الجمعة، 28 أغسطس 2015

قواعد في ممارسة السياسة!

قواعد في ممارسة السياسة!
لن تتركنا السياسة حتى لو تركناها، فهي معنا كل يوم، وداخلة في جل الأحداث، ومؤثرة بقوة على شتى المجالات، ولذا فمن الحكمة أن ينفر لها أناس أذكياء ومخلصون، يعرفون المناسب من التصرفات، ويتقنون أداءها، ويختارون أحسن الأوقات للتنفيذ، ولا يغيب عن حدسهم وفكرهم تقدير المآلات، وبناء التحالفات، وغيرها من دهاليز السياسة التي تحتاج إلى معرفة ومهارة، وحسن تقدير، والموفق من وفقه الله.

 

أمامي كتاب لطيف مختصر، عنوانه: قواعد في الممارسة السياسية، تأليف د. جاسم محمد سلطان، صدرت طبعته الأولى عن دار أم القرى للترجمة والتوزيع في المنصورة، عام (1429هـ =2008م)، ويقع في (167) صفحة من القطع المتوسط، وطباعته عادية-أو أقل-ولا تخدم محتواه وموضوعه. 

وقد أخبرني الأستاذ أحمد درويش-أحد أفراد الفريق المساند للمؤلف-عن صدور طبعة جديدة أجمل، وتليق بالمضمون الثمين. وفي الكتاب رسومات توضيحية، تختصر كثيراً من الشروح، وتذكر من قرأ الكتاب إذا أراد الرجوع السريع إليها.

 

هذا الكتاب  هو السادس في سلسلة أدوات القادة، ضمن مشروع النهضة، ويتكون من مقدمة، وفصل تمهيدي، ثم ثلاثة أقسام تضم إحدى وعشرين قاعدة؛ ويعقبها الخاتمة، فملحق يضم جميع الأشكال والنماذج الواردة فيه، وأخيراً مسرد المراجع، وغالبيتها أجنبية.

 

المؤلف طبيب قطري، في العقد السابع من عمره، نفع الله به وبارك فيه وله، وسبق أن استعرضت الكتاب الثامن ضمن هذه السلسة بعنوان: الجيوبوليتيك: عندما تتحدث الجغرافيا، وأكثر كتب هذه السلسة جديرة بالاقتناء، وقد يوجد مضمون بعضها في محاضرات صوتية مسجلة للمؤلف؛ الذي تمنع بعض البلدان العربية دخوله إليها!

 

ذكر د. السلطان في المقدمة أن هناك خلطاً بين علم السياسة والممارسة السياسية، فالعلم متفرع عن العلوم الاجتماعية، وله أدواته ومناهجه، وفيه مؤلفات تهم الباحثين وطلاب الجامعات. أما الممارسة فشأن يومي، لا يكاد ينجو منه أحد؛نظراً  لتداخل السياسة مع جل الشؤون الحياتية.

 

وتتحكم السياسة في مفاصل العالم، والحديث عنها، وتحليل الأحداث، سمة أكثر المجالس والمتحدثين، ولا يخلو هذا الخوض من جرأة على التحليل والنقد، وربما تجاوز الأمر هذا الحد إلى ما هو أعظم في الجرأة على الممارسة السياسية، ودخول المعترك، دون الإلمام بقواعد العملية السياسية بدرجة كافية .

 

يأتي هذا الكتاب لنقل الممارسة السياسية من  الارتجال إلى المشاركة الواعية،التي تتجاوز متابعة الأحداث، وتحليلها، واستشراف ما وراءها، إلى ما هو أبعد منها، ألا وهي قواعد صناعة الأحداث، بمعنى أن هذا الكتاب كمن ينقل المشاهد للمباراة عبر الشاشة إلى مقاعد الجماهير في الملعب، ثم يدنيه قليلا إلى مقاعد الاحتياط، حتى يصير أهلاً لدخول الملعب، ومقارعة المحترفين.

