السبت، 10 أكتوبر 2020

بحث في شرط التواتر في القراءة المتواترة

  • الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعد محمد ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :
    السادة المتخصصون الأكارم ، ذوي تخصص القراءات ، أسئلة أريد جوابها، وهي :
    1- هل التواتر شرط لقبول القراءة المتواترة ، أم اكتفى علماؤنا بمجرد الصحة ( أعنى صحة إسناد القراءة) ؟
    2- هل يُكتفى لقبول القراءة المتواترة ، تواتر السند ، أم يجب أن ينضم إليه موافقة وجه نحو ، والرسم العثماني ؟
    3- ما هي شروط صحة السند عند القراء ، وما حده ؟
    4- ما هو مفهوم التواتر في علم القراءات ؟ ، وهل هو ذاته التواتر عند المحدثين ؟ ، حدا ، وتطبيقا ؟
    5- هل يمكن القول بأن :
    - شرط التواتر عند القراء بخلاف التواتر عند المحدثين ، فالأول أقوى إذ هو بمثابة تواتر جيل من الثقات بأثره حتى ولو لم نحصهم ، لا مجرد عدد منهم فحسب ،
    - وأن شرط التواتر إنما يكون للقراءة ككل ، أما الأحرف والأوجه للقراءة ذاتها فيُكتفى فيه بصحة الإسناد فحسب مقرونا بالركنين الثانيين ، موافقة وجه نحو ، والرسم العثماني ؟
    وهو ما انتهيت إليه بعد طول بحث !
    أجيبوني أثابكم الله تعالى ، وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون
    أبو محمد أحمد التابعي محمود
    جماعة أنصار السنة المحمدية
    دمياط - مصر 
    أخي الفاضل: انظر الرابطَ الآتي - تكرّماً -:
    http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=224
    د. ضيف الله بن محمد الشمراني
    كلية القرآن الكريم - قسم التفسير وعلوم القرآن
     جزاكم الله خيرا على الرابط ، ولكن تبقى إطلاق نسبة عدم اشتراط التواتر والاكتفاء بالصحة مقرنة بالركنين الثاني والثالث المشهورين لابن الجزري تحتاج إلى تحرير ، سأفرد له بحثا إن شاء الله تعالى ، موردا فيه كلام ابن الجزري من كتابه النشر ، ومنجد المقرئين ، ونقل النويري الإجماع على اشتراط التواتر ، وعن الجمع بين بعض كلام ابن الجزري في النشر باشتراط التواتر تارة ، واكتفائه بالصحة مقرنا بالركنين الآخرين تارة ، وكلامه في منجد المقرئين باشتراط التواتر ، والله تعالى أعلى وأعلم ، وجزاكم الله خيرا
  • أبو محمد أحمد التابعي محمود
    جماعة أنصار السنة المحمدية
    دمياط - مصر 
    بسم الله الرحمن الرحيم
      مذاهب العلماء في اشتراط التواتر,وموافقة الرسم لصحة القراءة أربعة معتبرة:
    المذهب الأول:المشهور عند المتأخرين من العلماء منع القراءة بغير المتواتر،ولو صح الإسناد،ووافق الرسم!!.
    قالوا:إن الصحة لا تكفي،ونسبوا ما لم يتواتر إلى الشذوذ؟!!.
    ولعل ذلك؛لأن هنالك قرآنًا منسوخًا لفظًا كآية الرجم،وآية الرضاع،مع أن اشتراط موافقة الرسم تغني في كشف ذلك،وخبر الآحاد حجة.
    قال الدمياطي-- في«إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر» (ص8-علمية):
    «وجزم بهذا القول أبو القاسم النويري في«شرح طيبة شيخه»متعقبًا به لكلامه فقال:
    عدم اشتراط التواتر قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدثين وغيرهم لأن القرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة هو ما نقل بين دفتي المصحف نقلا متواترا وكل من قال بهذا الحد اشترط التواتر كما قال ابن الحاجب وحينئذ فلا بد من التواتر عند الأئمة الأربعة صرح بذلك جماعات كابن عبد البر وابن عطية والنووي والزركشي والسبكي والأسنوي والأذرعي وعلى ذلك أجمع القراء ولم يخالف من المتأخرين إلا مكي وتبعه بعضهم انتهى ملخصا».انتهى.
    المذهب الثاني:من أجاز القراءة بصحيحة الإسناد إذا وافقت الرسم, واسفاضت( ).
    -وهذا مذهب ( )،ومكي بن أبي طالب( ),وأبي شامة،وابن الجزري--( ):
    ومما قاله أبو شامة--في« المرشد الوجيز»(ص178)ولم أنقله فيما سبق:«فالحاصل إنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغير متواتر، وذلك بين لمن أنصف وعرف وتصفح القراءات وطرقها.
    وغاية ما يبديه مدعي تواتر المشهور منها كإدغام أبي عمرو ونقل الحركة لورش وصلة ميم الجمع وهاء الكناية لابن كثير أنه متواتر عن ذلك الإمام الذي نسبت تلك القراءة إليه بعد أن يجهد نفسه في استواء الطرفين والواسطة إلا أنه بقي عليه التواتر من ذلك الإمام إلى النبي-r-كل فرد فرد من ذلك، وهنالك تكسب العبرات!!، فإنها من ثم لم تنقل إلا آحادًا، إلا اليسير منها.
    وقد حققنا هذا الفصل أيضا في "كتاب البسملة الكبير" ونقلنا فيه من كلام الحذاق من الأئمة المتقنين ما تلاشى عنده شبه المشنعين، وبالله التوفيق»انتهى.
    وقال--في« المرشد الوجيز»(ص145):«ولا يلزم في ذلك تواتر، بل تكفي الآحاد الصحيحة من الاستفاضة وموافقة خط المصحف وعدم المنكرين لها نقلا,وتوجيها من حيث اللغة، والله أعلم».
    وقال في«مرشده»(ص172):«فإن اختلت هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة وضعيفة. أشار إلى ذلك كلام الأئمة المتقدمين، ونص عليه الشيخ المقرئ أبو محمد مكي بن أبي طالب القيرواني في كتاب مفرد صنفه في معاني القراءات السبع,وأمر بإلحاقه بكتاب«الكشف عن وجوه القراءات» من تصانيفه».
    :«قال الشيخ مكي بن أبي طالب القيسي:القراءة الصحيحة ما صح سندها إلى النبي-r-وساغ،وجهها في العربية،ووافقت خط المصحف («الإبانة»لمكي ص39).
    وتبعه على ذلك بعض المتأخرين،ومنهم ابن الجزَري؛حيث قال في «طيبته»:
    فكل ما وافق وجه نحوي*وكان للرسم احتمالاً يحوي
    وصح إسنادًا هو القرآن*فـهـذه الـثـلاثة الأركان
    وحيثما يختل ركن اثبتِ* شذوذه ولو كان في السبعة
    ...واشترط ابن الجزَري نفسه في كتابه«المنجد»(ص91)التواتر في قبول القراءة الصحيحة،فكان بذلك مخالفًا لما اشترطه»( ).
    قلت: هنا أمران:
    الأول:ما اشترط هنا مع الصحة عند أصحاب التواتر أمر وقائي( ).
    الثاني:ابن الجزَري-- نفسه صرح بالرجوع عن اشتراط التواتر! تصريحًا كما يأتي قريبًا.
    قال--(ت833هـ)في«النشر في القراءات العشر»(1/ 9/ الضباع-المطبعة التجارية):
    «كُلُّ قِرَاءَةٍ وَافَقَتِ الْعَرَبِيَّةَ وَلَوْ بِوَجْهٍ ، وَوَافَقَتْ أَحَدَ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَلَوِ احْتِمَالًا وَصَحَّ سَنَدُهَا ، فَهِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ رَدُّهَا وَلَا يَحِلُّ إِنْكَارُهَا ، بَلْ هِيَ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَى النَّاسِ قَبُولُهَا ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ ، أَمْ عَنِ الْعَشْرَةِ ، أَمْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ ، وَمَتَى اخْتَلَّ رُكْنٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ أُطْلِقَ عَلَيْهَا ضَعِيفَةٌ أَوْ شَاذَّةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنِ السَّبْعَةِ أَمْ عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّانِيُّ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَمَّارٍ الْمَهْدَوِيُّ ، وَحَقَّقَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي شَامَةَ ، وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُهُ».
