سنعبر.. ولا عزاء للمرتزقة

      في العام 1991م زرت لأول مرة الجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى، والتي لتوها استقلت عن الاتحاد السوفيتي البائد، وأدركت هناك جلّ مظاهر الاشتراكية السوفييتية التي لطالما تغنى بها اليسار العربي كفردوس منتظر، وبالطبع فوجئت بمدى التخلف الذي عليه تلك الجمهوريات، ولا أنسى في غمرة سيل المفآجات، التي بدّدت الصورة  الذهنية المتقدمة التي كوّناها عن الاتحاد السوفيتي، حوارا دار بيني وبين أحد مضيفينا هناك، عندما رأيت صنبور الماء في بيته مفتوحا، وشعلة النار في فرن الغاز متوقدة دونما حاجة لهما، وقلت لماذا هذا السرف؟، أجابني بكل برود: إنها مجانية!!

نمرّ اليوم في بلادنا بمرحلة مخاض كبيرة، على كل الصعد تقريبا؛ السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، ومثل هذا المخاض له تبعات ولا شك، بيد أن نهايته هو في صالحنا وأجيالنا القادمة في عصر ما بعد النفط، والدولة تقوم عبر رؤية 2030 الواعدة بعملية اصلاحات اقتصادية جذرية، هدفها وضعنا على المسار الصحيح، ولا شك أن ثمة أكلافا تصاحب مثل هذه التغييرات كهذه الرسوم التي زادت علينا في الوقود والكهرباء وغيرها.

قائد هذه الاصلاحات وأمير الرؤية محمد بن سلمان قال بأنه سيبدأ من الكبار، وأنه يستهدف طبقة الأثرياء بالدرجة الأولى، وأميرنا الشاب نفذ ما وعد به، ودونكم ما فعله بمحاسبة الفاسدين، التي دخلت التاريخ باسم "موقوفي الريتز"، حيث بدأ بالأعلى نزولا، واستعاد لخزينة الدولة عشرات المليارات التي نهبت.

هذه النقطة التي أود الوقوف عندها، أن الأمير محمد بن سلمان قال في حواره التلفازي الشهير بأنه انتبه أن أي عملية تصحيح يجب أن تبدأ من الأعلى، لذلك كل الاصلاحات بدأت من هناك، وحتى انه استهدف طبقة الأثرياء من هذه الزيادات، ودونكم الفرق في سعر البنزين بين نوع 95 و91، حيث يلحظ أي منصف الزيادة المطردة للأولى.

ليس مثل الأرقام والحقائق، فهي التي تحسم أي جدل، وتبدد أي تشكيك، هناك موقع في تويتر تحت اسم "سياسي حر" أحسب أن له مصداقية كبيرة في ايراد الأرقام، ذكر جملة من الاصلاحات التي قام بها ولي العهد، من مبدأ الأعلى، ومنها أنه أمر بمراجعة كل العقود والالتزامات المالية الخاصة بالديوان الملكي- المراسم الملكية ومراجعتها وإخضاعها لإعادة النظر في تكاليف استقبال الوفود وموائد الضيافة الملكية والمناسبات الرسمية ومائدة جلسة مجلس الوزراء والهدايا والمواكب، وأمر كذلك بمراجعة بند الضيافة الداخلي والخارجي الخاصة بأصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء وأمراء المناطق ومن في حكمهم.

خذوا مثالين لذلك، تصوروا أن مياه "kona nigari" القادمة من اليابان -لها بعض المواصفات التي تميزها- يبلغ السعر الحقيقي للتر الواحد ١١٤ ريال، وتحسب على الدولة ١١٩٠ ريال. أمر سمو ولي العهد بإلغاء المياه اليابانية واستبدالها بمياه إندونيسية يبلغ سعر اللتر الواحد ١٨ ريال. وقس على ذلك أنواع عديدة من تلكم الضيافات التي تم تصحيحها واستبدالها.

ما أود أن أصل له أن محمد بن سلمان في سعيه للإصلاح الاقتصادي، بدأ من الأعلى، ولم يفرّق بين وجيه أو أمير أو كبير مع غيره من المواطنين، الجميع سواسية، والكل عليه دفع الفواتير، وعلى الجميع –مهما كانت مكانته وموقعه- مراعاة المرحلة الحساسة التي نمر بها.

أنا رجل من الطبقة المتوسطة، عانيت وسأعانى كغيري من المواطنين من ارتفاع الأسعار والفواتير، ولكن عندما تستمع للمسؤول وهو يقول بأن المملكة ثالث أكبر دولة استهلاكا للمياه في العالم بعد امريكا وكندا، وأن معدل استخدامنا السنوي للمياه يعادل ٤٠% من تدفق نهر النيل، وأن منظمة الصحة العالمية تقول أن استهلاك الفرد بالمملكة يصل ٢٥٦ لتر باليوم، بينما متوسط الاستهلاك العالمي للفرد يبلغ ٨٣ لتر، يجب أن تعذر الدولة في تصحيح هذا المسار، وتعويد المجتمع على الاستهلاك المتزن، وإن أراد الأثرياء السرف فعليهم دفع الفواتير الباهظة من جيوبهم.

