الحمد
لله الذي حفظ سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأهل الحديث، ينفون عنها
تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، أما بعد:
فهذه سبع قواعد مهمة تبين منهج العلماء في
التعامل مع السنة النبوية، وتبين بُعد عدنان إبراهيم عن
المنهج العلمي
للعلماء في دراسة السنة المطهرة، وفيها كفاية في الرد على منهجه التشكيكي
للسنة الصحيحة، حيث يرد منها ما يشاء، ويقبل منها ما يشاء، ويحسب أنه يحسن
بذلك صنعا!!
وهذه هي القواعد:
القاعدة الأولى: الجزم في مقام الاحتمال القوي معيب.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" شرح صحيح البخاري
(1/ 204): "طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف أن لا يجزم
فيها بشيء بل يوردها على الاحتمال"، وهذه طريقة المنصفين من العلماء كما
قال الشافعي رحمه الله: "قولي صواب يحتمل الخطأ وقولك خطأ يحتمل الصواب"،
وقد عاب العلماء على الحافظ ابن حبان والعلامة الكرماني رحمهما الله الجزم
في مقام الاحتمال، قال ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 122): "أبداه عياض والقرطبي احتمالا، وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته "، وقال أيضا في "فتح الباري" (7/ 67): "لم أعرف من أين تهيأ للكرماني الجزم بذلك مع الاحتمال؟!!"،
وما أكثر ما يجزم عدنان إبراهيم مع وجود الاحتمال القوي مثل جزمه بأن
أحاديث رجم الزاني المحصن منسوخة، ولم يأت بدليل مقبول على جزمه هذا، مع أن
احتمال كونه غير منسوخ هو الظاهر وهو الأصل وهو اليقين والإجماع!!
والمراد بالاحتمال في هذه القاعدة ما كان
احتمالاً قوياً له وجه شرعي يسنده، وقرائن احتفت به تقويه، قال شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى الكبرى (1/ 224): "كل احتمال لا يُسند
إلى أمارة شرعية لم يُلتفت إليه". فإذا كان الاحتمال بعيدا فلا بأس
بالجزم، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 461): "الشك لا يؤثر في الجزم".
القاعدة الثانية: تكذيب الخبر مع احتمال صدقه ضلال مبين.
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 52]، والحديث الصحيح وحي من الله، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
﴾ [النجم: 3، 4]، وروى أحمد في مسنده (22215) وصححه الألباني في سلسلة
الأحاديث الصحيحة (2178) عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " إنما أَقُولُ مَا أُقَوَّلُ "، أي أقول لكم ما أوحاه الله
إلي، وروى أحمد في مسنده (17174) وأبو داود في سننه (4604) بسند صحيح عن
المقدام بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته
يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام
فحرموه".
قال ابن القيم رحمه الله في حاشيته على
سنن أبي داود (7/ 348): "وأما رد الحديث بالقياس فلو لم يكن فيه إلا أنه
قياس فاسد مصادم للنص لكفى ذلك في رد القياس، ومعلوم أن رد القياس بصريح
السنة أولى من رد السنة بالقياس، وبالله التوفيق".
وما أكثر ما يرد عدنان إبراهيم
كثيرا من الأحاديث الصحاح لأدنى شبهة تعرض له مثل أحاديث نزول عيسى بن
مريم آخر الزمان، وأحاديث الشفاعة وخروج الموحدين من النار برحمة الله
الواسعة، فهو يُكذِّبها ويكفر بها ويجحدها مع أنه لو أنصف لوجد أن احتمال
صدقها قوي جدا والشبهة في ردها ضعيفة جدا!!
فطريقة العلماء ليست التكذيب والإنكار بما لم يحط الإنسان بعلمه ﴿
بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ
تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 39]، ولا الجزم في مقام الاحتمال المعتبر، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
﴾ [الإسراء: 36] أي لا تقل ما لا تعلم، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية
(5/ 75): " نهى الله تعالى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم
والخيال، كما قال تعالى: ﴿ اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وفي الحديث: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث"".
وقد بحثت في المكتبة الشاملة في كتب
التفسير وعلوم القرآن والفقه وشروح الحديث والفتاوى وكتب ابن تيمية وابن
القيم عن كلمة: (يحتمل) وما تصرف منها فوجدتها 68300 (قريب من سبعين ألفا
في 1100 كتاب)!!
فانظروا إلى منهج العلماء رحمهم الله، لا
كالمتعالمين الذين يجزمون في مقام الاحتمال، ولا كأهل البدع والضلال الذين
يُكذِّبون بعض أحاديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم وينكرونها
ويجحدونها بدعوى أنها لم تدخل عقل الواحد منهم!!
وقد قرن الله من يُكذِّب بالصدق بمن كذَب على الله، وحكم عليهما جميعا بأنهما ظالمين فقال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 32، 33].
القاعدة الثالثة: اليقين لا يزول بالشك، وخبر المتخصصين في علمٍ ما لا يصح أن يرده الجاهلون بذلك العلم بالظن.
