السبت، 22 سبتمبر 2018

أبرز خصائص فقه القضاء في الإسلام

         الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
يتميز التشريع الإسلامي عن غيره من التشريعات الوضعية الأخرى؛ بإرساء نظام قضائي فريد من نوعه، اتصف بمجموعة من الخصائص والمميزات، جعلته
أكثر قدرة على تحقيق غاياته وأهدافه، وأقدر على تحقيق العدل وإحقاق الحق؛ ليتميز بتلك الخصائص عن غيره، وليس هذا تجاوزاً أو مغالاة؛ بل هي الحقيقة التي أثبتها هذا البحث العلمي، من خلال الاطلاع على كل الدراسات الأخرى، سواء كانت دراسات القدامى أم المحدثين من العلماء الذين درسوا القضاء الإسلامي؛ فجاءت هذه الخصائص منثورة في كتبهم، ينظمها هذا البحث لإثبات حقيقة التميز للنظام القضائي في الإسلام .  
وهذه الخصائص تتمثل في: ارتباط القضاء بالعقيدة، واستقلاله عن السلطات الأخرى في الدولة، وثقة الناس به، ومراعاته للحالة النفسية للمتقاضين واحترام إنسانيتهم، وسرعته في النظر في الخصومات والبتّ فيها، والسعي لتحقيق منتهى العدل، والمساواة بين الخصوم.
فكان هذا البحث من أجل دراسة هذه الخصائص ومعرفة مدى تأثيرها على نظام القضاء في الإسلام، وكيفية الإفادة منها عند تطوير هذا النظام، وبيان فضله وأهميته على غيره من الأنظمة الأخرى.

المقدمة:
    إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعين به، وصلي ونسلم على رسوله المصطفى محمد ابن عبد الله النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحابته الغرّ الميامين، أما بعد.
    فإن الطبائع التي جُبل عليها الناس اقتضت التخاصم بينهم، وإن هذا التخاصم بدوره اقتضى وجود من يقوم بالنظر فيه، وردّ الحق إلى أصحابه، ودفع الظلم عن المظلوم والأخذ على يد الظالم، ولا يكون ذلك إلا إذا كان هناك نظام قضائي ثابت يضع منهجاً خاصاً للتقاضي والحكم بين الناس.
    وبقدر ما يكون هذا النظام قريباً من فطرة المتخاصمين، منسجماً مع عقيدتهم ورؤيتهم لمبادئ العدل والإنصاف، بقدر ما يكون مطاعاً ومستجاباً له، وقادراً على تحقيق الغاية المرجوة منه.
    وهذا الأمر لا يتوفر إلا لنظام رباني، نزل به الوحي الأمين من عند خالق الخلق، العالم بما يصلح للخلق، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ( )، من أجل ذلك تراه قد فاق كل قضاء غيره، وتميّز عليه بالعدل والإنصاف، واحترام الناس له، وثقتهم به، وانصياعهم لأحكامه عن رضا وطواعية، وثبات قواعده على مر الزمان دونما اضطراب أو تردد.
    وللتوصل إلى سرّ هذا التفوق، كان لابد من دراسة الخصائص العامة لهذا القضاء، والتعرف على الميزات التي تفرق بينه وبين غيره من أنظمة التقاضي الأخرى، حتى نتمكن من التعرف عليها وفهمها  ليظل لهذا النظام القضائي السبق في الفصل بين الخصومات، ودفع الظلامات، وإقامة العدل بين الناس.
طبيعة الموضوع:
    هذا البحث هو دراسة للخصائص التي يتميز بها نظام القضاء في الإسلام، من أجل تأصيل هذه الخصائص والتعرف على الآثار التي تنعكس على القضاء ذاته جراء اتصافه بها.
أهمية الموضوع:
1.    التعرف على أهم الخصائص العامة للقضاء في الإسلام.
2.    بيان الآثار التي تنعكس على القضاء في الفقه الإسلامي نتيجة اختصاصه بهذه الميزات.
3.    الاستفادة من هذه الخصائص عند كل محاولة لتطوير القضاء أو تنظيمه بما تقتضيه المصلحة الشرعية.
4.    بيان فضل القضاء الإسلامي، وسبب تفوقه على غيره من أنظمة القضاء الأخرى، مما يؤدي إلى تقبل الناس له، واقتناعهم به، وتفاعلهم مع أحكامه  وخصوصاً في زمن ساد فيه شرع البشر بدلاً عن شرع الله تعالى.
خطة البحث:
يتكون هذا البحث من مقدمة وسبعة مباحث وخاتمة على النحو التالي:
المقدمة: مهدت فيها للموضوع وتحدثت عن طبيعته وأهميته وخطة البحث ومنهجه.
المبحث الأول: ارتباط القضاء بالعقيدة.
المبحث الثاني: ارتباط تشريعات القضاء بقواعد الأخلاق.
المبحث الثالث: استقلال القضاء.
المبحث الرابع: ثقة الناس بالقضاء.
المبحث الخامس: مراعاة القضاء للحالة النفسية للمتقاضين واحترام إنسانيتهم.
المبحث السادس: سرعة النظر في الخصومات والبت فيه.
المبحث السابع: السعي لتحقيق منتهى العدل.
الخاتمة: ونعرض فيها أهم نتائج البحث، والتوصيات المستخلصة منه.