 

ويسد كتابنا فجوة معرفية ملحوظة لدى بعض الممارسين، ويعين الراغبين على فهم طبيعة الممارسة السياسية، وفقه لغة الخطاب السياسي، ويمنح الراغبين في القيادة ثقافة أساسية تعينهم قبل أن يشاركوا في عمل سياسي. والسياسة ترتبط بمستقبل المجتمع، فلا عذر للصالحين في تركها، وحد الكفاية فيها مهم؛ حتى لا يغيب صوت الأمة عن التأثير، فنندب حظنا كالعاجز اليائس.

 

ونبه المؤلف في ختام مقدمته إلى أمور يحسن ملاحظتها؛ كي يعي القارئ طبيعة المادة المقدمة له، وهي:

1.    يتناول الكتاب بعض القواعد المنظمة أو المفسرة للسلوك السياسي، وليس السياسة كعلم.
2.    يعتني الكتاب بالقواعد الأساسية دون تفاصيل.
3.    يفيد الكتاب من استقراء تجارب وخبرات عالمية متنوعة.
4.    يضم الكتاب ثلاثة أنواع من القواعد الأساسية، وهي: الظاهرة السياسية، ورجل السياسة، واللعبة السياسية.

 

وبيّن الباحث في الفصل التمهيدي، بأنه سيتناول القواعد من وجهة الممارسة السياسية، دون النظر للنتائج المترتبة عليها، وما يليها من أحكام ورؤى، وسيركز على منطق الممارسة، بغض النظر عن عواقبها ونتائجها. وتتميز هذه القواعد بصياغتها العلمية، وارتباطها بالأثر، أو كونها إرشادية توجيهية فقط، وهي واضحة ويمكن تطبيقها، وهي أخيراً ذات شمول ونطاق واسع.

 

ويمكن استخدام هذه القواعد على صعيد بناء الرؤية، وصياغة الطرح السياسي، كما يستعان بها في مستوى إستراتيجي لتفسير الأحداث والوقائع، خاصة تلك التي تبدو غير مترابطة، ويمكن أن تفيد القواعد في الإجابة عن الأسئلة الحرجة والملحة، وتحكم على جودة التنفيذ؛ فتكون كالدليل المعياري الذي يحكم على حكمة التصرفات.

 

وأما فوائد استخدام القواعد في الممارسة السياسية فهي:
1-    اتخاذ القرار بناء على تراكم معرفي وليس نتيجة لتأثير حرارة اللحظة.
2-    ممارسة السياسة في إطار اجتماعي واسع، مما يصيرها استراتيجية وليست ردود أفعال.
3-    تحديد المعايير المناسبة للتعامل مع الأحداث، فتنخفض الأخطاء، وتحد من السلطة التقديرية لمتخذ القرار.
4-    مساعدة الممارس السياسي متوسط التدريب على معالجة بعض القضايا المعقدة.
5-    توفير إطار نظري للقادة كي يفسروا مواقفهم وقراراتهم.
6-    رفع الجانب المعرفي لعملية صنع القرار المعتمد على أربعة أبعاد ثنائية هي: العقل-العاطفة، الاهتمام بالآخرين-الانكفاء على الذات، الحكم-التصور، التقدير-التخمين.

 

عنوان القسم الأول: قواعد أساسية حول طبيعة السياسة، وفيه أربع قواعد:

القاعدة رقم(01): نشأة الظاهرة السياسية: فالتدافع الإنساني ينتج غالباً عن الاختلاف، أو التنوع، أو الندرة. والاختلاف والتنوع يرتبطان بالإنسان وعالم أفكاره، وقائمة احتياجاته، وأما الندرة فخاصة بالموارد الطبيعية التي تكون إما متجددة أو ناضبة، وهذه العوامل الثلاثة متلازمة مع حياة البشر، ولا انفكاك منها البتة.

 

القاعدة رقم(02): أنواع التدافع:  تدافع تنافسي يفوز كل طرف فيه بنسبة، وتدافع صفري يسعى كل طرف لإنهاء الآخر. وعدم تفريق السياسي بين النوعين يوقعه في ورطات قاتلة. ويتوقف تحديد طبيعة الصراع على عاملين هما:

1-    رؤية أطراف الصراع له: وتنبني على منظومة من المعتقدات والمصالح والأهداف.
2-    ميزان القوى بين أطرافه: إذا رجحت كفة طرف فرؤيته لطبيعة الصراع حاسمة.