فمثلا قواعد أهل الطب لا يُقبل ردها من
الجاهلين بالطب، وقواعد النحاة لا يردها الجاهل بالنحو، وهكذا ما صححه
المحدثون من الأحاديث لا يُقبل ردها بالظن، فإن الظن لا يغني من الحق شيئا،
ونقول لمن أراد أن يشكك في حديث في الصحيحين أو في غيرهما مما صححه أهل
الحديث: لن يُقبل ذلك منك إلا إذا أتيت بحجة بينة بحسب القواعد التي وضعها
أهل الحديث رحمهم الله، فإنهم لا يضعفون الحديث إلا لطعن في أحد الرواة أو
لسقط في الإسناد، فأثبت لنا أن أحد رواة الحديث غير ثقة أو أنه أخطأ في
روايته، أو أثبت لنا أن هناك سقطا في الإسناد وانقطاعا، وإلا فاسكت خيرا
لك.
فطريقة أهل الحديث أنهم يجمعون طرق الحديث
فيتبين لهم الصواب من الخطأ، وبجمعهم للروايات يتبين لهم حال الرواة في
الحفظ والإتقان، فمن وافق من الرواة أصحابه الذين يشاركونه في الرواية عن
شيخهم تبين لهم ضبطه وإتقانه، فإن خالفهم بالزيادة والنقصان والخطأ تبين
لهم ضعف حفظه، فإن أضاف إلى ذلك تفرده بروايات عن شيخهم الواحد ولم يذكرها
غيره من طلاب ذلك الشيخ تبين لأهل الحديث كذب ذلك الراوي أو اتهموه بالكذب
بحسب إكثاره من التفرد وبحسب مروياته ومخالفته لأقرانه الذين يروون عن شيخ
واحد.
قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه
(1/ 7): "وعلامة المنكر في حديث المحدث، إذا ما عُرضت روايته للحديث على
رواية غيره من أهل الحفظ والرضا، خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها،
فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث، غير مقبوله".
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله في مقدمة
كتابه الجرح والتعديل (1/ 5 -7 ): " وجب أن نميز بين عدول الرواة وثقاتهم
وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ
والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة. ولما كان الدين هو الذي جاءنا عن الله عز
وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقل الرواة حُق علينا معرفتهم، ووجب
الفحص عن الناقلة والبحث عن أحوالهم، وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة
والثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته، بأن
يكونوا أمناء في أنفسهم، علماء بدينهم، أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث وإتقان
به وتثبت فيه، وأن يكونوا أهل تمييز وتحصيل، لا يشوبهم كثير من الغفلات،
ولا تغلب عليهم الأوهام فيما قد حفظوه ووعوه، ولا يشبه عليهم بالأغلوطات.
وأن يُعزل عنهم الذين جرحهم أهل العدالة وكشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم،
وما كان يعتريهم من غالب الغفلة وسوء الحفظ وكثرة الغلط والسهو والاشتباه،
ليُعرف به أدلة هذا الدين.
وليُعرف أهل الكذب تخرصا، وأهل الكذب
وهما، وأهل الغفلة والنسيان والغلط ورداءة الحفظ، فيُكشف عن حالهم، فيسقط
حديث من وجب منهم أن يسقط حديثه ولا يُعبأ به ولا يُعمل عليه، ويُكتب حديث
من وجب كتب حديثه منهم على معنى الاعتبار.
ثم احتيج إلى تبيين طبقاتهم ومقادير
حالاتهم وتباين درجاتهم؛ ليُعرف من كان منهم في منزلة الانتقاد والبحث عن
الرجال والمعرفة بهم، وهؤلاء هم أهل التزكية والتعديل والجرح. ويُعرف من
كان منهم عدلا في نفسه من أهل الثبت في الحديث والحفظ له والإتقان فيه.
ومنهم من قد ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال
منهم الكذب، فهذا يُترك حديثه ويطرح روايته ويُسقط ولا يُشتغل به" انتهى
بتصرف واختصار.
القاعدة الرابعة: إذا تعارض نصان ثابتان يُجمع بينهما ولا يُكذَّب أحدهما.
إذا تعارض نصان ثابتان سواء كانا آيتين أو
آية وحديثا، أو حديثين، فإن العلماء يقولون: يُجمع بينهما فإن لم يمكن
يُنظر الناسخ من المنسوخ، فإن لم يُعرف المتقدم من المتأخر يُرجح بينهما،
والمرجحات عند العلماء أكثر من 100 مرجح لا يعلم منها المشككون في السنة
إلا أن يُقدم القرآن على السنة أو المتواتر على الآحاد!! ثم إن لم يمكن
الترجيح يقولون: نتوقف وفوق كل ذي علم عليم.
انظر في بيان هذا كتاب نزهة النظر في
توضيح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر ص 97، وانظر كتاب التقييد والإيضاح شرح
مقدمة ابن الصلاح للحافظ العراقي رحمه الله ص 286 وما بعدها فقد ذكر مائة
وعشرة من المرجحات!!
