خلفية تاريخية
لقد اقتصرت علاقات الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سـعود، أثناء توحيده للبلاد الـسعودية، على
القوى المحيطة بمنطقة نجد.
ولكن بعد هذه المرحلة، توسعت تلك العلاقات، لتشمل عدة قوى أخرى. وقد اعتمدت العلاقات الـسعودية الخارجية، في عهده على مبدأين. المبدأ الأول، هو الوضوح والاحترام المتبادل. والمبدأ الثاني، هو تحقيق المصلحة العامة للوطن. ويمكن الحديث، أولاً، عن العلاقة السعودية بإمارات الخليج العربي ومشيخاته.
لقد ارتبطت المملكة العربية السعودية بعلاقات تاريخية مميزة، بإمارات الخليج العربي ومشيخاته.
فإلى جانب الجوار الجغرافي، هناك علاقات، أسرية وقبلية وسياسية واقتصادية، متينة، بين هذه الكيانات السياسية. ويرجع تاريخ هذه العلاقات إلى عهد الدولتَين الـسعوديتَين، الأولى والثانية. وقد قدر الملك عبد العزيز الموقف النبيل، الذي وقفته كلٌّ من البحرين و قطر و الكويت، تجاه والده، الإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود، وأسرته، حينما خرجوا من الرياض، سنة (1309هـ 1891م)، بعد غلبة الأمير محمد بن عبد الله بن رشيد، واستيلائه على الرياض، وانتهت بذلك الدولة السعودية الثانية. ولقد توجه الملك عبدالعزيز، مع والده، إلى قطر، ثم البحرين، ثم الكويت، حيث لقيا كل حفاوة وإكرام وتقدير.
العلاقات الـسعودية البحرينية
بعد أن تمكن الملك عبدالعزيز من توحيد الديار السعودية، وتوطيد حكمه، والتغلب على أعدائه، قام بزيارة البحرين، في 25 رمضان سنة 1348هـ/ 24 فبراير سنة 1930م، وهو في طريق عودته من لقاء الملك فيصل، ملك العراق، في عرض الـخليج، على ظهر باخرة بريطانية ـ للتعبير لشيخ البحرين عيسى بن خليفة،عن شكره لشعب البحرين الصديق.
وبينما كان الملك عبدالعزيز في الظهران، في 12 ـ 17 ربيع الأول عام 1358هـ / 2 ـ 7 مايو 1939م، يتفقد منشآت النفط، التي أقيمت هناك، زاره الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ليسلم عليه. ودعاه لزيارة البحرين. وفعلاً، لبى الملك تلك الزيارة، وتحركت اللنشات من الخُبر إلى المنامة. ولم يدع أهل البحرين وسيلة لإدخال السرور إلى قلب الملك عبدالعزيز، إلا عمدوا إليها، وبالغوا في تكريمه. ويقول الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار: "ومضى الملك عبدالعزيز، ومعه حرسه، إلى البحرين. فاستقبلته جموع كثيرة من أهلها. ولبست البحرين أبهى حللها، استقبالاً للملك العربي الكبير. وسار الملك، والجماهير تحييه، وتهتف بحياته هتافاً عالياً". وقد قام حكام البحرين بزيارات عديدة إلى المملكة العربية السعودية. وحرص القادة في البلدَين على تمتين علاقتهم، الشخصية والرسمية.
العلاقات الـسعودية الكويتية
أما الكويت، فقد كانت علاقتها بالمملكة العربية السعودية عميقة الجذور، وترجع إلى عهد الدولة السعودية الأولى.
وبعد سقوط الدولة السعودية الثانية، عام 1309هـ/1891م، توجه الإمام عبدالرحمن الفيصل آل سـعود، مع ابنه، الأمير عبدالعزيز، الذي كان في الثانية عشرة من عمره، إلى الكويت، للإقامة بها، ولقيا الحفاوة والإكرام من شيخها، محمد بن صباح. ولما وصل الشيخ مبارك بن صباح إلى الحكم، في الكويت، توطدت علاقته بـالأسرة الـسعودية، خاصة بالأمير عبدالعزيز.
واشترك الإمام عبدالرحمن بن سعود، وابنه، في حملة الشيخ مبارك على نجد، ضد ابن رشيد، التي انتهت بهزيمة ابن صباح، في موقعة الصريف، في 17 مارس 1901م. وقدم الشيخ مبارك الدعم للأمير عبدالعزيز، في حملته لفتح الرياض. وفي سنة 1328هـ/1910م، زار الأمير عبدالعزيز الكويت، ووقف مع الشيخ مبارك، ضد زعيمَي المنتفق والظفير. واشترك معه في غزوة هدية.