المبحث الأول
 ارتباط القضاء بالعقيدة
تعريف العقيدة:
إن مصطلح العقيدة هو مصطلح نادر في لغة علمائنا القدامى، وقد استخدموا بعض المصطلحات الأخرى التي قامت مقام هذا المصطلح من مثل (علم الكلام) و(علم التوحيد)، من أجل ذلك كان من الصعب تحديد تعريف العقيدة عند هؤلاء، ومن خلال النظر في كتب المحدثين تبيّن أن العقيدة هي: "الإيمان بالشيء إلى حد أن يصبح ذلك الشيء هو المحرك للعواطف والموجه للسلوك"( )، ويتضح من هذا التعريف أنه تعريف لعموم العقيدة، وليس لعقيدة المسلمين، من أجل ذلك فيكن الاستفادة منه في تعريف عقيدة المسلمين على أنها: "الإيمان بما أنزل الله تعالى على محمد  بحيث ينعكس ذلك على سلوك المؤمن وتصرفاته".
    هذا ومن خلال المعنى السابق للعقيدة، يمكننا القول إن لها الأثر الأكبر في تربية الوازع الديني عند المسلم، بسبب أنها ترسم له بوضوح صورة علاقته مع خالقه، ومع نفسه، والكون الذي يعيش فيه، ثم إنها تين له حدود مسؤولياته عن تصرفاته وأفعاله، حيث إنه لا محالة موقوف بين يدي ربه، مسؤول عن كل ما يصدر عنه، ثم بعد ذلك مجازى بما فعل، إما إيجاباً، وإما سلباً، بالإضافة إلى مساءلته الدنيوية.
    فالعقيدة بهذا المعنى تحقق الرهبة في نفس المسلم،  فتدفعه إلى الطاعة، وتمنعه من المخالفة، كما تبين له مدى قدسية أمر الله تعالى ونهيه، فلا يجترئ على المخالفة، وهذا الشعور بالخوف من الله تعالى، وأن ذاته مقدسة لا يجوّز الجرأة عليها، وعلى أحكامه كذلك فلا يجوز مخالفتها ، إن هذا الشعور هو الذي يُعرف (بالوازع الديني)، الذي هو السياج الواقي، لصاحبه يقيه تلقائياً من معصية الله تعالى ومخالفة أمره، وهو الرقيب الذاتي، الذي يضبط سلوك صاحبه وتصرفاته، ويمنعه من تجاوز حدود الله كلما همّ ، أو فكر بذلك.
الأدلة على ذلك:
    ونسوق هنا بعض الأدلة التي تبين كيف أن الإسلام اعتمد على الوازع الديني في رقابة العبد عند أدائه لما كُلف به شرعاً، ورضي بهذه الرقابة الذاتية على نفسه.
1.    بلوغ النصاب في الزكاة: النصاب شرط من شروط صحة الزكاة( )، ولم يقم الشرع بمراقبة ما إذا بلغ مال الملكف النصاب أم لا إلا عن طريق الملكف نفسه.
2.    الصيام: فرض الله تعالى الصيام بشروطه على المكلفين، والصيام هو الامتناع عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس( )، وهذا يعني أن يكف الشخص عن كل ما يبطل صومه، حتى يكون هذا الصوم صحيحاً، ومن الطبيعي أن يخلو الإنسان بنفسه كثيراً، ولا رقيب معه يطلع على التزامه بشروط الصيام، ولم يرد في الشرع أنه كان هناك من يراقب الإنسان غير نفسه، إضافة إلى أن الله صرح بهذا  فقال في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به"( )، فالحديث دليل على أن الصيام هو عبادة سرية بين الإنسان وربه، بدليل أن الله اختصه لنفسه، ولم يجعل أحداً عليه رقيباً.
3.    الاستطاعة في الحج: الاستطاعة سواء كانت بالمال أو البدن، هي شرط من شروط وجوب الحج على المكلفين( )، والاستطاعة أمر خفي لا يعرفه إلا المكلف نفسه، فهو أدرى بإمكاناته الصحية والمالية ، ولم نعلم أن الشرع كلف أحداً بالاطلاع على مدى استطاعة شخص ما، أو عدمها؛ بل إن الأمر هنا متروك للشخص نفسه، يقدره بحسب دينه.
4.    الاعتماد على نية المطلق في تحديد المقصود من ألفاظ الكناية في الطلاق: الطلاق نوعان: صريح وكناية؛ أما الصريح فهو ما كانت ألفاظه تدل على الطلاق، ولا تحتمل شيئاً غير ذلك، وأما الكناية فهي الألفاظ التي تحتمل الطلاق وغيره( )، وعلى ذلك فلا إشكال في الألفاظ الصريحة، فهي دالة على مراد المطلق بنفسها، أما في الكناية فإن اللفظ لا يكون طلاقاً إلا إذا أراده المطلق كذلك( )، وفي هذا الحال يتوقف الأمر على نيته هو، فإن قال أردت طلاقاً، فهو طلاق، وإن قال لم أقصد الطلاق فالأمر كذلك، فالملاحظ هنا أن الأمر متروك للمطلق نفسه، دون تعيين رقيب عليه غير وازعه الديني.
 ويتضح لنا من خلال ما سبق مدى الترابط بين عقيدة الإنسان، وبين الأحكام التكليفية العملية، إذ كانت العقيدة لها أثر كبير في تعزيزها للوازع الديني الذي اتخذ منه المشرع حارساً ورقيباً على المكلف، عند قيامه بأداء ما كلف به من عبادات، بل هو حارس حتى على غالب سلوكه وتصرفاته التي قد لا يطلع عليها من البشر غيره.
    وبناء على ذلك كان للعقيدة دورها البارز في أحكام القضاء الإسلامي، وخصوصاً في الظروف التي يكون واحداً من المتداعيين فيها هو المتفرد بما يفيد الدعوى إثباتاً أو نفياً، نظراً لغياب الأدلة التي يُعتمد عليها في القضاء عند إثبات الدعاوى أو نفيها.
أمثلة ارتباط القضاء بالعقيدة:
أولاً: اليمين:
    القاعدة الرئيسة في القضاء أن: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر"( )، وأصلها حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي : "لو يعطى النس بدعاهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر"( )، وتقتضي هذه القاعدة أن المدعى عليه يكتفى منه بيمينه عند إنكاره دعوى المدعي الذي عجز عن إثبات دعواه بالبينة، واليمين كما هو معلوم قول مستند إلى الوازع الديني عند الحالف
    لليمين صور غير هذه الصورة السابقة، يُعتمد عليها في إثبات الحقوق وتثبيتها أو نفيها؛ وذلك مثل يمين الاستظهار، وهو يمين يحفظ فيه حق من لا يستطيع الإجابة عن نفسه، كالغائب والمجنون والصغير والميت، إذا حُكم على واحد منهم، فإن المحكوم له يحلف يمينا عند الحاكم يحفظ به القاضي حقوق هؤلاء لحين تمكنهم من الإجابة عن الدعوى بأنفسهم، أو بمن ينوب عنهم( ).
    ومن صور اليمين أيضاً اليمين المردودة، وهي اليمين التي ترد على المدعي إن نكل المدعى عليه الحلف، بحيث يستحق بها المدعي أن أداها ( ).
    وبالرجوع إلى كتب الفقه الإسلامي نجد الكثير من صور اليمين المرتبطة بالعقيدة بشكل مباشر.
ثانياً: الإقرار:
    الإقرار هو: "إخبار عن حق ثابت على المُخبِر"( )، ومن هذا التعريف نتبيّن أن الإقرار فيه ركون إلى تدين الشخص، واعتماد على أمانته، بحيث يُقبل منه إقراره من غير احتياج لدليل يصدقه.
    ويتجلى ذلك بوضوح مثلاً، فيما ادعى على صبي ببطلان تصرفاته لصغره، ثم يقرّ الصبي على نفسه بالبلوغ، فيصدق بإقراره دون يمينه لتصديق الواقع له( ).
    وكذلك الإقرار للوارث إن كان المورث مريضاً مرض الموت،  فقد اعتمد القائلون بصحته من العلماء على الوازع الديني للمقر، حيث الحال التي وصل إليها من المرض تقربه أكثر من تقوى الله تعالى، وتبعده عن محاباة بعض الورثة، وعن اتهامه بمحاولة إنقاص حصص بعض الورثة لصالح البعض الآخر( ).
ثالثاً: إن القضاء يعتمد على ظواهر الأمور:
    إن القاضي في الإسلام ليس مطلوباً منه أن يتعرف على بواطن الأمور عندما ينظر في قضية من القضايا؛ وإنما له الظاهر فقط، رغم أن الظاهر قد يُزيّف، أو يكون خلافاً للباطن؛ بل يصدق أي واحد من المتداعيين إذا قدم دليله دون أن نطالبه بإثبات على تصديق ظاهر دليله لباطنه، اعتماداً في ذلك على صدق المتقاضي وأمانته من جهة، ولعسر التأكد من مطابقة ظواهر الأدلة لبواطنها من جهة أخرى، وفي هذا يقول رسول الله  في الحديث الذي روته عنه أم سلمة رضي الله عنها: "إنما أنا بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إليّ، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه؛ فإنما أقطع له قطعة من النار"( ).
