الجمعة، 2 يناير 2015

ذنون الطائي يؤرخ للمهن والحرف الموصلية القديمة

لا بد من التفرقة بين مفهوم المهنة والحرفة، فالمهنة تعتمد على البيع والشراء، أما الحرفة فتعتمد على
الصنعة واكتساب المهارات والدقة.
ميدل ايست أونلاين
عرض: د. محمد نزار الدباغ
First Published: 2015-01-02

أبرز المهن والحرف القديمة
زخرت مدينة الموصل في الماضي القريب بوجود العديد من الأسواق التي كان لها دور مميز في النشاط التجاري والصناعي للمدينة كسوق السرجخانة وباب الطوب وباب السراي وغيرها الكثير، ويلاحظ أن أسواق المدينة قد اتسم بعضها بوجود سوق متخصصة بحرف ومهن بعينها تميزت بها مدينة الموصل وأصبح يشار إليها بالبنان.
ومن هذا المنطلق يبرز لدينا إصدار جديد مميز في هذا الباب عالج كل ما يتعلق بالنشاط الحرفي والمهني في مدينة الموصل وغطّى مساحة زمنية تجاوزت قرناً من الزمن وأكثر، ألا وهو كتاب "مهن وحرف موصلية قديمة" للمؤرخ الأستاذ الدكتور ذنون الطائي، وهو مما صدر حديثا في سنة 2014 عن دار ابن الأثير للطباعة والنشر/جامعة الموصل ويقع الكتاب في 208 صفحة من القطع الكبير.
وبدءاً لا بد من أن نفرق بين مفهوم المهنة والحرفة، فالمهنة تعتمد على البيع والشراء ولا تحتاج الى الكثير من الصنعة، أما الحرفة فتعتمد على الصنعة واكتساب المهارات والدقة في إنجاز الأعمال اليدوية وإعمال الفكر فيها وغالباً ما تكون متوارثة.
ومما جاء في مقدمة المُؤلف أن الموصل من الحواضر العربية الموغلة في القِدم بمقاييس عطائها الحضاري وإسهاماتها التاريخية على امتداد تاريخها الطويل، وكان لموقعها الجغرافي المهم الذي وصل بين الجزيرة العربية وبلاد الشام وتركيا والخليج العربي اثر في نمو اقتصادها عبر المراحل التاريخية وأثره على تطور الصناعات والحرف فيها، وتطور وسائل الاحتكاك التجاري مع الأُمم المجاورة واكتساب خبرات حرفية وصناعية عدة اثر في بنية الصناعات والحرف المحلية في مدينة الموصل.
وكانت صناعات الموصل وحرفها تلبي الاحتياجات المحلية. وتساهم في التبادل التجاري منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، فظهرت فيها صناعات شتى منزلية وغذائية ومهنية ولبت متطلبات الحياة اليومية، غير أنه مع التطور التكنولوجي بصفة عامة، اختفت العديد من المهن والحرف وحلت محلها مهن وحرف أخرى تقوم على المكننة الكهربائية وبأساليب أسهل إنتاجا وأجود من حيث النوع.
وسعى المؤلف في هذه الدراسة الى ذكر (بعض) المهن والحرف (غير الحكومية) ممن لم يعد لها وجود أو التي في طريقها الى الانحسار والزوال في خضم التطورات التكنولوجية التي شهدتها المهن والحرف عموماً.
حيث حاول المُؤلِف أن يذكر أبرز المهن والحرف القديمة في مدينة الموصل، ومن الأهمية الإشارة الى أن المدون لا يمثل كل المهن والحرف المعروفة في مدينة الموصل؛ بل هناك الكثير الكثير مما يحتاج الى البحث والتحري والتفتيش والتدوين عنه؛ وعليه فقد سعى د. الطائي الى الإسهاب في بعض المهن والحرف والإيجاز حول البعض الآخر مستندا على ما اكتنزته ذاكرته ومشاهداته اليومية وما سطر في أوراقه الخاصة، مشيداً بكل الذين كتبوا عن هذا الموروث والإشارة لهم في الهوامش في إطار الحفاظ على الموروث الموصلي القديم.
وجاء ذكر المهن والحرف في الكتاب مرتباً على الحروف الأبجدية وأحيانا يكتب اسم المهنة أو الحرفة كما يلفظ في اللهجة الموصلية، إذ ضم الكتاب 224 مهنة وحرفة نقتطف بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر كالاباريقي وأبوالعتيق والارضحالجي (كاتب العرائض)، وبائع الجرزات، وبائع الْسعْد وبائع الطرشي وبائع الفرارات وبائع النامليت (مشروب صيفي منعش)، والبغضعجية، والمُجَلِد (مجلد الكتب)، والتوتونجي وجراش البرغل والجقماقجي والحائك، وحداد السكاكين والحصيرجي والحلواني والدباغ والرواجي والسراج والسقا والسواس والشكرجي والصائغ والصواف وصياد السمك والعبايجي والطحان والعطار وغسالات الصوف والقطانين والقهوجي والكبابجي والكلاك والمسدي ومصلح الفرفوري والمطهرجي والنجار والنحاس والوتار واليوزبكي.
واعتمد المؤلف على جملة من المصادر التي وثق بها هذا السِفر الجليل والتي ناهزت ثلاثة وأربعين مصدراً بين مخطوط وكتاب ودورية علمية ومجلة ثقافية وصحيفة وأوراق عمل مقدمة الى ندوات علمية وأدلة، فمنها المخطوطات وتضم أوراق المؤلف الخاصة مما دونه قديما عن هذه المهن والحرف ومن الكتب كتاب للمؤلف بعنوان "أبحاث موصلية في تاريخ الموصل المعاصر" وكتاب آخر له بعنوان "الاتجاهات الإصلاحية في الموصل في أواخر العهد العثماني حتى تأسيس الحكم الوطني"، وكتاب للأستاذ الدكتور دريد عبدالقادر نوري بعنوان "حكايات وطرائف موصلية قديمة"، فضلاً عن كتاب "مدينة الموصل إضاءات تراثية وثقافية" للأستاذ عبدالوهاب النعيمي وكتاب "صفحات من تاريخ ريف الموصل" للأستاذ بلاوي فتحي حمودي الحمدوني.