ولكن تلك العلاقة طرأ عليها شيء من التوتر، في أواخر عهد الشيخ مبارك الصباح، نتيجة لتغير الظروف في المنطقة. وكان من أقوى أسباب ذلك التوتر، اتباع الشيخ مبارك بن صباح سياسة، كان يظن أنها تحفظ التوازن بين القوى المتنافسة في المنطقة، مثلما حدث من قبوله للعجمان، الفارين من وجه الأمير عبدالعزيز، بعد معركة كنزان، عام 1333هـ/ 1915م. ومن أسبابها تسرب نوع من الغيرة السياسية في نفسه، نتيجة نجاح الأمير عبدالعزيز في بسط سيطرته على نجد والأحساء. وتوفي الشيخ مبارك، في 21محرم 1334هـ/30 نوفمبر 1915م، الذي كان يلقبه الأمير عبدالعزيز بـ "والدي". وخلفه في حكم الكويت ابنه، الشيخ جابر بن مبارك، الذي انتهج سياسة ودية تجاه الأمير عبدالعزيز. وكان ذلك نتيجة لعاملَين. أولهما، مشاعر الصداقة الشخصية، التي تربط بينهما. وثانيهما، توقيع الأمير عبدالعزيز مع الحكومة البريطانية معاهدة دارين، أو القطيف، في صفر عام 1334هـ/ ديسمبر 1915م، تعهد فيها بعدم الاعتداء على أراضي الكويت، وبقية بلدان الـخليج، التي تحت حمايتها. وكان من نتائج تلك السياسة الودية، طلب الأمير جابر من قبيلة العجمان، المناوئة للأمير عبدالعزيز مغادرة الكويت. وزار السلطان عبدالعزيز الكويت، في محرم 1335هـ/نوفمبر 1916م. غير أن وفاة الأمير جابر، في ربيع الثاني سنة 1335/ يناير 1917م، وتولي أخيه، الشيخ سالم بن مبارك الصباح، الحكم في الكويت، أديا إلى توتر في العلاقات السعودية ـ الكويتية، وذلك بسبب سماح الشيخ سالم للعجمان باستئناف نشاطهم ضد نجد، عبر الكويت؛ وبسبب تصرف غير مسؤول، أقدم عليه فيصل الدويش، أحد قادة الأمير عبد العزيز، حينما هاجم الكويت، من دون علم الأمير أو موافقته. وقد أظهر عدم رضاه تجاه ما قام به الدويش. كما أرسل الأمير عبد العزيز رسالة إلى الشيخ سالم أعرب فيها عن أسفه لما قام به الدويش. وردّ إليه المنهوبات. ولكن الشيخ سالم الصباح، أعد قوة رابطت في "الجهراء"، إلى جوار الكويت، استعداداً لمهاجمة نجد. وكاتب قبيلة شمر، طالباً مساعدتها. وسار فيصل الدويش إلى الجهراء، يقود أربعة آلاف مقاتل من الإخوان، بينهم 500 فارس. وجمع الشيخ سالم قواته، فبلغت نحو ثلاثة آلاف مقاتل. والتقى الفريقان في موقعة الجهراء، في 10 أكتوبر1920م. وحملت قوات الدويش على قوات ابن صباح، فارتدت إلى القصر الأحمر، بين الجهراء والكويت. فلحق بهم الدويش وحاصرهم. هنا طلب الشيخ سالم مساعدة الإنجليز، الذين أرسلوا له طرادَين وطائرتَين، حلقتا فوق معسكر الإخوان، وألقتا منشوراً، تنذرهم فيه بأن ما قاموا به، هو ضد مصالح بريطانيا، ومخالف لأوامر ابن سعود. وانسحب الإخوان، وارتدوا إلى نجد. وهدأت الأوضاع قليلاً. ولما طلبت سلطنة نجد من حكومة الكويت، أن تخصها بجزء من دخل الجمارك، لأن معظم البضائع الواردة إلى الكويت تباع لأهل نجد ـ اعتذرت عن قبول هذا الطلب، ورفضت الحجة، لأنها تمس استقلالها. فأعلنت سلطنة نجد مقاطعة، اقتصادية وتجارية، ضد الكويت، ومنعت المتاجرة معها. وفي الوقت نفسه، طلب السلطان عبد العزيز من بريطانيا، أن تتدخل لحل مشكلة الحدود بينهما؛ وكانت تسعى لتنظيم العلاقات، السياسية والتجارية، بين البلدين. فذهب وفد كويتي، برئاسة الشيخ أحمد الجابر الصباح، في 29جمادى الأولى عام 1339هـ/9 فبراير1921م، لمقابلة السلطان عبد العزيز والتفاهم معه مباشرة، وكانت بينهما صداقة حميمة. وفي أثناء المحادثات، التي كانت تجري في "حفر العتش"، في الدهناء، تُوفي الشيخ سالم الصباح، في 15جمادى الآخرة 1339هـ/24 فبراير1921م، وآلت الأمور في الكويت إلى الشيخ أحمد الجابر الصباح. فأوقف الملك عبدالعزيز المباحثات. وقال للشيخ أحمد الجابر: "الآن، وقد صار الأمر إليك، فلا أرى حاجة لتدوين الشروط، التي اتفقنا عليها، بشأن تحديد الحدود بيننا وبينكم". ثم تناول الملك الورقة، التي كتبت فيها الشروط، ومزقها، وقال: "إني أفوضك، وأترك لك وضع الحلول التي تراها، وأتعهد بتنفيذها". فشكره الشيخ أحمد الجابر الصباح، وعاد مع وفده إلى الكويت. وفي عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح تمهدت الطريق لحل المشكلات بين البلدَين. وانعقد، في العقير، مؤتمر، برئاسة المندوب السامي البريطاني في العراق، برسي كوكس، توصل إلى تعيين الحدود بين المملكة العربية السعودية و الكويت. ووقعت اتفاقية في هذا الشأن، في 12 ربيع الثاني سنة 1341هـ/2 ديسمبر 1922م، فصدق عليها الملك عبدالعزيز، ثم الشيخ أحمد الجابر الصباح. بدأت، بعد ذلك، العلاقات الـسعودية ـ الكويتية بالتحسن. وعاد الصفاء بين البلدَين. وكان ثمرة ذلك عقد ثلاث اتفاقيات بين المملكة العربية السعودية و الكويت. هي:
اتفاقية الصداقة وحسن الجوار.
