصاة، حتى ارتاب الناصح بنصحه، وضن الزند بقدحه، فكنت وإياكم كما قال أخو هوزان: أمرتهم أمري ....... البيت.
وقوله: وهل أنا إلا من غزية، أي: ما أنا إلا من غزية في حالة الغي والرشاد، فإن عدلوا عن الصواب عدلت معهم، وإن اقتحموا اقتحمت معهم. وغزية بفتح الغين وكسر الزاي المعجمتين: رهط دريد.
وقال أبو تمام في مختار أشعار القبائل: غزية: جد دريد. يقول: أنا تابع لقومي، على رشد كانوا أم غي.
قال صاحب الصحاح: الغي: الضلال. والخيبة أيضا. وقد غوى بالفتح يغوي بالكسر غيا وغواية. وأنشد البيت. والرشد جاء فعله من باب فرح، ومن باب نصر.
وقوله: دعاني أخي ... إلخ، لم يروه أبو تمام. واستشهد به ابن الناظم وغيره في دخول الباء الزائدة في المفعول الثاني لوجد. والقعدد بضم القاف والدال، ويجوز فتح الدال أيضا.
قال ابن سيده في المحكم: هو الجبان اللئيم القاعد عن الحرب والمكارم. قال صاحب الصحاح: ورجل قعدد وقعدد، إذا كان قريب الآباء إلى الجد الأكبر. ويمدح به من وجه، لأن الولاء للكبر، ويذم من وجه، لأنه من أولاد الهرمي، وينسب إلى الضعف. وأنشد البيت.
وقوله: تنادوا فقالوا ... إلخ، يريد: بالخيل الفرسان. يقول: نادى بعضهم بعضا: اهلك الفرسان فارسا ! فقلت: أعبد الله ذلكم الهالك ؟ وإنما دعاه إلى هذا القول أمران: أحدهما: سوء ظن الشقيق، والآخر: أنه علم إقدامه في الحرب.
وقوله: فجئت إليه، أي: لأقيه بنفسي، فلحقته والرماح تنوشه، أي: تناوله.
والصياصي: جمع صيصية، وهي شوكة الحائك في نسجه الممدود، إذا أراد تمييز طاقات السدي بعضها من بعض، وسميت بذلك تشبيها بصيصية الديك، وهي دابرته في ساقه، وبصيصية الثور، وهو قرنه.
وأما قوله تعالى: " من صياصيهم " فمعناه: من حصونهم وقلاعهم وقوله: فكنت كذات البو ... إلخ، قال أبو تمام في مختار أشعار القبائل: ذات البو: ناقة.
وريعت: أفزعت، والمسك، بالفتح: الجلد. والبو: جلد الحوار يحشى بالتبن، فإذا لم تدر الناقة ألقوه إليها فدرت. انتهى .

--------------------------------------------------------------------------------

يقول: فكنت كناقة لها ولد، فأفزعت فيه لما تباعدت عنه في مرعاها، فأقبلت نحوه فإذا هو جلد مقطع كأنه انتهى إلى أخيه وقد فرغ من قلته وقدد، أي: قطع. والسقب بالفتح: الذكر من أولاد الإبل.
وقوله: فطاعنت عنه الخيل ... إلخ، أي: دفعت الفرسان عنه حتى تكشفوا، وإلى أن جرحت فسال الدم علي. وقوله: " حالك اللون أسود فيه إقواء، وهو من عيوب القوافي.
وقوله: قتال امرئ ... إلخ، يقول: قاتلت عنه قتال رجل جعل نفسه أسوة أخيه، أي: مثله فيما نابه من خير أو شر، وعلم أنه سيموت، فاختار مواساة أخيه ليسلما معا، أو يموتا معا.
وقوله: وطيب نفسي ... إلخ، أي: طيب نفسي كوني لك أخالفه في شيء رآه ولا قبحت عليه ما أتاه، ولم أبخل عليه بشيء من مالي، أي: أعظمته في القول، عند مخاطبته، وفي الفعل عند معاملته، فأشار إلى القول بقوله: لم أقل له كذبت، وإلى الفعل بقوله: ولم أبخل ... إلخ.
وقوله: وهون وجدي ... إلخ، الوجد: الحزن. والفارط: الذي يتقدم الواردين فيهيئ الدلاء والحوض، ويستقي بالماء. أي: هون وجدي علي بأن لحاقي به قريب، كما يقرب لحاق الواردين بالفارط. والهامة هنا: الذاهب، من هام على وجهه يهيم هيما، إذا ذهب من العشق أو غيره.

مقتطف من كتاب خزانة الأدب لعبدالقادر البغدادي


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..