لو تستمع للمسؤول الذي يقول أن متوسط استهلاك الفرد في السعودية للطاقة الكهربائية أكثر من ٨ آلاف كيلو واط، بينما المتوسط العالمي لاستهلاك الفرد في العالم يبلغ ٢٧٠٠ كيلو واط، وأننا لو استمررنا في اسرافنا للطاقة حسب نسب الزيادة السنوية لاستهلاك الكهرباء المقدرة ٦% سنستهلك جميع إنتاجنا من النفط داخليا بعد ١٦ سنة ونصف؛ لعذرته في اصلاحاته.

ليس مثل الأرقام والاحصاءات العلمية الثابتة في اقناع المواطن، ولطالما كررت في برامجي ومقالاتي بأن ولاة أمرنا عوّدونا في هذا الوطن بمراعاة مواطنيهم، وجعل مصلحتهم بالدرجة الأولى، لذلك كان صندوق "حساب المواطن" لمساعدة ذوي الدخل المحدود، وأيضا المنحة الملكية الأخيرة لمساعدة الطبقة الوسطى والفقيرة في تحمل أكلاف الغلاء، ويجب أن يعي المجتمع أننا إزاء مرحلة جديدة، ليس للسرف وللترف والكماليات مكان إلا بتقنين، ومن الضروري أن يراعي الفرد انفاق مدخولاته المالية، إذ لا حلّ أبدا إلا هذا في مرحلتنا التي نعيش، يجب أن نعي أيضا أن أية عملية تصحيح تصاحبها ولا شك بعض الأخطاء الصغيرة التي تعالج في وقتها وتصحح بما رأينا وسنراه.

أعداء هذا الوطن وعبر أبواقهم الأجيرة يعزفون اليوم على هذا الوتر، ويهوّلون وينفخون بقنواتهم ومواقعهم الالكترونية في تشكيك بائس في الاصلاحات الاقتصادية،وعبر أُجَراء لا همّ لهم إلا محاولات مضحكة للتأليب، والحقيقة أنه انحدار مخزٍ للقناة الساقطة "الجزيرة"، وهي تستجلب مرتزقة لتشكك في هذه المسيرة الثابتة للرؤية، ومهما فعلت – هي والقنوات التي يقودها الأجير عزمي بشارة- لن تستطيع زرع الفتنة، فهذا الشعب الوفي ملتف حول قيادته، ولن تزيده مثل هذه الهجومات إلا التفافا حول ولاته من آل سعود الذين أثبتوا على مرّ تاريخهم، أنهم أرحم وأعطف بشعبهم.

والحقيقة أنني كنت –كاعلامي- غير متفهم لأسلوب الشدة والقوة التي يقودها معالي المستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني حيال تنظيم "الحمدين" وأجيرهم عزمي بشارة، وبقية جوقتهم الاعلامية القطرية وقنواتهم التي يدعمونها في كل العالم، ومعالي المستشار اعتذر في موقعه بتويتر في تغريدة مثبتة بقوله: "بعض الإخوة يلومني على ما يراه شدة بالعبارة. لكل مقام مقال. والحديث هذه الأيام يحتاج لهذه اللغة. ولو رجعتم لتغريداتي قبلها لما وجدتم ذلك".

وأعترف أنني مخطيء -وغيري- تمام الخطأ، وأن ما فعله معالي المستشار كان ناجحا جدا،  فمثل أولئك المرتزقة لا يحتاجون إلا لغة مثلها بل أشدّ، وقد نزلوا للحضيض من العمل الاعلامي الذي كانوا يتباهون بأنهم مهنيين فيه، ما أبان على أن الحملة الاعلامية المسددة عليهم أوجعتهم وآلمتهم جدا، وجعلتهم يستأجرون عملاء يقيئون حقدهم ضد بلادنا، ويشككون في الاصلاحات الكبرى بلا طائل.

الشعب السعودي أثبت على مدى تاريخه التحامه ووقفته وثقته بقيادته من آل سعود، الذين بدورهم يضعون هذا الشعب أمام أعينهم، وسنعبر بإذن الله هذه المرحلة إزاء سعودية شابة وحديثة وقوية.

مقالتي اليوم تقرأ في الإصلاحات الاقتصادية بالمملكة التي تمضي باطراد وثبات، 
ما اغاظ قناة الفتنة ومواقع عزمي بشارة والمأجورين معه،فقاموا يؤلبون ويصيحون..
المقالة بعنوان:  سنعبر ولا عزاء للمرتزقة

  **

       بقلم: عبدالعزيز قاسم

المصدر