وإصلاحُ الأمة في هذه الجوانب من التوحيد سينتج عنه حتما إصلاحها في الإيمان ،وإصلاحها في الأخلاق والآداب والمعارف .
كما سينتج عنه إصلاحها سياسياً ،إنفاذاً لوعد الله تعالى باستخلاف المؤمنين في الأرض إذا آمنوا وعملوا الصالحات وقاموا بتوحيد خالقهم ، كما تنص عليه الآية ٥٥ من سورة النور.
ويرى وَفَّقَه الله ما يراه السلف من أن الرخاء والنمو الاقتصادي يوفق الله إليه بتمامه وأحسن أحواله بإقامة كتاب الله تعالى وسنة رسوله كما تنص على ذلك الآية ٦٦ من سورة المائدة ﴿ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون﴾ .
وليس أضر بالأمة ولا بالعلم والعلماء وأكثر تأخيراً للإصلاح من انشغال العالم والداعية بمناكفة الحكام وتحريض الرعية عليهم ، وتزهيد الناس في لزوم الطاعة والجماعة، عن إصلاح الأمة بما أمره الله تعالى من نشر الإيمان والعلم.
كان هذا هو فكر الشيخ عثمان الخميس من حين كان يَثْنِي ركبتيه عند الشيخين ابن باز وابن عثيمين قبل قرابة الأربعين عاماً وحتى يومنا هذا لم تغيره الأحداث ولم تلتقطه كلاليب الفتن التي ألمت ببلاده وبلادنا وبلاد المسلمين .
ولذلك ظل نهجه مباينا لنهج الإخوان المسلمين ومن سار مسارهم في إيثار العمل السياسي على الانشغال بالدعوة المحضة الخالصة لوجه الله تعالى ، كما لم يُشَارك في تطلب العمل البرلماني مع أنه متاح له في بلده ، ولو تَطَلَّبه لناله لِما له من محبةٍ وقبول وثقة في قلوب الناس ، كما أنَّ له في ذلك لو أراده مندوحة ودليل شرعي ، وهو المشاركة في الإصلاح وسد ذرائع الفساد ؛ لكنه بقي على المبدأ الأول ، وهو جعل الدعوة إلى الله تعالى والعمل في نشر العلم صافياً من أهواء الدنيا خالصاً للآخرة .
ولم تستهوه الاعتصامات والمسيرات التي يتيحها نظام بلاده لعلمه أنها صورة من صور الخروج على الطاعة وشق عصا الجماعة ، ثم لمَّا ابْتُلِي العالمُ العربي بما يُعرَف بالثورات لم يكن معها ولا مدافعا عنها ، بل كان من أبرز من بَيَّن بطلان الأحاديث التي يَحتج بها دعاةُ الثورات كروايتهم عن سلمان رضي الله عنه أنه قال لعمر رضي الله عنه “لاسمع لك ولا طاعة” وكروايتهم عن الصحابة أنهم قالوا لأبي بكر”لو رأينا منك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا” فبين أنها باطلة لم يقلها سلمان ولا الصحابة ،وظل آمراً بالسمع والطاعة في غير معصية الله لمن ولاه الله الأمر في كل بلاد المسلمين، والصبرِ على جور الحكام متى وُجِد، شارحا حديث (اسمع وأطع وإن جلد ظهرك وأخذ مالك ) بمعناه الذي تُرْشد إليه اللغة وفهم السلف ، لا بمعناه الذي يتأوله عليه خوارج العصر ؛ وإنما طَلَبُ إصلاحِ الحال من الله تعالى بإصلاح النفس أولا.
وكان حفظه الله من أوائل من اشتغل بصد الحملة الصفوية الإيرانية الهادفة إلى تشييع أهل السنة أو تمييع الفروق بين السنة والشيعة ضمن برنامج إيران لتصدير الثورة الصفوية ، وكان ما قام به أحدُ أسباب الوعي الفكري في مواجهة المخطط الصفوي .
وكان مجهوده الضخم في ذلك من أسباب ما استقر من محبته في قلوب الكثيرين ، فإنه لم يحصل على جماهيريته نتيجة فكرِ ثوري أو حِراك سياسي أو رياسة في تنظيم، كما هو شأن الكثيرين ممن حَصَّلُوا جماهيريتهم نتيجة ذلك ؛ بل هو مثل الشيخين ابن باز وابن عثيمين اللذين اجتمعت القلوب عليهما نتاج شفقتهما بالناس وإخلاصهما في نشر العلم والعقيدة الصحيحة وصرف جميع أوقاتهما لذلك وأمرِهما بالسكينة والصبر والسمع والطاعة في المنشط والمكره ، وعَرَفَ الناسُ متأخرين للأسف نتيجةَ الانحراف عن هذا المنهج النبوي .