اتفاقية تجارية.
اتفاقية تسليم المجرمين.
وقد تم توقيع هذه الاتفاقات الثلاث، في 26 ربيع الثاني سنة 1362هـ/الموافق 1 مايو 1943م. وكان آخر ما عُقد بين البلدَين، في عهد الملك عبد العزيز، هو الاتفاق على تحديد المنطقة المحايدة بينهما، وذلك سنة 1367هـ / 1948م. وتقدَّر مساحة المنطقة المحايدة بنحو ألفَي ميل مربع. وطول ساحلها، على الخليج العربي، حوالي 55 ميلاً. وبموجب ذلك الاتفاق، تقتسم الحكومتان، السعودية والكويتية، حصيلة ما يستخرج من نفطها، مناصفة. وفي 20 شعبان سنة 1354هـ/ 16 نوفمبر 1935م، سألت مجلة "كوكب الشرق" القاهرية، أمير الكويت، الشيخ أحمد الجابر الصباح، عما إذا كان هناك خلاف بينه وبين الملك عبدالعزيز فقال: "إن علاقتنا على أحسن ما يرام، من الاتفاق والوئام. وعدا ذلك، يظن البعض أن علاقتي الشخصية مع الملك عبد العزيز، إن هي إلا مجرد صداقة بحكم الجوار، وما تجمعنا به اللغة والدين. ولكن، لا. فإننا لسنا بأصدقاء فحسب، قل إنا شقيقان بحق، يفتدي أحدنا أخاه بنفسه. وقد تشاركنا في السراء والضراء، وعشنا معاً ردحاً من الزمن، أكلنا وشربنا سوياً، وحاربنا جنباً إلى جنب، مراراً عدة. ويرجع عهد صداقتنا الأخوية هذه، إلى خمسة وثلاثين عاماً مضت، قضى منها جلالته بيننا أكثر من نصفها. وكنا وما نزال خير مثل للصداقة الأخوية، من حيث المحبة والألفة وثبات الصداقة، التي لا تؤثر فيها حادثات الدهر، فكيف بالصغائر، التي يقوم بها ذوو الأغراض، الذين يحاولون الصيد في الماء العكر؟".
ومن هذا المنطلق، سارت العلاقات السعودية ـ الكويتية. وأخذت تتطور، عبر الزمان، من حسن إلى أحسن. وكان لحكمة القادة، في كلٍّ البلدَين، الأثر الكبير في توطيد عرى هذه العلاقة، وتمتين أواصرها.
العلاقات الـسعودية القطرية
أما علاقة المملكة العربية السعودية بدولة قطر، في عهد الملك عبدالعزيز، فإن تاريخ هذه العلاقة، يعود إلى عصر الدولة السعودية الأولى، التي امتد نفوذها ليشمل مناطق متعددة من الخليج العربي. وفي عهد الدولة السعودية الثانية، كانت العلاقات السعودية ـ القطرية، تمر في مرحلة جيدة، خاصة في عهد الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود، الذي تزامن مع عهد الشيخ قاسم بن محمد آل ثانٍ، أمير قطر. ويقول الدكتور أحمد العناني: "والحقيقة، أن جذور العلاقات السعودية ـ القطرية، تعود بدايتها إلى منتصف القرن التاسع عشر للميلاد، حين كانت شخصية الإمام فيصل بن تركي، قد اتضحت معالمها، وراحت تحقق الأبعاد الحقيقية لطموح الرجل، الذي كان قد عقد العزم على استرداد مكانة وهيبة وحدود الدولة السعودية الأولى، على حالها في حكم أجداده، وذلك في فترة، لم يعد فيها من ينافس النفوذ البريطاني في الـخليج".
على أن العلاقات الجيدة، بين الإمام فيصل بن تركي والشيخ قاسم بن محمد آل ثانٍ، حاكم قطر، تعود إلى أمور عدة، لعل من أهمها:
الاهتمام الشديد، في قطر، بشؤون الدين والوعظ. وهو أمر لفت انتباه الرحالة الإنجليزي، وليم بالجريف (William G. Palgrave)، الذي زار كلاًّ من قطر والرياض، مبيناً التزام القطريين بالطريقة السلفية.
الدعم المستمر من الإمام فيصل، لموقف القطريين من جيرانهم، ذلك الموقف الذي تدهور كثيراً، بعد وفاة الإمام فيصل بن تركي آل سعود.
وبعد سقوط الدولة السعودية الثانية، ظلت العلاقات بين أسرة آل ثانٍ وأفراد البيت الـسعودي، حميمة ومتطورة. وخير مثل على ذلك، قبول أمير قطر إقامة أسرة الإمام عبدالرحمن الفيصل بقطر، بعد خروجهم من الرياض. وحينما استرد الملك عبدالعزيز ملك آبائه، رحب القطريون كثيراً بهذا الإنجاز، وفرحوا بانتصاراته المتلاحقة. ولا شك أن الملك عبدالعزيز، قد وجد كل العون والمساعدة، من الشيخ قاسم بن محمد آل ثانٍ، وقد تجلى التعاون المثمر بينهما في أمور عدة، أهمها:
إقامة الإمام عبد الرحمن الفيصل، وأسرته، فترة، بقطر بعد سقوط الدولة السعودية الثانية.
