َومَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
للشاعر العربي دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ أبيات يرثي فيها أخاه عبد الله، تبين عن تقاليد عربية ممدوح شرعا والآخر ممنوع، ومن الأبيات التي سادت بعض القبائل العربية إبان الإسلام: العصبية للقبيلة وإن خالفت الحق! وفي ذلك يقول دريد:
أمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى ******* فلَمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إلا ضُحَى الغَدِ
فلمَّا عَصَوْني كنْتُ منهُمْ وقد أرَى ******* غِوَايَتَهُمْ وأنَّني غيرُ مُهتَدِ
ومَا أنَا إلا من غَزِيَّةَ إنْ غوَتْ ******* غوَيْتُ وإنْ تَرشُدْ غزَّيَةُ أَرْشُدِ
فالشاعر يجسد مصدر فخاره وفي القلب من فخره: ذوبان رأيه في جماعته وإن خالف الحق واقتفى أثر الضلال، فأضحى معيار الأخلاق ما قامت به القبيلة وانتهي الرأي إليه، فجاء الإسلام وحذر من هذا المسلك الذي يقضى على التفكير والإبداع وينمي ظاهرة التقليد والتبعية، فروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن أساءوا أسأنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسنوا أن تحسنوا وإن أساءوا أن لا تظلموا" ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: "لا يتبعن أحدكم دينه رجلاً، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر". والإمعة كما قال أهل اللغة: هو الرجل الذي يكون لضعف رأيه مع كل أحد، المهم ألا يستقل برأي وألا يخالف من فوقه وإن اعتقد بطلان مذهبه.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكميل بن زياد النخعي:"يا كميل إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير والناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق... أفٍ لحامل حق لا بصيرة له ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة لا يدري أين الحق، إن قال أخطأ وإن أخطأ لم يدر، مشغوف بما لا يدري حقيقته فهو فتنة لمن افتتن به وإن الخير كله من عرفه الله دينه وكفى بالمرء جهلاً أن لا يعرف دينه))
وعن الإمام أحمد رحمه الله قال: ليوطنن المرء نفسه على أنه إن كفر من في الأرض جميعاً لم يكفر ولا يكونن أحدكم إمعة))، قيل: وما الإمعة؟، قال: ((الذي يقول: أنا مع الناس، إنه لا أُسوة في الشر" وفي رواية أخرى: ((إِنَما أَنَا مَعَ النَّاسِ إِنِ اهْتَدَوا اهْتَدَيْتُ، وَإنْ ضَلُّوا ضَلَلْتُ، أَلا لَيُوَطِّنُ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ عَلَى إِنْ كَفَرَ النَّاسُ أَلا يَكْفُرَ"
لابد للمرء من عقل يهتدي به في ضوء نص يحتمى به، فلا العقل المجرد يحمي صاحبه، ولا الذوبان مع الغير على الحق والباطل هو العاصم، وقد أحسن من قال:
شمر وكن في أمور الدين مجتهداً **** ولا تكن مثل عير قيد فانقادا
المصدر
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..