قبل أيام، نشر نتنياهو تغريدةً شكر فيها جهاز الموساد على نجاح جهوده في "إنضاج وتهيئة" الرأي العام الخليجي لتقبل التطبيع مع إسرائيل.
هذه التغريدة أعادت بذاكرتي لملاحظات سلوكية مثيرة وجدتها في أستاذي الدكتور عبدالله النفيسي الذي درست عنده بعض أيامٍ في كلية العلوم السياسية بجامعة الكويت في السبعينيات قبل أن أبدل تخصصي لاحقاً وأنتقل لكلية أخرى. المهم، كانت نتاجاته العامة وقتها أكاديمية، نادراً ما وجدته مجاهراً بآراء شخصية، غير المجاهرة بمعاداة إسرائيل والدعوة لتحرير فلسطين.
في السنوات العشر الأخيرة، لفت نظري تحوّلٌ جذري في إهتمام وسلوك وتركيز النفيسي، إذ جنّد كل طاقاته وقدراته الكلامية والكتابية ضد دولة إيران، واهتم بتحشيد الرأي العام الخليجي ضدها وشيطنتها، وغض الطرف عن إسرائيل.
أنا وقت ذاك، لم تكن إيران عندي محل لفت انتباه، ولا أعرف عنها غير اسمها، وكنت أراها بشكل سطحي كما أرى باكستان وتركيا كدول أعجمية، لا أرى تمايزاً بينهم. ولكن محاضرات ولقاءات النفيسي أثارت انتباهي تجاه إيران، ورحت أدقق فيما يقول!.
عرفت من النفيسي عبر نشاطاته الإعلامية، وبإختصار شديد حتى لا أخرج عن صلب الموضوع، أن إيران دولة معادية للعرب السنة، ولديها خطة تحت التنفيذ لتشييعهم.
كنت أشعر في داخلي، وبسبب ضبابية المعلومات التي كان يضخها النفيسي على غير ما كنت متعوداً أنا منه، كنت أشعر وكأن يداً خفية اختطفت عقل النفيسي السياسي، وأبعدته عن إسرائيل، وألهته بحكاوي دينية/تاريخية، قديمة-مستحدثة، غامضة الفائدة، فاقدة لعناصر الوضوح. كان مجرد إحساس بريء طارئ لا أكثر.
ذات يوم التقيت النفيسي في ديوانية أحدهم، وسألته عن خلفية تحوله الجذري من ناشط أكاديمي سياسي، إلى ناشط ديني ضد إيران؟
فأخبرني وأنقل لكم معنى ما قاله لي: "أنت تتوهم ذلك. كل الأمر وما فيه أن صديقي في السعودية الدكتور سعد الجبري، أكثر من دعوتي للخروج في قنواته، وهم كانوا يحددون موضوع الحوار عن إيران، ومع الوقت نما هذا الإهتمام الإعلامي بإيران وتصاعد وأصبحت أضطر للتفاعل معه عبر الوسائط الاجتماعية بسبب أنني لمست أنهم بحاجة ماسة لفهم إيران، لقد أغرقوني بتحفيزهم لي لتنويرهم .. ولو هناك جهات أخرى دعتني للحديث عن قضايا أخرى لما امتنعت!". انتهى كلام النفيسي.
سألت النفيسي، من تقصد بـ "لمست أنهم بحاجة …."؟ قال: جمهور ومشاهدي قنوات سعد الجبري، يعني الناس!. انتهى كلام النفيسي.
وقتها كنت أسمع عن سعد الجبري بسبب ارتباطاته بتشكيلات الإسلاميين في الخليج، ولكن لم أكن أعرف أنه يقف وراء قنوات تدعم الإرهاب وبث الفتن الدينية والاجتماعية وسط المسلمين مثل قناة "وصال". هذه المعلومة للتو عرفتها من النفيسي.