    وقال في«النشر» (1/ 13-14):
    « ( وَقَوْلُنَا ) وَصَحَّ سَنَدُهَا ، فَإِنَّا نَعْنِي بِهِ:
    1-أَنْ يَرْوِيَ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ الْعَدْلُ الضَّابِطُ عَنْ مِثْلِهِ كَذَا حَتَّى تَنْتَهِيَ .
    2- وَتَكُونَ مَعَ ذَلِكَ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَئِمَّةٍ هَذَا الشَّأْنَ الضَّابِطِينَ لَهُ غَيْرَ مَعْدُودَةٍ عِنْدَهُمْ مِنَ الْغَلَطِ أَوْ مِمَّا شَذَّ بِهَا بَعْضُهُمْ ( ).
    وَقَدْ شَرَطَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّوَاتُرَ فِي هَذَا الرُّكْنِ,وَلَمْ يَكْتَفِ فِيهِ بِصِحَّةِ السَّنَدِ ، وَزَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إِلاَّ بِالتَّوَاتُرِ ، وَإِنَّ مَا جَاءَ مَجِيءَ الْآحَادِ لَا يَثْبُتُ بِهِ قُرْآنٌ ، وَهَذَا مَا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ ، فَإِنَّ التَّوَاتُرَ إِذَا ثَبَتَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الرُّكْنَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنَ الرَّسْمِ وَغَيْرِهِ إِذْ مَا ثَبَتَ مِنْ أَحْرُفِ الْخِلَافِ مُتَوَاتِرًا عَنِ النَّبِيِّ -r- وَجَبَ قَبُولُهُ وَقُطِعَ بِكَوْنِهِ قُرْآنًا( ) ، سَوَاءٌ وَافَقَ الرَّسْمَ أَمْ خَالَفَهُ وَإِذَا اشْتَرَطْنَا التَّوَاتُرَ فِي كُلِّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْخِلَافِ انْتَفَى كَثِيرٌ مِنْ أَحْرُفِ الْخِلَافِ الثَّابِتِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ كُنْتُ قَبْلُ أَجْنَحُ!! إِلَى هَذَا الْقَوْلِ ، ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُهُ وَمُوَافَقَةُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ!» .
    ثم نقل كلام أبي شامة--(ت665هـ)في« المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز»(ص176-178):
    «وَقَدْ شَاعَ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُقْرِئِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ كُلَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ ، أَيْ كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ ممَا رُوِيَ عَنْ هَؤُلاءِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ . قَالُوا:وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاجِبٌ.
    وَنَحْنُ بِهَذَا نَقُولُ ، وَلَكِنْ فِيمَا اجْتَمَعَتْ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُمُ الطُّرُقُ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْفِرَقُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ لَهُ مَعَ أَنَّهُ شَاعَ وَاشْتَهَرَ وَاسْتَفَاضَ ، فَلَا أَقَلَّ مِنَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَتَّفِقِ التَّوَاتُرُ فِي بَعْضِهَا»انتهى .
    أقول قال أبو شامة--(ت665هـ)في« المرشد الوجيز»(ص174/ دار صادر - بيروت):
    :« فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغْتَرَّ بِكُلِّ قِرَاءَةٍ تُعْزَى إِلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ الصِّحَّةِ وَإِنْ هَكَذَا أُنْزِلَتْ ، إِلَّا إِذَا دَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الضَّابِطِ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَنْفَرِدُ بِنَقْلِهَا مُصَنِّفٌ عَنْ غَيْرِهِ ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْلِهَا عَنْهُمْ ، بَلْ إِنْ نُقِلَتْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْقُرَّاءِ فَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنِ الصِّحَّةِ ، فَإِنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى اسْتِجْمَاعِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ لَا عَمَّنْ تُنْسَبُ إِلَيْهِ»انتهى.
    ثم نقل كلام أبي الجعبري--(ت732هـ)في«كنز المعاني»(...)فقال:
    «( وَقَالَ ) الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْجَعْبَرِيُّ أَقُولُ : الشَّرْطُ وَاحِدٌ وَهُوَ صِحَّةُ النَّقْلِ ، وَيَلْزَمُ الْآخَرَانِ فَهَذَا ضَابِطٌ يُعْرَفُ مَا هُوَ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ وَغَيْرِهَا ، فَمَنْ أَحْكَمَ مَعْرِفَةَ حَالِ النَّقَلَةِ وَأَمْعَنَ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَأَتْقَنَ الرَّسْمَ انْحَلَّتْ لَهُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ».
    ثم نقل ما قاله:«الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ(437هـ)فِي مُصَنَّفِهِ الَّذِي أَلْحَقَهُ بِكِتَابِهِ«الْكَشْفِ»"( )لَهُ :
    «فَإِنْ سَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ : فَمَا الَّذِي يُقْبَلُ مِنَ الْقُرْآنِ الْآنَ فَيُقْرَأُ بِهِ ؟ وَمَا الَّذِي لَا يُقْبَلُ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ ؟ وَمَا الَّذِي يُقْبَلُ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ ؟ .
    فَالْجَوَابُ أَنَّ جَمِيعَ مَا رُوِيَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ يُقْرَأُ بِهِ الْيَوْمَ ، وَذَلِكَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثُ خِلَالٍ ، وَهُنَّ : أَنْ يُنْقَلَ عَنِ الثِّقَاتِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَيَكُونَ وَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ سَائِغًا ، وَيَكُونَ مُوَافِقًا لِخَطِّ الْمُصْحَفِ . فَإِذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِلَالُ الثَّلَاثُ قُرِئَ بِهِ وَقُطِعَ عَلَى مُغَيَّبِهِ وَصِحَّتِهِ وَصِدْقِهِ ; لِأَنَّهُ أُخِذَ عَنْ إِجْمَاعٍ مِنْ جِهَةِ مُوَافَقَةِ خَطِّ الْمُصْحَفِ ، وَكَفَرَ مَنْ جَحَدَهُ .
    قَالَ:( وَالْقِسْمُ الثَّانِي )مَا صَحَّ نَقْلُهُ عَنِ الْآحَادِ وَصَحَّ وَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَخَالَفَ لَفْظُهُ خَطَّ الْمُصْحَفِ، فَهَذَا يُقْبَلُ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ لِعِلَّتَيْنِ:إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ بِإِجْمَاعٍ ، إِنَّمَا أُخِذَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ وَلَا يَثْبُتُ قُرْآنٌ يُقْرَأُ بِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ،وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدْ أُجْمِعَ عَلَيْهِ فَلا يُقْطَعُ عَلَى مُغَيَّبِهِ وَصِحَّتِهِ وَمَا لَمْ يُقْطَعْ عَلَى صِحَّتِهِ لَا يَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهِ،وَلا يَكْفُرُ مَنْ جَحَدَهُ،وَلَبِئْسَ مَا صَنَعَ إِذَا جَحَدَهُ .
