بعد باقعتها السوداء، ومطالبتها تقسيم السعودية إلى خمسة أقاليم؛ قاءت الناشطة اليمنية توكل كرمان بعضا من حقدها الدفين على بلادنا، وقالت بأن المملكة وشقيقتها الإمارات "جاءتا إلى اليمن لاحتلاله والاستحواذ عليه"، مضيفة في تصريح لرويترز بأن : "الاحتلال السعودي الإماراتي لليمن واضح للعيان .. لقد غدروا باليمنيين وخانوهم واستغلوا انقلاب ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران على الشرعية، ليمارسوا احتلالا بشعا ونفوذا أعظم".
توكل كرمان ناشطة يمنية، حازت إبّان الربيع العربي على جائزة نوبل في العام 2011م، وقتما كان باراك أوباما يحلم بتغيير المنطقة العربية، مستبدلا مشروع "الشرق الأوسط الكبير" لكوندي السمراء، بهذه الثورات التي جعلت من قطر رأس المدفع، ومن جماعة "الإخوان المسلمين" مطيّة، ومن تركيا أردوغان راعية، قبل أن ينقلب السحر عليهم جميعا، ورحل ذلك الكاوبوي الذي غدر بحلفائه في الخليج، مخلّفا هذا الدمار والدماء في البلدان التي شهدت تلك الانقلابات.
قدّمتْ تلكم الثورات البلاء أسماءً شبابية، سطعت لبرهة إبان مدّها، وقد تخفّت جماعة "الإخوان المسلمين" الإرهابية خلفهم، فمن توكل كرمان في اليمن، إلى وائل غنيم في مصر، إلى مصطفى عبدالجليل في ليبيا، وجوهٌ شبابيةٌ ساذجة، ظنت أنها تقود الثورات المليونية، ولم يدروا –إلا بعد انفضاض المولد- أنهم كانوا أراجوزات، يُمسك بخيوطها من وراء الستار هؤلاء الإخوان، الذين بدورهم كانوا يأتمرون بتنظيم "الحمدين" في قطر، وبرحيل أوباما تساقطوا واحدا تلو الآخر.
توكل كرمان تَعرفُ قبل غيرها أنّ التحالف العربي الذي تقوده المملكة، إنما تكوّن بسبب التغلغل الصفوي الفارسي في اليمن، وبسقوط صنعاء تبجّح الملالي في قم وطهران بأنّ الدور آتٍ على السعودية، ولو لم ينتفض مليك الحزم سلمان بن عبدالعزيز تجاههم، وبمساندة شقيقتها الإمارات وبقية الدول التي هبّت تلبي دعوة مليكنا الكبير؛ لكانت الخارطة الخليجية والعربية غيرها اليوم.
فبدلا من أن تتجه كرمان لأصل الداء المتمثّل في الفرس الذين تمدّدوا في أرض بلقيس عبر ربائبهم الحوثيين؛ اتجهت المأفونة –بعين عوراء وبكل بجاحة- إلى السعودية والإمارات لتصفهما أنهما يمارسان احتلالا بغيضا، ولكأن ما تمارسه إيران جنّة ورحمة باليمنيين.
لا أنتظر من توكل كرمان أن تتحلّى بالإنصاف وموضوعية الحكم والتناول، فهي في النهاية ربيبة قطر، تعتاش على الريال القطري الفاره، وقد مكثت عندهم هناك بعد تركها لبلادها اليمن، ومن ثم انتقلت إلى تركيا، التي تتجنّس بجنسيتها اليوم؛ لتقوم بدورها المطلوب منها من تنظيم الحمدين، والذي لأجله تتقاضى راتبها الشهري الضخم، فتقوم بإطلاق هذه التصريحات المعادية من مقاهي "تقسيم"، وهي تبتسم سعيدة للسابلة في ذلك الشارع الإسطنبولي العتيق، متباكية على اليمن الحزين الذي تركته وهجرته إلى فنادق تركيا الشهيرة المطلة على بحر مرمرة.
للأسف باتت تركيا اليوم وكراً لعشرات الآلاف من جماعات الاسلام السياسي، وغيرهم من بقية التيارات القومية واليسارية العربية، وتعجّ بمئات من القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية المعارضة للنظم العربية، وكنت أقول لصديق تركي العام الفارط؛ أنّ احتشاد هاته المعارضات يضرّ بموقف تركيا من التصالح والتقارب مع الدول العربية، خصوصا دول الخليج ومصر. وإذ ردّ عليّ الصديق التركي بأن الواجب الديني والإنساني يُملي على تركيا إيواء هؤلاء المعارضين الذين أوذوا في بلادهم.
قلت له فورا، إنّ بلادي ودول الخليج تفعل هذا الواجب، ولكننا نشترط على من يأتينا التزام آداب الضيافة، وعدم التعاطي في الشأن السياسي، ودونك مثالا؛ موقفنا من الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين، وموقف الشقيقة الإمارات العربية من الرئيس اليمني الجنوبي الأسبق علي سالم البيض.
لا يصحُّ ما تفعله تركيا اليوم من إيواء هاته الأعداد الضخمة من المعارضين، الذين يصيحون بشتم الأنظمة العربية –ليل نهار- عبر الفضائيات والمواقع التي تتلقى تمويلها من قطر، ويوما ما، يوما قريبا غير بعيد؛ ستدرك تركيا أنهم إزاء جماعات انتهازية متلوّنة، سينقلبون عليها ويغدرون بها في أية لحظة، بما فعلت جماعة الإخوان المسلمين بالسعودية إبّان حرب الخليج الأولى عام 1991م، وانحيازهم الغادر لصدام حسين،
بل لاحظتُ في الآونة الأخيرة أن قنوات "الإخوان المسلمين" هناك بدأت تتحوّل لمهاجمة السعودية بشكل سافر بعد أن كانت متخصّصة في الهجوم فقط على نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي في مصر، وهذا انعطافٌ حاد؛ ليس من مصلحة تركيا أبدا أن تتورط في فتح قنوات تهاجمنا، وبهذا الشكل السافر والصريح، والسعودية على مدى تأريخها تعالج أمثال هذه الحوادث بالحكمة والصبر، ولكن بالتأكيد أنّ لها حدودا.
طالبنا كثيرا بتقوية علاقات دول الخليج بتركيا لوقف الهيمنة الصفوية على العالم العربي، بيد أنّ على تركيا بدورها معرفة أهمية ومكانة وقوة دول الخليج، وهذه الاستفزازات الاعلامية بترك أولئك المعارضين يهرفون وينعقون بمهاجمتنا؛ لا تخدم أبدا العلاقات مع تركيا، وعلى العقلاء هناك أن يقيسوا بمثال بسيط، يتمثّل في احتضان السعودية والإمارات لتنظيم "فتح الله غولان" المصنّف ارهابيا من أنقرة، وأتاحت له –مثلا- مهاجمة أردوغان والحكومة التركية الحالية، كيف سيكون موقف أنقرة؟!
توكل كرمان بالونٌ نُفخ عبر نوبل، ومصداقيتها لدى اليمنيين ساقطة، لأن الشعب المصابر في الجبال والخنادق الذين يردّون الغزو الفارسي عن بلادهم؛ لهم الكلمة، لا أراجوز قطر البائس.
مقالتي اليوم تتطرق لهؤلاء المعارضين العرب الذين تحتضنهم تركيا، وتدفع لهم قطر ليهاجموا بلادنا..
*
بقلم: عبدالعزيز قاسم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..