قبل أسابيع، شاعت الأخبار وقالت أن سعد الجبري كان عميلاً لأجهزة الإستخبارات الأمريكية. وعندما نقول الأمريكية فهي بالضرورة تحت خدمة المشاريع الإسرائيلية.
هنا بدأت الصدمة، وبدأتُ أربط الأحداث الثلاثة:
- الموساد كان ينفذ نشاطات سرية لتهيئة الرأي العام الخليجي للتطبيع مع إسرائيل.
- سعد الجبري كان جندياً يخدم مصالح أجهزة الإستخبارات.
- النفيسي كان جندياً ينفذ طلبات سعد الجبري.
لم أتمالك نفسي، وقررت مصارحة النفيسي بما يخالجني من تحليل سيء، وفهم مؤلم لتلك المعطيات. اتصلت به، وطرحت عليه النقاط الثلاث، وربطت له بينهما. وسألته: هل توافقني الرأي بأن سعد الجبري نجح بذكاء في تجنيدك من حيث لا تشعر لتنفيذ مصلحة إسرائيلية محددة بدقة في الخليج؟
ضحك النفيسي، وقال: قد يكون كما تقول، ولكن، نحن لا نملك القدرة على تفكيك نشاطاتنا عندما تصب في مصلحة طرف آخر. النشاط هو النشاط، سواءً خدم أطرافاً أخرى أم لا. ولكن تبقى ملاحظتك جديرة بالتأمل.
فسألته، ألم تكن تعلم وقتها أن الجبري عميل للمخابرات الأمريكية؟ ألم تكن تعلم وقتها أن هناك مصلحة إسرائيلية ملحة، لتوفير عدو جديد لشعوب الخليج غير إسرائيل؟
ضحك النفيسي، وتحفظ على الجواب.
سأكتب القصة يا أستاذ، أشعر أنني لن أرتاح إلا بعد نشرها حتى ألفت نظر من يهمه الأمر، هل تمانع؟ أكد النفيسي أنه لا يمانع بشرط أن لا أضع البهارات الصحافية عليها. فشكرته، وكتبتها، وهاهي بين أيديكم.
انتهى.
|| بقلم: راكان المطيري
هذه التغريدة أعادت بذاكرتي لملاحظات سلوكية مثيرة وجدتها في أستاذي الدكتور عبدالله النفيسي الذي درست عنده بعض أيامٍ في كلية العلوم السياسية بجامعة الكويت في السبعينيات قبل أن أبدل تخصصي لاحقاً وأنتقل لكلية أخرى. المهم، كانت نتاجاته العامة وقتها أكاديمية، نادراً ما وجدته مجاهراً بآراء شخصية، غير المجاهرة بمعاداة إسرائيل والدعوة لتحرير فلسطين.
في السنوات العشر الأخيرة، لفت نظري تحوّلٌ جذري في إهتمام وسلوك وتركيز النفيسي، إذ جنّد كل طاقاته وقدراته الكلامية والكتابية ضد دولة إيران، واهتم بتحشيد الرأي العام الخليجي ضدها وشيطنتها، وغض الطرف عن إسرائيل.
أنا وقت ذاك، لم تكن إيران عندي محل لفت انتباه، ولا أعرف عنها غير اسمها، وكنت أراها بشكل سطحي كما أرى باكستان وتركيا كدول أعجمية، لا أرى تمايزاً بينهم. ولكن محاضرات ولقاءات النفيسي أثارت انتباهي تجاه إيران، ورحت أدقق فيما يقول!.
عرفت من النفيسي عبر نشاطاته الإعلامية، وبإختصار شديد حتى لا أخرج عن صلب الموضوع، أن إيران دولة معادية للعرب السنة، ولديها خطة تحت التنفيذ لتشييعهم.
كنت أشعر في داخلي، وبسبب ضبابية المعلومات التي كان يضخها النفيسي على غير ما كنت متعوداً أنا منه، كنت أشعر وكأن يداً خفية اختطفت عقل النفيسي السياسي، وأبعدته عن إسرائيل، وألهته بحكاوي دينية/تاريخية، قديمة-مستحدثة، غامضة الفائدة، فاقدة لعناصر الوضوح. كان مجرد إحساس بريء طارئ لا أكثر.
