رحلتْ عن هذه الدنيا قبل أيام المرأة الفاضلة (أم فهد) حصة بنت علي بن إبراهيم البريدي، زوجة العم سليمان، حميدة السيرة نقية السريرة ومضرب المثل في الصبر على البلاء .
توفي لها ثلاثة من الولد (فهد وهند ونعيمة) و(أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد، كانوا حجاباً من النار)
وأصيبت بالضغط والسكري ثم بمرض في قلبها فخضعت لعدة عمليات جراحية، ثم أصيبت بمرض في قدمها فقرروا قطعها من مفصل الكعب، وبعدها بيومين يكتشف الأطباء سريان المرض إلى باقي قدمها فتعاد إلى غرفة العمليات فتقطع ساقها حتى الركبة ..
وأثناء وجودها في المستشفى في الرياض للمراجعة وإجراء الفحوصات والتحاليل تفجع بخبر وفاة ابنها الرابع (عبدالحكيم) ذي العشرين عاماً في حادث مروري فتحتسبه عند الله مع إخوته الثلاثة الذين سبقوه ،،
وما إن التئمت جروحها واستقر وضعها وتنفست الصعداء وعادت إلى بيتها وأولادها حتى بدأت رحلة العناء من جديد حيث أصيبت بآلام شديدة في قدمها الأخرى، فتراجع المستشفيات ويزداد ألمها حتى يقرر الأطباء قطعها لتلحق بقدمها الأخرى، يقول ابنها فهد (وكان يتردد بها إلى الرياض): لما قرروا بتر قدمها الأخرى بكيت وترددت في إخبارها وكنت أدخل وأخرج وأنا أكتم البكاء فنادتني وقالت: أدري انهم قرروا قطعها لكن اللي كاتبه الله يبي يصير والحمدلله على ماقضى وقدّر ..
فتدخل غرفة العمليات لبتر القدم، إلا أن الأطباء اكتشفوا تسمماً في الدم في باقي قدمها فيضطروا إلى قطع كامل للقدم والساق، فتستيقظ من العملية مبتورة القدمين راضية بقدر الله مطمئنة بقضائه، وكانت بعد ذلك تقول: الحمدلله أن القطع في القدمين وليس في اليدين حتى أقضي حاجتي ولا يتعورني أحد !
ومجموع ما أجري لها من العمليات ثلاث عشرة (13) عملية جراحية !
وكانت الصلاة أول مايخطر على بالها في المستشفى، فكلما استيقظت من عمليةٍ أو أفاقت من إغماءةٍ تقول: تراي ماصليت
يقول ابنها فهد: كانت توصيني قبل كل عملية: ياوليدي خلهم يغطونن زين وحرّصهم يسترونن ولايشوفون وجهي ولا شي من جسمي إلا لحاجة العملية ،،
وكانت رُغم مرضها لاتترك صوم الاثنين والخميس والأيام الفاضلة كلما سنحت لها الفرصة ومالم ينهها الأطباء عن الصيام .
عُرفتْ رحمها الله بشدة حرصها على بر الوالدين، فرغم آلامها وإعاقتها ومشقة ركوبها السيارة كانت تزور والدها وهو طريح الفراش في الأسبوع مرتين أو ثلاثاً، فيقول لها أولادها لو خففتِ من زيارته فأنت معذورة وهو يعذرك، فتقول: أبلحق بره دام معه روح ومعي روح ولاندري من يروح
فتوفيت قبله رحمها الله .
وكانت شغوفة بصلة الرحم ولمّ الشمل فكان بيتها مفتوحاً للضيوف، وبابه لايكاد يُغلق ونار مطبخها لاتكاد تُطفأ ،،
يقول العم سليمان: كانت تقول لي سامحني على التكاليف وكثرة الإنفاق من البيت والإهداء منه، فيقول: الله يقويك حنا شركاء بالأجر .