    فالحديث ينبه من ناحية على أن القاضي يقضي على حسب سماعه من الخصم، فيوكله في هذا إلى دينه، ومن ناحية أخرى يتوعده بالعقاب الشديد إن هو ظن أن حكم القضاء يحل له ما علم تحريمه على نفسه، وفي هذا الغاية القصوى في الاعتماد على دين الخصم.
    هذا، وإن القوانين الوضعية رغم استنادها إلى العلمانية، وعدم إقرارها بالتشريعات السماوية، إلا أنها هي الأخرى قد اعتمدت على عقيدة أحد المتداعيين عند العجز عن إثبات الدعوى بواحد من الأدلة المادية المتعارف عليها، وهذا تسليم من المشرع الوضعي بصحة قانون السماء، وأنه بحال من الأحوال لا يمكن الفصل بين الإنسان ودينه، وإن التدين هو كفيل بحفظ حقوق الناس( ).
أثر ارتباط القضاء بالعقيدة:
1.    مساعدة كل واحد من المتداعيين ليتمكن من إثبات حقه عند عجزه عن الدليل المادي، فاليمين والإقرار وغيرهما من الأدلة التي يركن فيها إلى الوازع الديني عند الخصم مكنات يمكن من خلالها الحفاظ على الحقوق، وإلا تعرضت للضياع حيث لا يستطيع المتقاضي دائماًَ تقديم دليل يثبت به حقه.
2.    تعزيز جانب الصدق من المدعي أو المدعى عليه، وخصوصاً إذا جعل الله كفيلاً عليه كما في اليمين، أو رُدّ إلى نفسه كما في الإقرار، حيث المسلم لا يجرؤ على الحلف بالله كاذباً، ولا يرضي لنفسه أن تتهم بالكذب، وقد ورد أن بعض صحابة رسول الله  كان يمتنع عن حلف اليمين مع تيقنه بأن الحق له تورعاً عن الحلف، وإجلالاً لله تعالى( ).
المبحث الثاني
ارتباط تشريعات القضاء بقواعد الأخلاق
    حرص الإسلام بشدة على أن يكون لقواعد الأخلاق أثر على كل تشريعاته، ويظهر ذلك بجلاء ووضوح في كثير من هذه التشريعات، وكان ذلك لأن الأخلاق هي بمثابة ضوابط تعمل على ضبط سلوك الإنسان وتصرفاته، وتوجهه الوجهة السليمة التي تجعل من هذا السلوك سلوكاً إيجابياً يحقق المصلحة المقصودة منه شرعاً، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
1.    شرع الله تعالى القتال بقوله: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)( )، ولكن هذه الآية بما حملته من دليل على مشروعية القتال حيث هي أمر به( )، جاءت أيضاً بقاعدة خلقية تضبط سلوك المقاتل، حيث نهت عن الاعتداء، والمقصود به هنا تجاوز الغرض الذي من أجله شرع القتال، وهو قتل كل من حمل السيف في وجه دعوة الإسلام، وتلك من عداه( ).
2.    أباح الله تعالى الأكل والشرب بقوله: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)( )، ولكنه قيد هذه الإباحة بعدم الإسراف، والنهي عن الإسراف خلق سلبي جاء في طيات الآية التي حملت إباحة الأكل والشرب( ).
3.    وعن شداد بن الأوس رضي الله عنه قال: اثنتان حفظتهما عن رسول الله  قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء: فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح"( )، فقد دلّ هذا الحديث الشريف على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بخلق الإحسان عند قيام المرء بتصرف شرعه الله تعالى له وهو ذبح ما أحل الله له من بهيمة الأنعام.
من خلال هذه النصوص السابقة يتضح لنا بجلاء كيف أن الإسلام اعتمد على الأخلاق في منع الإنسان من تجاوز ما شرع له حيث تنضبط سلوكه بامتثال قواعد الأخلاق التي حملتها تصوص التشريع الإسلامي.
ولما كان فقه القضاء هو جزء من تشريعات الإسلام بشكل عام كان لا بد له أن يتسم بهذه الخاصية، فجاءت قواعد الأخلاق أيضاً لتضبط عملية التقاضي، وتكبح جماح أطرافها جميعاً من التجاوز والشطط، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
1.    التحلي بما شرعه الإسلام من الإخلاق مجلس القضاء، فلا يقوم الخصوم بمقاطعة بعضهم بعضاَ قبل أن ينتهي المتكلم منهم من كلامه، وكذلك لا يقوم واحد منهم بشتم الآخر، أو تحقيره في مجلس القضاء( ).
2.    يدخل الخصوم على القاضي حسب سبقهم إلى مجلسه، وإن لم يُعلم السابق منهم يقرع بينهم، ولكن يقدم على هؤلاء مسافرون مستعدون للسفر، أو النساء وإن جاء هذين الصنفين متأخرين( )، وإن دلّ ذلك على شيء فإنه يدل على أن لقواعد الأخلاق أثر في التدابير والترتيبات التي بواسطتها يدخل الخصوم على القاضي؛ ذلك لأن هذه الأخلاق تتحقق من خلالها مقاصد الشريعة الرامية إلى عدم إرهاق الناس وإحراجهم، حيث في تأخير المسافر لينتظر دوره، فيه إرهاق له ولرفقته الذين ينتظرونه، وكذلك في ترك المرأة تنتظر دورها بين الرجال حرج لها، وهذا ينفيه قوله تعالى، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)( )، وقوله تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)( ).
3.    إن مبنى القضاء هو فض النزاعات، وحسم الخصومات، ومنع الظالم من ظلمه، وإنصاف المظلوم، ورد الحقوق إلى أصحابها، وهذا كله قوام الخلق الذي أمر به الإسلام( ).
4.    الاعتماد على صدق الشاهد، وقبول شهادته بعد  التحقق من شروط صحتها، دون تكليفه ببينه تثبت صدقه، لقوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ)( )، وقوله: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ)( )، وغير ذلك من الأدلة، ولم يؤثر عن أحد من علماء المسلمين أنه قال بقيام الشاهد بتقديم بينة على صدق شهادته، بل اكتفي بما يتحلى به من أخلاق المسلمين.
من خلال هذه الأمثلة وغيرها كثير، يتبين لنا مدى ركون الإسلام إلى قواعد الأخلاق في ضبط عملية التقاضي لما لها من آثار إيجابية نذكر منها:
الآثار المترتبة على ارتباط تشريعات القضاء بقواعد الأخلاق:
1.    ارتباط تشريعات القضاء بقواعد الأخلاق يضمن إتقان عملية التقاضي، وأدائها بقدر كبير من الدقة والصواب، حيث الأخلاق رقيب على سلوك أطراف عملية التقاضي جميعاً، وضابط لكل تصرفاتهم.
2.    ارتباط تشريعات القضاء بقواعد الأخلاق يضمن مثالية عملية التقاضي، حيث السلوك المنضبط بقواعد الأخلاق هو سلوك راقٍ متميز، لما لقواعد الأخلاق من أثر في ترقية النفس السمو بها، بدليل وصف النبي  بأنه على خلق عظيم، في معرض حض المسلمين على التشبه به، يقول الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)( ).
3.    ارتباط تشريعات القضاء بقواعد الأخلاق يمنع كل واحد من أطراف عملية التقاضي من أن يتعسف في استخدام حقه، حيث صاحب الخلق يمتنع عن ظلم الآخرين، أو جحد حقوقهم.
المبحث الثالث
استقلال القضاء
    القضاء في الإسلام سلطة مستقلة، لا يملك أحد التأثير في أحكامها ونظرها للأمور بحال من الأحوال، حتى ولو كان الرأس العليا في الدولة، وهذا يعني شفافية القضاء في الإسلام، ونزاهته، وعدم انحيازه لأحد بشكل من الأشكال، وإن انحاز فإنه لن ينحاز إلا إلى الحق فقط،
مظاهر استقلال القضاء في الإسلام:
1 ـ القضاء في الإسلام يستند إلى شرع الله تعالى:
    وفي هذا يقول الله تعالى: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ... ( )، أي احكم بين الناس بالعدل، ولا تتبع هوى نفسك فيضلك عن سبيل الله، أي عن الطريق الذي اختاره الله لأنبيائه، وهو إتباعهم حكمه عز وجل، وسلوكهم الطريق المؤدي إلى الجنة( )، ومعلوم أنه لا طريق يؤدي إلى الجنة إلا إتباع أمر الله تعالى.
    ومن ذلك أيضاً قول الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً( )، وقوله تعالى: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ... ( )، فالآيتان صريحتان في وجوب القضاء بشرع الله تعالى الذي أنزله للناس جميعاً، حيث حملت كل واحدة منهما أمراً صريحاً بذلك.