لقاء الزعيمَين، عبد العزيز وقاسم، في طريق سلوى، سنة 1322هـ/1905م.
مساعي الشيخ قاسم، على المستوى الدبلوماسي، في مصلحة الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن.
الاحترام المتبادل بين الفريقَين، وقبول شفاعة الشيخ قاسم لبعض المناوئين للأمير عبد العزيز.
وبعد وفاة الشيخ قاسم بن محمد آل ثانٍ، خلفه ابنه، عبد الله، الذي حرص على استمرار العلاقات الحميمة بـابن سعود وتعزيزها.
العلاقات الـسعودية العُمانية
أمّا العلاقات بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، في عهد الملك عبدالعزيز، فيعود تاريخها، أيضاً، إلى عهد الدولتَين الـسعوديتَين، الأولى والثانية. فقد استطاعت الدولة السعودية الأولى، الاستيلاء على واحة البريمي. وحينما قامت الدولة السعودية الثالثة، واستطاع الملك عبدالعزيز الاستيلاء على الأحساء، سنة 1331هـ/1913م، عاد نفوذ آل سعود يظهر، مرة أخرى، في الخليج العربي، فبعثت مشكلة البريمي من جديد.
ولطالما قام نزاع حول هذه الواحة، بين الدولة السعودية، من ناحية، وسلطنتَي مسقط وأبو ظبي، من ناحية أخرى. ومع أن واحة البريمي، قد دخلت تحت الحكم السعودي، في فترة الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية، كما أنها خضعت، في عهد الدولة السعودية الحديثة، للسلطة السعودية، إذ أخذ سكانها يدفعون، طوعاً، الزكاة الشرعية إلى آل سعود ـ إلا أن سلطان مسقط، وحاكم مشيخة أبو ظبي، أنكرا، بإيعاز من الإنجليز، شرعية الوجود السعودي في الواحة، وادعيا ملكيتها، وطالبا باستعادتها، وتأكيد حقهما. وقد وقفت إنجلترا من ورائهما تؤيدهما، وتنادي بأن الواحة من أملاكها، وأنها باعتبارها متعاقدة معهما، ومسؤولة عن أمنهما الخارجي، فهي تتولى الدفاع عن حقوقهما. ويؤكد كثير من الكتاب، أن إثارة بريطانيا مشكلة البريمي، يعود إلى فشل البريطانيين في الحصول على امتياز التنقيب عن النفط، في المملكة العربية السعودية، ونجاح الأمريكيين في الاستئثار بهذه الصفقة؛ مع أن المملكة العربية السعودية، قد أعطت الفرصة للشركات الإنجليزية، للمنافسة "لكن تردد الشركات البريطانية، وعدم رغبتها في الدخول في مثل هذه المغامرة، فتح الباب أمام الشركات الأمريكية، التي قدمت عروضاً أكثر إغراءً، وأقلّ تكلفة، مما أدى إلى فوزها بعقد التنقيب عن البترول، في 29 مايو سنة 1933". ويذكر الأستاذ أمين سعيد ما قاله الملك عبد العزيز، في هذا الموضوع، في حديثه مع السير أندرو ريان، الذي اقتبسه الكاتب من الوثيقة الرقم (7)، من الوثائق المتعلقة بالتحكيم في قضية البريمي ـ فيقول: "نحن لم نقصر. وإنما الذي قصر، هو الحكومة البريطانية وشركاتها؛ فلما انقضى الأمر، أخذ بعض الموظفين البريطانيين يقولون، إن ابن سعود قاومنا وعمل، وعمل. وندموا على ما فات، فأرادوا الانتقام، باقتطاع واحة البريمي من أملاكنا". وقد حدث ما توقعه الملك عبد العزيز، حول نية بريطانيا، في ما قامت به سنة 1934، أي بعد عام واحد من إنهاء صفقة عقد التنقيب عن النفط، بين المملكة العربية السعودية والشركة الأمريكية.
ففي تلك السنة، طلبت الحكومة البريطانية ضرورة تخطيط الحدود بين المملكة السعودية، من جهة، وسلطنة مسقط، ومشيخة أبو ظبي، من جهة ثانية، على أساس "الخط الأزرق" و"الخط البنفسجي"، اللذَين ورد ذكرهما في الاتفاقيتَين، المعقودتين بين الحكومة البريطانية والحكومة التركية، في عامَي 1912م و1913م. وقد رفضت الحكومة السعودية الاعتراف بشرعية هاتَين الاتفاقيتَين. ومع نشوب الحرب العالمية الثانية، توقفت المحادثات حول مشكلة البريمي. إلا أنها عادت، من جديد، في سنة 1949م. فاتفق الطرفان على عقد مؤتمر، في لندن، في 8 أغسطس سنة 1951، حضره الأمير فيصل بن عبد العزيز، وأصدر سلسلة من المقررات، تعد مقدمة لمؤتمر الدمام. وعقد مؤتمر في الدمام، في 28يناير سنة 1952، عرضت فيه الحكومة السعودية فكرة الاستفتاء. ولكن بريطانيا، رفضت ذلك العرض. مما أدى إلى الاتفاق على "اتفاقية التوقف لعام 1952" (انظر ملحق نص اتفاقية التوقف وملاحقها، المعقودة بين الحكومة العربية السعودية والحكومة البريطانية، في شأن قضية الحدود، في منطقة (البريمي) وما جاورها)، التي تضمنت تجميد الأوضاع على ما هي عليه، ريثما يتم الاتفاق على حل سلمي.