أما الدوريات فنجد مثالها في مجلة دراسات موصلية في بحث حمل عنوان "الاكلاك في الموصل ..." وهو لعامر بلو إسماعيل، ومن المجلات الثقافية نجد مجلة "موصليات" والتي نجد فيها مجموعة مقالات سأذكرها إيجازا وباختصار فمنها "صناعة التبوغ المحلية والأجنبية" لعماد الربيعي، و"مهنة الدباغة في الموصل" للدكتور محمد نزار الدباغ، و"التنظيمات الحرفية في الموصل" للدكتورة عروبة جميل، ومقال د. ميسون العبايجي عن "مهنة العبايجي في الموصل..." و"الطب الشعبي في الموصل" لطلال صفاوي و"خان القطانين في الموصل" د. ليث محمد الطعان، و"المزارع – الدوامة" لمثري العاني ومقال محمد توفيق الفخري عن "كلافات الشلب...".
ونجد في مجلة التراث الشعبي مقالات سعيد الديوه جي عن "السقا في الموصل..." وعن "صناعات النساء في الموصل"، وفرقد علي الجميل عن "المؤونة وأدواتها في الموصل" ومقال حسن خير الدين العمري عن "الكُتاب – الملا".
وعن الصحف والجرائد نذكر مقال "الجنكرجي" في صحيفة فتى العراق لأزهر العبيدي، وعن "الحياة الاجتماعية للحلاق الموصلي وواجباته" لعبدالجبار محمد جرجيس في جريدة عراقيون، و"المداغات" لعماد غانم الربيعي المنشور في جريدة نينوى الثقافية.
ومن أوراق العمل المقدمة للندوات نذكر "مهنة الترخيم التراثية في الموصل" المقدمة لندوة المهن والحرف الشعبية القديمة في الموصل التي عقدها مركز دراسات الموصل، ومن الأدلة، دليل مركز دراسات الموصل / جامعة الموصل.
وتبرز أهمية الكتاب في أنه عالج وبشكل جلي التفاصيل الدقيقة لكل مهنة وحرفة ظهرت في الموصل مما وقع بين يديه وتوفر له من مادة علمية في ثنايا المصادر والمراجع والدراسات الأكاديمية والتراثية من بيان اصولها التاريخية، واصل تسميتها، وصفات المهنة والحرفة ومن يعمل فيها، والتوزيع الجغرافي للمهن الحرف في الموصل وفي أي مناطق ظهرت وأين توزعت، مع أهمية توفر المادة الاولية لأصحاب المهن والحرف والتي أدت الى رواج بعضها واضمحلال أخرى، مع أهمية الإشارة الى أن هناك بعض المهن والحرف تبرز ويزداد نشاطها في أوقات معينة من السنة تبعاً لفصولها، فصناعة الكريمة مثلاً كانت تزدهر في فصل الصيف، على أن بائع الباقلي (الباقلاء) ينشط عمله في فصل الشتاء، وهناك نوع من العباءات تسمى العباءة البهاري تلبس في فصل الربيع أو الخريف.
وتبرز أهمية الكتاب أيضا في انه قد ركز على أهم البيوتات والأُسر والشخصيات الموصلية التي برزت على صعيد كل حرفة ومهنة وهي عديدة ؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن مهنة الروّاس أو ما يسمى ب(الباجه جي) قد برز فيها شخص يدعى ب(أتى الباجه جي) وغيره ،والتي يقوم ممتهنها بعمل الباجه والتي تعد من اشهر الأكلات الموصلية الشعبية.
ومن خلال ما تقدم فإننا نجد أن كتاب "مهن وحرف موصلية قديمة" للأستاذ الدكتور ذنون الطائي يعد عملاً جديداً في بابه، على الصعيد الأكاديمي والثقافي والتراثي، مرتباً في تبويبه وتنسيقه على الصعيد العلمي، معززاً بالمصادر والمراجع وموثقاً بالسنوات على الصعيد التاريخي، ذلك أن جل ما كتب عن المهن والحرف في الموصل هو عبارة عن بحوث ومقالات منشورة في دوريات ومجلات عالجت مهناً بعينها، فجاء هذا الكتاب جامعاً لمعظم المهن والحرف التي عُرفت واشتَهرت بها مدينة الموصل.
ومما يجب ذكره أن المُؤَلِف من مواليد مدينة الموصل، وهو أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة الموصل، وله 11 كتاباً مطبوعاً، وبأكثر من طبعة لبعض الكتب، ومن مؤلفاته المطبوعة نذكر كتاب "رواد الحركة الفكرية في الموصل"، و"الأوضاع الإدارية في الموصل خلال العهد الملكي" وكتاب "مدارس الموصل ومعلموها" وكتاب "التحفة اللامعة من مؤرخي الجامعة". فضلاً عن عدد كبير من البحوث والتي تناهز 50 بحثاً منشوراً في مجلات علمية محكمة.


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..