    وإذا كان القضاء بهذا المعنى مستنداً إلى شرع الله تعالى، فإن هذا يعني أنه منزه عن هوى الأنفس، وتشهي الحكّام، يقول الطبري في تفسير قوله تعالى مخاطباً داود عليه السلام،  وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ  : "ولا تؤثر هواك في قضائك بينهم على الحق والعدل فيه, فتجور عن الحق"( )، وفسرها القرطبي بقوله: "لا تقتدِ بهواك المخالف لأمر الله"( )، ومعلوم أنه أكثر ما يؤثر  في القضاء هو هوى الحكّام وشهوتهم، فلا يستطيع مقاومتها إلا من رحم الله تعالى.
    وفي التطبيق العملي الدال على ذلك في واقع المسلمين، ما جاء عن رسول الله  حينما كلمه أسامة بن زيد رضي الله عنه في شأن المرأة المخزومية، حيث قال عليه الصلاة والسلام: " وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"( )، وفي هذا النص دلالة واضحة على أن القضاء في الإسلام لا يتأثر بالشفعاء، ولا بالمودة والقرابة، حيث ظهر في الحديث أن رسول الله  ردّ شفاعة أسامة، من ناحية، ومن ناحية أخرى أعلن أن قرابته لفاطمة ابنته لن تمنعه من تنفيذ حكم الله عليها لو أنها فعلت ما يوجب ذلك.
2ـ الفصل بين السلطة القضائية في الدولة الإسلامية وغيرها من السلطات الأخرى:
    عرفت الدولة الإسلامية مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية منذ نشأتها الأولى،  مع ضرورة التفرقة بين منصب النبوة الذي كان يمارسه رسول الله  باعتباره سلطة تشريع، وبين منصبي التنفيذ والقضاء، باعتبار أن النبي  هو رئيس الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، وهو المتولي لمنصب القضاء فيها، وعلى ذلك فقد كان  يمارس هذه الوظائف الثلاثة باستقلال تام، وهذا ما بينه الإمام القرافي بقوله: "واعلم أن رسول الله  هو الإمام الأعظم، وهو القاضي الأحكم، والمفتي الأعلم، فهو  إمام الأئمة، وقاضي القضاة،وعالم العلماء، فجميع المناصب الدينية فوضها الله إليه في رسالته" إلى أن يقول: "فكل ما قاله  أو فعله على سبيل التبليغ، كان ذلك حكماً عاماً على الثقلين إلى يوم القيامة، فإن كن مأموراً به أقدم عليه كل أحد بنفسه، وكذلك المباح، وإن كان منهياً عنه، اجتنبه كل أحد بنفسه، وكل ما تصرف فيه عليه السلام بوصف الإمامة، لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بإذن الإمام، اقتداء به عليه السلام؛ ولأن سبب تصرفه فيه بوصف الإمامة لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بإذن الإمام، اقتداء به عليه السلام؛ ولأن سبب تصرفه فيه بوصف الإمامة دون التبليغ يقتضي ذلك، وما تصرف فيه  بوصف القضاء لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بحكم حاكم، اقتداء به  ؛ ولأن السبب الذي لأجله تصرف فيه  بوصف القضاء يقتضي ذلك، وهذه هي الفروق بين هذه القواعد الثلاث ..."( ).
    يتضح من خلال النص السابق أن التصرفات الصادرة عن النبي  أقسام ثلاثة كما بيناها في السابق، ولا يجوز الخلط بينها كما بين الإمام القرافي، حيث رأى أن تصرف النبي في منصب التبليغ (التشريع) لا ينبغي أن يقدم عليه إلا السلطة التشريعية، وكذلك تصرفه في منصب الإمامة (رئاسة الدولة) لا يقدم عليه إلا من كان رئيساً للدولة، أو إلا من يأذن له رئيس الدولة، وكذلك تصرفه في منصب القضاء.
    ومن هنا يتبين لنا مدى استقلالية سلطة القضاء في الدولة عن غيرها من السلطات الأخرى، ومما يدل على ذلك  صور كثيرة نذكر منها:
    أ ـ عدم جواز عزل القاضي بدون سبب مبيح لذلك:
    تقرر عند الفقهاء أنه لا يجوز للإمام عزل القاضي دون سبب مبيح لذلك( )، وهذا يعني أن القاضي لا يتعرض لأي نوع من أنواع التأثير الذي قد تقوم به السلطة التنفيذية، حيث يأمن على نفسه ابتزاز هذه السلطة، ويطمئن إلى أنه لن يعزل من منصبه إلا بسبب مشروع، وبذا يكون حر القرار، لا يحكم بموجب هوى من قاموا بتنصيبه قاضياً.
    ب ـ يشترط في القاضي أن يكون مجتهداً
    اشترط الفقهاء في القاضي الاجتهاد( )، وهذا الشرط يعني أنه في القضايا التي لا نص فيها ملزم بإتباع اجتهاده، ولا  يجوز لأحد مهما كان أن يلزمه أن يحكم بغير اجتهاده، وإلا لما كان لهذا الشرط فائدة، هذا في القضايا التي لا نص على حكمها، ولكن إذا كانت القضية مما نص الشارع على حكمها فإن هذا يعني إتباعه لشرع الله تعالى فقط، ولا يجوز أن يتبع أحد غير شرع الله تعالى، وهذا أيضاً يؤكد على استقلال القضاء، وعدم إمكانية التدخل فيه من قبل أي سلطة غير سلطة القاضي نفسه.
الآثار المترتبة على هذه الخاصية:
1.    الثقة بالنظام القضائي وعدم الخوف من ظلم القضاة وحيفهم، مما يؤدي إلى الاطمئنان إلى أحكامهم والاستجابة لها والرضا بها، ويشهد بذلك أنه اختصم مشرك من مشركي العرب مع يهودي، وعدما اتفقا على التقاضي، قرر المشرك أن يتحاكما إلى كعب بن الأشرف من أحبار اليهود، فرفض اليهودي ذلك، وطلب أن يتحاكما إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وعلل ذلك بأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يقبل الرِشوة، بينما كعب بن الأشرف مرتشٍ( )، وفي ذلك نزل قوله تعالى:  يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً ً( )، وتفضيل اليهودي محمداً صلى الله عليه وسلم على كعب بن الأشرف، لخير دليل على الثقة به صلى الله عليه وسلم، وذلك بسبب استقلال رأيه في القضاء، وعدم التأثير عليه برشوة وغيرها.
2.    إن عدم الاطمئنان إلى القضاء والثقة فيه، يدفع الخصوم إلى الاقتتال فيما بينهم، واللجوء إلى القوة من أجل تحصيل حقوقهم من بعضهم البعض؛ فيشيع الفساد في المجتمع، وتشيع الفوضى، ويأكل القوي الضعيف، فتضيع الحقوق، أما إذا وثق الناس في القضاء، واطمأنوا إليه، فإنهم سيسارعون إليه لفض نزاعاتهم، وبهذا يعم الأمن في المجتمع.
3.    استقلال القضاء يعني أن الناس أمامه على السواء، لا فرق بينهم بسبب من الأسباب، وهذا يعني أن لا يعتدي أحد على غيره بسبب كونه حاكماً، أو غنياً، أو كبيراً في قومه .... وغير ذلك.
المبحث الرابع
تحقيق ثقة الناس بالقضاء
    إن المتتبع لأحكام القضاء في الإسلام، يجد مجموعة من الأحكام قررها الفقهاء من أجل تحقيق ثقة الجمهور بالنظام القضائي في الدولة الإسلامية، ذلك أن الإسلام يسعى دائماً إلى دفع الخصوم للجوء إلى القضاء من أجل الفصل في خصوماتهم، والنظر في نزاعاتهم، حتى يتحقق الأمن الاجتماعي، ولا يلجأ كل واحد من المتنازعين إلى الفصل في نزاعه مع غيره بنفسه، فتكون شريعة الغاب، ويضطرب أمن المجتمع، وتضيع حقوق الناس، وتسفك دماؤهم، كما جاء في الحديث الذي رواه ابن عباس، أن النبي  قال: "لو يُعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه"( )، فقد قرر الحديث أن هناك نظاماً خاصاً للتقاضي، وقواعد عامة لا بد أن تحكمه، من أجل ذلك كان تنصيب القضاة فرض عين على الدولة( ).
    ويستدل لهذا الأمر الحديث الذي روته أم سلمة رضي الله عنها, قالت: قال رسول الله : "من ابتلي بالقضاء بين الناس فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده"( )