فهذه طريقة أهل العلم قديما وحديثا، أما طريقة أهل الأهواء فالتكذيب والرد لما يظنونه لا يدخل عقولهم!!
وطريقتهم هذه مبتدعة ومتناقضة، وقد توصلهم
إلى الكفر إن أعملوها في نصوص القرآن الكريم، وهم إن لم يعملوها في القرآن
وأعملوها في السنة فقد تناقضوا؛ فإن القرآن والسنة الصحيحة كلاهما وحي
وكلاهما حق، وإن صدَّقوا ببعض الآيات القرآنية وإن لم تدخل عقولهم فلماذا
لا يقبلون بعض ما في السنة مما لم يدخل عقولهم؟!!
وهذا التناقض الواضح يكفي في بيان بطلان
منهجهم، فإن في القرآن العظيم أشياء تحير العقل ويجب الإيمان بها وإن لم
تدخل عقولنا، وسأذكر ثلاثة أمثلة من سورة واحدة وهي سورة الكهف:
1- قصة أصحاب الكهف العجيبة وفيها قال تعالى: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا
﴾ [الكهف: 25]، وهذا شيء عجيب جدا قد لا يدخل عقول الكفرة، ولكننا نؤمن به
ولا نشك فيه لقول الله، ولو جاءت هذه القصة في حديث صحيح لما شككنا فيه
أيضاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
2- قصة موسى مع الخضر عليهما الصلاة والسلام فيها عجائب كثيرة منها قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا
﴾ [الكهف: 61] أي أحياه الله بعد موته واتخذ طريقاً في البحر، حيث حبس
الله جرية الماء فصار هناك نفقاً في مكان دخول الحوت البحر!! وهذا شيء عجيب
جدا كما قال فتى موسى: ﴿ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا
﴾ [الكهف: 63]، فهل يدخل هذا العقل؟! نعم يدخل عقول المؤمنين، ومن كذَّب
بهذا كفر، ولو كان هذا في حديث صحيح لآمنا به، ولم نقل: هذا من
الإسرائيليات كما هو منهج المهندس عدنان إبراهيم!!
3- قصة ذي القرنين وبنائه الردم، قال تعالى حاكيا عنه: ﴿
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ
قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ
عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا
﴾ [الكهف: 96، 97]، وهذا أمر عجيب جدا يحير العقول ولكن ليس محالا، فالله
آتى ذا القرنين من كل شيء سببا، ونحن نؤمن بهذه القصة التي أخبرنا الله
عنها ولا نشك فيها، ومن شك فيها وقال: هذا من أساطير الأولين فقد كفر، ولو
كانت هذه القصة في حديث صحيح ولو كان في صحيحي البخاري ومسلم لسمعنا عدنان
إبراهيم يسارع بقوله: هذا من خرافات الأولين!! ولسمعنا أتباعه يرددون قوله
كالببغاوات ويقولون: هذا لا يدخل العقل ولا يمكن أن نصدقه أبداً!!
وكأني بالإمام أبي محمد بن قتيبة رحمه
الله المتوفى سنة 276هـ يرد على عدنان إبراهيم وأشباهه في كتابه تأويل
مختلف الحديث ص 61: "قال أبو محمد: وقد تدبرت -رحمك الله- كلام العايبين
فوجدتهم يقولون على الله ما لا يعلمون، ويعيبون الناس بما يأتون، ويبصرون
القذى في عيون الناس، وعيونهم تطرف على الأجذاع، ويتهمون غيرهم في النقل،
ولا يتهمون آراءهم في التأويل. ومعاني الكتاب والحديث، وما أودعاه من لطائف
الحكمة وغرائب اللغة، لا يدرك بالطفرة والكيفية والكمية والأينية، ولو
ردوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما، وضح لهم المنهج، واتسع لهم المخرج"
انتهى كلامه رحمه الله.
ومدرسة عدنان إبراهيم العقلية ليست جديدة،
بل هي قديمة جداً من قبل عهد ابن قتيبة رحمه الله لكنها تتكرر في كل عصر،
وما أكثر ضحايا هذه المدرسة التشكيكية، قال الله سبحانه: ﴿ وَمَا
يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ
الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [يونس: 36]، وقال تعالى: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 147]، فكونوا يا عباد الله من الصدِّيقين ولا تكونوا من المرتابين!!
القاعدة الخامسة: باجتماعِ النقلِ الصحيح والعقلِ الصريح تُدْرَكُ الحقائق الشرعيَّةُ.
باجتماعِ النقلِ الصحيح والعقلِ الصريح
تُدْرَكُ الحقائق الشرعيَّةُ؛ فلا النقلُ وحده يُفِيدُ فاقدَ العَقْلِ، ولا
العقلُ وحده يُفِيدُ فاقدَ النَّقْل، فلا بد من اجتماعهما، وبنقصِ واحدٍ
منهما تَنْقُصُ المعرفةُ بالحَقّ.