-
.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
لقد اقتصرت علاقات الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سـعود، أثناء توحيده للبلاد الـسعودية، على
القوى المحيطة بمنطقة نجد.
ولكن بعد هذه المرحلة، توسعت تلك العلاقات، لتشمل عدة قوى أخرى. وقد اعتمدت العلاقات الـسعودية الخارجية، في عهده على مبدأين. المبدأ الأول، هو الوضوح والاحترام المتبادل. والمبدأ الثاني، هو تحقيق المصلحة العامة للوطن. ويمكن الحديث، أولاً، عن العلاقة السعودية بإمارات الخليج العربي ومشيخاته.
لقد ارتبطت المملكة العربية السعودية بعلاقات تاريخية مميزة، بإمارات الخليج العربي ومشيخاته.
فإلى جانب الجوار الجغرافي، هناك علاقات، أسرية وقبلية وسياسية واقتصادية، متينة، بين هذه الكيانات السياسية. ويرجع تاريخ هذه العلاقات إلى عهد الدولتَين الـسعوديتَين، الأولى والثانية. وقد قدر الملك عبد العزيز الموقف النبيل، الذي وقفته كلٌّ من البحرين و قطر و الكويت، تجاه والده، الإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود، وأسرته، حينما خرجوا من الرياض، سنة (1309هـ 1891م)، بعد غلبة الأمير محمد بن عبد الله بن رشيد، واستيلائه على الرياض، وانتهت بذلك الدولة السعودية الثانية. ولقد توجه الملك عبدالعزيز، مع والده، إلى قطر، ثم البحرين، ثم الكويت، حيث لقيا كل حفاوة وإكرام وتقدير.
العلاقات الـسعودية البحرينية
بعد أن تمكن الملك عبدالعزيز من توحيد الديار السعودية، وتوطيد حكمه، والتغلب على أعدائه، قام بزيارة البحرين، في 25 رمضان سنة 1348هـ/ 24 فبراير سنة 1930م، وهو في طريق عودته من لقاء الملك فيصل، ملك العراق، في عرض الـخليج، على ظهر باخرة بريطانية ـ للتعبير لشيخ البحرين عيسى بن خليفة،عن شكره لشعب البحرين الصديق.
وبينما كان الملك عبدالعزيز في الظهران، في 12 ـ 17 ربيع الأول عام 1358هـ / 2 ـ 7 مايو 1939م، يتفقد منشآت النفط، التي أقيمت هناك، زاره الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ليسلم عليه. ودعاه لزيارة البحرين. وفعلاً، لبى الملك تلك الزيارة، وتحركت اللنشات من الخُبر إلى المنامة. ولم يدع أهل البحرين وسيلة لإدخال السرور إلى قلب الملك عبدالعزيز، إلا عمدوا إليها، وبالغوا في تكريمه. ويقول الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار: "ومضى الملك عبدالعزيز، ومعه حرسه، إلى البحرين. فاستقبلته جموع كثيرة من أهلها. ولبست البحرين أبهى حللها، استقبالاً للملك العربي الكبير. وسار الملك، والجماهير تحييه، وتهتف بحياته هتافاً عالياً". وقد قام حكام البحرين بزيارات عديدة إلى المملكة العربية السعودية. وحرص القادة في البلدَين على تمتين علاقتهم، الشخصية والرسمية.
العلاقات الـسعودية الكويتية
أما الكويت، فقد كانت علاقتها بالمملكة العربية السعودية عميقة الجذور، وترجع إلى عهد الدولة السعودية الأولى.
وبعد سقوط الدولة السعودية الثانية، عام 1309هـ/1891م، توجه الإمام عبدالرحمن الفيصل آل سـعود، مع ابنه، الأمير عبدالعزيز، الذي كان في الثانية عشرة من عمره، إلى الكويت، للإقامة بها، ولقيا الحفاوة والإكرام من شيخها، محمد بن صباح. ولما وصل الشيخ مبارك بن صباح إلى الحكم، في الكويت، توطدت علاقته بـالأسرة الـسعودية، خاصة بالأمير عبدالعزيز.
واشترك الإمام عبدالرحمن بن سعود، وابنه، في حملة الشيخ مبارك على نجد، ضد ابن رشيد، التي انتهت بهزيمة ابن صباح، في موقعة الصريف، في 17 مارس 1901م. وقدم الشيخ مبارك الدعم للأمير عبدالعزيز، في حملته لفتح الرياض. وفي سنة 1328هـ/1910م، زار الأمير عبدالعزيز الكويت، ووقف مع الشيخ مبارك، ضد زعيمَي المنتفق والظفير. واشترك معه في غزوة هدية.
