يُعَد الفساد الإداري من أخطر التحديات التي تواجه الدول والمجتمعات، فهو لا يقتصر على مجرد اختلاس مالي أو إساءة استخدام السلطة، بل يمتد ليضرب في صميم العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص. ومن أبرز سبل مواجهته هو تجفيف منابعه، أي القضاء على الجذور التي يتغذى منها قبل أن يتحول إلى ظاهرة متفشية يصعب علاجها.
فالفساد – في كثير من صوره – ليس مجرد سلوك فردي عابر، بل يرتبط أحيانًا بفكر جماعي أو تيار منغلق أو حزب أو جماعة، يتخذ من الانتماء والولاء مرجعيةً بديلة عن الكفاءة والنزاهة. هذه الجماعات عندما تُمنح الفرصة للتغلغل في مواقع صنع القرار، فإنها لا تتعامل بمنطق المصلحة العامة، بل تعمل على إقصاء المبدعين وتهميش الكفاءات، لتفتح الطريق أمام عناصرها وحدهم وتضمن سيطرتهم المطلقة على الموارد والمناصب.
إن خطورة هذا النهج تكمن في أنه يُفرغ المؤسسات من مضمونها، فيتحول معيار التعيين والترقية من الكفاءة والأمانة إلى الولاء والانتماء، وهو ما يؤدي إلى شلل إداري وفقدان ثقة المجتمع بالدولة. بل قد يصل الأمر إلى محاربة كل عقل حر أو مبادرة إصلاحية، فقط لأنها لا تنسجم مع فكر الجماعة أو لا تنتمي إلى دائرتها الضيقة.
ومن هنا، فإن تجفيف منابع الفساد يبدأ بخطوة أساسية:
منع أي جماعة أو تيار من السيطرة على القرار العام، وإبعادهم عن مواقع النفوذ التي تسمح لهم بالتحكم في الموارد .
تعزيز مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص، بحيث يكون معيار التعيين والتمكين هو الكفاءة المهنية والأمانة المجتمعية لا غير.
تفعيل الرقابة المستقلة والأنظمة الرادعة التي تمنع تكوين "عصبية إدارية" تتحكم في مقدرات الدولة.
إن مواجهة الفساد ليست مجرد شعارات، بل هي مسؤولية مؤسسية ومجتمعية، تتطلب وعيًا بأن الخطر الحقيقي ليس في الموظف الذي يسيء استخدام منصبه فقط، بل في تلك الجماعات أو الأفكار التي تجعل الفساد منهجًا منظّمًا، تُقصي به الكفاءات وتحتكر به القرارات.
وبقدر ما ننجح في تجفيف هذه المنابع، بقدر ما نؤسس لمستقبل مؤسساتي يقوم على العدل، والكفاءة، والمصلحة العامة فوق كل اعتبار.
💢كتبه/ مازن المليح .
الأثنين 23 3 1447هـ
15 9 2025

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..