فحين يستغل الجاني فقر الضحية، أو صغر سنه، أو عجزه، فإنه لا يعتدي فقط على القانون، بل ينتهك أبسط القيم الإنسانية. ولهذا اعتبر المشرّع والقضاء في مختلف الأنظمة القانونية أن "استغلال الضعف" ظرف مشدد يستوجب تشديد العقوبة.
أولاً: الحكم الفرنسي – حكم محكمة النقض 2018 الجنائية غير المنشور .
في 3 مايو 2018، أصدرت محكمة النقض الفرنسية (الغرفة الجنائية) حكمًا بارزًا في قضية اتجار بالمخدرات (الطعن رقم 17-83.259).
المتهم أعاد ارتكاب جريمة مخدرات بعد إدانة سابقة.
استغل حالة ضعف ضحاياه لتحقيق أرباح مالية.
محكمة الاستئناف شددت العقوبة إلى سنتين سجنًا، وأكدت النقض الحكم.
حكم محكمة النقض غير المنشور .
مبدأ قضائي: استغلال حالة الضعف ظرف مشدد يبرر رفع العقوبة، والعود يزيد من خطورة الفعل.
ثانيًا: فلسفة الظرف المشدد
الهدف من تشديد العقوبة في هذه الحالات:
حماية الفئات الهشة: مثل الأطفال، النساء، المرضى، ذوي الإعاقة.
تعزيز الردع: لأن الاستغلال يكشف خطورة نفسية للجاني تستحق عقوبة أعلى.
العدالة الجنائية:
العقوبة يجب أن تتناسب مع خطورة الفعل، وظروف ارتكابه، وآثاره الاجتماعية.
ثالثًا: في النظام السعودي معلل.
القوانين السعودية أخذت بهذا الاتجاه بشكل واضح، ومنها:
نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص (مادة 2): يعد استغلال حالة الضعف من صور الاتجار.
نظام حماية الطفل:
حسب المادة (23) مكرر ، يجرم أي استغلال لضعف القاصر ويعتبره ظرفًا مشددًا.
نظام مكافحة التحرش:
يشدد العقوبة بالمادة (6) فقرة (2)إذا كان المجني عليه في وضع لا يستطيع معه مقاومة الفعل وفي حالات الضعف .
رابعًا: في القانون المصري،
برز مفهوم استغلال حالة الضعف كأداة مشدِّدة للمسؤولية الجنائية: فنص قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010 في مادته الثانية على أن استغلال الضعف أو الحاجة يُعد وسيلة لقيام الجريمة، ثم شدّد في مادته السادسة العقوبة إلى السجن المؤبد والغرامة إذا ارتُكبت في ظروف خاصة كأن تقع ضد طفل أو من ذي سلطة.
وفي تعديل قانون العقوبات 2020 أدرج المشرّع هذا المفهوم ضمن تعريف جريمة التنمّر (المادة 309 مكرر ب) معتبرًا أن استغلال ضعف المجني عليه جزء من الركن المكوّن للجريمة ذاتها. وأخيرًا، أضاف القانون رقم 185 لسنة 2023 ظروفًا مشددة جديدة، مثل ارتكاب الجريمة في مكان العمل أو وسائل النقل أو من صاحب سلطة، مع مضاعفة العقوبة عند اجتماع أكثر من ظرف .
خامساً: مقارنة تشريعية،،،
القاسم المشترك: استغلال الضعف جريمة مضاعفة لأنها تضرب العدالة والإنسانية في العمق.
إن استغلال حالة الضعف ليس مجرد سلوك إجرامي، بل خيانة للقيم الإنسانية قبل أن يكون مخالفة للنظام. من هنا جاء تعامل القضاء الفرنسي والأنظمة العربية، ومنها السعودي، والمصري ،معه كظرف مشدد يغلّظ العقوبة ويجعلها أكثر ردعًا.
ويبقى المبدأ: كلما زاد ضعف الضحية، زادت جسامة المسؤولية على الجاني.
💢كتبه/ مازن المليح .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..