وليس في العقل الصريح ولا في شيء من النقل
الصحيح من القرآن والسنة ما يوجب مخالفة الشرع أصلاً، قال شيخ الإسلام ابن
تيمية كما في مجموعة الرسائل والمسائل (3 /64-65): "كل ما يدل عليه الكتاب
والسنة فإنه موافق لصريح المعقول، والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح،
ولكن كثيراً من الناس يغلطون إما في هذا وإما في هذا، فمن عرف قول الرسول
ومراده به كان عارفاً بالأدلة الشرعية وليس في المعقول ما يخالف المنقول،
ولهذا كان أئمة السنة على ما قاله أحمد بن حنبل: معرفة الحديث والفقه فيه
أحب إلي من حفظه، أي معرفته بالتمييز بين صحيحه وسقيمه، والفقه فيه معرفة
مراد الرسول وتنزيله على المسائل الأصولية والفروعية أحب إلي من أن تحفظ من
غير معرفة وفقه، وهكذا قال علي بن المديني وغيره من العلماء فإنه من احتج
بلفظ ليس بثابت عن الرسول أو بلفظ ثابت عن الرسول وحمله على ما لم يدل عليه
فإنما أتي من نفسه. وكذلك العقليات الصريحة إذا كانت مقدماتها وترتيبها
صحيحاً لم تكن إلا حقاً لا تناقض شيئاً مما قاله الرسول، والقرآن قد دل على
الأدلة العقلية التي بها لم تكن إلا حقاً وتوحيده وصفاته وصدق رسله وبها
يعرف إمكان المعاد، ففي القرآن من بيان أصول الدين التي تعلم مقدماتها
بالعقل الصريح ما لا يوجد مثله في كلام أحد من الناس " انتهى مختصرا.
القاعدة السادسة: إن تعارض النقل والعقل في الظاهِرِ قُدِّمَ النَّقْلُ على العقلِ.
إن تعارض النقل والعقل في الظاهِرِ
قُدِّمَ النَّقْلُ على العقلِ؛ لأنَّ النَّقْلَ عِلْمُ الخالِقِ الكامِلِ،
والعَقْلَ عِلْمُ المخلوقِ القاصِر، وهذا التعارض يكون بحسب الظاهر لا في
حقيقة الأمر؛ فإنه لا يمكن أبداً حصول تعارض بين النقل الصحيح والعقل
الصريح، وإذا وجد تعارض فإما أن يكون النقل غير صحيح أو العقل غير صريح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة العرشية ص35: " ما جاء عن النبي صلى
الله عليه وسلم كله حق يصدق بعضه بعضا، وهو موافق لفطرة الخلائق، وما جعل
فيهم من العقول الصريحة، والقصود الصحيحة، لا يخالف العقل الصريح، ولا
القصد الصحيح، ولا الفطرة المستقيمة، ولا النقل الصحيح الثابت عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
وإنما يظن تعارضها:
من صدَّق بباطل من النقول، أو فهم منه ما لم يدل عليه، أو اعتقد شيئا ظنه
من العقليات وهو من الجهليات، أو من الكشوفات وهو من الكسوفات إن كان ذلك
معارضا لمنقول صحيح وإلا عارض بالعقل الصريح، أو الكشف الصحيح، ما يظنه
منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون كذبا عليه، أو ما يظنه لفظا
دالا على شيء ولا يكون دالا عليه ".
والعقل كالبَصَر، والنقل كالنُّور؛ لا
يَنتفِعُ المُبْصِرُ بعينِهِ في ظلامٍ دامِس، ولا يَنتفِعُ العاقلُ بعقلِهِ
بلا وَحْي، وبِقَدْرِ النورِ تَهْتَدِي العَيْن، وبقدرِ الوحيِ يَهتَدِي
العَقْل، وبكمالِ العقلِ والنقلِ تَكتمِلُ الهدايةُ والبصيرة؛ كما تَكتمِلُ
الرؤيةُ حِينَ الظَّهِيرَة، فالمؤمنون أبصر الناس بالحقائق الشرعية لجمعهم
بين النقل الصحيح والعقل الصريح قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ
كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي
النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا
كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122]، وقال سبحانه: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 14].
القاعدة السابعة: يجب اتباع الوحي وعدم الاستغناء عنه بالعقل وحده.
يجب اتباع الوحي وعدم الاستغناء عنه
بالعقل وحده، ومَنْ قالَ: إِنَّهُ يَهتَدِي إلى اللهِ بعقلِهِ المُجرَّدِ
بلا وحيٍ، فهو كمَنْ قالَ: إنَّهُ يَهْتَدِي إلى طريقِهِ بعينِهِ
المُجرَّدَةِ بلا ضياءٍ، وكُلٌّ منهما جاحدٌ لقطعيٍّ ضروريٍّ، والأوَّلُ
بلا دِين، والثاني بلا دُنْيَا. والأول بلا بصيرة، والثاني بلا بصر، قال
تعالى: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].
والوحي هو الذي يَهْدِي الأنبياءَ، ويَهْدِي أَتْبَاعَهُمْ، ويدل على هذا قول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾ [سبأ: 50]، وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا
عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ
تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54]، فلا هداية إلا لمن اتبع الوحي ومن لم يتبعه فقد ضل ضلالا مبينا قال الله تعالى: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ
الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ
قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء:136]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].