 

القاعدة رقم(03): جوهر السياسة: هو القوة وتوزيعها بين الأطراف، والسلطة والوصول إليها والاحتفاظ بها، والنفوذ لحماية القوة والسلطة معاً. ويكمن ذكاء السياسي في التعامل مع القوى المختلفة في آن واحد، فبعضها يُحيَّد، أو يُضْعف، أو يُتهادن معه، أو يكون الصراع هو الحل.

 

ويدخل ضمنها فن إدارة الدولة، وتوزيع صلاحياتها على أنظمة ومؤسسات مختلفة، أو انتزاعها منها أحياناً، وأبرز أسباب التوزيع والانتزاع وجود قيادة جديدة، أو اشتراطات صندوق النقد الدولي، أو تعرض الدولة لتهديد داخلي أو خارجي، فتفرض حال الطوارئ، أو تحال الصلاحيات الأمنية للجيش. ومن جوهرها فن الممكن وهو التعامل مع ما يملكه السياسي من أدوات وقوة، وفن التنازل، خاصة عند تساوي أطراف الصراع، مما يجعل الحسم صعباً، ولا مناص من التفاوض.

 

القاعدة رقم(04): أدوات الممارسة السياسية: وهي إما القوة الناعمة، أو القوة الصلبة، ومنطق السياسة الرشيد في المزج بينهما بحسب الموقف، والطرف المقابل، والمصلحة. وتهدف القوة الناعمة إلى كسب القلوب والعقول، ويندرج تحتها الدبلوماسية، والإعلام والدعاية السياسية، بينما تهدف القوة الصلبة إلى إخضاع الطرف الآخر، وكسر إرادته، ويقع تحتها المال، والمنصب، والحصار الاقتصادي، واستخدام القوة الأمنية أو الجيش.

 

وخلاصة هذا القسم، أن الفاعل السياسي يوزن بمعيار ما يملكه من قوة، فلا الحب يدني، ولا  البغض يقصي. ويدخل في ميزان القوة دهاء اللاعب السياسي، وحنكته، وقدرته على زيادة أوراق قوته، وتحويلها إلى نتائج لصالحه، لأن البديل هو طغيان الطرف الآخر، لدرجة انتهاك الخصم، والتغلغل في شؤونه بتغول قبيح مهين.

 

قواعد أساسية للفاعل السياسي هو عنوان القسم الثاني، وفيه عشر قواعد، وابتدأه الكاتب بتعريف الفاعل السياسي، وهو كل مؤسسة أو شخص يملك تأثيراً في القرار السياسي، إنشاءً، أو تعديلاً، أو إلغاءً، ومن أهمهم رجل الدولة، لكنه ليس الفاعل الوحيد، حيث تشترك معه الحكومة، والمعارضة، والرأي العام، والمنظمات المحلية والدولية، والشركات، والقوى الدينية، وغيرها.

 

ويتأثر رجل السياسة بعوامل هي: البيئة التي نشأ فيها، ومستواها الثقافي، ومدى احتكاكها بشرائح المجتمع، كما يتأثر بآلية التصعيد السياسي، التي تختلف حسب اختلاف النظم الوراثية، والعسكرية، والديمقراطية. ولطبيعة المجموعة المحيطة به وسماتها حضور واضح في شخصيته، وأخيراً فإن السياق التاريخي لظهور رجل السياسة له تبعاته، حسب الحال، والزمان، والمكان.

