الأربعاء، 27 أغسطس 2025

💢 المحاماة: توازن القوى في النظام القضائي!

      في دهاليز المحاكم، حيث تتصارع الوقائع والاتهامات، يقف المحامي شامخًا حاملًا راية الحق.
 قد يراه البعض مدافعًا عن "قاتل" أو "سارق"، غير أن الواقع أعمق من هذه التسميات السطحية؛ فليس كل من وُصف بأنه قاتلٌ هو قاتل فعلًا، ولا كل من نُعت بالسارق قد ارتكب سرقة.
 فخلف كل تهمةٍ قصةٌ تستحق أن تُروى بإنصاف، وتُقرأ بوعي، ويُرجّح فيها كفّة الدليل على كفّة الظن، والحقيقة على ظاهر الادعاء، فلا إدانة بلا بيّنة قاطعة، ولا حُكم بلا حجةٍ واضحة.

عندما يتسلّم المحامي ملف المتهم، يبدأ برحلة التمحيص؛ لا يبحث عن مخرجٍ سهل، أو براءةٍ زائفة، بل يفتّش عن الحقيقة من جذورها. يُفكك الأدلة، ويواجه كل شاهدٍ وسؤالٍ بحياد تام. لا يهمه "من هو" المتهم، بل "ما الذي جرى فعلًا". وقد يكتشف أثناء دراسته للملف ثغرات إجرائية، أو شُبهات تستوجب إعادة النظر، أو أدلة لم تُعرض، أو شهادة حُجبت، أو إجراءات باطلة.

وحتى حين تتجلى له الحقائقُ بوضوح، لا يسعى المحامي لتلميع وجه مذنب، بل يحرص على أن يُحاسَب موكله بميزانٍ عادل. فليس دوره أن يطلب العقاب الأقصى، ولا أن يمنح الرحمة لمن لا يستحقها؛ بل أن يضمن عقوبةً متناسبة مع الجُرم، بعيدة عن التضخيم أو التشدد غير المبرر.

وللمحاماة في جوهرها بعدٌ إنسانيٌ نبيل؛ فهي دفاعٌ عن كرامة الإنسان قبل أي اعتبار، وتأكيدٌ على أن لكل فرد – حتى وإن أخطأ – الحق في من يفهم قصته، ويُدافع عنه بإخلاص أمام القضاء. لقد سمّتها الشريعة الإسلامية: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"، وفي أصول الفقه: "الأصل براءة الذمة"، وفي قواعد العدالة الحديثة: "الإنسان بريء حتى تثبت إدانته"، و"لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص."

في هذه المعاني تتجلى رسالة المحاماة الحقيقية:
ليست دفاعًا عن الجريمة، بل سعيًا حثيثًا نحو تنقية الحق وإظهاره، وحماية كرامة الإنسان، وترسيخ مبادئ العدالة الصافية؛ ليُحاكم الجاني بما يُعادل الجُرم، دون ظلمٍ أو تعسف ولئلا تُدان نفسٌ لم تثبت إدانتها، فالأصل في الإنسان البراءة، والإدانة لا تُبنى إلا على بيّنة ويقين .
💢 كتبه: مازن المليح .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..