    1 ـ المداولات القضائية الباعثة على ثقة الناس في القضاء: تقرر في الفقه الإسلامي أنه يجب على القاضي أن يسوي بين الخصوم في كل الأمور الإجرائية التي تتعلق بجلسة الحكم، من مثل دخولهم عليهم معاً، ورد السلام على كليهما، بحث إذا سلم أحدهما لا يرد عليه حتى يسلم الآخر، والنظر إليهما، وإجلاسهما في موضع واحد من مجلسه، والتبسم لهما، ....الخ( ).
    قال الشربيني الخطيب: "وكره ابن أبي الدم القيام لهما جميعاً ـ أي للخصمين ـ لأن أحدهما قد يكون شريفاً والآخر وضيعاً، فإذا قام لهما علم الوضيع أن القيام لأجل خصمه، فيزداد الشريف تكبراً، والوضيعانكساراً .."( )، حيث كره ابن أبي الدم القيام للخصمين، حتى لا يظن الوضيع أن القيام كان لخصمه فينكسر قلبه ويتهم القاضي بالتحيز لخصمه.
    وفي نفس السياق يقول البهوتي : ".. ولأنه إذا ميّز أحد الخصمين على الآخر حصِر وانكسر، وربما لم يفهم حجته فيؤدي إلى ظلمه"( )، فعدم العدل بين الخصمين فيه ظلم لواحد منهما، وفيه كسر لنفسه، بحيث يظن أن القاضي قد تواطأ مع هذا الخصم، فلا يثق به ولا بحكمه.
    2 ـ عدم نفاذ حكم القاضي لنفسه، ولا لشريكه في المشترك بينهما، ولا لأصوله أو فروعه: حيث تقرر فقهاً أنه لا ينفذ حكم القاضي لنفسه، ولا لشريكه في المشترك بينهما، و لا لأصوله أو فروعه، بينما ينفذ حكمها على نفسه والمذكورين معه، واتفق الجميع على أن العلة في ذلك هي (التهمه)( )، حيث القاضي في الصور السابقة متهم بالتحيّز إما لنفسه، وإما للمذكورين معه، وهذا ما تقتضيه طبيعة النفس الإنسانية، التي فُطرت على اتهام كل من يحكم لنفسه على غيره.
    3 ـ عدم قبول هدية من لم يكن يهدي إليه قبل ولايته، وهو من أهل مكان هذه الولاية: حيث يحرم على القاضي أن يقبل هدية من لم يهد إليه قبل ولايته القضاء، سواء كان له خصومة أو لم يكن؛ حيث لو كان له خصومة فهذا استمالة لقلب القاضي، وهو تهمة، وإن لم يكن له خصومة، فهو تزلف ونفاق، وهذا تهمة أيضاً، فإن الخصم لو علم أن خصمه قد أهدى للقاضي فإنه لن يطمأن لحكمه أبداً، حتى وإن اشتهر بالعدل والنزاهة( ).
    4 ـ يندب ألاَّ يبيع أو يشتري القاضي بنفسه، وكذلك ألا يكون له وكيل معروف؛ ذلك حتى لا يُحابي من التجار، فيتهمه الناس بالرشوة، فلا يطمئنون لحكمه( ).
الآثار المترتبة على ثقة الناس بالقضاء:
1.    ركون الناس إلى النظام القضائي وثقتهم به، يعني تحقيق الأمن الاجتماعي، وعدم انتشار الجريمة الناتجة عن محاولة كل فرد في المجتمع استرداد حقه المدعى بالقوة، حيث فقدان الثقة في القضاء يدفع الناس إلى تحصيل حقوقهم بأيديهم، وهذا فيه ما فيه من اضطراب المجتمع وزعزعة أمنه.
2.    ثقة الناس بالقاضي تعطيه قوة نفسيه خاصة تجعله يجتهد في أن يكون أكثر عدلاً وأكثر دقة في حكمه، حتى يظل يتمتع بهذه الثقة التي أولاه إياها المجتمع.
3.    الحفاظ على دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، وعدم ضياعها بالحكم بها إلى غير أهلها، وتحقق العدل بين جميع أفراد المجتمع.
المبحث الخامس
مراعاة القضاء للحالة النفسية للمتقاضين واحترام إنسانيتهم  
    يحرص الإسلام كثيراً على إنسانية الإنسان، فهو المخلوق الذي كرّمه الله تعالى على سائر خلقه، ويصدّق هذا قوله تعالى: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً)( )، وكان من دلائل هذا التكريم أن علمه الله تعالى العلم: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا)( )، و(عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)( )، وأسجد له الملائكة: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ)( )، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض، فكان هو سيّد الكون، ومسلطاً على ما فيه: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)( )، وغير ذلك من الأدلة الكثيرة التي تبين مدى عناية الإسلام بالإنسان واحترام إنسانيته، وعدم إعناته وإرهاقه.
    وفي هذا السياق جاءت أحكام القضاء في الفقه الإسلامي أيضاً، جاءت لتراعي إنسانية الإنسان، وتحفظ عليه كرامته، وتراعي حالته النفسية التي هي المحرك لسلوكه وتصرفاته، بحيث تتحقق قناعته بهذه الأحكام، ولا يتطرق الشك إليه فيها، ويتقبلها بتلقائية وعفوية، بحيث يشعر بأن هذا النظام الذي يحترم إنسانيته ويحفظ عليه كرامته، جدير بأن تحترم أحكامه، فيمتثل لها عن رضا وطواعية.
المظاهر الدالة على احترام أحكام القضاء للإنسان ومراعاتها لحالته النفسية:
    لقد قرر الفقهاء مجموعة من الخطوات التي يجب على الدولة اتخاذها من أجل تحقيق راحة المتقاضين، سواء كان ذلك على صعيد اختيار مكان مجلس القضاء، أو شكله وطبيعته، أو كونه لائقاً للقضاء أم لا، وغير ذلك من الترتيبات التي تدل على احترام كرامة الإنسان، والحفاظ على راحته، وتيسير أمر التقاضي عليه، ونسوق هنا بعض هذه المظاهر التي يمكننا من خلالها التعرف على ذلك:
1.    يستحب أن يكون مجلسه واسعاً كي لا يتأذى به الحاضرون.
2.    أن يكون المجلس بارزاً: أي يعرفه من يراه.
3.     مصوناً من أذى حر وبرد وريح وغبار ودخان، ولائقا بالوقت من صيف وشتاء( ).
4.    احترام الآداب المرعية في مجلس القضاء، فلا يقوم واحد من الخصوم بالاعتداء على الآخر أثناء التقاضي بالسب أو مقاطعته في الكلام قبل أن ينتهي من كلامه، أو غير ذلك من الآداب المتقررة في مجلس القضاء( ).
5.    عدم قبول شهادة النساء على الزنا: ذلك لأن قبول شهادتهن في هذا المجال تعني ابتذالهن وانتهاك عفتهن؛ حيث الشاهد في الزنا مطالب بأن يصف أمام المحكمة ما رآه وصفاً دقيقاً، فقد جاء في الحاوي الكبير للماودري " قال الشافعي: "ولا يجوز على الزنا واللواط وإتيان البهائم إلا أربعة، يقولون : رأينا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة"ويكون بمحضر الرجال؛ ومن المسلم أنه لا يمكن للمرأة العفيفة أن تقف أمام هذا الجمع وتأخذ في وصف مشهد الزنا الذي رأته( ).
6.    كون الشاهد غير متهماً: والتهمة أن يُظن بالشاهد أنه يحقق لنفسه بشهادته نفعاً، أو يدفع بها عن نفسه ضرراً( )، وهذا أمر يختلج في نفس المشهود عليه، فمنع المشرع شهادة الشاهد المتهم، حتى وأن تيقن صدق شهادته؛ ذلك كمنع شهادة الأصول للفروع أو العكس( ).
7.    تحريم قبول القاضي للهدية، وكذلك الإهداء له: وهذا يكون في حالة كون المهدي له خصومة عند القاضي، ولم يعتد الإهداء له من قبل، أو اعتاد على ذلك ولكن زادت الهدية عن ما كانت عليه سابقاً( )، وفي ذلك فيه صيانة لمنصب القضاء من أن يظن به الظنون، ودرأ لم يعتمل في خاطر المتداعين من رمي القضاة بالرشوة وغيرها، وهذا خاطر نفسي حرص الإسلام على مراعاته، حرصاً على  الثقة بمنصب القضاء.
الآثار المترتبة على احترام أحكام القضاء لإنسانية الإنسان:
    إن نظاماً تتمثل فيه مظاهر احترام كيان الإنسان السابقة، إنما يقصد إلى رفع الحرج عنه وعدم إعناته، فكون مجلس القضاء بارزاً قريباً يعرفه كل من يقصده بسهولة ويسر، وكونه لائقاً بشخوص البشر وكونه صالحاً صيفاً وشتاء؛ فإن هذا كله يوحي إلى المتقاضين أن هذا النظام الذي يحترم إنسانيته لا يمكن أن يناقض نفسه فتكون أحكامه فيها ما فيها من الجور أو الظلم لواحد من الخصوم بحال من الأحوال، وأن هذا النظام الذي ينأى بالمرأة عن الابتذال ويحافظ لها على عفتها وشرفها، لا يمكنه أن يكون غير ذلك لو كان لها خصومة، أو كانت طرفاً في قضية من القضايا، وبذلك يرى الجميع أنه لا يسعهم إلا الاحتكام إليه طائعين مذعنين، وهذا ما يقصد إليه المشرع.