وقد ضل مَنْ يقول: لا أُصدِّق بأي حديث
إلَّا إذا أدرَكَهُ عقلي، وما لا يُدْرِكُهُ لا أُؤمِنُ به، فإن هذا
قَدَّمَ العقلَ القاصر الناقص الذي يجهل أكثر مما يعلم على الحديث الصحيح
الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالمؤمن العاقل يقدم الحديث الصحيح على كل
عقل، فما لا يُدرِكُهُ العقلُ لا يَعْنِي عدَمَ وجودِهِ، ولكنَّهُ هو غيرُ
مُدْرِكٍ له، فللعقلِ حَدٌّ يَنتهِي إليه، كما أنَّ لِلْبَصَرِ حَدًّا
ينتهِي إليه لا ينتهي الكونُ والوجودُ بنهايتِهِ، وللسمعِ حَدٌّ لا تنتهِي
الأصواتُ بنهايتِهِ؛ فللنَّمْلَةِ صوتٌ لا يُسْمَع، وفي الكونِ فَضَاءٌ
وكواكبُ ونجومٌ لا تُرَى.
ومعلوم أن النصوص الشرعية منها ما يفهمه
غالب الناس، ومنها مما لا يفهمه إلا العلماء، ومنها ما لا يفهمه ويعرف
دلالته إلا الراسخون من أهل العلم، فيكون موقفنا هو العمل بالمحكم والوقوف
عند المتشابه. والمتشابه: هو ما لا يعلمه إلا الراسخون من أهل العلم، وأما
جعل هذا المتشابه أصلا، أو التشكيك في المحكمات بضربها بالمتشابهات فهذا
سبيل أهل الغي، يقول الله سبحانه: ﴿ هُوَ
الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ
أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ
الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا
اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ
عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7].
والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح
بحال، ومتى توهم متوهم أن نصا من النصوص الشرعية الثابتة مخالف للعقل
فليتهم عقله هو، والشريعة الإسلامية - بحمد الله- تأتي بما تحار فيه العقول
ولا تأتي أبدأ بما تحيله العقول كما قرر ذلك المحققون من العلماء، بمعنى
أن الشريعة لا تأتي بما تعده العقول السليمة أمرا مستحيلا.
ويجب التسليم للنقل الصحيح أخبارا وأحكاما
سواء عَرَفْنا العِلَّةَ أو لم نَعْرِفْها، قال الزهري رحمه الله: "من
الله الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم
".
فبعض القضايا العقلية الثابتة بالأدلة القطعية لا تدركها بعض العقول لعدم فهمها لها، فكيف بالقضايا التي لا تحيط بها العقول وهي كثيرة جدا مما نراه ونشاهده؟! ومن
أقربها سبب تثاؤب بعض الناس عند تثاؤب شخص آخر في المكان الذي هو فيه!!
فلا تعرف العقول سبب ذلك، ومن تكلم في سبب ذلك بالظن لا يمكنه أن يطلب من
جميع الناس أن يسلموا بتفسيره، ومثل ذلك الروح لا تحيط العقول بحقيقتها قال
الله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا
﴾ [الإسراء: 85] قال الشوكاني رحمه الله في تفسيره فتح القدير (3 /302): "
أي: هو من جنس ما استأثر الله بعلمه من الأشياء التي لم يعلم بها عباده،
ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله سبحانه: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا
﴾ [الإسراء: 85] أي: أن علمكم الذي علمكم الله، ليس إلا المقدار القليل
بالنسبة إلى علم الخالق سبحانه، وإن أوتي حظا من العلم وافرا، بل علم
الأنبياء عليهم السلام ليس هو بالنسبة إلى علم الله سبحانه إلا كما يأخذ
الطائر في منقاره من البحر، كما في حديث موسى والخضر عليهما السلام" انتهى.
وبالجملة يجب على المسلم أن يقدم قول الله ورسوله على كل قول وعلى كل قياس وعلى كل ذوق وعلى كل استحسان، قال الله تعالى: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
[الحجرات: 1] قال ابن كثير في تفسيره: " أي: لا تسرعوا في الأشياء بين
يديه، أي: قبله، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور، وعن ابن عباس قال: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1]: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة، وقال الضحاك: لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم. وقال سفيان الثوري: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1] بقول ولا فعل " انتهى.