    قَالَ ( وَالْقِسْمُ الثَّالِثِ ) هُوَ مَا نَقَلَهُ غَيْرُ ثِقَةٍ أَوْ نَقَلَهُ ثِقَةٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ ، فَهَذَا لَا يُقْبَلُ وَإِنْ
    وَافَقَ خَطَّ الْمُصْحَفِ ، قَالَ : وَلِكُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ تَمْثِيلٌ تَرَكْنَا ذِكْرَهُ اخْتِصَارًا».
    وقد علق الإمام الشوكاني بكلام بديع غاية في«النيل»(2/306)على ذلك في شرح أحاديث«منتقى الأخبار»؛ فأنقله بتمامه لأهميتة:
    «باب الحجة في الصلاة بقراءة ابن مسعود،وأُبيَّ،وغيرهما ممن أُثني على قراءته
    1-عن عبد اللَّه بن عمرو قال‏:‏‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه,وآله، وسلم‏:‏
    «خذوا القرآن من أربعة:من ابن أم عبد-فبدأ به-ومعاذ بن جبل,أُبيَّ ابن كعب,وسالم مولى أبي حذيفة».‏رواه أحمد،والبخاري[3808,و4999] ،والترمذي،وصححه‏.
    2-وعن أبي هريرة‏:‏أن النبي صلى اللَّه عليه،وآله،وسلم قال‏:
    «من أحب أن يقرأ القرآن غضًا كما أنزل,فليقرأه على قراءة ابن أم عبد‏‏‏».رواه أحمد‏.‏
    حديث أبي هريرة أخرجه أيضًا أبو يعلى،والبزار،وفيه جرير بن أيوب البجلي،وهو متروك لكنه أخرجه بهذا اللفظ البزار،والطبراني في «الكبير»، و«الأوسط»من حديث عمار بن ياسر .
    قال في«مجمع الزوائد‏»:«ورجال البزار ثقات»‏( ).
    ‏قوله‏(‏ابن أم عبد‏):‏هو عبد اللَّه ابن مسعود،وقد روي أنه لم يحفظ القرآن جميعًا في عصره صلى اللَّه عليه،وآله وسلم إلا هؤلاء الأربعة‏( ).‏
    والمصنف-رحمه اللَّه-عقد هذا الباب للرد على من يقول:إنها لا تجزئ في الصلاة إلا قراءة السبعة القراء المشهورين( ).
    قالوا:لأن ما نقل آحاديًا ليس بقرآن!!،ولم تتواتر إلا السبع دون غيرها؛فلا قرآن إلا ما اشتملت عليه!.
    *وقد رد هذا الاشتراط إمام القراءات الجزري فقال في«النشر»( )....
    (ثم قال الشوكاني).:فانظر كيف جعل اشتراط التواتر قولاً لبعض المتأخرين؟!!.
    وجعل قول أئمة السلف،والخلف على خلافه؟!‏.‏
    -وقال أيضًا في«النشر»( )...(ونقل كلامه في شروط القراءة المقبولة الذي سبق نقله).
    قال أبو شامة فيالمرشد الوجيز‏:‏لا ينبغي أن يغتر...(ونقل كلامه الآنف».
    -وقال أبو شامة‏:«شاع على ألسنة جماعة...(ونقل كلامه الآنف».
    إذا تقرر لك إجماع أئمة السلف،والخلف على عدم تواتر كل حرف من حروف القراءات السبع،وعلى أنه لا فرق بينها،وبين غيرها:
    1-إذا وافق وجهًا عربيًا.2-وصح إسناده.3-ووافق الرسم،ولو احتمالاً.
    بما نقلناه عن أئمة القراء تبين لك صحة القراءة في الصلاة بكل قراءة متصفة بتلك الصفة سواء كانت من قراءة الصحابة المذكورين في الحديث ، أو من قراءة غيرهم،وقد خالف هؤلاء الأئمة!النويري المالكي في«شرح الطيبة» فقال عند شرح قول الجزري فيها‏:
    فكل ما وافق وجه نحوي * وكان للرسم احتمالاً يحوي
    وصح إسـنادًا هو القرآن * فهـذه الثلاثـة الأركـان
    وكل ما خالف وجهًا أثبت * شذوذه لو أنه في السبعة.
    ما لفظه‏:«‏ظاهره أن القرآن يكتفى في ثبوته مع الشرطين المتقدمين بصحة السند فقط،ولا يحتاج إلى التواتر،وهذا قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء،والمحدثين،وغيرهم من الأصوليين،والمفسرين!!!».
    (قال الشوكاني--)وأنت تعلم أن نقل مثل الإمام الجزَري،وغيره من أئمة القراءة لا يعارضه نقل النويري! لما يخالفه ؛ لأنا إن رجعنا إلى الترجيح:
    بالكثرة،أو الخبرة بالفن،أو غيرهما من المرجحات,قطعنا بأن نقل أولئك الأئمة أرجح.
    وقد وافقهم عليه كثير من أكابر الأئمة حتى إن الشيخ زكريا بن محمد الأنصاري لم يحك في«غاية الوصول إلى شرح لب الأصول»الخلاف لما حكاه الجزري،وغيره عن أحد سوى ابن الحاجب!!».انتهى كلام الشوكاني.
    قلت:قال الدمياطي-- في«إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربعة عشر» (ص8-علمية):
    «وجزم بهذا القول أبو القاسم النويري في«شرح طيبة شيخه»متعقبًا به لكلامه فقال:
    عدم اشتراط التواتر قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدثين وغيرهم لأن القرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة هو ما نقل بين دفتي المصحف نقلا متواترا وكل من قال بهذا الحد اشترط التواتر كما قال ابن الحاجب وحينئذ فلا بد من التواتر عند الأئمة الأربعة صرح بذلك جماعات كابن عبد البر وابن عطية والنووي والزركشي والسبكي والأسنوي والأذرعي وعلى ذلك أجمع القراء ولم
    يخالف من المتأخرين إلا مكي وتبعه بعضهم انتهى ملخصا».انتهى.
    وما سبق كاف شاف في رده،فالحق الظاهر عدم اشتراط التواتر,والأصل في النقول أنها تخضع لقواعد الصنعة الحديثية في النقل,ولا يزيد عليها ها هنا إلا اشتراط موافق رسم المصحف أي أحد المصاحف التي وزعها أمير المؤمنين عثمان ابن عفان --إذ إن المسلمين اطرحوا ما يخالفها,وما كتبت إلا لذلك,وما اختير لها زيد ابن ثابت--دون أبي--وهو أقرأ الصحابة إلا لحضوره لها,وعدم قراءته بالمنسوخ تلاوة.
    وأحسِب أن اشتراط التواتر في القرآن مأخوذ من مذهب من عدم الاحتجاج بخبر الواحد،ولو من وجه خفي!، وتغيير شكل الشبه قد يؤدي إلى الأكل؛فسبحان الله كيف لا يقبل خبر الواحد هاهنا مع أن النبي-r- قد ذكر وحدانًا من الصحابة يؤخذ عنهم القرآن فيما سبق,واحتج بهذا أبو البركات ابن تيمية--الجد كما مضى مع تعليق الشوكاني--.
    ومن جميل ما قاله أبو حيان الأندلسي--من حيث رد الزعم أن الآحاد شاذ,وإن وافق المصحف-قال:
    « وعلى ما ذكره هؤلاء من المتأخرين من تحريم القراءة الشاذة يكون عالم من الصحابة والناس من بعدهم إلى زماننا قد ارتكبوا محرما فيسقط بذلك الاحتجاج بخبر من يرتكب المحرم دائما، وهم نقلة الشريعة فيسقط ما نقلوه فيفسد على قول هؤلاء نظام الإسلام والعياذ بالله-تعالى-من ذلك قال: ويلزم أيضا أن الذي قرءوا بالشواذ لم يصلوا قط لأن الواجب لا يتأدى بفعل المحرم.
    قال: وقد كان قاضي القضاة أبو الفتح محمد بن علي -يعني ابن دقيق العيد-يستشكل هذه المسألة، ويستصعب الكلام فيها، وكان يقول؛ هذه الشواذ نقلت نقل آحاد عن رسول الله-r-فيعلم ضرورة أن رسول الله-r-قرأ بشاذ منها، وإن لم يعين كما أن حاتما نقلت عنه أخبار في الجود كلها آحاد ولكن حصل من مجموعها الحكم بسخائه وإن لم يتعين ما تسخى به، وإذا كان كذلك فقد تواترت قراءة رسول الله -r- بالشاذ، وإن لم يتعين بالشخص فكيف يسمى شاذًا,والشاذ لا يكون متواترًا؟»( ).
    وابن الجزري-- اشترط التواتر في«منجد المقرئين» الذي كتبه قبل«النشر»الذي جمع فيه القراءات السبع مع الثلاثة التي هي تمام العشر,وهو أعلم الناس بطرقها كلها,وأول من أثبت السبع مزيدة في«نشره»,و«طيبته»,وأثبت تتمة السبع على منوال أصل«الشاطبية»أعني«التيسير» في«تحبير التيسر» له,وفي «الطيبة»مزيدة,وهو يقرر أن التواتر الأسانيد لا يصدق عليها كلها باستشهاده بكلام أبي شامة,بل لا يصدق على أكثرها كما يأتي.

