💢رحلة التعلم : استثمار العمر لا إهداره !!!

      يخرج علينا من حين لآخر من يردد أن سنوات الدراسة الطويلة مجرد هدر للأعمار وضياع للأوقات، وأن الإنسان قادر على تحصيل المعلومة متى شاء وأينما شاء من خلال الشبكات والوسائل الحديثة! وهذا قول فاسد جملة وتفصيلًا، لأن التعليم ليس معلومة عابرة تُلتقط، ولا شهادة تُعلَّق، بل هو مسار متدرج ورحلة تراكمية تُبنى فيها العقول وتُهذّب فيها المدارك ويُصاغ فيها الفكر بعمق ونضج.

صحيح أن المناهج قد يعتريها قصور، وصحيح أن التقنية فتحت أبوابًا واسعة للتعلم، لكن لا شيء يوازي قيمة التعليم النظامي. فالمدارس والجامعات ليست جدرانًا وأسوارًا، بل هي مؤسسات منظمة لتقنين المعرفة، تسلّمك المعلومة متدرجة مترابطة، فلا تتيه وسط زخم الفوضى الرقمية، ولا تغرق في عشوائية المصادر.

أما التعلم الحر عبر الإنترنت أو وسائل التواصل، فهو مكمل لا بديل، لأنه يمنحك معلومة آنية وسريعة، لكنه لا يغرس فيك عمق الفهم، ولا الانضباط، ولا مهارة النقد والتحليل التي تصنعها سنوات الدراسة والخبرة المباشرة مع المعلم.

وقديمًا قيل: "من كان شيخه الكتاب كان خطؤه أكثر من صوابه، ومن كان شيخه الشيخ كان صوابه أكثر من خطئه." فالعلم ليس قراءة مجردة، ولا حفظًا بلا تدبر، إنما هو سماع وشرح وتدرج، ثم تعمّق وتدقيق حتى يستوي العلم في عقل صاحبه. ولهذا نجد أن من درسوا حضوريًا وتلقوا العلم من أفواه الأساتذة، أقوى فهمًا وأعمق وعيًا ممن اكتفوا بالشهادات عن بُعد دون معايشة ولا تدرج.

فالعلم لا يُنال بالاختصار ولا بالسطحية، بل بالجلوس، والمراجعة، والمناقشة، والمثابرة؛ وهو أشبه بزرع يحتاج حرثًا وسقيا ورعاية حتى يثمر، لا كبذرة تُلقى في أرض جدباء فيموت أثرها سريعًا.

إن الذي يزعم أن التعليم النظامي "عقيم" أو "غير مثمر" كمن يظن أن البنيان يقوم بلا أساس، أو أن الثمرة تُقطف بلا شجرة، أو أن النور يؤخذ من ومضة شاشة لا من مشكاة عالِم.

فالعلم نور، والنور لا يُستمد من ومضات الشاشات ولا من قصاصات الكلام، بل يُؤخذ من مجالس العلماء ومدارج التعلم، حيث يُصاغ العقل على مهل، وتُبنى الشخصية على يقين.

💢كتبه/مازن المليح .