فكانت جماهيرية الشيخ نتيجة ذلك فهو يبذل جُلَّ وقته في إعطاء الدروس وتسجيلها ونشرها، متضمنة منهج السلف في العقيدة والفقه والحديث وحقوق الحكام والمحكومين برؤية سلفية مبنية على الكتاب والسنة.
وقد زار الشيخُ في الأسبوعين الماضيين بلده الثاني وموطن شيوخه وزملائه في الطلب،ومعاهدِه التي تعلم فيها،المملكة العربية السعودية، فاستقبله من رآه من أهلها بما يليق بعلمه وفكره ، وما يليق بأدبه مع البلاد وحكامها ، حيث لم يُعهد إليه إساءة لبلادنا ولا لولاة أمرها ، في وقت كثر فيه المتنكرون لها حتى ممن كان لها فضل عليهم ، فكم من داعية تَخَرَّجَ في جامعاتها ، واستضافته في إعلامها وفي مؤتمراتها وحملات حجها ، فلما اختلفت الدولة السعودية مع مواقف أحزابه تنكر لها وقلب لها ظهر المجن ، ولم يكن الشيخ عثمان الخميس من هؤلاء وحاشاه ، فقد عَلَّمَه منهج السلف الوفاء وحسن العهد وذكر أهل الفضل بفضلهم ،وحفظ مقام الحكام عن استباحة أعراضهم بالألسنة ، لِمَا في ذلك من التجرئة عليهم وفتح باب الفتن في ديارهم.
ومع كل ذلك فإن قِلَّة ممن لا يعرفون فضل ذوي الفضل ، ولا حق الضيف من الإكرام والتبجيل ، ممن يرتادون مواقع التواصل الاجتماعي أساءوا إليه وهو لَمَّا يزل بين أظهرنا لم يبارحنا ، فسلقوه بألسنة غلاظ حداد ، ولم ينتظروا مزايلته البلاد ، وهؤلاء نموذج نادر غير معبر عن حقائق السعوديين ، الذين يأنفون من إهانة الضيف وإن كان جانياً حاقداً ، فكيف بضيف مثل الشيخ عثمان مصلح محب.
ولم أر لهم على الشيخ ما يعيبونه به إلا أن الناس التفُّوا عليه وأحاطوا به ، وهو أمر لم يطلبه الشيخ وإنما عَبَّرَ البعضُ بذلك عن محبتهم له ، وَحَقَّاً إن مثل هذا الالتفاف مما ينبغي للعامة ولطلبة العلم أن يصونوا العلماء عنه ، لكنهم هكذا فعلوا مع الشيخ ، وهكذا كانوا ولازالوا يفعلون مع من بحبونهم .
وإن مما يُسعد العاقل أن يلتف العامة والطلاب محبةً لعالم يدعو إلى السمع والطاعة وإلى التمسك بالجماعة ويفتي وفق منهج السلف في أصول الدين وفروعه ، وقد كنا نراهم يلتفون حول دعاة الثورات والتأليب على الأمراء والدعوة إلى الفتنة الصماء ، فإذا رأيناهم يجتمعون إلى مَن شأنه شأن الشيخ عثمان فهذا دليل تعافٍ للمجتمع من فكر يُرَمِّز المؤلبين والمحرضين ، فعلام نغضب!
نعم نحن نعلم أن شاريل بينارد في تقريرها الذي قدمته لمؤسسة راند وتدعو فيه إلى أمركة المجتمعات الإسلامية ، أقول : إن هذه المرأة دعت في برنامجها ذلك إلى إسقاط الرموز والحيلولة دون ترميز العلماء والدعاة ، فإن كان هؤلاء جهلاً يعملون وفق تقرير هذه المرأة ، فليعلموا أنها لم تدعهم إلى خير ، فإن إسقاط رمزية من يدعون لتوحيد الله وحسن عبادته وللسمع والطاعة والجماعة مسمار يُدَق في جدار الأوطان وإفراغ للساحة لدعاة الضلالة والفتنة ، أعاذنا الله منها .
مرحباً بالشيخ عثمان الخميس في بلده الثاني وأهلا ، ومرحباً وأهلاً بكل محب للسعودية داعياً لولاة أمرها ،حاثاً لشعبها على ما حثهم الله تعالى عليه حين قال : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )
وهذا رابطه في موقعه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..