وفي الحديث (إذا أطعمَت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة، كان لها أجرُها وله مثله)
ولسان حالها:
أنفِقْ ولا تخشَ إِقلالاً فقد قُسمتْ * بين العبادِ مع الآجالِ أرزاقُ
لا ينفع البخلُ مع دنيا موليةٍ * ولا يضرُ مع الإقبال إنفاقُ
وكانت رحمها الله تسارع في الخيرات ماسنحت لها الفرصة ولاسيما الخفية منها، فكانت تسعى لتفريح الناس صغيرهم وكبيرهم، يقول ابنها محمد: قبل عشر سنوات أعطتني مبلغاً أستثمره لها، ولم تأخذ من أرباحه ريالاً واحداً وإنما خصصَتْها للصدقات وتفريج الكربات، وكانت تطلب مني التحويل والإقراض الحسن وتقول: من اقترض فلا تطالبه بالسداد، يسدد من عسره ليسره واذا ماقدر الله يحلله ويبيحه، وكثيراً ماتطلب صرف فئات 5 و 10 ريالات لتفريح من يدخل عليها من الأطفال ،،
ويقول ابنها يوسف: قبل موتها بأشهر أخرجتْ ماعندها من الذهب وقالت لابنتيها وابنة ضرتها: كل واحدة تاخذ اللي تبي، مالي حاجة بجمع الذهب .
وقلما تكون مناسبة زواج لإحدى قريباتها إلا وتشتري طقم ذهب وتهديه للعروس، وفي أيامها الأخيرة أوصت بشراء أطقم ذهب لبعض المتزوجات حديثاً، فلما اشتد مرضها كانت تقول لأولادها: وصّلتوا الهدايا للبنات؟ لاتأخرون أبيهن يفرحن قبل اموت ،،
وكان مما أوصت به زوجها وأولادها: إذا متُّ ليلة العيد أو يومه فلا تخبروا أحداً لاتكدروا عليهم فرحتهم .
وكانت رحمها الله سليمة الصدر لا تحمل في قلبها على أحد حتى إنها أوصت بشيء من إرثها لضرتها (أم أحمد) وقالت: إن تركتُ شيئاً فأعطوها مثل نصيب البنات، فهي ليست من الورثة فلا تقسموا وتحرموها .
ولما دخلتْ عليها عشر ذي الحجة صامت بعضها ثم مرضت وازداد مرضها، فرأت في المنام أمها رحمها الله جالسة في مكان أخضر فقالت لها أمها: تعالي عندي فقالت: توي باقي علي شوي، فعرفَتْ أن أجلها قد اقترب ،،
وفي اليوم الذي ماتت فيه رؤيت عدة منامات لأموات من أقاربها منهم ابنها عبدالحكيم وجدتي نورة الخضيري (أم زوجها) وغيرهم رحمهم الله لابسين ثياباً بيض وفرحين كأنهم يستعدون لاستقبالها، ورؤيت في المنام أنها رجعت ابنة سبع أو ثمان سنين ..
وكانت شغوفة بالصدقات، يقول ابنها عبدالعزيز: كانت كثيرة الصدقات لاسيما الخفية منها، وتحثني على تفقد الأقارب فكنت أعرض عليها من يحتاج فتعطيني مابيدها، ولا ترد سائلاً مهما طلب منها، حريصة على تفريج الكربات ولم نعلم بذلك إلا بعد موتها .
وفي آخر حياتها تصاب بفشل كلوي فيعجز جسمها النحيل المنهك على تحمل المزيد من الأوجاع والآلام، فتفيض روحها الطاهرة وتلحق بالرفيق الأعلى في الرابع عشر من ذي الحجة لعام 1443
سألتُ عمي عن سيرتها معه فقال: منذ تزوجتها قبل خمس وأربعين سنة لا أذكر أنها أغضبتني يوماً من الأيام ولا نكدت علي ولا تكدرتُ منها، ولا أذكر أنها تعدت عتبة هذا الباب إلا وتستأذن مني، وماخدم والديّ وقام بهما سواها، وكانت تقوم بتمريضهما والعناية بهما والسهر عليهما حتى ماتا في بيتها رحمهما الله
وحين فُرغ من دفنها وقف عمي على شفير قبرها وقال: اللهم إني راضٍ عنها فارض عنها، اللهم إني راضٍ عنها فارض عنها، اللهم إني راضٍ عنها فارض عنها ،،
وكانت في حياتِك لي عِظاتٌ
وأنت اليومَ أوعَظُ منك حَيّا
اللهم اغفر لأم فهد وارفع درجتها في المهديين، واخلفها في عقبها في الغابرين، واغفر لنا ولها يا رب العالمين، وافسح لها في قبرها، ونور لها فيه ،،
كتبه :محمد بن صالح المشيطي
يوم الجمعة 23 ذو الحجة 1443
في مدينة بريدة ،،
يوم الجمعة 23 ذو الحجة 1443
في مدينة بريدة ،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..