المبحث السادس
سرعة النظر في الخصومات والبت فيها
    القضاء في الفقه الإسلامي هو الحكم بين الناس( )؛ ذلك لحسم مادة النزاع بينهم، ورد الحقوق إلى أصحابها، مما يساهم في وحدة الصف داخل المجتمع، ومتانة لحمته، وهناك مظاهر كثيرة تدل على هذا المقصد نذكر منها ما يلي:
1.    تشريع القضاء المتخصص( ): حيث أقر الإسلام بتخصص القضاء، سواء كان التخصص موضوعياً أو مكانياً أو زمانياً، وهذه الميزة بالإضافة إلى أنها تضمن جودة عملية التقاضي، حيث القاضي متخصص فيما ينظر فيه؛ فإنها أيضاً تعمل على تسريع عملية التقاضي، وذلك لأنها تحصر عمل القاضي في موضوع ما من موضوعات القضاء، أو في مكان ما، أو زمان ما، أو لأشخاص محددين ...الخ، وهذا يعني تخفيف العبء عن القضاة، بخلاف ما إذا كانت ولايتهم عامة، فإن هذا يعني تكليفهم بكل ما يعرض لهم من قضاء مما يعمل على ازدحام القضايا المعروضة عليهم، وبطء عملية النظر فيها.
2.    مشروعية التحكيم: وقد نص فقهاء المسلمين على مشروعية التحكيم( )، رغم أن حجيته ليست كحجية القضاء( )، إلا أنه يساهم مساهمة فاعلة في تخفيف العبء عن القضاة، وذلك لتحول كثير من الخصوم إلى من يختارونهم من المحكمين، وغالباً كما هو في الواقع المشاهد، فإن هذا الأمر لا يحدث إلى في حال استعجال الخصوم للحكم، وعدم رغبتهم في انتظار حكم القاضي الذي قد يستغرق وقتاً أكبر، وعلى ذلك ينصرف كثير من المتقاضين عن القضاء إلى التحكيم الشرعي.
3.    أن يتخذ القاضي له أعواناً في مجلس القضاء( ): تقرر في فقه القضاء أن للقاضي أن يتخذ له أعواناً في مجلسه؛ من مثل النواب والكتبة، والمزكين، والمترجمين، والحجّاب وغيرهم؛ وما كان هذا إلا من أجل تخفيف الأعباء عن القاضي، والقيام ببعض الأعمال التي لا يتسع وقته للقيام بها؛ ومن صور ذلك على سبيل المثال لا الحصر، عمل المزكي الذي يقوم بالبحث في حال الشهود الذين يجهل القاضي حالهم( )، فهذا العمل يقلل من الوقت الذي يستغرقه القاضي في بحث قضية من القضايا.
4.    مشروعية القضاء على الغائب عند الجمهور: حيث أجاز عند الجمهور المالكية والشافعية والحنابلة القضاء على الغائب بالشروط التي قرروها في مذاهبهم( )، أما الحنفية فقد خالفوا وقالوا بعدم جواز القضاء على الغائب( ).
•    والغائب عند القائلين بالجواز هو من كان حاضراً خارج مجلس القضاء وامتنع عن الحضور، أو من كان مسافراً ما يزيد على مسافة القصر، أي حوالي 85 كيلومتر تقريباً( )، والمقصد مما ذهب إليه الجمهور هو سرعة التقاضي حفاظاً على الحقوق التي لا يمكن أن تنتظر إلى أن يعود الغائب، أو يرضي بالحضور إلى مجلس القضاء، حيث انتظاره قد يستغرق وقتاً تضيع بسببه حقوق الناس، أو تمتد بسببه خصوماتهم إلى ما لا يعلم من الوقت، وهذا ما لا يرضاه الشرع، الذي شرع القضاء لفض  الخصومات بين الناس وإنهاء نزاعاتهم( ).
الآثار المترتبة على سرعة التقاضي:
1.    سرعة ردّ الحقوق إلى أصحابها، ومن ثمّ القضاء على النزاعات الكائنة بين أفراد المجتمع، مما يوفر الأمن الاجتماعي، والمحافظة على وحدة المجتمع وتماسكه، حيث حرّم الله تعالى الاختلاف والتفرق بقوله عز وجل: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)( ).
2.    في حال النظر في قضايا الناس وخصوماتهم دون تأخير أو تسويف، فإن هذا يدفع الناس إلى الاحتكام إلى القضاء، والالتزام بشرع الله تعالى، وإلا فإنهم إما أن يحتكمون إلى أهوائهم أو قوتهم، أو إلى محكمين لا يحكمون بشرع الله تعالى، فتضيع الحقوق، ويسود شرع الغاب، والفوضى بين الناس، وهذا مخالف للحكمة من مشروعية القضاء( ).
المبحث السابع
السعي لتحقيق منتهى العدل
    إن المتأمل في فقه القضاء الإسلامي، يعجب شديد العجب حينما يرى أن هذا الفقه لا يسعى لتحقيق العدل فحسب؛ بل هو يسعى لتحقيق منتهى العدل؛ ولا عجب في ذلك، فإن العدل هو المقصد الرئيس من تشريعات القضاء في الإسلام، ونستطيع أن نقول إنه قوام القضاء وروحه.
    وما سبق ليس كلاماً نظرياً صرفاً، وإنما يؤيده معظم تشريعات هذا الباب من أبواب الفقه، ونسوق هنا بعض الأدلة على ذلك.
المظاهر الدالة على أن القضاء الإسلامي يسعى لتحقيق منتهى العدل:
1.    عدم قبول شهادة الأصول للفروع والفروع للأصول: من المتقرر في فقه القضاء أنه لا يجوز أن يشهد الأصول لفروعهم، ولا الفروع لأصولهم( )، والسبب في ذلك هو التهمة كما بيّن الفقهاء( )، وعلى ذلك فإن شهادة الأصول للفروع وشهادة الفروع للأصول مردودة مهما بلغ هؤلاء من العدالة، حيث عدالتهم شابتها شائبة التحيز والمصلحة.
2.    كون الإقرار حجة قاصرة: أي أنه حجة على المقر لا تتعداه إلى غيره، سواء كان عدلاً أم لا، طالما أنه لا بينة تدل على إدانة الغير؛جرياً على قواعد التقاضي أنه لا جريمة ولا عقوبة بغير دليل( ).
3.    ردّ شهادة الزوجين كل منهما للآخر: حيث تقرر عند جمهور الفقهاء( ) عدا الشافعية( ) أن شهادة الزوجين لبعضهما لا تقبل؛ ذلك لما يقع فيها من التهمة، بغض النظر عن عدالة الزوجين أو عدمها.
4.    عدم نفاذ قضاء القاضي لنفسه: إذا كان القاضي خصماً في خصومة ما، وحكم فيها لنفسه فإن قضاءه غير نافذ( )، مع العلم بأن العدالة هي شرط يجب أن يتوفر في القاضي حتى يصح قضاؤه عند جمهور المالكية والشافعية والحنابلة( ).
الآثار المترتبة على سعي تشريعات القضاء لتحقيق منتهى العدل:
    إن المتتبع للأمثلة السابقة يجد أن المشرع قد ردّ شهادة الشهود، أو منع نفاذ حكم القاضي لا لشيء إلا لأنه كانت تشوب عدالته شائبة التهمة، لا لعدم عدالته، ومن هنا فإن فقه القضاء تجاوز القضاء بشهادة العدل في كثير من المواضع حتى يحقق منتهى العدل؛ أي العدل الذي لا تهمة فيه ولا شبهة؛ ويجوز لنا بناء على ذلك أن نقول العدل المطلق، وهذا يعني الثقة بأحكام هذا القضاء، وعدم إمكانية الطعن فيها، أو الارتياب منها، مما لا يدع مجالاً للتفلت منها، وعدم الانصياع لها، بادعاء عدم نزاهتها.



