الجمعة، 4 ديسمبر 2015

أضرار الحزبية على الأمة الإسلامية

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾[النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد حذر المسلمين من سنن الجاهلية، وأبان لهم سبحانه وتعالى ضرر حمية الجاهلية، فقال عز من قائل: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾[الفتح:26]، ويا له من ضرر حصل على أولئك المشركين، من هذه الحمية، حمية الجاهلية، أدى بهم إلى الشرك بالله سبحانه وتعالى، وإلى البقاء على عبادة غير الله، فعلم من ذلك أنه لا يجوز لمسلم أن يستن بسنة الجاهلية، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في «صحيح البخاري»، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: »أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه«.
فالمتبع سنة الجاهلية أبغض الناس إلى الله سبحانه؛ لأن الله جعلنا على شريعة، كاملة شاملة، تامة، قال الله سبحانه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً﴾ [المائدة:3]، وقال: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾[الجاثـية: 18-19].
وإن من أبغض سنن الجاهلية، وأبشع سنن الجاهلية، لهي هذه الحزبية، فقد أحيوا بها سنة الجاهلية، الحزبية سنة جاهلية، إبليسية، وأول حزبي هو إبليس، عليه لعائن الله، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾[الحجر: 28-31]، ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾[صّ: 75-76].
فأبان إبليس أن الذي حمله على الكفر بالله، كفر الإباء والاستكبار، هو تحزبه، وتعصبه لجنسه، قال: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾[ص:76]، وإن المتدبر لكلام الله سبحانه وتعالى، ليرى أن أمماً هلكوا بسبب التحزب، لقومهم ولأحبارهم ولرهبانهم، حتى أدى بهم ذلك التحزب والتعصب، إلى عبادة من تحزبوا وتعصبوا له، كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن اليهود، فحصل بذلك التحزب والتعصب تقديس لغير الله سبحانه وتعالى، قال الله عزوجل: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[التوبة:31].
فالتحزب طاغوت من الطواغيت، وانظر إلى ما أخبر به سبحانه وتعالى عن قوم نوح عليه الصلاة والسلام، وقد دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾[العنكبوت:14] وفي هذا الزمن الطويل، مع ما أبانه الله سبحانه وتعالى من حكمة نوح، وتنوع دعوته لقومه، ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، وبشتى الأساليب، إلا أن قوم نوح لم تسمح لهم العصبية الحزبية بإتباع ذلك الحق، الذي أرسل الله به رسوله، وبقوا كما ذكر الله عنهم: ﴿قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً * وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً * وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ﴾[نوح: 21-23].
انظر الآن وجه التعصب والتحزب لأحجار وأصنام، ﴿وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً﴾[نوح:23]، ومع هذه الدعوة الطويلة يقول ربنا سبحانه وتعالى مبيناً تعصبهم وبعدهم عن الحق، ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾[هود:40]، لتعلموا ضرر الحزبية، وأن الحزبية قد تؤدي بصاحبها إلى أضرار خطيرة، دينية ودنيوية، وهكذا نبي الله صالح عليه الصلاة والسلام، يقول الله سبحانه وتعالى عنه وعن قومه، ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ * قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾[هود: 61-62]، ما الذي حملهم على الكفر بالله سبحانه وتعالى؟ العصبية الحزبية، لما يعبد أباؤهم، ولطريقة آباءهم.

تأليف: أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

الْحِزْبِيَّةُ هِيَ الْفِتنَةُ(تعريف الحزبية في الإسلام)

الحزبية : ما هي ؟ وما أضرارها ؟ وما قيودها على أتباعها ؟ وما حكمها ؟

الصوفية ماهي ما حكمها في الإسلام (شاهد خرافات الصوفية)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..