الخميس، 21 مارس 2024

في كم يُتلى القُرآن؟

العالم النحوي الأديب أ.د محمود الطَنَاحي يتحدّث عن القرآن في رمضان حديثاً ملؤه الجمال والجلال
قال الطَنَاحي -رحمه الله- في مقالةٍ طويلة له بعنوان: في كم يُتلى القُرآن:
ويأتي رمضان كل عام مذكّراً بهذا النور المبين، فقد نزل القرآن الكريم في ليلة مباركة منه، والمسلم وإن كان مأموراً بقراءة القرآن في كل وقت وحين، فإنه يجد لذة وأنساً حين يقرؤه في رمضان لا يجدهما في وقت آخر.
ونعم، إن القرآن يطيب به الفم ويزكو به العمل في كل آن، ولكن الله جعل لبعض الأيام ولبعض المواضع خصوصية ليست لغيرهما.
ولقد حفظتُ القرآن صغيراً، واشتغلت بعلومه كبيراً، وقرأته على فحول شيوخه واستمعته من كبار مقرئيه، ولا زلت مغموراً بنوره وضيائه، فهو معي في مغداي ومراحي، وفي حِلِّي وترحالي والحمد لله، ولكن حلاوته تعظم في فمي، ونغمه يعذب في سمعي حين أقرؤه في رمضان، وفي الحرمين الشريفين وكم كان قلبي يخشع وكياني يهتز، ودموعي تجري حين أقرأ -وأنا في الروضة الشريفة- تلك الآيات التي تخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم وتناديه، فأقرأ وأتمثل وأستحضر وأنا في كرم الجوار، فأي جلال وأي جمال؟
وما دخلت المسجد النبوي مرةً إلا وقرأت سورة النساء، لأستحضر تلك الصورة الغالية الخاشعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مسعود يقرأ عليه سورة النساء وذلك ما رواه البخاري ومسلم عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «اقرأ عليَّ القرآن» قلت: يا رسول الله، أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «نعم» فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} قال: «حسبك الآن» فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان.
وهكذا تكون معرفة التفسير وأسباب النزول معينة على فهم القرآن وتدبره، فإذا انضم إلى ذلك معرفة غريبه ووجوه قراءاته ونحوه وإعرابه ومعانيه، كان ذلك أعون على معرفة أسراره والوقوف على دقائقه، ثم التلذذ بتلاوته، واستصغار لذائذ الدنيا كلها بجوار آية واحدة من آياته يتلوها المؤمن مستجمعاً لها فكره مخلياً لها قلبه، ولذلك يقول أحمد بن أبي الحوارى المتوفى سنة 230هـ: «إني لأقرأ القرآن فأنظر في آية فيحار عقلي فيها، وأعجب من حُفَّاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الرحمن؟ أما لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحاً بما رُزقوا»...الخ المقالة.

** من كتاب: مقالات الأستاذ الدكتور محمود محمد الطناحي رحمه الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..