الجمعة، 30 يونيو 2023

متطلبات النظر في السياسة الشرعية.

نظرًا لطبيعة السياسة الشرعية على الوجه المتقدم بيانه، فإنه يلزم الناظر والمتفقه فيها أمور منها:



- المعرفة التامة بأن الشريعة تَضْمَن مصالح العباد في المعاش والمعاد، وأنها كاملة في هذا الباب صورة ومعنى؛ بحيث لا تحتاج إلى غيرها [١] .

- الاطلاع الواسع على نصوص الشريعة مع الفهم لها ولما دلت عليه من السياسة الإلهية أو النبوية.

- المعرفة الواسعة الدقيقة بمقاصد الشريعة، وأن مبناها على تحصيل المصالح الأخروية والدنيوية ودرء المفاسد [٢] .

- التفرقة بين الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة، والسياسات الجزئية التابعة للمصالح التي تتقيد بها زمانًا ومكانًا [٣] .

- المعرفة بالواقع والخبرة فيه، وفهم دقائقه [٤] ، والقدرة على الربط بين الواقع وبين الأدلة الشرعية.

(١) راجع المقدمة الثانية: مدار الشريعة على تحقيق المصالح ودرء المفاسد.

(٢) راجع المقدمة الثالثة: مراتب الأحكام والأعمال.

(٣) راجع مسائل السياسة الشرعية.

(٤) وفهم دقائق الواقع وأحواله المختلفة وتفاصيله المتشعبة أصعب وأعقد بكثير من فهم صورته السطحية الظاهرة، وكم من أناس أفتوا في وقائع ظنوا أنهم فهموها، وهم في الحقيقة إنما رأوا شيئًا يسيرًا من صورتها الظاهرة، بينما لم يعرفوا دقائقها.

قال ابن تيمية رحمه الله ( ... العلم بصحيح القياس وفاسده من أَجَلِّ العلوم، وإنما يعرف ذلك من كان خبيرًا بأسرار الشرع ومقاصده، وما اشتملت عليه شريعة الإسلام من المحاسن التي تفوق التعداد، وما تضمنته من مصالح العباد في المعاش والمعاد، وما فيها من الحكمة البالغة والرحمة السابغة، والعدل التام) [١] .

وقال القرافي رحمه الله (تخريج الأحكام على القواعد الأصولية الكلية أولى من إضافتها إلى المناسبات الجزئية [٢] ، وهو دأب فحول العلماء، دون ضعفة الفقهاء) [٣] اهـ؛ وجل فقه السياسة الشرعية من هذا الباب.

- دراسة السياسة الشرعية للرسول [٤] (والخلفاء الراشدين والفقه فيهما.

(١) مجموع الفتاوى، ٢٠/ ٣١٦.

(٢) وذلك أن وقائع الأعيان لا عموم لها، وهذه قاعدة فقهية مقررة لدى أهل العلم.

(٣) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، ص ٩٠.

(٤) الأصوب قول: سياسة الرسول (دون تقييدها بالشرعية، وذلك أن سياسة النبي صلى الله عليه وسلمكلها شرعية، فلا معنى لهذا القيد، ولاشك أن دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلمأهميتها شديدة لمن أراد حمل هذا الدين والسعي لإقامته في الأرض، وذلك أن الله - عز وجل - قد جمع في سيرة نبيه (كل ما يمكن أن يتعرض له حامل هذا الدين من أحوال ووقائع وأحداث، فإنه ما من نازلة أو حادثة تعرض لداعٍ أو عالمٍ أو مجاهدٍ أو حاكمٍ إلا ولها أصلٌ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، عرفه من عرفه وجهله من جهله، ومن علمه فإنه يتبعه ويسترشد به ويسير على نهجه، فيفلح ويهتدي، فالدارس لسيرته (يجد فيها سياساته المختلفة، كسياسته في الدعوة، وسياسته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسياسته في التربية وبناء الإيمان في النفوس، وسياسته في صناعة القادة، وسياسته في التعامل مع الأعداء، وسياسته في التعامل مع الكفار عامة وأهل الكتاب خاصة، وسياسته في تحييد الخصوم، وسياسته في دعوة الملوك والحكام، وسياسته في التعامل مع القبائل، وسياسته في حال الاستضعاف، وسياسته في حال التمكين، وسياسته في الشورى، وسياسته مع جنوده، وسياسته في معاملة جفاة الأعراب، وسياسته في معاملة حديثي العهد بالإسلام، وسياسته في بناء الأمة وإقامة الدين، وسياسته ومنهجه في الجهاد والغزو، وغير ذلك من سياساته المختلفة، وكل واحدة من هؤلاء قد تحتاج إلى مصنف خاص بها، وربما أكثر، وهي فهوم يفتح الله بها على من يشاء من عباده، وكذلك الأمر في سيرة خلفائه الراشدين - رضي الله عنهم - وسياساتهم المختلفة، ومما يؤسف له أن المجاهدين لديهم تقصير ملحوظ في هذا الجانب، وهذه ظاهرة واضحة وسيئة، فأكثر الدراسات المكتوبة عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلموسياسته ينتمي أصحابها لمدارس فكرية مخالفة، وبعضها يشوبه شيء من الانحراف، ومنها ما انحرافه شديد، بل حتى الدورات الشرعية العلمية التي تقام في بعض ساحات الجهاد لا تحوي مادة السيرة النبوية غالبًا، والتي تشتمل في طياتها على جميع سياسات النبي صلى الله عليه وسلم ولو بصورة عارضة -، وإن وجدت فمقتطفات يسيرة منها، وغالبًا ما تكون على سبيل السرد القصصي مع بعض الدروس والعبر!، دون تطرق لسياسات النبي صلى الله عليه وسلمالرشيدة، ولاشك أن هذا من التقصير، وهو تقصير ناتج عن خلل في التصور عند بعض طلبة العلم.

المصدر
حاشية على كتاب الشريعة الإسلامية وفقه التطبيق

 يقصد بتحييد الخصوم   Neutralize opponents


-


.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

فن تحييد الخصوم

--------


--------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..