اخترعت اليابان و البلاد الغربية الأجهزة الذكية ، و ألعاب الفيديو الإلكترونية ، ثم أخذت تُطّور هذه الأجهزة بتسارع رهيب.
لكن و للأسف ، استوردناها و لم نضع أية ضوابط على استعمالها من قبل أطفالنا ، فبدأنا كارثة القرن الواحد و العشرين بحق شبابنا و أطفالنا.
أدى هذا الخطأ الى تغييرات كثيرة في شخصيتهم و جعلهم انطوائيين و في عزلة اجتماعية ...
شغلنا أوقاتهم بها بدون فائدة و ضيعنا أوقاتهم بتوافه ضارة بهم .
جعلت منهم أطفالا قساة غلاظ القلوب .
يستمتعون بألعاب القتل و إراقة الدماء .
قيدت هذه الأجهزة تطور المواهب..
فقد خسر هؤلاء الاطفال مهارات التواصل و الابداع و بناء الصداقات .
و أصبحوا عاجزين عن مناقشة موضوع مهم .
و لا يتمكنون من إلقاء محاضرة أو تقديم موضوع مفيد لزملاء الدراسة ، أو بدء محادثة شيقة أو مفيدة مع أصدقائهم و أقاربهم.
امتنعوا عن مرافقة الأهل في الزيارات العائلية ، و كذلك عن مجالسة ضيوفهم و أقاربهم عندما يزورونهم في البيت ، ذلك بسبب انفصالهم عن الواقع الاجتماعي ، و الشرود و الضياع في الواقع الافتراضي.
اذا .. نجح هؤلاء الشباب في إنهاء دراستهم و التخرج من الكليات!! .. تجدهم قد فقدوا طموحهم في البحث عن عمل ، أو حتى في التفكير بالزواج.
توقف مستخدموها عن القراءة و الاستمتاع بها و الاستفادة منها.
بينت الدراسات العالمية الحديثة أن عدد الصفحات التي يقرؤها أبناؤنا بل شعوبنا سنوياً ، أقلَّ بمئات المرات من أقرانهم في باقي دول العالم.
و أن عدد براءات الاختراع السنوية في اسرائيل وحدها خاصة ، أو في أي دولة من دول العالم الأخرى ، أكثر مئات الأضعاف من براءات الاختراع في الدول العربية مجتمعة.
و أصبح عدد العلماء في بلادنا العربية مجتمعة ، أقل كثيراً من أي دولة من هذه الدول.
قضى أطفالنا أوقاتهم في غرفهم المغلقة المعتمة ، يلعبون الألعاب المدمرة للصحة العقلية ، و النفسية ، و الطموح ، و الحياة الطبيعية.
لا يخلو أي مؤتمر طبي عالمي مؤخرا من عدة محاضرات مهمة تتحدث عن الأضرار البالغة التي سببتها هذه الأجهزة على أدمغة الشباب و الأطفال الذين يقضون أوقاتاً طويلة عليها.
لقد صنفت هذه الأجهزة علمياً مؤخرا ، كواحد من أسباب الإدمان ، المدمر للعقل
و الطموح و الحياة الاجتماعية الطبيعية ، مثلها مثل المخدرات و المسكرات ، و غيرها من مواد الإدمان.
لقد سبب استعمالها ساعات متواصلة ، أعراضاً و نوباتٍ تشبه إلى حد كبير نوبات الصرع ، و كذلك تعددت حالات السقوط على الأرض بدون وعي ، مما أدى إلى تأذّي هؤلاء الشباب و الأطفال جسدياً ، و عصبياً ، و ذهنياً ، و نفسياً ، عندما يستغرقون وقتاً طويلا في استعمالها .
و قد وصل عدة أطفال لعيادتي بحالات إسعافية مختلفة ، هذه السنة ، لهذا السبب ،
ناهيك عن الأعداد الكبيرة في أقسام الطوارئ في المستشفيات ، و قد حولت هذه الحالات لاختصاصية الصحة النفسية لإجراء جلسات العلاج السلوكي بالتقنيات الحديثة ، و قد تحسنوا بفضل الله من هذا الإدمان الصعب بعد عدد متفاوت من جلسات العلاج السلوكي .
أصبح الأهل في هذا الزمن لا يملكون وقتاً للحديث مع أبنائهم ، و لم يعُدِ الأبناءُ مولعين بالحديث مع أهاليهم.
قُطعت صلة الرحم لضيق الوقت و لم يتبقَ لدينا زمن للمطالعة و الدراسة و العبادات.
ضعفت سيطرة المبادئ و الأخلاق ، و أضحت التطلعاتُ واهيةً ، و أحلامُ المستقبل تافهةً.