ذات يوم التقيت النفيسي في ديوانية أحدهم، وسألته عن خلفية تحوله الجذري من ناشط أكاديمي سياسي، إلى ناشط ديني ضد إيران؟
فأخبرني وأنقل لكم معنى ما قاله لي: "أنت تتوهم ذلك. كل الأمر وما فيه أن صديقي في السعودية الدكتور سعد الجبري، أكثر من دعوتي للخروج في قنواته، وهم كانوا يحددون موضوع الحوار عن إيران، ومع الوقت نما هذا الإهتمام الإعلامي بإيران وتصاعد وأصبحت أضطر للتفاعل معه عبر الوسائط الاجتماعية بسبب أنني لمست أنهم بحاجة ماسة لفهم إيران، لقد أغرقوني بتحفيزهم لي لتنويرهم .. ولو هناك جهات أخرى دعتني للحديث عن قضايا أخرى لما امتنعت!". انتهى كلام النفيسي.
سألت النفيسي، من تقصد بـ "لمست أنهم بحاجة …."؟ قال: جمهور ومشاهدي قنوات سعد الجبري، يعني الناس!. انتهى كلام النفيسي.
وقتها كنت أسمع عن سعد الجبري بسبب ارتباطاته بتشكيلات الإسلاميين في الخليج، ولكن لم أكن أعرف أنه يقف وراء قنوات تدعم الإرهاب وبث الفتن الدينية والاجتماعية وسط المسلمين مثل قناة "وصال". هذه المعلومة للتو عرفتها من النفيسي.
قبل أسابيع، شاعت الأخبار وقالت أن سعد الجبري كان عميلاً لأجهزة الإستخبارات الأمريكية. وعندما نقول الأمريكية فهي بالضرورة تحت خدمة المشاريع الإسرائيلية.
هنا بدأت الصدمة، وبدأتُ أربط الأحداث الثلاثة:
- الموساد كان ينفذ نشاطات سرية لتهيئة الرأي العام الخليجي للتطبيع مع إسرائيل.
- سعد الجبري كان جندياً يخدم مصالح أجهزة الإستخبارات.
- النفيسي كان جندياً ينفذ طلبات سعد الجبري.
لم أتمالك نفسي، وقررت مصارحة النفيسي بما يخالجني من تحليل سيء، وفهم مؤلم لتلك المعطيات. اتصلت به، وطرحت عليه النقاط الثلاث، وربطت له بينهما. وسألته: هل توافقني الرأي بأن سعد الجبري نجح بذكاء في تجنيدك من حيث لا تشعر لتنفيذ مصلحة إسرائيلية محددة بدقة في الخليج؟
ضحك النفيسي، وقال: قد يكون كما تقول، ولكن، نحن لا نملك القدرة على تفكيك نشاطاتنا عندما تصب في مصلحة طرف آخر. النشاط هو النشاط، سواءً خدم أطرافاً أخرى أم لا. ولكن تبقى ملاحظتك جديرة بالتأمل.
فسألته، ألم تكن تعلم وقتها أن الجبري عميل للمخابرات الأمريكية؟ ألم تكن تعلم وقتها أن هناك مصلحة إسرائيلية ملحة، لتوفير عدو جديد لشعوب الخليج غير إسرائيل؟
ضحك النفيسي، وتحفظ على الجواب.
سأكتب القصة يا أستاذ، أشعر أنني لن أرتاح إلا بعد نشرها حتى ألفت نظر من يهمه الأمر، هل تمانع؟ أكد النفيسي أنه لا يمانع بشرط أن لا أضع البهارات الصحافية عليها. فشكرته، وكتبتها، وهاهي بين أيديكم.
انتهى.
|| بقلم: راكان المطيري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..