الخاتمة والتوصيات:
أولاً: الخاتمة:
1.    يمتاز نظام القضاء في الإسلام بمجموعة من الخصائص التي تجعله قضاءً مميزاً عن غيره من أنظمة القضاء الأخرى، يتمتع باستقلاليته الصرفة، وأنه لم يتأثر بأي من أنظمة القضاء الوضعية بحال من الأحوال.
2.    اتصفت تشريعات التقاضي في الإسلام بأنها: مرتبطة بعقيدة الإسلام، كما اتصفت بالأستقلال، وثقة الناس بها، ومراعاتها للحالة النفسية للأنسان وحفظ كرامته وإنسانيته، وكذلك اتصفت بسرعة النظر في القضايا، والسعي لتحقيق منتهى العدل، وكذلك ارتبطت بقواعد الأخلاق والمثل والقيم العليا.
3.    إن قواعد التقاضي بالخصائص السابقة تعمل على تحقيق العدل في أكمل وجوهه، وأرقى صوره، ومعلوم أن العدل هو قوام نظام القضاء.
4.    إن الصفات التي يتصف بها نظام القضاء، تضمن خلو هذا النظام من مظاهر النقص أو الهوى والتشهي والمزاجية.
5.    خصائص نظام القضاء في الإسلام تجعله قضاءً راقياً قادراً على استيعاب قضايا الناس وخصوماتهم،  والنظر فيها في كل زمان ومكان وفي كل الظروف.
6.    إن الحكم الذي يقرره القاضي بعد النظر في أي قضية من القضايا يتلاءم مع طباع النفوس السليمة، ويلقى قبولها بسهولة ويسر.
7.    ارتباط تشريعات القضاء بعقيدة المسلمين جعل لها احتراماً خاصاً وقدسية خاصة، ومهابة في قلوب المتقاضين.
8.    بموجب الخصائص السابقة يقوم نظام القضاء في الإسلام بتطهير المجتمع من كل أسباب النزاع بين الناس في أسرع وقت، ولا يترك مجال لاستشراء الخلاف بينهم.
ثانياً: التوصيات:
1.    على المشرعين ضرورة مراعات هذه الخصائص عند أي تشريع جديد يتعلق بالقضاء الإسلامي حتى تكون هذه التشريعات منسجمة ما تنضم إليه وقادرة على تحقيق الغاية منها.
2.    تثيف القضاة وأصحاب الاختصاص بالظروف المحيطة بفقه القضاء ومنها ما يتميز به من خصائص حتى تكون أحكام القضاء قادرة على تحقيق مقصد الشارع منها.
قائمة المراجع والمصادر
أولاً: كتب التفسير:
1  ـ    البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي: معالم التنزيل، ط4، 1997، دار طيبة،
2  ـ    القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، بدون طبعة أو تاريخ.
ثانيا: كتب الحديث:
3  ـ    الباجي: سليمان بن خلف بن سعيد، ت494هـ، المنتقى شرح الموطأ، ط1، مطبعة السعادة، مصر.
4  ـ    البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ت256هـ، صحيح البخاري، ط3، دار ابن كثير، بيروت، 1407هـ 1987م.
5  ـ    البيهقي: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، ت458هـ، السنن الكبرى، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414هـ 1994م.
6  ـ    ابن حجر: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: ت851هـ، فتح الباري، دار المعرفة، بيروت.
7  ـ    ابن حنبل: أحمد بن حنبل، ت241هـ، مسند الإمام أحمد، مؤسسة قرطبة، مصر.
8  ـ    أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، ت285هـ ، سنن أبي داود، دار الفكر.
9  ـ    الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ت279هـ،
10  ـ    الدار قطني: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، سنن الدارقطني، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان.
11  ـ    مسلم: أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، ت261هـ ، صحيح مسلم، ط2، دار الغرب الإسلامي، بيروت.
ثالثاً: كتب أصول الفقه:
12  ـ    السيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية، 1403هـ، بيورت لبنان.
ثالثاً: الفقه الحنفي:
13  ـ    البابرتي: أكمل الدين البابرتي، العناية شرح الهداية.
14  ـ    الزيلعي: فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، مكتبة إمدادية، باكستان.
15  ـ    السمرقندي: علاء الدين، تحفة الفقهاء، دار الكتب العلمية، 1984، بيروت، لبنان.
16  ـ    ابن عابدين: محمد أمين بن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، ط2، دار الفكر، 1386هـ 1966م.
17  ـ    الكاساني: علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني، ت587هـ ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406هـ 1986م.
18  ـ    ابن مودود: عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي، ت683هـ ، الاختيار لتعليل المختار، ط3، دار المعرفة، بيروت.
19  ـ    ابن نجيم: زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، مكتبة الرشيدية، الباكستان.
20  ـ    ابن الهمام: كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي، شرح فتح القدير، دار الفكر بيروت.
رابعاً: الفقه المالكي:
21  ـ    الحطاب: أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربي الحطاب، ت954هـ، مواهب الجليل شرح مختصر خليل، ط2، دار الفكر، 1398هـ 1978م.
22  ـ    الخرشي: عبد الله محمد الخرشي، حاشية الخرشي على مختصر خليل، دار صادر.
23  ـ    الدسوقي: شمس الدين محمد بن عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار الفكر.
24  ـ    ابن رشد: محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، ت595هـ، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ط5، دار المعرفة، بيروت.
25  ـ    ابن فرحون: برهان الدين بن إبراهيم بن علي، تبصرة الحكام، مطبوع مع كتاب فتح العلي المالك.
26  ـ    القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس، الفروق، عالم الفكر، بيروت.
خامساً: الفقه الشافعي:
27  ـ    البكري: السيد البكري، حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، دار الفكر.
28  ـ    ابن أبي الدم: شهاب الدين إبراهيم بن عبد الله، ت642هـ، أدب القضاء، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407هـ 1987م.
29  ـ    الحسيني: تقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، دار الفكر.
30  ـ    الخطيب: محمد الخطيب الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، دار الفكر.
31  ـ    الخطيب: السابق، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، دار المعرفة، بيروت.
32  ـ    الرملي: شمس الدين محمد بن أبي العباس الزملي، ت1004هـ، نهاية المحتاج إلى شرح المهاج، ط. الأخيرة، دار الفكر، بيروت، 1404هـ 1984م.
33  ـ    الشافعي: محمد ابن أدريس، الأم، ت 204هـ، ط2، 1403هـ 1983م، دار الفكر، بيروت.
34  ـ    قليوبي: شهاب الدين القليوبي، حاشيتا قليوبي وعُميرة على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين للنووي، دار إحياء الكتب العربية.
35  ـ    المحلي: جلال الدين المحلي، كنز الراغبين على منهاج الطالبين للنووي، مطبوع مع حاشيتي قليوبي وعميرة السابق.
36  ـ    الهيتمي: شهاب الدين أحمد بن محمد الهيتمي، تحقة المحتاج، دار الفكر، بيروت.
سادساً: الفقه الحنبلي
37  ـ    البهوتي: منصور بن يوسف بن إدريس، كشاف القناع، دار الفكر، بيروت، 1402هـ 1982م.
38  ـ    ابن قدامة: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي، ت620هـ، المغني مع الشرح الكبير، ط1، دار الفكر، 1404هـ 1984م.
سابعاً: الفقه العام:
39  ـ    أحمد: أحمد إبراهيم بك، طرق القضاء في الشريعة الإسلامية، ط3.
40  ـ    الزرقا: مصطفى أحمد محمد، المدخل الفقهي، دار الفكر، 1406هـ 1986م.
ثامياً: كتب العقائد:
41  ـ    الميداني، عبد الرحمن حبنكة الميادني: الوجيز في العقيدة الإسلامية، ك1، دار القلم، دمسق، 1983.