 

واستعرض المؤلف عشر قواعد هي:

القاعدة رقم(05): تعريف الدولة: لكثرة تعاريفها التي تجاوزت المئة، اختار المؤلف تحديده بأن الدولة مكونة من:
•    الشعب: ومن الأهمية معرفة درجة تجانسهم التي تنبني على الدين واللغة والعنصر.
•    الإقليم: ويتعدى مفهومه اليابسة إلى المياه والفضاء، ولطبيعته الجغرافية أثر على سياسة الدولة.
•    الحكومة: وهي مؤسسات التنظيم والتنفيذ والقضاء، وينظر للحكومة من زاوية تمثيلها لسلطة الدولة، ومن خلال بنيتها، أو بدراسة ممارستها للمهام وطريقة اتخاذ القرارات.
•    السيادة: وتعني الهيمنة الداخلية على الإقليم وسكانه، والاستقلال عن السيطرة الخارجية. وللسيادة مفهومان، مفهوم قانوني على الإقليم وقاطنيه، وغالباً تكون السيادة هنا كاملة، ومفهوم سياسي-واقعي، وتكون السيادة بهذا المفهوم ناقصة في الأعم؛ تبعاً لاختلاف الأحوال وموازين القوى. وقلما تكون السيادة الداخلية مطلقة، حتى لو كان النظام استبدادياً، لأنه مقيد بضغوط الدول والمنظمات من الخارج، وبالحذر من الانفجار الشعبي.

 

وللدولة وظائف مختلفة، فبعضها وظائف أساسية متعلقة بوجودها، كالوظائف العسكرية، والأمنية، والقضائية والخارجية، والمالية، وبعضها وظائف تخدم الاستقرار، وتشمل الصحة والتعليم، والخدمات الاجتماعية والبلدية، والبنى التحتية وشؤون الاقتصاد، وأخيراً وظائف التنمية، التي تختص بالرفاه والتطوير، وتوزيع المكتسبات. وسلم أولوياتها مثل ترتيبها، لكن الترتيب عرضة للتغيير بسبب مؤثر داخلي أو خارجي، وتتقاسم الدولة مع مؤسسات المجتمع المدني تنفيذ هذه الوظائف في الصورة المثالية.

 

القاعدة رقم(06): النظام السياسي: فحركة النظام السياسي عبارة عن مجموعة من التفاعلات، بين مطالب الجماهير، وقرارات الحكومة، والعنصر الأهم المؤثر على الحكومة هو الجمهور المكون من الأفراد، والجماعات المختلفة، الذي يترجم رغباته وأفكاره إلى مطالب، فتنقلها الأحزاب ومؤسسات المجتمع إلى الحكومة، وتتعامل معها الحكومة بإصدار القرارات؛ التي قد تكون مرضية للناس، أو غير مرضية، ويعبر الشعب عن سخطه بصور مختلفة تبدأ بالتململ وقد تنتهي بالثورة إذا تعنتت الحكومة .

 

القاعدة رقم(07): ثقافة رجل السياسة: ويحتاج إلى معرفة أفقية ، وإلى مهارات واسعة في السياسة، والاقتصاد، وعلم الاجتماع، وخصائص الجماهير حتى لا ينطلق عقالها فتقلق السياسي. مع ضرورة الإلمام بثقافة المجتمع؛ حتى يحسن التخاطب معه، ومعرفة الظواهر العالمية؛ كي يتحين السياسي الوقت الملائم للحراك، ويختار محتوى الخطاب المناسب، فهو لا ينطلق في فراغ، ولا مناص له من معرفة ما يدور حوله وما هو أبعد منه، ويجيد التفاوض، والتحليل، والتخطيط.

 

القاعدة رقم(08): رجل السياسة مغامر لا مقامر: فهو أهل لأن يتخذ القرار عندما يكون الموقف فيه نسبة من الغموض؛ فالسياسة لا تعرف الضمانات، وكونه مغامراً لا يعني أن يعمل بلا تخطيط، أو بناء على الخيالات والأماني.

 

القاعدة رقم(09): بين حسن النية وفهم قواعد اللعبة: فالسياسة أشبه بالشطرنج، يتدخل فيها عامل الاستعداد، والذكاء، والإلمام الجيد بقواعد اللعبة، وهي أبعد ما تكون عن لعبة النرد، التي يرميها اللاعب متمنياً أن تسقط كما يحب.