ولكن تلك العلاقة طرأ عليها شيء من التوتر، في أواخر عهد الشيخ مبارك الصباح، نتيجة لتغير الظروف في المنطقة. وكان من أقوى أسباب ذلك التوتر، اتباع الشيخ مبارك بن صباح سياسة، كان يظن أنها تحفظ التوازن بين القوى المتنافسة في المنطقة، مثلما حدث من قبوله للعجمان، الفارين من وجه الأمير عبدالعزيز، بعد معركة كنزان، عام 1333هـ/ 1915م. ومن أسبابها تسرب نوع من الغيرة السياسية في نفسه، نتيجة نجاح الأمير عبدالعزيز في بسط سيطرته على نجد والأحساء. وتوفي الشيخ مبارك، في 21محرم 1334هـ/30 نوفمبر 1915م، الذي كان يلقبه الأمير عبدالعزيز بـ "والدي". وخلفه في حكم الكويت ابنه، الشيخ جابر بن مبارك، الذي انتهج سياسة ودية تجاه الأمير عبدالعزيز. وكان ذلك نتيجة لعاملَين. أولهما، مشاعر الصداقة الشخصية، التي تربط بينهما. وثانيهما، توقيع الأمير عبدالعزيز مع الحكومة البريطانية معاهدة دارين، أو القطيف، في صفر عام 1334هـ/ ديسمبر 1915م، تعهد فيها بعدم الاعتداء على أراضي الكويت، وبقية بلدان الـخليج، التي تحت حمايتها. وكان من نتائج تلك السياسة الودية، طلب الأمير جابر من قبيلة العجمان، المناوئة للأمير عبدالعزيز مغادرة الكويت. وزار السلطان عبدالعزيز الكويت، في محرم 1335هـ/نوفمبر 1916م. غير أن وفاة الأمير جابر، في ربيع الثاني سنة 1335/ يناير 1917م، وتولي أخيه، الشيخ سالم بن مبارك الصباح، الحكم في الكويت، أديا إلى توتر في العلاقات السعودية ـ الكويتية، وذلك بسبب سماح الشيخ سالم للعجمان باستئناف نشاطهم ضد نجد، عبر الكويت؛ وبسبب تصرف غير مسؤول، أقدم عليه فيصل الدويش، أحد قادة الأمير عبد العزيز، حينما هاجم الكويت، من دون علم الأمير أو موافقته. وقد أظهر عدم رضاه تجاه ما قام به الدويش. كما أرسل الأمير عبد العزيز رسالة إلى الشيخ سالم أعرب فيها عن أسفه لما قام به الدويش. وردّ إليه المنهوبات. ولكن الشيخ سالم الصباح، أعد قوة رابطت في "الجهراء"، إلى جوار الكويت، استعداداً لمهاجمة نجد. وكاتب قبيلة شمر، طالباً مساعدتها. وسار فيصل الدويش إلى الجهراء، يقود أربعة آلاف مقاتل من الإخوان، بينهم 500 فارس. وجمع الشيخ سالم قواته، فبلغت نحو ثلاثة آلاف مقاتل. والتقى الفريقان في موقعة الجهراء، في 10 أكتوبر1920م. وحملت قوات الدويش على قوات ابن صباح، فارتدت إلى القصر الأحمر، بين الجهراء والكويت. فلحق بهم الدويش وحاصرهم. هنا طلب الشيخ سالم مساعدة الإنجليز، الذين أرسلوا له طرادَين وطائرتَين، حلقتا فوق معسكر الإخوان، وألقتا منشوراً، تنذرهم فيه بأن ما قاموا به، هو ضد مصالح بريطانيا، ومخالف لأوامر ابن سعود. وانسحب الإخوان، وارتدوا إلى نجد. وهدأت الأوضاع قليلاً. ولما طلبت سلطنة نجد من حكومة الكويت، أن تخصها بجزء من دخل الجمارك، لأن معظم البضائع الواردة إلى الكويت تباع لأهل نجد ـ اعتذرت عن قبول هذا الطلب، ورفضت الحجة، لأنها تمس استقلالها. فأعلنت سلطنة نجد مقاطعة، اقتصادية وتجارية، ضد الكويت، ومنعت المتاجرة معها. وفي الوقت نفسه، طلب السلطان عبد العزيز من بريطانيا، أن تتدخل لحل مشكلة الحدود بينهما؛ وكانت تسعى لتنظيم العلاقات، السياسية والتجارية، بين البلدين. فذهب وفد كويتي، برئاسة الشيخ أحمد الجابر الصباح، في 29جمادى الأولى عام 1339هـ/9 فبراير1921م، لمقابلة السلطان عبد العزيز والتفاهم معه مباشرة، وكانت بينهما صداقة حميمة. وفي أثناء المحادثات، التي كانت تجري في "حفر العتش"، في الدهناء، تُوفي الشيخ سالم الصباح، في 15جمادى الآخرة 1339هـ/24 فبراير1921م، وآلت الأمور في الكويت إلى الشيخ أحمد الجابر الصباح. فأوقف الملك عبدالعزيز المباحثات. وقال للشيخ أحمد الجابر: "الآن، وقد صار الأمر إليك، فلا أرى حاجة لتدوين الشروط، التي اتفقنا عليها، بشأن تحديد الحدود بيننا وبينكم". ثم تناول الملك الورقة، التي كتبت فيها الشروط، ومزقها، وقال: "إني أفوضك، وأترك لك وضع الحلول التي تراها، وأتعهد بتنفيذها". فشكره الشيخ أحمد الجابر الصباح، وعاد مع وفده إلى الكويت. وفي عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح تمهدت الطريق لحل المشكلات بين البلدَين. وانعقد، في العقير، مؤتمر، برئاسة المندوب السامي البريطاني في العراق، برسي كوكس، توصل إلى تعيين الحدود بين المملكة العربية السعودية و الكويت. ووقعت اتفاقية في هذا الشأن، في 12 ربيع الثاني سنة 1341هـ/2 ديسمبر 1922م، فصدق عليها الملك عبدالعزيز، ثم الشيخ أحمد الجابر الصباح. بدأت، بعد ذلك، العلاقات الـسعودية ـ الكويتية بالتحسن. وعاد الصفاء بين البلدَين. وكان ثمرة ذلك عقد ثلاث اتفاقيات بين المملكة العربية السعودية و الكويت. هي:
اتفاقية الصداقة وحسن الجوار.