ـ سورة الملك، الآية 14.
  ـ الميداني: الوجيز في العقيدة الإسلامية ص29.
  ـ الباجي: المنتقى شرح الموطأ، 2/80.
  ـ الموصلي: الاختيار لتعليل المختار، 1/128،
  ـ صحيح البخاري، كتاب الصيام، باب هل يقول إني صائم إذا شُتم، ح1816، صحيح مسلم، 3/157، ح2760.
  ـ الحصني: كفاية  الأخيار، 1/212.
  ـ الخطيب: مغني المحتاج، 3/280.
  ـ نفس السابق.
  ـ السيوطي: الأشباه والنظائر، 1/508.
  ـ البيهقي: السنن الصغرى، 9/234، ح4371، وروي أصله في صحيح مسلم، وعلق النووي على قوله: "ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر" بقوله أن هذه زيادة على ابن عباس، وأسنادها حسن أو صحيح، انظر: النووي: شرح صحيح مسلم، 12/3.
  ـ المحلي: كنز الرغبين، 4/308، الخطيب: مغني المحتاج، 4/407.
  ـ ابن نجيم: البحر الرائق، 7/249.
  ـ الخطيب: مغني المحتاج، 2/238.
  ـ المحلي: كنز الراغبين، 2/2.
  ـ حاشية الخرشي، 6/88، الخطيب: مغني المحتاج، 2/240.
  ـ الشافعي: المسند، كتاب إبطال الاستحسان، ح1186.
  ـ الزرقا: المدخل الفقهي العام، 1/63 ـ 1/65.
  ـ الرملي: نهاية المحتاج، 8/322.
  ـ سورة ا لبقرة، الآية 190.
  ـ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 2/347.
  ـ السيوطي: الدر المنثور، 1/493.
  ـ سورة الأعراف، الآية 31.
  ـ تفسير البغوي، 3/225.
  ـ صحيح مسلم، 13/106، ح1955، سنن ابن ماجة 2/1048، ح3170.
  ـ الصاوي: بلغة السالك، 4/74.
  ـ الخطيب: مغني المحتاج، 4/402.
  ـ سورة الحج، من الآية 78.
  ـ سورة البقرة، من الآية 185.
  ـ السمرقندي: تحفة الفقهاء، 2/369.
  ـ سورة البقرة، من الآية 282.
  ـ سورة الطلاق، من الآية 2.
  ـ سورة القلم، ألآية 4.
  ـ سورة ص، الآية 26.
  ـ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن
  ـ سورة النساء، الآية 105.
  ـ سورة المائدة، من الآية49.
  ـ الطبري: تفسير
  ـ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن الكريم
  ـ صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، ح3306. صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب قطع يد السارق الشريف وغيره، ح3282.
  ـ القرافي: الفروق: 1/205.
  ـ المحلي: كنز الراغبين، 4/299.
  ـ حاشية الدسوقي، 4/129، الخطيب: مغني المحتاج، 4/375. ابن قدامة: المغني، 11/384.
  ـ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 5/263.
  ـ سورة النساء، من الآية 60.
  ـ صحيح مسلم، كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه، ح3314.
  ـ الكاساني: بدائع الصنائع، 7/2، المحلي: كنز الراغبين، 8/236.
  ـ سنن الدار قطني، كتاب في الأقضية والأحكام وغير ذلك، ح3909، للبيهقي: السنن الكبرى، كتاب آداب القاضي، جماع أبواب ما على القاضي في الخصوم والشهود، باب إنصاف الخصمين في المدخل عليه, والاستماع منهما, والإنصاف، ح‏19027‏.  
  ـ المحلي: كنز الرغبين، 4/305، الهيتمي: تحفة المحتاج، 10/150، ابن أبي الدم: أدب القضاء، ص81.
  ـ الخطيب: مغني المحتاج، 4/400.
  ـ البهوتي كشاف القناع: 6/314.
  ـ المحلي: كنز الراغبين، 4/303، الخطيب: مغني المحتاج، 4/393، الهيتمي: تحفة المحتاج، 10/139.
  ـ الرملي: نهاية المحتاج، 8/259.
  ـ الرملي: نهاية المحتاج، 8/259.
  ـ سورة الإسراء، الآية 70.
  ـ سورة البقرة، من الآية31.
  ـ سورة العلق، لآية 5.
  ـ سورة البقرة، من الآية 34.
  ـ سورة لقمان، من الآية 20.
  ـ الصاوي: بلغة السالك، 4/74، مجموعة القوانين الفلسطينية، قانون أصول المحكمات [م 32] 10/131.
  ـ الصاوي: بلغة السالك، 4/74، مجموعة القوانين الفلسطينية، قانون أصول المحاكمات، [م 32]، 10/131.
  ـ الماوردي: الحاوي الكبير، 13/217.
  ـ المحلي: كنز الراغبين، 4/321.
  ـ الرملي: نهاية المحتاج، 8/303.
  ـ البابرتي: العناية شرح الهداية، 10/221، الرملي: نهاية المحتاج، 8/259.
  ـ ابن فرحون: تبصـرة الحكـّام، 1/12، البهوتي: كشاف القناع، 6/285.
  ـ ابن أبي الدم: أدب القضاء، ص57، الخطيب: مغني المحتاج، 4/379.
  ـ ابن الهمام: شرح فتح القدير،7/316، ابن عابدين: حاشية رد المحتار، 5/428، حاشية الدسوقي، 5/128، حاشية الخرشي، 7/145، الخطيب، مغني المحتاج، 4/378، ابن قدامة: المغني، 11/484، البهوتي: كشاف القناع، 6/308، الشيباني: نيل المآرب شرح دليل الطالب، 2/448.
  ـ حيث القضاء ملزم أما التحكيم فإن للخصم أن ينسحب منه في صور كثيرة، وهذا قول الشافعية، ويوافقهم فيه الحنابلة وبعض المالكية، أما البعض الآخر من المالكية فلم يجوّزوا ذلك. انظر: ابن أبي الدم: أدب القضاء، ص122، ابن قدامة: المغني، 11485، ابن فرحون: تبصرة الحكّام، 1/44.
  ـ الخطيب: مغني المحتاج، 4/404 وما بعدها، المحلي: كنز الراغبين، 4/307 وما بعدها.
  ـ تحفة المحتاج، الهيتمي، 10/133، الخطيب: مغني المحتاج، 4/388.
  ـ ابن أبي الدم: أدب القضاء، ص207، ابن رشد: بداية المجتهد، 2/69، ابن قدامة: المغني، 13/632.
  ـ حاشية ابن عابدين، 8/100.
  ـ ابن أبي الدم: أدب القضاء، ص207.
  ـ السمرقندي: تحفة الفقهاء، 2/369.
  ـ سورة آل عمران، الآية 103.
  ـ السمرقندي: تحفة الفقهاء، 2/369.
  ـ الرملي: نهاية المحتاج، 8/303.
  ـ المرجع السابق   
  ـ حمد إبراهيم بك: طرق الإثبات الشرعية، ص205.
  ـ حاشية ابن عابدين، 5/477، الحطاب، مواهب الجليل، 6/154، ابن قدامة: المقنع، 3/701.
  ـ الرملي: نهاية المحتاج، 8/304.
  ـ المحلي: كنز الراغبين، 4/303، الخطيب: مغني المحتاج، 4/393.
  ـ حاشية الدسـوقي، 4/129، الرملي: نهاية المحتاج، 8/238، ابن قدامة: المغني، 11/382.

د. ماهر أحمد السوسي
أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون
Msousi56@iugaza.edu.ps


1430هـ 2009م


-


.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

القضاء في الإسلام

النظام القضائي في الإسلام

القضاء في الإسلام 2

القضاء ومصادر دراسته في تاريخ الإسلام

القضاء في العصر الأموي

بحث عن الدولة الأموية

*قيام الدويلات العربية المستقلة في بلاد المغرب

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..