 

القاعدة رقم(10): الفاعل السياسي يرى العالم كما هو وليس كما يتمنى: فمن غير المقبول إساءة تفسير الواقع، أو حشر الخصوم في كتلة واحدة، أو الاغترار بدعوى الأفضلية، ومن عاش في الواقع وأحسن تفسيره؛ ينجح في التعامل معه، وأما رهين الأحلام، فسيكتشف أنه كان خاطئاً في الموضع والتوقيت والتفكير، وغالباً تبين مجريات الأحداث عواره.

 

القاعدة رقم(11): لا يخاف رجل السياسة من تعقيد الوضع: لأن الأصل في الأوضاع السياسية أن تكون معقدة، وواجب القيادة أن تتحرك بأهدافها عبر هذا التعقيد، فالقادة لا يطالبون الواقع بأن يتغير، بل يطورون طرائق أعمالهم بما يزيل تعقيد الواقع، أو يخففه أو يتجاوزه.

 

القاعدة رقم(12): يهتم رجل السياسة بمنطق الفعل أكثر من الفعل ذاته: وينظر إلى المنطق من وراء الفعل، ويعتني بمآلات التصرفات، والصورة النهائية الناتجة عن الأفعال، وبعد اكتشاف منطق الفعل يختار السياسي الطريقة الأفضل للتعامل أهي المواجهة، أم الاستيعاب، أم المساومة؟

 

القاعدة رقم(12): رجل السياسة المحنك لا يتشتت، ويحدد هدفه بدقة، ويجهز أدواته: وبذلك يوجِد شروط نجاح الفعل.

 

القاعدة رقم(13): يفرق الفاعل السياسي بين المكاسب: فبعضها هشة يمكن التنازل عنها، كما يمكن استرجاعها في أي وقت، ولا تغير من واقع المعادلة الأساسية. وبعضها صلبة يسعى السياسي لتحصيلها، والحفاظ عليها، والدفاع عنها.

 

ويعبث النظام السياسي بالمعارضة أحياناً؛ فيقدم لها تنازلات في مناطق هشة، وعندما يزول الضغط عن النظام الحاكم، يسحب هذه المكاسب من المعارضة التي يصعب عليها الرجوع إلى مربعها السابق! وكم تلاعب الطغاة بشعوبهم، وبالرموز الدينية باستخدام هذه القاعدة، إذ يمنحونهم شيئاً أو قراراً، وعند التحقق يكون سراباً، أو بلا قيمة تذكر، وفي أحسن الأحوال تهدئة وقتية عرضة للاسترجاع في أي لحظة!

 

أما القسم الثالث والأخير فعنوانه: قواعد أساسية للعمل السياسي، وفيه سبع قواعد هذا مختصرها:

القاعدة رقم(14): تحديد طبيعة الصراع وأطرافه: فهل هو تنافسي أم صفري؟ ومَن أطرافه المحلية والإقليمية والدولية؟ ومن الحنكة ألا يحارب السياسي العالم كله، وهنا لا بد له من إتقان فن التحالفات بأنواعها، مع استثمار مَواطن القوة، وأوراق التأثير؛ لتحييد أطراف، أو كسب دعمها، أو ضمان صمتها على أقل تقدير.

 

القاعدة رقم(15): صناعة سُلَّم الأهداف: ويجب أن تكون أهدافاً سياسية، تحقق تطلعات الساسة، ولها روافع تدعمها، والروافع من قبيل الموارد، والفرص، والعلاقات، والقدرة على التخطيط.

 

القاعدة رقم(16): لكل طاولة سياسية طاقة على حمل وزن معين: فإذا ازداد الحمل فستنكسر الطاولة حتماً، وليست البراعة في إثقالها بمزيد من الأحمال، بل في الصمود على تحمل الوزن الموجود، ثم الانطلاق إلى طاولة أخرى أشد قوة. وأكثر ما يكسر الطاولة، الالتزام بفكرة كاملة كلية، دون مناورة بقبول ما يمكن؛ وتأخير ما يصعب حالياً. ورجل السياسة الحصيف ينتقل تدريجياً، ودون حرق المراحل، ودون تحميل طاولته فوق ما تحتمل، ويتحول من حال الضعف الإستراتيجي، إلى وضع التعادل الإستراتيجي، وصولاً إلى مرحلة التفوق الإستراتيجي.