    وقال ابن الجزري في«تحبير التيسير في القراءات العشر» (ص92-الفرقان):«والحد الجامع لما يقرأ به من
    الروايات كل ما وافق أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا ووافق العربية ولو بوجه وصح إسنادا
    سواء كان عن هؤلاء السبعة أم العشرة أم غيرهم! .
    ومتى اختل ركن من هذه الثلاثة في حرف حكم عليه بالشذوذ ، وكلام الناس في حكم الشاذ معلوم ، قد أشرنا إلى ذلك في أول كتابنا نشر القراءات العشر »انتهى.
    *ومما ينبغي التنبه له:أن إطلاق التواتر على العشر من ابن الجزري--وغيره يعني المعنوي كما سبق في كلام الدكتور موسى نصر-حفظه الله-فالمنفي غير المثبت,والقراءات المعتبرة كلها متواتر من حيث الرسم.
    المذهب الثالث: من يشترط الصحة(الثبوت) فقط دون اشتراط موافقة الرسم.
    وهذا المذهب نسبه البعلي--إلى شيخ الإسلام-- في«الاختيارات»(4/322-الفتاوى الكبرى)وقال:«وما خالف المصحف!،وصح سنده صحت الصلاة به!،وهذا نص الروايتين عن أحمد».
    والتحقيق أنه رواية عن أحمد,ورواية مالك أيضًا,وحامل لواء هذا المذهب ابن شنبوذ--وشيخ الإسلام --أبعد الناس عن مثل هذه الهفوة لأمور سنبينها بعد ذكر كلامه الآتي:
    ففي «مجموع الفتاوى» (13/ 394-398)ومما قال:
    « وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَمَنْ نَقَلَ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَى ابْنِ شنبوذ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُ بِالشَّوَاذِّ فِي الصَّلَاةِ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ وَجَرَتْ لَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ:الْخَارِجَةِ عَنْ الْمُصْحَفِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ .
    وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قِرَاءَةَ الْعَشَرَةِ وَلَكِنْ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا أَوْ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ كَمَنْ يَكُونُ فِي بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِالْمَغْرِبِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ بَعْضُ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ فَإِنَّ:«الْقِرَاءَةَ -كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ -سُنَّةٌ يَأْخُذُهَا الْآخِرُ عَنْ الْأَوَّلِ...
    وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ:الْخَارِجَةُ عَنْ رَسْمِ الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ مِثْلَ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ( وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ) كَمَا قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَمِثْلَ قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ ( فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ) وَكَقِرَاءَتِهِ : ( إنْ كَانَتْ إلَّا زَقْيَة وَاحِدَةً ) وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَهَذِهِ إذَا ثَبَتَتْ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ ؟.
    عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَرِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ . " :
    إحْدَاهُمَا " يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ فِي الصَّلَاةِ . "
    وَالثَّانِيَةُ " لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ لَمْ تَثْبُتْ مُتَوَاتِرَةً عَنْ النَّبِيِّ--وَإِنْ ثَبَتَتْ فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بالعرضة الآخِرَةِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُعَارِضُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ والعرضة الْآخِرَةُ هِيَ قِرَاءَةُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ وَهِيَ الَّتِي أَمَرَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَكَتَبَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي صُحُفٍ أُمِرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِكِتَابَتِهَا ثُمَّ أَمَرَ عُثْمَانُ فِي خِلَافَتِهِ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَإِرْسَالِهَا إلَى الْأَمْصَارِ وَجَمْعِ النَّاسِ عَلَيْهَا بِاتِّفَاقِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ...
    مَنْ جَوَّزَ الْقِرَاءَةَ بِمَا يَخْرُجُ عَنْ الْمُصْحَفِ مِمَّا ثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَةِ قَالَ يَجُوزُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا .
    وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ مَآخِذَ : تَارَةً يَقُولُ لَيْسَ هُوَ مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ وَتَارَةً يَقُولُ : هُوَ مِنْ الْحُرُوفِ الْمَنْسُوخَةِ وَتَارَةً يَقُولُ : هُوَ مِمَّا انْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَتَارَةً يَقُولُ : لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا نَقْلًا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ الْقُرْآنُ . وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ والمتأخرين . وَلِهَذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ " قَوْلٌ ثَالِثٌ " وَهُوَ اخْتِيَارُ جَدِّي أَبِي الْبَرَكَاتِ أَنَّهُ إنْ قَرَأَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ فِي الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ - وَهِيَ الْفَاتِحَةُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا - لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ مِنْ الْقِرَاءَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ وَإِنْ قَرَأَ بِهَا فِيمَا لَا يَجِبُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ أَتَى فِي الصَّلَاةِ بِمُبْطِلِ( ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا . وَهَذَا الْقَوْلُ يَنْبَنِي عَلَى " أَصْلٍ " وَهُوَ أَنَّ
    مَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ فَهَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهَا ؟ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ
    الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ...»ثم قال مقررًا الذي نرجحه,وهو:
    المذهب الرابع:الثبوت مع موافقة رسم المصحف,والعربية.
    ثم قال في تتمة كلامه,وختامه هذا في«مجموع الفتاوى» (13/ 403):«وَتَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا بِالْقِرَاءَاتِ الثَّابِتَةِ الْمُوَافَقَةِ لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ كَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَاتُ وَلَيْسَتْ شَاذَّةً حِينَئِذٍ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ».
    ومن قرأ كلام شيخ الإسلام كله في هذه الفتيا تبين له بيقين أن ابن البعلي غلط عليه في نسبة اكتفائه بالصحة,وتبين له أن البعلي-- يتصرف كثيرًا في نص كلام شيخ الإسلام حين يخلص من كتبه:
     ورد هذه النسبة يكون من وجوه:
    1) النقل الآنف الختامي الصريح عن شيخ الإسلام,وكفى به دليلاً.
    2) أن شيخ الإسلام يحتج على قرآنية البسملة برسم المصحف فهو القائل في«مجموع الفتاوى»(13/ 399):
    «الْبَسْمَلَة آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ حَيْثُ كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ فِي الْمُصْحَفِ إذْ لَمْ يَكْتُبُوا فِيهِ إلَّا الْقُرْآنَ وَجَرَّدُوهُ عَمَّا لَيْسَ مِنْهُ كَالتَّخْمِيسِ وَالتَّعْشِيرِ وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ ؛ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ هِيَ مِنْ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ؛ بَلْ هِيَ كَمَا كُتِبَتْ آيَةٌ أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ السُّورَةِ وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ» .
    وقال في«مجموع الفتاوى»(22/432):«وَالْعُمْدَةُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْمُصَنِّفُونَ فِي الْجَهْرِ بِهَا وَوُجُوبِ قِرَاءَتِهَا إنَّمَا هُوَ كِتَابَتُهَا فِي الْمُصْحَفِ بِقَلَمِ الْقُرْآنِ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ جَرَّدُوا الْقُرْآنَ عَمَّا لَيْسَ مِنْهُ . وَاَلَّذِينَ نَازَعُوهُمْ دَفَعُوا هَذِهِ الْحُجَّةَ بِلَا حَقٍّ كَقَوْلِهِمْ : الْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَاطِعِ وَلَوْ كَانَ هَذَا قَاطِعًا لَكَفَرَ
    مُخَالِفُهُ»( ).
    3) وكلامه في عدم اشتراط الرسم فيه إغفال للعرضة الأخيرة,وموافقة لابن شنبوذ--وشيح الإسلام لا ينصر قوله,ويقرر العرضة الأخيرة.
    4) ولعل وهم البعلي--نابع من أمرين:
    أ- طول النقل السابق الذي اختزلنا الكثير منه,فالطول مدعاة لاستخلاص الراجح في خضم النقول لا سيما مع تداخل الخطوط في ما يقرءون من مخطوط.
    ويؤكد ذلك أن شيخ الإسلام--ذكر أن مذهب عدم اشتراط موافقة الرسم هو أحد الروايتين عن أحمد--,واللفظ المنقول عند البعلي-كما سبق-:« وهذا نص الروايتين عن أحمد».
    ب-شيخ الإسلام--حنبلي المشرب,والمنبت,مجتهد مطلق فرعه في السماء,ولا يسجن نفسه في التعصب المذهبي,والظن فيه عند الحنابلة أنه لا يخالف الروايتين إن اتفقتا كما وقع للبعلي؛فزاد« ضِغْثًا على إبَّالَةٍ» ؛فلا المذهب حرر,ولا الاختيار قرر.
    وهنالك مذهب خامس!! باطل غاية في الشذوذ،والضلال لا يعد في المذاهب الخلافية,ولا يعتد به مطلقًا يحكى عن ابن مقسم :
    ففي«معرفة القراء الكبار»(1/ 306-308/بشار عواد):
    «225 - محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن مقسم الإمام أبو بكر البغدادي المقرىء النحوي العطار
    ... واختار حروفا خالف فيها العامة فنوظر عليها فلم يكن عنده حجة فاستتيب فرجع عن اختياره بعد أن وقف للضرب وسأل ابن مجاهد أن يدرأ عنه ذلك فدرأ عنه فكان يقول ما لأحد علي منة كمنة ابن مجاهد ثم رجع بعد موت ابن مجاهد إلى قوله؛فكان ينسب إلى أن كل قراءة توافق خط المصحف فالقراءة بها جائزة وإن لم يكن لها مادة!!!».
    وفي«غاية النهاية في طبقات القراء»(2/124-مكتبة ابن تيمية)لابن الجزري--:
    «ويذكر عنه أنه كان يقول: إن كل قراءة وافقت المصحف ووجها في العربية فالقراءة بها جائزة وإن لم يكن لها سند!!, وإنه عقد له مجلس ووقف للضرب فتاب ورجع.
    وهذا غير ما كان بنحوه ابن شنبوذ, فإنه كان يعتمد على السند وإن خالف المصحف وهذا يعتمد على المصحف وإن خالف النقل, واتفقا على موافقة العربية.
    قال أبو طاهر بن عمر في كتابه«البيان»:«وقد نبغ نابغ في عصرنا فزعم أن كل من صح عنده وجه في
    العربية بحرف من القرآن يوافق المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها, فابتدع بدعة ضل بها عن
    قصد السبيل, ثم ذكر ما اتفق له.
    قلت:وظن الإمام أبو شامة بعد نقله هذا عن أبي طاهر في كتابه«المرشد»(ص186-187)أنه ابن شنبوذ»انتهى.
    والمراد به تجويز القراءة بما يحتمله الرسم بدون التقيد بنقل،ونقط،ولا شكل!!!.وحكاية هذا الباطل تغني عن رده؛فإن القرآن كان في الصدور قبل السطور،وكلام ربنا--وقفي من صفاته الفعلية باعتبار الأفراد.
    وهذا المذهب هو قول المستشرق اليهودي إجناتس جولد تسهير،وغيره, وقد نقض هذا الباطل د.غانم قدوري برد ماتع نافع في«مجلة الحكمة»(20/133)في بحث بعنوان«أصل القراءات القرآنية بين حقائق التاريخ ودعاوى المبطلين»؛فجزاه الله خيرًا.
    وما أجمل ما قال شيخ الإسلام--في«مجموع الفتاوى»(13/ 400):
    «وَالِاعْتِمَادُ فِي نَقْلِ الْقُرْآنِ عَلَى حِفْظِ الْقُلُوبِ لَا عَلَى الْمَصَاحِفِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ( ) عَنْ النَّبِيِّ-r- أَنَّهُ قَالَ :«إنَّ رَبِّي قَالَ لِي أَنْ:
    -قُمْ فِي قُرَيْشٍ فَأَنْذِرْهُمْ .
    -فَقُلْت : أَيْ رَبِّ إذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي - أَيْ يَشْدَخُوا - .
    -فَقَالَ : إنِّي مُبْتَلِيك وَمُبْتَلٍ بِك وَمُنْزِلٌ عَلَيْك كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا ويقظانا فَابْعَثْ جُنْدًا أَبْعَثْ مِثْلَيْهِمْ وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَك مَنْ عَصَاك وَأَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْك».
    فَأَخْبَرَ أَنَّ كِتَابَهُ لَا يَحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ إلَى صَحِيفَةٍ تُغْسَلُ بِالْمَاءِ ؛ بَلْ يَقْرَؤُهُ فِي كُلِّ حَالٍ كَمَا جَاءَ فِي نَعْتِ أُمَّتِهِ:«أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ»( ). بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَا يَحْفَظُونَهُ إلَّا فِي الْكُتُبِ وَلَا يَقْرَءُونَهُ كُلَّهُ إلَّا نَظَرًا لَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي«الصَّحِيحِ»أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ-r-جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَالْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو».