ومن أشكل عليه حديثاً صحيحاً فلا يبادر
إلى إنكاره وتكذيبه ورده، بل يرجع إلى كلام أهل العلم في شرحه وتوجيهه، روى
ابن ماجه (20) بسند صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «إذا
حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فظنوا به الذي هو أهناه،
وأهداه، وأتقاه»، وقد ألف العلماء كثيرا من الكتب في بيان مشكل الحديث
وتكلموا في توجيه ما يشكل منها أو ما يخالف بعضها بعض في الظاهر، كما
تكلموا في توجيه الآيات القرآنية المتعارضة في الظاهر، وألفوا كتبا كثيرة
في ذلك من أجمعها كتاب العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" وأكتفي هنا بذكر مثالين يبينان توجيه العلماء للآيات المتعارضة في الظاهر:
المثال الأول: قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾ [البقرة: 29] هذه الآية تعارض في الظاهر آيات سورة النازعات ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴾ [النازعات: 27 - 31]، حيث تدل آية سورة البقرة على أن خلق الأرض قبل خلق السماء بدليل لفظة: «ثم»، ومثلها آيات سورة فصلت: ﴿
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي
يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ *
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ
فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ *
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا
وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ
* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [فصلت: 9 - 12] بينما آيات سورة النازعات تدل على أن خلق الأرض بعد خلق السماء!!
وقد سُئل عن هذا الإشكال حبر القرآن عبد
الله بن عباس رضي الله عنهما فأجاب بأن الله تعالى خلق الأرض أولاً قبل
السماء غير مدحوة، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبعا في يومين ثم دحا الأرض
بعد ذلك وجعل فيها الرواسي والأنهار وغير ذلك، فأصل خلق الأرض قبل خلق
السماء، ودحوها بجبالها وأشجارها ونحو ذلك بعد خلق السماء، ويدل لهذا أنه
قال: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [النازعات: 30] ولم يقل: خلقها، ثم فسر دحوه إياها بقوله: ﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴾ [النازعات: 31]، وجمع بعض العلماء بجمع آخر وجيه وهو أن معنى قوله: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ [النازعات: 30] أي مع ذلك، فلفظة «بعد» بمعنى مع، ونظيره قوله تعالى: ﴿ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ
﴾ [القلم: 13]، فهذان وجهان صحيحان للجمع بين الآيتين، ولو كانت آية سورة
النازعات واردة في حديث صحيح لسارع المبطلين أمثال عدنان إبراهيم بالتكذيب
به بدعوى التعارض بين القرآن والحديث!!
المثال الثاني: قوله تعالى في سورة المرسلات: ﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
﴾ [المرسلات: 35، 36] هذه الآية الكريمة تدل على أن أهل النار لا ينطقون
ولا يعتذرون، وقد جاءت آيات أخرى تدل على أنهم ينطقون ويعتذرون، كقوله
تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾، وقوله: ﴿ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ
﴾ [غافر: 71 - 74]، فهذه الآيات تعارض في الظاهر آية سورة المرسلات، ولو
كانت آية سورة المرسلات حديثاً صحيحاً لسارع المبطلين إلى رده بدعوى
مخالفته للقرآن، مع أن الجمع ممكن فقد قال أهل العلم: القيامة مواطن كثيرة،
ففي بعضها ينطقون وفي بعضها لا ينطقون، وبهذا نصدق بجميع النصوص، وكلها
حق، ولا تُرد بعض النصوص ببعض بدعوى التعارض كما هو منهج عدنان إبراهيم،
فهذا جهل عظيم بمنهج العلماء فإنهم لا يقولون بالتعارض إلا إذا لم يمكن
الجمع كما تقدم تقريره، ولكن زيِّن له سوء صنعه ويحسب أنه يحسن صنعاً، وقد
حذرنا الله من مخالفة منهج الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين بأنه يعاقب من
فعل ذلك بأن يوله ما تولى أي يُزيِّن له الباطل في عينيه، قال الله سبحانه:
﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ
مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].
فأنصح لوجه الله كل من اغتر بالدكتور
عدنان إبراهيم أن يحذره فإنه صاحب ضلالة، ولا تغتروا بذكائه وفصاحته
وثقافته، فليس بأذكى من الفيلسوف ابن سيناء صاحب التصانيف في الطب والفلسفة
والمنطق الذي كفَّره العلامة أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابيه "تهافت
الفلاسفة" و"المنقذ من الضلال" لكونه ينكر علم الله بالجزئيات وينكر البعث
بعد الموت، وليس عدنان إبراهيم بأفصح ولا أوسع علماً وفنوناً من فخر الدين
الرازي صاحب التفسير الكبير في 32 مجلداً ومع هذا ضلله أهل العلم بسبب
عقائده الباطلة وآرائه المحدثة التي أضل بها كثيرا من الخلق، وقد قال عنه
الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء" (21/ 500): "العلامة الكبير، ذو
الفنون، فخر الدين، محمد بن عمر بن الحسين القرشي، البكري، الطبرستاني،
الأصولي، المفسر، كبير الأذكياء والحكماء والمصنفين، انتشرت تواليفه في
البلاد شرقاً وغرباً، وكان يتوقد ذكاء، وقد بدت منه في تواليفه بلايا
وعظائم وسحر وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه، فإنه توفي على طريقة
حميدة، والله يتولى السرائر، وقد اعترف في آخر عمره حيث يقول: لقد تأملت
الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي
غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن" انتهى المراد منه مختصرا.
وما أحسن ما قاله الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (14/ 62):" لعن الله الذكاء بلا إيمان، ورضي الله عن البلادة مع التقوى".