 

القاعدة رقم(17): فن المناورة: وهل حياة السياسي إلا مناورة، وكر وفر، وصداقة مؤقتة أو عداوة قابلة للتحول؟ وعندما يواجه السياسي تحديات داخلية أو خارجية،  فإما أن يكون الطرف الأضعف، أو يكون الطرف الأقوى، فإذا كان في الخانة الأضعف فأمامه هذه الخيارات:

•    الإذعان: وهو ليس خطأً دائماً، ويعد عملية سياسية معتادة.
•    التنازلات: وهي أخف من الإذعان الكلي، فقد يكون لدى السياسي ما يمكن مبادلته أو التنازل عنه بمقابل.
•    التجنب: وهي الابتعاد عن مواجهة الأقوياء، واللعب في مساحة تخلو منهم، فيضمن الكسب دون خسارة.
•    المواجهة: وقد تكون مباشرة أو غير مباشرة، ولأنه الأضعف فيجب أن تكون مواجهته ذكية، ومنهِكة للخصم.
•    المعالجة: معالجة جوانب الضعف ومكامن القصور؛ ليقوى على التحرك المناسب.
وإذا كان هو الطرف الأقوى، فلديه هذه الخيارات:
•    الإزالة: أي إنهاء الطرف الآخر واستئصاله.
•    الاستيعاب: تقديم بعض المكاسب للطرف الآخر؛ كي يتعاون ويتنازل عن بعض مطالبه.
•    التحالف: وغالباً ما يكون مع طرف ثالث يواجه الطرفين، فيتحالفان ضده وإن اختلفا في الأهداف والتوجهات.
•    المهادنة: وهي فترة راحة، وإعادة ترتيب الأوراق، من قبل الأطراف جميعها.
•    المشاغلة: وهي وسط بين الإنهاء والإهمال، وتستعملها الأنظمة بمشاغلة شعوبها، من خلال وزير يراه الشعب سبب مشكلاتهم المالية، أو مسؤول متهم بالفساد، فتفنى الجهود في مقاومة أداة وإسقاطها، مع سلامة محركها، ومن وراءها، وفوق ذلك كله، تبقى المشكلة مع تغير المسؤول لأن الموجه واحد!
•    التجنب: كما تفعل بعض الأنظمة الديكتاتورية في اجتناب المصادمة مع تيار ذي شعبية جارفة إلى أن تحين الفرصة للانقضاض عليه بشراسة.
•    توظيف الطرف الآخر: وهو منطق شائع سياسياً، وقد يعقد السياسي "شراكة" مع طرف خصم ويستعين به لمهام معينة، ثم يلفظه ويلفظ شراكته التي ظن المسكين أنها نصر وتفوق! وكثيراً ما تفعلها الأنظمة مع الرموز الدينية والفكرية، والثقافية، والحقوقية، والعمالية.
ولأن رجل السياسة يعيش بمنطق النسبية، ويتوقع أي احتمال، فقد يدمج في سياسته-ضعيفاً كان أم قوياً-بين خيارين أو أكثر.

 

القاعدة رقم(18): عقدة الصراع: ويقصد بها مجال الحسم التي ينتهي عندها الصراع، وفي جل النزاعات يعمد طرف إلى استخدام أحد نوعي التأثير على الطرف الآخر، وهما:

1.    التأثير الدستوري المباشر: من خلال استخدام النظام المحلي أو الدولي، وهو يحتاج إلى خبرة قانونية عميقة.
2.    التأثير فوق الدستوري غير المباشر: ويشمل أسلوب العصا باستخدام العنف أو الحصار، وأسلوب الصفقة من خلال المقايضات، والتحالفات، والمعونات المختلفة، وأسلوب القُبلة من خلال التعهدات، والالتزام بالحماية، وحفظ أمن الطرف الآخر.