المرجع

-
-

إضافة :

بحث تواتر القراءات القرآنية

نقل القراءات من الصحابة
الصحابة الذين نقل القراء العشرة قراءتهم عنهم: عثمان وعلي (من قريش) وعبد الله بن مسعود (الهذلي) وأُبَيّ بن كعب وزيد بن ثابت (من بني النجار من الخزرج) وأبو الدرداء (الخزرجي) وأبو موسى (الأشعري اليماني). قال الذهبي في معرفة القراء الكبار (1|42): «فهؤلاء الذين بلغنا أنهم حفظوا القرآن في حياة النبي
r، وأُخِذَ عنهم عرضاً، وعليهم دارت أسانيد قراءة الأئمة العشرة. وقد جمع القرآن غيرهم من الصحابة كمعاذ بن جبل وأبي زيد وسالم مولى أبي حذيفة وعبد الله بن عمر وعتبة بن عامر، ولكن لم تتصل بنا قراءتهم. فلهذا اقتصرت على هؤلاء السبعة رضي الله عنهم».
فلدينا أربع لهجات فقط:
لهجة قريش،
ولهجة الخزرج،
ولهجة هذيل،
ولهجة الأشاعرة.

قال الزركشي في "البرهان" (1|334): «قال أبو عمرو الداني في المقنع: أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ وبعث إلى كل ناحية واحداً، الكوفة والبصرة والشام وترك واحداً عنده. وقد قيل: أنه جعله سبع نسخ وزاد إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين. قال: والأول أصح وعليه الأئمة». ويقول السيوطي في "الإتقان" (1|132): «أُختُلف في عدة المصاحف التي أَرسلَ بها عثمان إلى الآفاق. المشهور أنها خمسة (!). وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسلَ عثمان أربعة مصاحف. قال أبو داود: وسمعت أبا حاتم السجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكة، والشام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدنية واحداً».