اتفاقية تجارية.
اتفاقية تسليم المجرمين.
وقد تم توقيع هذه الاتفاقات الثلاث، في 26 ربيع الثاني سنة 1362هـ/الموافق 1 مايو 1943م. وكان آخر ما عُقد بين البلدَين، في عهد الملك عبد العزيز، هو الاتفاق على تحديد المنطقة المحايدة بينهما، وذلك سنة 1367هـ / 1948م. وتقدَّر مساحة المنطقة المحايدة بنحو ألفَي ميل مربع. وطول ساحلها، على الخليج العربي، حوالي 55 ميلاً. وبموجب ذلك الاتفاق، تقتسم الحكومتان، السعودية والكويتية، حصيلة ما يستخرج من نفطها، مناصفة. وفي 20 شعبان سنة 1354هـ/ 16 نوفمبر 1935م، سألت مجلة "كوكب الشرق" القاهرية، أمير الكويت، الشيخ أحمد الجابر الصباح، عما إذا كان هناك خلاف بينه وبين الملك عبدالعزيز فقال: "إن علاقتنا على أحسن ما يرام، من الاتفاق والوئام. وعدا ذلك، يظن البعض أن علاقتي الشخصية مع الملك عبد العزيز، إن هي إلا مجرد صداقة بحكم الجوار، وما تجمعنا به اللغة والدين. ولكن، لا. فإننا لسنا بأصدقاء فحسب، قل إنا شقيقان بحق، يفتدي أحدنا أخاه بنفسه. وقد تشاركنا في السراء والضراء، وعشنا معاً ردحاً من الزمن، أكلنا وشربنا سوياً، وحاربنا جنباً إلى جنب، مراراً عدة. ويرجع عهد صداقتنا الأخوية هذه، إلى خمسة وثلاثين عاماً مضت، قضى منها جلالته بيننا أكثر من نصفها. وكنا وما نزال خير مثل للصداقة الأخوية، من حيث المحبة والألفة وثبات الصداقة، التي لا تؤثر فيها حادثات الدهر، فكيف بالصغائر، التي يقوم بها ذوو الأغراض، الذين يحاولون الصيد في الماء العكر؟".
ومن هذا المنطلق، سارت العلاقات السعودية ـ الكويتية. وأخذت تتطور، عبر الزمان، من حسن إلى أحسن. وكان لحكمة القادة، في كلٍّ البلدَين، الأثر الكبير في توطيد عرى هذه العلاقة، وتمتين أواصرها.
العلاقات الـسعودية القطرية
أما علاقة المملكة العربية السعودية بدولة قطر، في عهد الملك عبدالعزيز، فإن تاريخ هذه العلاقة، يعود إلى عصر الدولة السعودية الأولى، التي امتد نفوذها ليشمل مناطق متعددة من الخليج العربي. وفي عهد الدولة السعودية الثانية، كانت العلاقات السعودية ـ القطرية، تمر في مرحلة جيدة، خاصة في عهد الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود، الذي تزامن مع عهد الشيخ قاسم بن محمد آل ثانٍ، أمير قطر. ويقول الدكتور أحمد العناني: "والحقيقة، أن جذور العلاقات السعودية ـ القطرية، تعود بدايتها إلى منتصف القرن التاسع عشر للميلاد، حين كانت شخصية الإمام فيصل بن تركي، قد اتضحت معالمها، وراحت تحقق الأبعاد الحقيقية لطموح الرجل، الذي كان قد عقد العزم على استرداد مكانة وهيبة وحدود الدولة السعودية الأولى، على حالها في حكم أجداده، وذلك في فترة، لم يعد فيها من ينافس النفوذ البريطاني في الـخليج".
على أن العلاقات الجيدة، بين الإمام فيصل بن تركي والشيخ قاسم بن محمد آل ثانٍ، حاكم قطر، تعود إلى أمور عدة، لعل من أهمها:
الاهتمام الشديد، في قطر، بشؤون الدين والوعظ. وهو أمر لفت انتباه الرحالة الإنجليزي، وليم بالجريف (William G. Palgrave)، الذي زار كلاًّ من قطر والرياض، مبيناً التزام القطريين بالطريقة السلفية.
الدعم المستمر من الإمام فيصل، لموقف القطريين من جيرانهم، ذلك الموقف الذي تدهور كثيراً، بعد وفاة الإمام فيصل بن تركي آل سعود.
وبعد سقوط الدولة السعودية الثانية، ظلت العلاقات بين أسرة آل ثانٍ وأفراد البيت الـسعودي، حميمة ومتطورة. وخير مثل على ذلك، قبول أمير قطر إقامة أسرة الإمام عبدالرحمن الفيصل بقطر، بعد خروجهم من الرياض. وحينما استرد الملك عبدالعزيز ملك آبائه، رحب القطريون كثيراً بهذا الإنجاز، وفرحوا بانتصاراته المتلاحقة. ولا شك أن الملك عبدالعزيز، قد وجد كل العون والمساعدة، من الشيخ قاسم بن محمد آل ثانٍ، وقد تجلى التعاون المثمر بينهما في أمور عدة، أهمها:
إقامة الإمام عبد الرحمن الفيصل، وأسرته، فترة، بقطر بعد سقوط الدولة السعودية الثانية.
لقاء الزعيمَين، عبد العزيز وقاسم، في طريق سلوى، سنة 1322هـ/1905م.