 

وإذا استطاع السياسي الإجابة عن التساؤلات التالية، فهو قادر على تحديد مجال الحسم، وطريقة التعامل مع الخصم، وصناعة نظرية عمل تتعاطى مع الملفات المتشابكة باحترافية وخبرة، ويظهر أثر حكمتها في الخطاب الإعلامي، وأدوات التحرك المستخدمة، وهذه التساؤلات هي:

•    من القوي والضاغط لدى الطرف الآخر: هل هو شخص أم جهة في الصراع المحلي؟ وإذا كان الصراع دولياً فهل الطرف الأقوى منظمة أم دولة؟
•    من الطرف المستهدف فعلياً: كل المعارضة أم طيف منها؟ جميع الدولة أم أجزاء منها؟
•    ما السياق العام لبيئة وطبيعة وموضوع الصراع: محلي أم دولي؟ تنافسي أم صفري؟ عقدي أم اقتصادي؟
•    ما أشكال التأثير الدستوري الممكنة والمتوقعة؟
•    ما أشكال التأثير فوق الدستوري الممكنة والمتوقعة؟

 

القاعدة رقم(20): مستويات الخطاب السياسي: تصريحات السياسي، وكلماته مهمة، وخطيرة، والأصل أنها تعبر عن توجهاته، وأسلوب تفكيره، ويمكن التمييز بين أربعة مستويات من الخطاب السياسي:
1.    خطاب داخلي ضيق: كالحديث مع أعضاء الحزب، أو شركاء الحكم، أو أفراد العائلة الحاكمة.
2.    خطاب محلي: بالحديث للدولة ومكوناتها، من مؤسسات وأحزاب، وجماهير وتيارات.
3.    خطاب إقليمي: يتوجه نحو الإقليم المحيط بالدولة، كمعايدة المسلمين أو تهنئتهم برمضان.
4.    خطاب عالمي: عند الحديث للقوى العالمية، أو عبر منصة دولية كمنبر الأمم المتحدة.

 

وعلى رجل السياسة أن يراعي هذه المستويات في تصريحاته، وينتبه جيداً، فقد يخاطب من حوله بطريقة ترضيهم بيد أنها تغضب المحيط أو القوى العالمية، وربما قال في حزبه رأياً وأضر به حين تسرب للجمهور، ويجب أن يكون خطاب السياسي متوازناً، ومتناسباً مع ما لديه من روافع؛ كي لا يقع في فخ الشعارات الجوفاء، التي تظل عاراً عليه.

 

القاعدة رقم(21): شرائح التغيير: كل فعل تغييري يمر عبر ثلاث شرائح، هي:

1.    شريحة البدء: وهي حاملة الفكرة، ولا تقوى على التغيير وحدها، وتبحث عمن يحسم الصراع لصالح فكرتها.
2.    شريحة التغيير: وهي رأس الحربة في إحداث التغيير، وقد تكون الجماهير في العمل الشعبي، أو الجيش في الانقلاب.
3.    شريحة البناء: وهي التي تبني الدولة بعد حدوث التغيير.

 

وعلى رجل السياسة ألا يخلط بين هذه الشرائح، ويعرف وظيفة كل واحدة منها، ومتى ينتهي دورها، حتى لا تتداخل المهام بطريقة كارثية، وهذا التقسيم مصداق ما قيل بأن الثورة يشعلها فريق، ويقوم بها فريق آخر، ويقطف ثمرتها فريق ثالث.

 

ولا تغني هذه الإرشادات التوجيهية السريعة عن التعمق النظري في بعضها، والبحث عن غيرها، ويبقى المحك الأهم في الممارسة والتطبيق، التي تصقل المواهب، وتنمي القدرات، وتزيد المعارف، وتتيح الاطلاع على خبايا الأمور وخفاياها التي لم تكن متصورة من قبل.


13 ذو القعدة 1436
أحمد العساف
 

المصدر
-


.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

فن تحييد الخصوم

--------

متطلبات النظر في السياسة الشرعية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..