 

ولم يكتف عثمان –رضي الله عنه- بإرسال المصاحف إلى الأمصار، وإنما بعث مع كل مصحف واحداً من الصحابة أبو التابعين يقرئ من أرسل إليهم المصحف. وغالباً ما كانت قراءة هذا الصحابي توافق ما كتب به المصحف. فقيل أنه أمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري. وهذا –لو صح– يرجح الرواية التي تنص على أن النسخ كانت خمسة لا سبعة.

 

هل يشترط التواتر لكل قراءة؟

تواتر الأحرف التي تفردت بها بعض القراءات محل خلاف بين العلماء. وأما علماء السلف فلم يتعرضوا لقضية التواتر أصلاً. وهذا شيء مهم، فإذا لم ينص علماء السلف على تواتر بعض الأحرف التي شذ بها حفص، فلا يقبل من متأخر أن يدعي تواترها إلا بالدليل الصريح، وهو متعذر. وقد اختلف العلماء من بعدهم في مسألة التواتر إلى خمسة أقوال:

1.   القراءات ليست متواترة بل هي آحاد. وهو قول المعتزلة.

2.   القراءات العشر فيها المتواتر، وغيره. وهو رأي الشوكاني في "إرشاد الفحول". وهو الصواب إن شاء الله. وقد نقله ابن الجزري في "النشر" عن الأئمة.

3.   أنها متواترة فيما ليس من قبيل الأداء. وهو قول ابن الحاجب وقد تبعه بعض الأصوليين، وهو ما صححه ابن خلدون في "المقدمة".

4.   القراءات السبع متواترة عن القراء لا عن النبي r. وهو قول الزركشي في "البرهان"، وأبي شامة في "المرشد"، ونُقِلَ عن الطوفي.

5.   الخامس: القراءات العشر متواترة إِلى رسول الله r. وهو قول أكثر المتأخرين.

 

واشترط مكي بن أبي طالب (ت 437هـ) في "الإبانة عن معاني القراءات" (ص18) في وجه صحة القراءة: «أن ينقل عن الثقات إلى النبي r، ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن شائعاً، ويكون موافقاً لخط المصحف». وقال كذلك: «وإنما الأصل الذي يعتمد عليه في هذا: أن ما صح سنده، واستقام وجهه في العربية، ووافق خط المصحف، فهو من السبعة المنصوص عليها، ولو رواه سبعون ألفاً متفرقين أو مجتمعين. فهذا هو الأصل الذي بنى عليه في قبول القراءات».

 

 وهكذا نرى أن الفكر الذي كان يشيع في القرون الأربعة الأولى لا يشترط التواتر في سند القراءة المقبولة، لكن يشترط صحة السند فقط. وبهذا استدل أبو القاسم النويري (شارح الطيبة)، وعلي النوري الصفاقسي (صاحب "غيث النفع في القراءات السبع") ومن تبعهما، على أن مكياً ممن يرون "صحة السند" لا "التواتر" شرطاً في قبول القراءة. لكنه يشترط موافقة الشائع من اللغة العربية، وهذا فيه نظر.

 

إذ نجد الداني يعتبر القراءة سنة لا تخضع لمقاييس لغوية، وإنما تعتمد الأثر والرواية فحسب. فلا يردها قياس، ولا يقرّبها استعمال. فيقول: «وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة، والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر، والأصح في النقل. وإذا ثبتت الرواية لم يردّها قياس عربية، ولا فشو لغة. لأن القراءة سنة متبعة، يلزم قبولها والمصير إليها». وما أبداه الداني لا يخلو من نظر أصيل. إذ القراءة إذا كانت مشهورة صحيحة السند، فهي تفيد القطع، ولا معنى لتقييد القطع بقياس أو عربية. فالعربية إنما تصحح في ضوء القرآن، ولا يصحح القرآن في ضوء العربية. والنحويون يحتجون بأبيات شعر جاهلي يرويه أعراب مجاهيل. فما بالك بما ثبت أن الرسول r قد قرأ به؟ أما موافقة رسم المصحف العثماني (ولو احتمالاً) فهذا محل إجماع تقريباً. لأن ما خالف رسم مصحف عثمان، ليس من العرضة الأخيرة.

 

قال أبو شامة في كتابه "المرشد الوجيز": «ما شاع على ألسنة جماعة من متأخري المقرئين وغيرهم، من أن القراءات السبع متواترة. ونقول به فيما اتفقت الطرق على نقله عن القراء السبع، دون ما اختُلِفَ فيه. بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق. وذلك موجود في كتب القراءات، لا سيما كتب المغاربة والمشارقة، فبينهما تباين في مواضع كثيرة. والحاصل أنّا لا نلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء. أي بل منها المتواتر، وهو ما اختلفت السابق على نقله عنهم. وغير المتواتر، وهو ما اختلف فيه بالمعنى السابق. وهذا بظاهره يتناول ما ليس من قبيل الأداء، وما هو بقبيله».

 

قال الزركشي في "البرهان" (1|319) عن القراءات السبعة: «أما تواترها عن النبي r، ففيه نظر. فإن إسناد الأئمة السبعة بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات، وهي نقل الواحد عن الواحد، ولم تكمل شروط التواتر في استواء الطرفين والواسطة. وهذا شيء موجود في كتبهم. وقد أشار الشيخ شهاب الدين أبو شامة في كتابه "المرشد الوجيز" إلى شيء من ذلك».

 

قال الإِمام ابن الجزري في "النشر" (1|18): «كل قراءة وافقت العربية –ولو بوجه–، ووافقت أحد المصاحف العثمانية –ولو احتمالاً–، وصح سندها: فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها... هذا هو الصحيح عند الأئمة». ثم قال -رحمه الله-: «وقولنا "صح سندها": إِنما نعني به أن يروي العدل الضابط عن مثله كذا حتى تنتهي. وتكون مع ذلك مشهورة –عند أئمة هذا الشأن الضابطين له– غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ بها بعضهم. وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن، ولم يكتف فيه بصحة السند. وزعم أن القران لا يثبت إِلا بالتواتر، وأن مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن. وهذا لا يخفى ما فيه. وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف، انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم. ولقد كنت أجنح إلى هذا القول، ثم ظهر فساده».  هذا ما ذكره الإِمام في نشره، وأجمله في نظمه الموسوم بـ"طيبة النشر في القراءات العشر" حيث قال:

فكل ما وافق وجه نحوى * وكان للرسم احتمالاً يحوى

وصح إسناداً هو القران * فهذه الثلاثة الأركان

وحيثما يختل ركن أثبت * شذوذه لو أنه في السبعة

 

وقد تحرر للسيوطي مع المقارنة فيما كتبه ابن الجزري في النشر، أن القراءات أنواع:

الأول: المتواتر، وهو ما نقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب، عن مثلهم إلى منتهاه، وغالب القراءات كذلك.

الثاني: المشهور، وهو ما صح سنده، ولم يبلغ درجة التواتر، ووافق العربية والرسم واشتهر عند القراء.

الثالث: الآحاد، وهو ما صح سنده، وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر بالاشتهار المذكور، ولا يقرأ به.

الرابع: الشاذ، وهو ما لم يصح سنده.

الخامس: الموضوع.

السادس: ما زيد في القراءات على وجه التفسير.

والصواب عندي: أن الثالث والرابع والخامس نوع واحد (شاذ). وأحياناً يكون تفسيراً، وغالباً لا يكون صحيحاً.