مساعي الشيخ قاسم، على المستوى الدبلوماسي، في مصلحة الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن.
الاحترام المتبادل بين الفريقَين، وقبول شفاعة الشيخ قاسم لبعض المناوئين للأمير عبد العزيز.
وبعد وفاة الشيخ قاسم بن محمد آل ثانٍ، خلفه ابنه، عبد الله، الذي حرص على استمرار العلاقات الحميمة بـابن سعود وتعزيزها.
العلاقات الـسعودية العُمانية
أمّا العلاقات بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، في عهد الملك عبدالعزيز، فيعود تاريخها، أيضاً، إلى عهد الدولتَين الـسعوديتَين، الأولى والثانية. فقد استطاعت الدولة السعودية الأولى، الاستيلاء على واحة البريمي. وحينما قامت الدولة السعودية الثالثة، واستطاع الملك عبدالعزيز الاستيلاء على الأحساء، سنة 1331هـ/1913م، عاد نفوذ آل سعود يظهر، مرة أخرى، في الخليج العربي، فبعثت مشكلة البريمي من جديد.
ولطالما قام نزاع حول هذه الواحة، بين الدولة السعودية، من ناحية، وسلطنتَي مسقط وأبو ظبي، من ناحية أخرى. ومع أن واحة البريمي، قد دخلت تحت الحكم السعودي، في فترة الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية، كما أنها خضعت، في عهد الدولة السعودية الحديثة، للسلطة السعودية، إذ أخذ سكانها يدفعون، طوعاً، الزكاة الشرعية إلى آل سعود ـ إلا أن سلطان مسقط، وحاكم مشيخة أبو ظبي، أنكرا، بإيعاز من الإنجليز، شرعية الوجود السعودي في الواحة، وادعيا ملكيتها، وطالبا باستعادتها، وتأكيد حقهما. وقد وقفت إنجلترا من ورائهما تؤيدهما، وتنادي بأن الواحة من أملاكها، وأنها باعتبارها متعاقدة معهما، ومسؤولة عن أمنهما الخارجي، فهي تتولى الدفاع عن حقوقهما. ويؤكد كثير من الكتاب، أن إثارة بريطانيا مشكلة البريمي، يعود إلى فشل البريطانيين في الحصول على امتياز التنقيب عن النفط، في المملكة العربية السعودية، ونجاح الأمريكيين في الاستئثار بهذه الصفقة؛ مع أن المملكة العربية السعودية، قد أعطت الفرصة للشركات الإنجليزية، للمنافسة "لكن تردد الشركات البريطانية، وعدم رغبتها في الدخول في مثل هذه المغامرة، فتح الباب أمام الشركات الأمريكية، التي قدمت عروضاً أكثر إغراءً، وأقلّ تكلفة، مما أدى إلى فوزها بعقد التنقيب عن البترول، في 29 مايو سنة 1933". ويذكر الأستاذ أمين سعيد ما قاله الملك عبد العزيز، في هذا الموضوع، في حديثه مع السير أندرو ريان، الذي اقتبسه الكاتب من الوثيقة الرقم (7)، من الوثائق المتعلقة بالتحكيم في قضية البريمي ـ فيقول: "نحن لم نقصر. وإنما الذي قصر، هو الحكومة البريطانية وشركاتها؛ فلما انقضى الأمر، أخذ بعض الموظفين البريطانيين يقولون، إن ابن سعود قاومنا وعمل، وعمل. وندموا على ما فات، فأرادوا الانتقام، باقتطاع واحة البريمي من أملاكنا". وقد حدث ما توقعه الملك عبد العزيز، حول نية بريطانيا، في ما قامت به سنة 1934، أي بعد عام واحد من إنهاء صفقة عقد التنقيب عن النفط، بين المملكة العربية السعودية والشركة الأمريكية.
ففي تلك السنة، طلبت الحكومة البريطانية ضرورة تخطيط الحدود بين المملكة السعودية، من جهة، وسلطنة مسقط، ومشيخة أبو ظبي، من جهة ثانية، على أساس "الخط الأزرق" و"الخط البنفسجي"، اللذَين ورد ذكرهما في الاتفاقيتَين، المعقودتين بين الحكومة البريطانية والحكومة التركية، في عامَي 1912م و1913م. وقد رفضت الحكومة السعودية الاعتراف بشرعية هاتَين الاتفاقيتَين. ومع نشوب الحرب العالمية الثانية، توقفت المحادثات حول مشكلة البريمي. إلا أنها عادت، من جديد، في سنة 1949م. فاتفق الطرفان على عقد مؤتمر، في لندن، في 8 أغسطس سنة 1951، حضره الأمير فيصل بن عبد العزيز، وأصدر سلسلة من المقررات، تعد مقدمة لمؤتمر الدمام. وعقد مؤتمر في الدمام، في 28يناير سنة 1952، عرضت فيه الحكومة السعودية فكرة الاستفتاء. ولكن بريطانيا، رفضت ذلك العرض. مما أدى إلى الاتفاق على "اتفاقية التوقف لعام 1952" (انظر ملحق نص اتفاقية التوقف وملاحقها، المعقودة بين الحكومة العربية السعودية والحكومة البريطانية، في شأن قضية الحدود، في منطقة (البريمي) وما جاورها)، التي تضمنت تجميد الأوضاع على ما هي عليه، ريثما يتم الاتفاق على حل سلمي.
مراجع
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..