فليست العبرة بالتوسع في جمع المعلومات أو
الثقافة الواسعة أو الفصاحة الزائدة، العبرة في البحث العلمي بالنقول
الصحيحة، والتمسك بالقرآن والسنة واتباع سبيل المؤمنين، ولا يشك منصف أن
عدنان إبراهيم غير متبع لسبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين ومن اتبعهم
بإحسان، وقد روى أبو داود والترمذي وصححه الألباني عن العرباض بن سارية رضي
الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل
علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل:
يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال «أوصيكم بتقوى
الله والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا
كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا
عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة
ضلالة».
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "من
كان مستنًا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا
خير هذه الأمة، وأبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم
الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم،
وطرائقهم، فهم كانوا على الهدي المستقيم".
وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله: "عليك
بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول"،
وقال أيضًا: "اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا: وكف
عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم".
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
"أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
والاقتداء بهم وترك البدع".
وما أحسن ما قال أبو بكر بن أبي داود السجستاني:
تمسك بحبل الله واتبع الهدى =ولا تك بدعيالعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن التي = أتت عن رسول الله تنجو وتربح
ودع عنك آراء الرجال وقولهم= فقول رسول الله أزكى وأشرح
ولا تك من قوم تلهو بدينهم= فتطعن في أهل الحديث وتقدح
ودن بكتاب الله والسنن التي = أتت عن رسول الله تنجو وتربح
ودع عنك آراء الرجال وقولهم= فقول رسول الله أزكى وأشرح
ولا تك من قوم تلهو بدينهم= فتطعن في أهل الحديث وتقدح
وما أكثر طعن عدنان إبراهيم لأهل الحديث
وقدحه في صحاح الأحاديث، ولا ينطلي كلامه إلا على غير المتخصصين في الحديث،
وإني لأتعجب من إخفائه لبعض الحقائق في بعض الأحاديث النبوية التي
ينكرها!! فإما أنه لم يبحث الحديث بتوسع أو علم ما يرد كلامه فأخفاه على
أتباعه تدليسا، والله حسيبه.
مثال ذلك:
سمعته يرد حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " خلق الله آدم على صورته"، قال عدنان إبراهيم: رواه همام عن أبي هريرة وكان همام يهوديا!! ولم يذكر أنه رواه أبو أيوب بشير بن كعب عن أبي هريرة كما في صحيح مسلم (2612)، فقد توبع همام، وهذا على فرض أن هماماً غير ثقة!! مع أن همام بن منبه ثقة ثبت متقن عند أهل الحديث، وهم المتخصصون الذي يرجع إليهم في معرفة حال الرواة.
سمعته يرد حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " خلق الله آدم على صورته"، قال عدنان إبراهيم: رواه همام عن أبي هريرة وكان همام يهوديا!! ولم يذكر أنه رواه أبو أيوب بشير بن كعب عن أبي هريرة كما في صحيح مسلم (2612)، فقد توبع همام، وهذا على فرض أن هماماً غير ثقة!! مع أن همام بن منبه ثقة ثبت متقن عند أهل الحديث، وهم المتخصصون الذي يرجع إليهم في معرفة حال الرواة.
والعجيب أن عدنان لم يذكر تتمة الحديث من
صحيح البخاري؛ لأن تتمته ترد عليه ما شنع به!! قال البخاري في صحيحه
(6227): حدثنا يحيى بن جعفر، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي
هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله آدم على صورته، طوله
ستون ذراعا"!!
ولم يذكر عدنان إبراهيم كلام شراح الحديث ومن ذلك ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري "
(5/ 183): "واختلف في الضمير على من يعود، فالأكثر على أنه يعود على
المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أن المراد التعليل بذلك لم
يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها، وقال القرطبي: أعاد بعضهم الضمير على
الله متمسكا بما ورد في بعض طرقه: "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن" قال:
وكأن من رواه أورده بالمعنى متمسكا بما توهمه فغلط في ذلك، وقد أنكر
المازري ومن تبعه صحة هذه الزيادة ثم قال: وعلى تقدير صحتها فيحمل على ما
يليق بالباري سبحانه وتعالى".
وقال الألباني رحمه الله في شرح هذا
الحديث في "صحيح الأدب المفرد" ص 86: "أي: على صورة آدم عليه السلام، وقد
جاء ذلك صراحة في حديث آخر لأبي هريرة بلفظ: " خلق الله آدم على صورته،
وطوله ستون ذراعا" متفق عليه، فإذا شتم المسلم أخاه وقال له: " قبح الله
وجهك، ووجه من أشبه وجهك" شمل الشتم آدم أيضا؛ فإن وجه المشتوم يشبه وجه
آدم، والله خلق آدم على هذه الصورة التي نشاهدها في ذريته، إلا أن الفرق أن
آدم خلقه الله بيده، ولم يمر بالأدوار والأطوار التي يمر بها بنوه، وإنما
خلقه من تراب. قال تعالى في أول سورة المؤمنون: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ *
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً
فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ
أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14]" انتهى كلام الألباني الذي لم يطلع عليه عدنان أو عرفه وأخفاه؛ لأنه يريد أن يطعن في السنة ويشكك الناس بها!!