 

قال الحافظ ابن الجزري (ت833 هـ): «ونحن ما ندعي التواتر في كل فرْدٍ مما انفرد به بعض الرواة أو اختص ببعض الطرق. لا يدّعي ذلك إلا جاهل لا يعرف ما التواتر؟ وإنما المقروء به عن القراء العشرة على قسمين: متواتر، وصحيح مستفاض متلقى بالقبول، والقطع حاصل بهما».

 

وقال الشوكاني في "إرشاد الفحول" (ص63): «وقد ادُّعِيَ تواتر كل واحدة من القراءات السبع، وهي قراءة أبي عمرو ونافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن كثير وابن عامر. وادعي أيضا تواتر القراءات العشر، وهي هذه مع قراءة يعقوب وأبي جعفر وخلف. وليس على ذلك أثارة من علم! فإن هذه القراءات كل واحدة منها منقولة نقلا آحادياً، كما يعرف ذلك من يعرف أسانيد هؤلاء القراء لقراءاتهم. وقد نقل جماعة من القراء الإجماع على أن في هذه القراءات ما هو متواتر وفيها ما هو آحاد، ولم يقل أحد منهم بتواتر كل واحدة من السبع فضلا عن العشر، وإنما هو قول قاله بعض أهل الأصول. وأهل الفن أخبر بفنهم».

 

فالذي عليه المحققون أنه لا يشترط التواتر لأنه لا دليل على اشتراطه، ولأن النبي r كان يبعث آحاد الصحابة لتعليم القرآن، وكانوا يسمعون الآية من الصحابي فيعملون بها ويقرؤون بها في صلواتهم. وكذلك لا تشترط موافقة القراءة الصحيحة الثابتة للمشهور في اللغة العربية. فقد نزل القرآن بسبعة ألسن. وليس بالضرورة أن تكون هذه الألسن السبعة كلها مشهورة عندنا. وما اشتهر عند قبيلة، قد لا يشتهر عند أخرى. والله أعلم.

تحقيق التواتر في جميع الطبقات

إن أسانيد القراءات تنقسم حالياً إلى أربعة أجزاء:

 
الجزء الأول: من المعاصرين إلى ابن الجزري. وهذا متواتر بلا شك. فأسانيد العالم الإسلامي إلى ابن الجزري اليوم بالآلاف. ولكن يظل لدينا إشكال، وهو أن ابن الجزري شخص واحد، وجميع أسانيد القراءات العشرة المتصلة بالسماع والعرض اليوم تلتقي عند ابن الجزري ثم يبدأ تفرعها من عنده أيضاً، فكيف تكون متواترة في طبقة ابن الجزري؟ وحل هذا الإشكال من وجهين:

1) أن تلاميذ ابن الجزري وهم كثيرون قد قرؤوا بالقراءات العشر على غير ابن الجزري، كما هو مدون في تراجمهم. ولو أن ابن الجزري شذ بشيء غير معروف عن غيره، لما قبلوه منه. فالإسناد –وإن اكتفي فيه تخفيفاً بذكر ابن الجزري لشهرته وإمامته وعلو سنده– إلا أنه كان معه معاصرون له كثر قرؤوا على شيوخه بما قرأ هو به. وهؤلاء المعاصرون لهم تلاميذ كثيرون تتفرع عنهم أسانيد عديدة تبلغ حد التواتر.

2) أن كتب القراءات المسندة لها أسانيد عديدة مبثوثة في الأثبات الحديثية تبلغ حد التواتر من غير طريق ابن الجزري. وهذه الأسانيد –وإن كانت بالإجازة المجردة عن السماع– إلا أنها مع انضمامها إلى الإسناد المتصل بالسماع المار بابن الجزري، تزيده قوة إلى قوته.

 
الجزء الثاني: من ابن الجزري إلى أصحاب الكتب المسندة في القراءات العشر كلها أو ست أو سبع أو ثماني قراءات منها أو أقل أو أكثر، مثل التيسير للداني والكامل للهذلي والكفاية لسبط الخياط والروضة لابن المعدل والمصباح للشهرزوري وأمثالها. وهذا القسم متواتر أيضاً على أساس أن ابن الجزري له أكثر من ألف إسناد في القراءات. وهذه الأسانيد ترجع إلى أكثر من خمسين كتابا مسندا في القراءات العشر، كل كتاب منها قرأ ابن الجزري بما تضمنه من القراءات على العشرات من شيوخه بأسانيدهم إلى مؤلفي هذه الكتب. وتفصيل ذلك موجود في كتاب النشر في القراءات العشر.

 
الجزء الثالث: من مؤلفي الكتب المسندة إلى الرواة العشرين عن القراء العشرة (كل قارئ من العشرة عنه راويان) وهذا متواتر أيضاً. لأن كتب القراءات المسندة –كما ذكرنا– أكثر من خمسين كتابا، ولكل كتاب منها عدة أسانيد إلى كل راو من الرواة العشرين، تصل هذه الأسانيد إلى حد التواتر كما يستفاد من الكتب نفسها. وقد حقق اليوم الكثير من هذه الكتب التي هي أصول النشر، ووجد لها العديد من النسخ المخطوطة النفيسة. وهذه الكتب هي الأصول التي استقى ابن الجزري منها مادته في النشر.

 
الجزء الرابع: من الرواة العشرين إلى النبي  صلى الله عليه وسلم .
وهذا الجزء: منه ما توافق فيه الرواة العشرون أو مجموعة منهم يبلغون حد التواتر، فهذا لا إشكال فيه. وأكثر القرآن –بحمد الله– لا ينفرد فيه راو، بل يوافقه غيره من الرواة العشرين عن القراء العشرة.
ومنه ما انفرد فيه راو أو عدد من الرواة لا يبلغ حد التواتر، وهو محل الإشكال...

 
فأحياناً ينفرد راو من هؤلاء الرواة العشرين بحرف، كانفراد حفص عن عاصم بقراءة قوله تعالى {سوف يؤتيهم أجورهم} (النساء: 152) بالياء، بينما الرواة التسعة عشر الباقون قرؤوا هذا الحرف بالنون {سوف نؤتيهم أجورهم}. 

أو ينفرد قارئ من العشرة بحرف، كانفراد يعقوب بضم هاء {نؤتيهم} في الآية المذكورة (النساء: 152).
أو ينفرد راو أو قارئ بأصل من الأصول، كانفراد البزي عن ابن كثير بتشديد التاءات في الفعل المضارع المحذوف إحدى التاءين تخفيفاً، نحو {وقبائل لتَّعارفوا}، {فتَّفرق بكم عن سبيله}، {ولا تَّجسسوا...} وأمثال ذلك. (والكلام السابق مأخوذ من شيخنا وليد بن إدريس وفقه الله).

 

سبب الاقتصار على السبعة قراءات

وقال مكي بن أبي طالب: كان الناس على رأس المئتين بالبصرة (200هـ) على قراءة أبي عمرو ويعقوب، وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم، وبالشام على قراءة ابن عامر، وبمكة على قراءة ابن كثير، وبالمدينة على قراءة نافع. واستمروا على ذلك. فلما كان على رأس الثلاثمئة (300هـ)، أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب. قال: والسبب في الاقتصار على السبعة –مع أن في أئمة القراء من هو أجل منهم قدراً، ومثلهم أكثر من عددهم– أن الرواة عن الأئمة كانوا كثيراً جداً. فلما تقاصرت الهمم، اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به. فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والأمانة، وطول العمر في ملازمة القراءة، والاتفاق على الأخذ عنه، فأفردوا من كل مصر إماما واحداً. ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه الأئمة غير هؤلاء من القراءات ولا القراءة به، كقراءة يعقوب وعاصم الجحدري وأبي جعفر وشيبة وغيرهم... انظر فتح الباري (9|31).

