إذا أنا فعَلْتُه أجزَأَ عنِّي. فقال: حافِظْ على العَصْرَيْنِ، وما كانت مِن لُغَتِنا. فقلتُ وما العَصْرانِ؟
فقال: صلاةٌ قبلَ طلوع ِالشمسِ، وصلاةٌ قبلَ غروبِها"
وزعم هذا الكاتب : أنه من الأحاديث التي أخفتها الصحوة ، ولم يذكر ماذا فهم هو من الحديث ؟هل فهم أن المسلم إذا كان ذا شغل تسقط عنه صلاة الظهر والمغرب والعشاء ، ثم لا يجب عليه إلا الفجر والعصر ؟
أم فهم منه أن صلاة الجماعة لا يؤاخذ في تركها من لم يتعمد ذلك بل ألجأه الشغل إلى تركها ؟
ومع ذلك فلي على ما ذكره تعليق في نقاط
١- هناك فرق كبير في الأربعين سنة الماضية بين شيوع التدين والورع وتتبع النوافل والحرص عليها وانتشار العلم الشرعي والاجتهاد في طلبه ، وبين المظاهر الخاطئة التي صاحبت تلك الفترة من تشدد غير ناشئ عن علم لدى البعض ومن نشوء بعض التيارات السياسية .
ومحاولة بعض الكتاب اليوم الجمع بين الأمرين وضم التدين والورع والإقبال على السنن والنوافل إلى المظاهر المنتقدة من تشدد لدى البعض وظهور التيارات الفكرية السياسية ، وما يؤدي إليه هذا الجمع من تلبيس التدين كل ماصاحب وجوده من أخطاء ؛ أقول فعل ذلك ليس عملاً نزيهاً ، وفتنة نربأ بالعقلاء والمخلصين عن الضلوع فيها ؛ بل إني لا أرى فرقاً بين فتنة استغلال البعض للدين للترويج لفكر سياسي ، وبين استغلال الانفتاح الإعلامي لمحاربة التدين والقدح فيه تحت مظلة الخصومة مع الأخطاء التي رافقت الصحوة .
فالشعب السعودي شعب متدين وحكامه أهل تدين وأنظمته الخاصة والعامة وتراتيبها الإدارية كلها مبنية على الدين موقرة له .
وللعلم فإن التيارات الدينية المُسيسة المخالفة للمنهج الوسطي الذي قامت عليه بلادنا كالإخوان ودعاة الغلو والتكفير ، هذه التيارات هي اليوم أكثر من يُرَوِّج لانفصام الدولة عن الدين ، وكل من يحاول فعل ذلك من الليبراليين أو القريبين من الفكر الليبرالي ، هو يخدم هؤلاء الغلاة ويُرَوِّج بطريقته ما يروج له أولئك بطريقتهم .
٢- من إيجابيات الفترة الماضية نشر العلم الشرعي الذي كانت بلادنا رائدة فيه ، ولم يكن شيء من العلم مما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخفى عن أحد ، ومن زعم أن حديثاً قد أُخفي فإنما خفي عليه هو ، ولا ينبغي لأحدنا أن يُعَلِّق جهله بسنَّة ما أو حُكم شرعيٍ ما بأحد ، فعدم الإحاطة بالعلم أمر يقع للجميع فإذا خفي عليَّ شيء من السنن فليس لأن أحداً أخفاه عني ؛ بل لأني بشر يحفظ شيئاً وتغيب عنه أشياء .
٣- العجيب أن هذا الكاتب يزعم أن الحديث أخفته الصحوة مع أنه ينقل تصحيحه عن أحد العلماء الذين كانوا أحد مناطات العلم في فترة الصحوة وهو الشيخ ناصر الدين الألباني ، وكتابه الذي صحح فيه هذا الحديث طبعته إحدى دور النشر الإسلامية الرائجة زمن ما يسمونه بالصحوة ، وصاحب دار النشر هذه أحد القيادات الفكرية لذلك العصر وهو الأستاذ زهير الشاويش رحمه الله ، والحديث منتشر في المواقع الإلكترونية التي يديرها الدعاة الذين كانوا ومازال بعضهم ممن يشار إليهم في تلك الفترة ، ولعل الكاتب أخذه من أحد تلك المواقع .
الذي أرغب الوصول إليه هنا النصيحة بأن نبتعد عن جعل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أداة للمناكفة وتصفية الحسابات الفكرية .
٤- كما قلت سابقا لم يُشِر الكاتب للأمر الذي فهمه من الحديث .
وأنا على ما يُشبه اليقين من أنه لم يقصد المعنى الأول وهو زعم دلالة الحديث على سقوط الظهر والمغرب والعشاء عمن كان ذا شغل ، لأنه هذا المعنى لا يُمكن أن يُخامر قلب مؤمن ، وهذا الكاتب ممن يُحسَنُ الظن به ، وعلى أيٍ فالحديث لا يدل على هذا المعنى لذلك لم يصر إليه أحد من الشُّراح من ألف وأربعمائة عام حتى يومنا هذا ، ولو احتمله ولو احتمالاً يسيراً لقال به ولو واحد من الشراح طيلة هذا الزمن السحيق الممتليء بالفقهاء والمحدثين والشراح ، بل والممتليء أيضا بأهل البدع والباطنيين الذين يبحثون عن شيء يحتجون به على الانتقاص من الدين ، وأشير بشكل آكد إلى الشروح المتأخرة نسبياً لسنن أبي داود وأشهرها عون المعبود في شرح سنن أبي داود لشمس الحق العظيم أبادي[تـ١٢٧٣هـ] وبذل المجهود في حل أبي داود لخليل السهار نفوري [تـ١٣٤٦] .
فإن قيل :لِم لم يحتمل هذا المعنى عند أهل العلم ؟
فالجواب لأن سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُضْرب بعضها ببعض ، بل يبيِّنُ مجمَلها مفصَّلُها ، ويقيِّدُ مطلَقَهَا مقيَّدُها ، ويخصِّص عامَّها خاصُّها ، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية الفارضة للصلوات الخمس بلغت حد التواتر وأصبح العلم بها من المعلوم من الدين بالضرورة التي لا يعذر أحد بالجهل به ، ولهذا لا يُمكن أن يأتي حديث مُوهم في سياقه لينقض هذا المعنى المستقر في الإسلام مهما علت درجته في الصحة ، والحمد لله .
٥- وأما إذا كان الكاتب أراد المعنى الثاني مما ذكرته في المقدمة ، وهو أن صاحب الشُّغل قد يُعذر في ترك الجماعة ، فهذا مما لا يختلف فيه أحد ، سواء من يقول بوجوب الجماعة أم من يقول إنها سنة مؤكدة ، ولذلك اتفقوا على أن الجماعة لا تجب على الأعرابي النازح في باديته ، ولا على الراعي في غنمه وإبله ولا على الرجل في نخله ، لأن أمثال هؤلاء هم من يوصفون بالشغل عن صلاة الجماعة والذين يندرج الصحابي الجليل فضالة الليثي ضمنهم .
هذا وأسأل الله تعالى لي وللمؤمنين الثبات على المحجة البيضاء وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
محمد بن إبراهيم السعيدي
المصدر
اضافة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..