ولم يذكر عدنان أيضا أن حديث الصورة رواه
ابن عمر مع أبي هريرة رضي الله عنهم؛ لأن هذا سيبطل كلامه من أصله، فقد
رواه الطبراني في المعجم الكبير (13580) عن ابن عمر، وهذا لا يعجب عدنان
إبراهيم؛ لأنه يتجرأ على أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه أكثر من غيره!!
ودعواه أن هذا الحديث مذكور في التوراة لا
يُرد به الحديث، فما أكثر ما في التوراة مما في القرآن والسنة!! فالتوراة
أصلها من عند الله، فإذا وجدنا فيها ما يوافق القرآن أو السنة صدقنا به،
ولعله مما سلم من التحريف، لا أن نرد ما في السنة مما وافق التوراة بدعوى
أنها إسرائيليات، فأفٍ لهذا المنهج الضال الذي يشكك الناس في سنة نبيهم
محمد صلى الله عليه وسلم.
مثال آخر: سمعت خطبة
جمعة ألقاها عدنان إبراهيم في النمسا، وكل الخطبة في إنكار أحاديث رجم
المحصن الزاني، فتعجبت من جرأته على رد السنة بالعقل والهوى بلا بحث علمي
ولا حجة مقبولة، ودعاويه كثيرة وكبيرة مثل قوله: أحاديث الرجم من دسائس
مسيلمة الكذاب أو ابن المقفع!!!
هل لهم يا قوم في بعدتهم من فقيه أو إمام يتبع؟!!
أين الأدلة على دعاويه، لا شك أنه ضال مضل نعيذ المسلمين بالله من شره وضلالاته.
وأحب في آخر البحث أن أسأل عدنان إبراهيم وأتباعه:
هل تؤمنون بهذا الحديث الذي في الصحيحين [رواه البخاري رقم (3471) ومسلم
رقم (2388) ] من طريق سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بينما رجل
يسوق بقرة له، قد حمل عليها، التفتت إليه البقرة فقالت: إني لم أُخلق لهذا،
ولكني إنما خُلقت للحرث " فقال الناس: سبحان الله بقرة تكلَّم؟! فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «فإني أومن به وأبو بكر، وعمر». ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "بينا راعٍ في غنمه، عدا عليه الذئب فأخذ منها
شاة، فطلبه الراعي حتى استنقذها منه، فالتفت إليه الذئب فقال له: من لها
يوم السَّبُعِ، يوم ليس لها راعٍ غيري؟ " فقال الناس: سبحان الله!! فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإني أومن بذلك، أنا وأبو بكر وعمر»؟!
فهل تصدقون بهذا يا أيها المرتابون في السنة النبوية؟!
لعل بعضكم ينكره، وبعضكم يشك فيه، وبعضكم
يصدق به، أما نحن أهل السنة فنقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«فإني أومن بذلك، أنا وأبو بكر وعمر»، ونحن نصدق بما هو أعجب منه في القرآن
الكريم كقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ
الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ
تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ﴾ [النمل: 82]، وقال تعالى عن النبي سليمان عليه الصلاة والسلام: ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ *
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ
أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ
قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ
وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ
رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 38 - 40]، ولو كانت قصة سليمان
عليه السلام وإتيان العرش له من أرض سبأ إلى بلاد الشام قبل أن يرتد إليه
طرفه في أحاديث صحيحة لردها عدنان إبراهيم بكل جرأة، لكونها أحاديث آحاد،
وأنكروا على من يصدق بها، وقالوا عنهم: هؤلاء خرافيون، وقالوا: أنؤمن بهذا
كما آمن السفهاء؟! لا يمكن أن نصدق ما يخالف العقل!! ولو كان الراوي لهذه
القصة أبا هريرة رضي الله عنه لازداد تجرؤهم في رد هذه القصة، ولو كانت
مذكورة في التوراة لجزموا بأنها من الإسرائيليات!!
لكن هاهم يصدقون بها مع أنها لم تدخل
عقولهم فلِمَ لا يُصدِّقون الأحاديث الصحاح التي يزعمون أنها لا تدخل
عقولهم وكلها وحي من الله أو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!
وختاما: الإيمان مبني على التصديق بخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي أول المصحف الكريم في بيان صفات المتقين: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
﴾ [البقرة: 2، 3]، أي يصدِّقون بالغيب، والغيب هو خبر الله وخبر رسوله،
فلا يُكذَّب خبر الله وخبر رسوله لشبهة، ولا يُعارض أمر الله وأمر رسوله
لشهوة، وهذا خلاصة الدين الإسلامي:
التصديق بالأخبار، والعمل بالأحكام، قال الله تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ
* إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 115 - 117]، وبالله التوفيق.
هذا بحمد الله ما يسر الله لي إيراده باختصار، نصحا للمسلمين، ودفاعا عن سنة خاتم المرسلين.
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..