أصبحت السعودية مؤخراً محط اهتمام الصحف
العالمية إلى درجة لاتصدق. لم يعد من المستغرب أن تشاهد في أعرق وسائل
الإعلام العالمية أخباراً عن تداعيات أحداث تافهة تقع في المجتمع السعودي،
كما فعلت «الغارديان» مع خبر المراهق الذي رقص ماكرينا في جدة أو
«الإندبندنت» مع الشاب السعودي الذي أدى رقصة «الداب».
ربما هذا ما يجذب الجمهور لديهم ويرضي فضولهم عن ذلك الجزء المجهول
لديهم من العالم، إلا أنه وبغض النظر عما إذا كانت المادة خبراً تافهاً، أو
تقريراً عميقاً عن التحولات الإيجابية في المجتمع السعودي، يظل القاسم
المشترك والمستفز دائماً هو تعليقات القراء (وتلاحظ ذلك خصوصاً في الصحافة
البريطانية). إذ لا تكتفي التعليقات بتناول السعوديين بشكل سلبي مستوحاة من
الصورة النمطية التي رسمها جهلهم، بل يعمد المعلقون إلى السخرية البذيئة
في نقد السعوديين مما يطرح تساؤلاً حول مدى جدية هذه المؤسسات الإعلامية في
التعامل مع العنصرية فيما لو كانت تلك التعليقات تتناول أعراقاً أخرى أو
تعادي السامية.
غالب المعلقين ينتقدون بعض المظاهر التي لاتعجبهم في السعودية أو بشكل أكثر دقة، «لا تتوافق مع ثقافتهم»، وهنا أود أن أقول: إن بإمكاننا أن نكتب معلقات شعرية في مديح التطور المادي الذي وصل إليه الغرب لكن عندما يأتي الأمر إلى الثقافات الأخرى، هناك فئة كبيرة منهم لا تعرف شيئاً عن احترام خيارات الآخرين، إذ إن المقياس لديهم هو «كم يبعد ذلك عن قيمي وعاداتي؟».
قبل عدة سنوات دار حوار بين طالب سعودي وشاب أميركي حول العادات الاجتماعية في السعودية، قال الأميركي في نهاية الحوار، «لا تقلق، سيأتي اليوم الذي تصبحون فيه مثلنا» رد السعودي «ومن قال: إنكم المثل الأعلى وأننا نسعى أن نكون مثلكم؟» وأردف: السيدة الغربية تجلس على الشاطئ بلباس البحر وتنظر للمرأة المحجبة بشفقة ودونية، ما الذي يجعلها تفكر أن لها الحق في أن تكشف تقريباً كل جسدها وأنه ليس من حق المرأة الأخرى أن تغطي معظمه؟
احترام حريات الآخرين وعاداتهم هو إحدى أرقى علامات التطور الإنساني، ولذلك هناك تفاوت كبير بين المجتمعات في تقبل الأجانب حتى في أوروبا، ويتناسب ذلك مع تزايد العنصرية في المجتمعات أو تناقصها، من هنا يقاس التطور الحضاري لدى مجتمع ما.
وأخيراً، ما سبق لا يعني أن مجتمعاتنا تخلو من المظاهر السلبية أو أنها لا تستحق النقد، فلدينا الكثير مما عملنا على تصحيحه والكثير مما يجب تقويمه أيضاً، لكن يجب أن يكون ذلك نابعاً من قناعتنا بالتعديل دون أن نأبه لمجتمعات تريدنا نسخاً منها.
الاثنين 3 جمادى الآخرة 1439هـ - 19 فبراير 2018م
عماد العباد
المصدر
-
.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
غالب المعلقين ينتقدون بعض المظاهر التي لاتعجبهم في السعودية أو بشكل أكثر دقة، «لا تتوافق مع ثقافتهم»، وهنا أود أن أقول: إن بإمكاننا أن نكتب معلقات شعرية في مديح التطور المادي الذي وصل إليه الغرب لكن عندما يأتي الأمر إلى الثقافات الأخرى، هناك فئة كبيرة منهم لا تعرف شيئاً عن احترام خيارات الآخرين، إذ إن المقياس لديهم هو «كم يبعد ذلك عن قيمي وعاداتي؟».
قبل عدة سنوات دار حوار بين طالب سعودي وشاب أميركي حول العادات الاجتماعية في السعودية، قال الأميركي في نهاية الحوار، «لا تقلق، سيأتي اليوم الذي تصبحون فيه مثلنا» رد السعودي «ومن قال: إنكم المثل الأعلى وأننا نسعى أن نكون مثلكم؟» وأردف: السيدة الغربية تجلس على الشاطئ بلباس البحر وتنظر للمرأة المحجبة بشفقة ودونية، ما الذي يجعلها تفكر أن لها الحق في أن تكشف تقريباً كل جسدها وأنه ليس من حق المرأة الأخرى أن تغطي معظمه؟
احترام حريات الآخرين وعاداتهم هو إحدى أرقى علامات التطور الإنساني، ولذلك هناك تفاوت كبير بين المجتمعات في تقبل الأجانب حتى في أوروبا، ويتناسب ذلك مع تزايد العنصرية في المجتمعات أو تناقصها، من هنا يقاس التطور الحضاري لدى مجتمع ما.
وأخيراً، ما سبق لا يعني أن مجتمعاتنا تخلو من المظاهر السلبية أو أنها لا تستحق النقد، فلدينا الكثير مما عملنا على تصحيحه والكثير مما يجب تقويمه أيضاً، لكن يجب أن يكون ذلك نابعاً من قناعتنا بالتعديل دون أن نأبه لمجتمعات تريدنا نسخاً منها.
الاثنين 3 جمادى الآخرة 1439هـ - 19 فبراير 2018م
خارج الإطار
عماد العباد
المصدر
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..