 

وهنا قد يتساءل المرء، أي القراءات أصح وأصوب؟ وهذا السؤال خطأ. ولعل الأصح قولاً: أيهما الأقوى تواتراً؟ فأقواهن تواتراً هي قراءة نافع، ثم تليها قراءة ابن عامر وقراءة ابن كثير وقراءة أبي جعفر. وهناك قراءات فيها خلاف، أعني أن بعض الناس ذمها وبخاصة قراءة حمزة وما تفرع عنها.

 

وأما ما زعمه البعض من أن انتشار قراءة حفص عن عاصم هذه الأيام دليل على أنها أصح، فليس في هذا القول أثارة من علم. ولو كان صادقاً، لكانت انتشرت قبل العثمانيين بعصور طويلة. لكن الحقيقة معروفة.

 

فقراءة حفص عن عاصم كانت قراءة نادرة لم تنتشر ولا حتى بالكوفة، وإنما أخذ أهلها قراءة عاصم عن أبي بكر. ثم لما ضنّ بها أبو بكر، اضطروا للأخذ بقراءة حمزة والكسائي رغم كراهيتهم لها، وما التفتوا لرواية حفص هذا. ثم لو نظرنا في العالم الإسلامي لوجدنا أنه خلال فترة من الزمن سادت قراءتي أبو عمرو و نافع على العالم الإسلامي. ولم يكن لقراءة حفص عن عاصم ذكر. ثم مع قدوم الاحتلال التركي تم فرض رواية حفص بالحديد والنار على العالم الإسلامي. فهل كانت تلك القراءة باطلة ثم أصبحت صحيحة؟ وهل علينا أن نقوم بعمل تصويت على أحسن قراءة والتي تفوز تكون الأصح؟!!! هذا قول فاسد.

 

الإمام الليث بن سعد كان من كبار فقهاء السلف، إلا أن تلاميذه لم يكتبوا تفسيره للقرآن أو الحديث ولا فقهه! أما ما كتبه هو فقد عمل حساده من القضاة والولاة على إخفائه كما أخفى كتبه بعض المتعصبين! وبعد وفاة الإمام الليث بأعوام جاء الإمام الشافعي إلى مصر يعيش فيها ويلتمس فقه الإمام الليث فلم يجد منه ما يريد! قال الشافعي: «ما فاتني أحد فأسفت عليه كالليث بن سعد». ونظر فيما بقي من آثاره فقال: «الليث أفقه من مالك، إلا أن قومه أضاعوه وتلاميذه لم يقوموا به». فاندثار فقه الليث وانتشار فقه مالك لا يعني أن مالك أفقه من الليث، بل العكس هو الصحيح.

 

قراءة عاصم برواية حفص ليست أفضل القراءات

 قال شيخنا وليد بن إدريس –وفقه الله– ما مختصره:

عند المقارنة بين رواية حفص عن عاصم وباقي الروايات يتبين ما يلي:

أولاً:

لا نستطيع أن نجزم بأن رواية حفص لا يفوقها أو يساويها في الفصاحة رواية أخرى، وذلك لأن فصحاء العرب الأقحاح لم يذكروا مزية لرواية حفص على غيرها من جهة الفصاحة. فالإمام أحمد بن حنبل الشيباني –وكان عربيا فصيحا– قرأ بقراءة عاصم وبقراءة أبي عمرو وبقراءة نافع.
ومع ذلك قال: «عليك بقراءة أبي عمروٍ لغة قريش وفصحاء العرب».
فالخلاصة أنه عند بعض الأئمة أن قراءة أبي عمرو أفصح من قراءة عاصم.

 

ثانياً:
من جهة الإمالات، فحفص لديه إمالة واحدة وهي {مجراها}.

وهناك قراءات ليس فيها إمالة البتة، كقراءة ابن كثير وقراءة أبي جعفر.
وقراءات فيها إمالة كلمة واحدة، كرواية قالون ليس فيها إمالة إلا في كلمة {هار} ويجوز عنده التقليل في {التوراة} ويجوز تركه. فإذا اخترت وجه عدم تقليل التوراة، لم يكن لرواية حفص مزية من جهة تساويهما في إمالة كلمة واحدة فقط في كل القرآن.
وأما الإدغامات، فمن طريق الشاطبية والدرة كل القراءات –عدا رواية السوسي عن أبي عمرو– ليس فيها إلا إدغامات صغيرة في كلمات معدودة في القرآن كله. وليس لحفص مزية. بل لو أحصيت مواضع الإدغام الصغير بدقة، قد تجد بعض القراءات أقل إدغاما من حفص.

 

ثالثاً:

من جهة قرب القراءة من قراءة الرسول r. فإن النبي r كان قرشياً حجازياً. وكتب اللغة واللهجات العربية تنص على أن لغة قريش والحجازيين فيها: إبدال الهمزات، وصلة ميم الجمع. وعلى هذا فقراءة أبي جعفر ونافع وابن كثير وأبي عمرو، أقرب إلى قراءة النبي r من رواية حفص عن عاصم. قصدت بإبدال الهمزات إبدال الهمزة الساكنة حرف مد من جنس حركة ما قبلها نحو "ياكل، مومن، بيس..." ولم أقصد مد البدل.
وكذلك التسهيل من لغة قريش، لقولهم قريش لا تهمز، وقولهم الهمز لغة نجدية.

 

رابعاً:

من جهة السهولة. لا شك أن القراءات التي فيها إبدال الهمزات أسهل. بدليل أن اللهجات العامية العربية كلها تجد فيها إبدال الهمزات. فتجدهم يقولون "ياكل، ياخذ، الراس، البير..." ولا تجدهم يقولون في العامية "يأكل، يأخذ، الرأس، البئر...". إذن قراءة أبي جعفر ونافع وابن كثير وأبي عمرو، أسهل من حفص وأقرب للغة الناس اليوم. كما أنك تجدهم يقولون "العشا، صفرا، السما..." ولا تجدهم يقولون "العشاء، صفراء، السماء...". إذن قراءة حمزة ورواية هشام، أسهل من حفص وأقرب للغة الناس اليوم.

 

خامساً:

رواية الدوري عن أبي عمرو ظلت قراءة معظم العالم الإسلامي لمدة تسعة أو عشرة قرون، ورواية حفص ظلت الغالبة خمسة قرون، والله تعالى أعلم بما سيكون. قد تتغلب عليها رواية أخرى في قرون قادمة، فذلك من الغيب الذي يعلمه الله. ولا يستطيع أحد أن يدعي علم الغيب فيدعي أنها ستظل الرواية السائدة إلى يوم القيامة. ثم إن الانتشار والانحسار لا يعني أنها أفصح ولا أنها أفضل.

 

سادساً:

لم تنفرد قراءة عاصم بثناء العلماء عليها، بل لهم ثناء كثير على غيرها، وأكثر الأئمة يفضلون غيرها عليها. وذكر الشيخ عدد من النقولات. لكني أضيف إلى أنه لم يفضل أحد من السلف قراءة حفص على قراءة أبي بكر، إلا مقولة لابن معين مع تكذيبه فيها لحفص. بل نجد عامة المتقدمين يأخذون قراءة عاصم عن أبي بكر وحده دون حفص، مع أن أبا بكر كان عسراً. حتى أن خلف اضطر أن يأخذ قراءته عن الأعشى وعن يحيى بن آدم: عن أبي بكر، رغم لقاءه بأبي بكر. ولم يلق بالاً لأن يأخذ قراءة عاصم عن حفص. وما علمنا أحداً من أئمة القراء في ذلك الزمن فضل حفصاً على أبي بكر.

 

سابعاً:

وأما أحكام تجويد حفص فيساويها أحكام تجويد شعبة. وهنا قد يقول قائل: إن رواية شعبة أسهل من رواية حفص لأن: قواعدهما التجويدية واحدة، لكن رواية شعبة أكثر اطرادا للقواعد، والمواضع التي فيها خروج عن القواعد المطردة في رواية شعبة أقل منها في رواية حفص.

مرجع


.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..