الثلاثاء، 17 مارس 2015

نحو تقييم مشروع "الابتعاث" وترشيده

 الابتعاث" مشروع وطني كبير، ميّز مرحلة الملك عبدالله يرحمه الله، والوطن وتنميته بحاجة ماسة له، ولا يجوز ايقافه بأي حال من الأحوال.
صدّرت مقالتي بهذه االمقدمة؛ لأقطع الطريق على أولئك الذين ينبشون بين السطور بأعين سملها التصيّد والهوى، ونفوس امتلأت فجورا في الخصومة والاحتراب الأيدولوجي، ليلطموا في الغد ويتباكون، ويصموننا بأننا ضد النهضة والتقدم، وأشهروا كروتهم الصفراء -المهترئة من كثرة استخدامها- التي حبروها بأننا رجعيون ومتخلفون وقوى ظلام ضد التنوير والتنمية، لمجرد إبداء بعض الرأي في هذا المشروع، وقد فعلوا..
لسنوات خلت، لم نك نجرؤ على الاقتراب والمطالبة بتقييم مشروع الابتعاث بسبب هذا العسكر من الليبراليين الأدعياء، الذين لو التزموا ما يصمون به أنفسهم، لكانوا أول الناس حبورا بالمطالبة التي نقول بها، بأن أي مشروع يحتاج إلى إعادة تقييم من قبل لجنة علمية محايدة، يروا نقاطها الايجابية ويؤكدوا عليها، ويلفتوا نظر ولاة الأمر للسلبيات التي رافقت المشروع، كي نتفاداها ونجد لها البدائل.
يخبرنا بعض المبتعثين للدراسات العليا، عن أهوال يرونها من قبل بعض شبابنا وفتياتنا -صغار السن- في تلك الديار، والأماكن المؤسفة التي يغشونها، وليس فقط في المجال الأخلاقي، بل البعض التاث فكريا ودينيا، بل وحتى سياسيا، والسبب بأنهم ابتعثوا في مراحل عمرية مبكرة، لم تنضج لتكون مؤهلة على تحمل المسؤولية، ويؤلمك حال بعض فتياتنا هناك،
وجابهني أخي الأكبر د. علي الخبتي بسؤاله الاستنكاري: هل أنت أحرص من أهلهن عليهن؟، وأنا أجيبه: المجتمع والوطن، وهو وأنا، أحرص بالتأكيد من ولي أمر رمى بناته هناك دون متابعة، ولو كانت ابنتي أو ابنته هي من غشت تلك الأماكن لما رضينا أبدا، ولاحترقت أكبادنا ألما، ولو كانت ابنتي أو ابنته هي من تحدت وتزوجت الغربي غير المسلم دون إرادة والديها، لما فهنا بتلك الردود، والأدهي أنها لو ذهبت على حساب والدها الخاص، لخفّ الأمر قليلا، رغم أنه مَصاب وحَدث، ولكن ذهبت بأموال الدولة على حساب فقراء في الأطراف لم يجدوا سكنا، أو مرضى لم يجدوا أسرّة في مستشفى مكتظ هناك، بله عن مناطق عدمت فيها المستشفيات بسبب الميزانية.
هل أنا بسطوري الآنفة أدعو لعدم ابتعاث بناتنا وأخواتنا بما استوفز أولئك النفر الآن. قطعا لا، بل ثمة مبتعثين ومبتعثات نقف لهم احتراما وتقديرا، وقد رفعوا رؤوسنا عالية، ونفخر بهم والله، بيد أنني ألفت إلى سلبية كبيرة، وثلمة واسعة رافقت المشروع، وينبغي إعادة تقييم الذين يبتعثون، والأعمار التي ينبغي أن تذهب لتدرس هناك على حساب الدولة، ونوعية التخصصات العلمية
التي نحتاجها،
وهل الأولى صرف تلك الميزانيات الباهضة، في ظل هبوط أسعار النفط، على مشروع الابتعاث، أم آن أوان ترشيد تلك النفقات، وصرف بعض الميزانية على تحسين البنى التحتية للجامعات الناشئة في مدن الأطراف، وخلق بيئة تعليمية متكاملة هناك، تحفز كل أكاديميي المدن الكبيرة بالذهاب لتلك المدن الجامعية التي سنفاخر بها، وتبقى منارات علم واشعاع تضيء بلادنا من أقصاه لأقصاه.
لست معنيا بالهمسات التي تصدر من هنا وهناك بأن مشروع الابتعاث بهذا الشكل الذي ظهر، تداخلت فيه بعض الرؤى الأيدلوجية والسياسية، وأن بعض المتنفذين الذين رحلوا عن مناصبهم اليوم، لم يكونوا بما أمّله ولاة الأمر منهم، وكانوا يؤمنون بأن جرعة التدين في بلادنا كبيرة، وينبغي تخفيفها، واشتغلوا على مجالات عديدة من ضمنها هذا المشروع،
ولم يدر أولئك أن قدر هذه البلاد التي تحتضن الحرمين الشرفين، والتي قامت على معاهدة خالدة بين إمامين عظيمين، توارثها الأبناء والأحفاد جيلا بعد جيل، هو هذا الدين الذي نحمل أمانته اليوم، ولا فخر ولا عزّ لنا إلا به، وأن البترول سينضب يوما ما، ولن يميزنا -في هذا الورى- سوى أننا مهد هذه الرسالة وحملتها، ومهوى أفئدة المسلمين في كل العالم، وهذا هو خادم الحرمين الشريفين في كلمته بالأسبوع الماضي يؤكد هذا المعنى وسيسير عليه بما فعل أسلافه العظام.
لذلك لست أبدا مع تلك الأصوات القليلة النشاز التي تطالب بإلغاء هذا المشروع، بل أنا أدعو إلى تقييمه وترشيده، والافادة منه وتطويره، ولنا تجربة رائعة في الثمانينيات إبان الملك فهد يرحمه الله، وكيف استطعنا صون أبنائنا فكريا وسلوكيا -عبر برامج وقائية- قبل ذهابهم هناك، في التخصصات التي يحتاجها الوطن.
آن أوان تقييم مشروع "الابتعاث"، ودراسة آثاره المستقبلية على وطننا، وإعادة صوغ الأهداف المرحلية والنهائية لها من جديد.
  بقلم: عبدالعزيز محمد قاسم
مقالتي ببعض التفصيل الذي أجريته وحوار صريح عن الابتعاث. .
----------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..