الخميس، 22 سبتمبر 2016

لاتكرروا خطأ الكبار !

        في مطلع التسعينات الميلادية كانت هناك معركة شرسة تدور رحاها بين قطبين، مشايخ الصحوة في كفة، عائض القرني وسفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر، والتيار الموازي له ويمثله راحلنا الكبير غازي القصيبي، رحمه الله.
لن نستعرض المرحلة في مقالة عابرة، لذا سنقوم بعملية (زوم إن) لتذكر إحدى تلك المعارك والتي كانت بين عائض وغازي. وعندما أقول معركة فهي كذلك بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كان عتادها المنابر وأشرطة الكاسيت وأعمدة الصحف، حيث كان الأول يتكئ على سلطة الشارع وكان الثاني يتكئ على السلطة الرسمية! التخوين والتخمين وسوء الظن والتشويه المطلق.. كلها حاضرة، ومرحلة كان (الارتباك الأسلوبي) طاغيا لدى الطرفين، كما يقول الدكتور الرفاعي في ثقافية الجزيرة. وحتى تدرك عزيزي القارئ حجم المعركة فقد أخرج القصيبي، رحمه الله، كتابين هما (مهلا يا عائض القرني) و(حتى لا تكون فتنة) والكتاب الأخير بعد ملاسنات كان واضحا أن اللجوء للعنف هو الخطوة القادمة!
الآن أغمض عينيك أيها القارئ الكريم وانسل برفق من التسعينات الميلادية، وانتقل ليوم 17 أغسطس 2010، أي بعد عشرين سنة من تلك الحرب الضروس، إذ كتب الشيخ عائض القرني مقالة في الشرق الأوسط - هي ذاتها التي كانوا يسمونها خضراء - عنوانها: (رحم الله غازي القصيبي!) وهذا عنوان لوحده صادم لمن يعرف التاريخ بين الرجلين، ولكن الصدمة تزداد عندما يقول الشيخ الكريم في مقاله: (ثم دارت بنا الأيام وفي وفاة الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - ذهبت إلى قصر الأمير سلمان بن عبد العزيز لسنة العزاء فلقيت الدكتور غازي القصيبي عند الباب فسلمت عليه وصافحته واحتضنني وهو يضحك ويقول بيت الشعر: (وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا)، وتبلغ الصدمة منتهاها حينما قال القرني: (لما خرج كتابي «إمبراطور الشعراء» عن المتنبي، أرسلت له نسخة هدية وهو سفير في لندن، فأجابني بخطاب بخط يده قال فيه: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وخيرهم الذي يبدأ بالسلام، وأثنى على الكتاب).. حيث أصبحا بعد ذلك صاحبين وصديقين.
وهذا يقودنا للسؤال الجوهري: ما الذي حدث؟ كيف أصبح عدو الأمس صديق اليوم؟ هل تغير غازي فكريا؟ لا.. هل تغير القرني فكريا؟.. لا، ولكن الذي حدث بالفعل أنهما اكتشفا بعد كل هذه السنين، وبعد زوال سكرة المريدين والأتباع، أنك تستطيع العيش جنبا إلى جنب مع من تختلف معه، وأن الوطن يحتاج هذا وذاك، وأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
استغرق الشيخ القرني 20 سنة حتى يعرف أن القصيبي (رمز) ثقافي ووطني، واستغرق القصيبي ذات المدة حتى يدرك أن القرني رقم صعب لا تستطيع إزالته من المشهد! والحمد لله أنهما تصافا وتسامحا قبل رحيل أحدهما.
كل ما سبق الهدف منه شيء واحد فقط: إلى زملائي من جيل تويتر، لا تكرروا نفس الخطأ! نفس الحملات تتكرر اليوم بحذافيرها على ساحات تويتر مع اختلاف الأدوات، حيث حل (الهاشتاق) مكان المنبر، وحل بودكاست الواتس مكان الشريط! ولكن اللعبة تتكرر بشكل مثير للتأمل، لهذا انتبه ثم انتبه من التخندق الفكري والتحزب مع هذا التيار أو ذاك، واسمع لتيار اليمين، خذ ما عنده من جميل واترك ما عنده من قبيح، والتفت لتيار اليسار وافعل ذات الشيء، خذ ما ينفعك من الخير بغض النظر عن البون الفكري بينك وبين قائله، واترك ما يضرك ولو كان من أمك. إن استوعبت هذا الدرس أولا، وطبقته ثانيا، فقد وفرت على نفسك الكثير من الاعتذارات المؤجلة، والكثير من المواقف المحرجة لاحقا!
خلاصة المقالة عبارة أخيرة خذ نفسا عميقا قبل قراءتها: التاريخ لا يعيد نفسه كما يردد الناس، ولكن الحقيقة الصعبة أن الإنسان يكرر غباءه كل مرة!..

بقلم: محمد حطحوط
  صحيفة_مكة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..