اشتد الولع باللعب بها، و بشراء كل جهاز جديد.
عندما يشتري الأب له ، أو لابنه الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره جهازا ذكياً ، او واحداً من ألعاب الفيديو فهذه مصيبة كأداءْ .
عندما نعطي فتاةً في المرحلة الابتدائية هاتفا محمولا عليه جميع برامج التواصل الاجتماعي نكون قد أودينا بها للتهلكة...
وأجرمنا في حقها أدبياً و علمياً و خُلُقياً.
اذا لم تسمح لطفلك باقتناء مثل هذا الجهاز فلن تكون قد حرمته إحدى المتع أو ظلمته ،
بل أنت قد منحته السلوك السوي ، و فرصة عيش الحياة الاجتماعية السليمة المناسبة له ليُطوّرَ نفسه .
عندما تنشغل الأم عن أطفالها بجهازها الذكي ، تكون قد تصرفت تصرفاً غير مسؤول تجاههم لأنها أهملتهم ، و لم تستمتع باللعب معهم و التحدث إليهم ، لتنمية مهاراتهم ، و لم تمنحهم الحد الأدنى من الحنان و الحب و الاهتمام ، كما يفترض بها أن تفعل...
و فوتت فرصة ثمينة لتوجيههم و تعليمهم كيف يصبحوا أشباباً ناجحين مميزين .
أضحى الآباء و الأمهات في هذا العصر غيرَ مهتمين بأطفالهم ، يحرمونهم متعة عيش و ممارسة طفولتهم و الاستمتاع السليم بها .
يخسرون أوقاتا ثمينة ، كان من الممكن أن يستفيدوا منها ليوجهوا و يعلموا أبناءهم قيماً و أخلاقاً و علماً و دروساً في الحياة ، تجعل منهم شباباً و فتياتٍ ناجحين في المستقبل.
ترى الأبوين مشغولان بجهازيهما لا يردون على أسئلة أطفالهم ، و لا يولونهم الاهتمام اللازم مما يحبطهم ، و يفقدهم الاحترام لأبويهم و محبتهم .
أصبحت العائلة في حالة مأساوية من التشتت و الضياع بالرغم من النعم العظيمة التي تملكها.
لم نستثمر الأجهزة الاستثمار الصحيح ، بل جعلناها نقمةً وجحيماً علينا و على أولادنا.
أصبح أقصى طموح الشباب امتلاك جهاز حديث ، وعددٍ من الأصدقاء الافتراضيين ، لم يقابلوا معظمهم شخصياً ، و لا يعرفون عنهم شيئاً.
و تركوا من هم أحق بالصحبة كالوالدين والأخوة و الأقارب والجيران وأصدقاء الدراسة
و معلميهم.
يجب أن نصحو من غيبوبتنا التي طالت سنيناً ، وتفاقمت عواقبها لتصل الى أبنائنا و بناتنا.
ليس الحل في التخلص التام منها ، و لكن بتنظيم استعمالها ..
حسب تعليمات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال :
يسمح للطفل عندما يكمل السنة الثانية من عمره بمشاهدة التلفزيون ساعة واحدة يومياً ، و عندما يكملون الخامسة مدة ساعتين ، مشاهدة غير متصلة، بل مقسمة الى عدة فترات .
و لا تسمح هذه التعليمات لهم باستعمال الأجهزة الذكية إلا عندما يكملون الثانية عشرة ، .. و المدة ساعة واحدة يوميا ، شرط أن لا تعيقهم عن أداء واجباتهم الدراسية ، و نصف ساعة يوميا فقط على ألعاب الفيديو المناسبة.
و يفضل ان يكون ذلك مقصوراً على عطلة نهاية الأسبوع.
ارجعوا لحياتكم و أبنائكم وأسركم
ولا تحرموا أنفسكم هذه الفرصة الثمينة .
حددوا أوقاتا معينة لها ، واستثمروا أوقات فراغكم و حياتكم فيما ينفعكم و ينفعهم .
أرشِدوا أبناءكم ، و زوروا أصدقاءكم و أحبابكم وارحامكم .
والعبوا مع أطفالكم و تحدثوا معهم و ناقشوهم و وسعوا مداركهم و ربوهم التربية الصالحة و امنحوهم النشأة الصحيحة.
كي لا تندموا و تذهب حياتكم و حياتهم سُدىً .
د. علي كوجك
اختصاصي الأطفال و الرضع و الخدج.
مركز العطاء الطبي الدولي بالشارقة
هدا 👆 على صفحة عيادتي على فيسبوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..